السبت، 9 يوليو 2011

بالقاسم الجارد العَبِيدي : شهيد ذات الرمال والرجال، مصراتة: "سي علي عطية الله حدوث العُبَيدي"




"إن العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا سي علي لمحزونون".

لقد كان لمصرع شهيد الثورة وأسدها كما أحب ان اطلق عليه، العقيد ركن طيار علي عطية الله حدوث لعبيدي وقع كبير على نفسي. فهذا الصنديد الذي اعترض من أول يوم على المذابح التي ارتكبها ولا زال يرتكبها المجرم وابنائه وحاشيته الهارب من العدالة معمر القذافي في حق الشعب الليبي المسكين. فقد أعلنها وهو في مقر عمله في قاعدة معيتيقة الجوية بطرابلس فاعتقل لبعض الوقت اثر ذلك. لم يثنه هذا ولم يغير فيه شيء فأبى الا ان يكون حرا طليقا كالصقور في السماء ولم يرضى بأن يقعد مع القاعدين، ولم يهتم لمسألة الحياة أوالموت، "وما قيمت الحياة اذا كانت ستشترى بالذل". نعم قرر اللحاق بالثوار وصدق نفسه وربه فإذا الله ييسر له طريق النجاة الى مصراتة و يا لها من نجاة!!! نعم قرر النجاة فأنجاه الله وهذا درس لكل متخاذل ان الموت قدر محتوم فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول "واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك , واعلم أن النصر مع الصبر , وأن الفرج مع الكرب , وأن مع العسر يسراً ". 15 عشر يوما قضاها متخفيا عن اعين الأعداء تكبد فيهن عناء الجوع والعطش والمشقة، كل هذا من أجل ماذا؟ هل من أجل دنيا يصيبها؟ لا طبعا بل من أجل الكرامة من أجل العزة من أجل أهله وشعبه ووطنه. تكبد العناء من أجل ان ينحاز لأهله وان يقول لسلطان جائر "لا". مستلهما قول الشاعر:

خرجنا من السجن شمّ الأنوف  ***   كما تخرج الأسد من غابها

نمر على شفرات السيوف   ***  ونأتي المنية من بابها

ونأبى الحياة اذا دنست  ***  بعسف الطغاة وإرهابها

ونحتقر الحادثات الكبار  ***  اذا اعترضتنا بأتعابها

ونعلم أن القضا واقع  ***  وأن الأمور بأسبابها

ستعلم أمتنا أننا   ***   ركبنا الخطوب حناناً بها

فإن نحن فزنا فيا طالما   ***   تذل الصعاب لطلابها

وإن نلق حتفاً فيا حبذا  *** ا  لمنايا.. تجيء لخطابها

أنفنا الاقامة في أمةٍ   ***   تداس بأقدام أربابها

وسرنا لنفلت من خزيها   ***   كراماً، ونخلص من عابها

وكم حية تنطوي حولنا  ***  فننسلّ من بين أنيابها



رأينا العديد من الضباط الليبيون كبارا وصغارا ينشقون عن منظومة القذافي فإذا بهم يختارون روما وتونس وجهتا لهم فاستقبلتهم الإذاعات والوكالات لتصنع منهم أبطالا في الوقت الذي اختار هذا البطل الشهيد وجهته الصحيحة ألا وهي مصراتة التي كانت هي بؤرة النار في تلك الأيام المريرة. وللأسف لم نرى اذاعة واحدة تلتقيه أو تشير اليه وهو صاحب الرتبة الكبيرة والقصة المثيرة. لم يصنع من نفسه بطلا تلفزيونيا لمجرد أنه انشق عن القذافي بل سطر تاريخا بطوليا واختاره الله في الشهداء وشرفه بميتة تليق به وبأمثاله. لم يصنع من نفسه بطلا في الإذاعات والتلفزة بل اختار ان يكون بطلا في ساحات الوغى ليدافع عن العرض والأرض. لم يثنه عن ذلك لا كبر سنه ولا وضعه الصحي الذي يبدوا للعيان ولا بعده عن أهله، بل استلم سلاحه وشارك ابنائه واخوانه في مصراتة الأبية العصية كفاحهم المسلح فأصيب في المعارك ورأيناه وهو طريح الفراش في مصراتة يحمل يده جراء الإصابة. ولم يثنه هذا ايضا فلم يطلب الذهاب للعلاج في تركيا ولا حتى في بنغازي التي تحمل اليها السفن كل يوم جرحى وثكلى. بل رأيناه يعود لساحات القتال بعد مثوله للشفاء فقلت فيه:

رأيناك ناصحا واعضا مؤيدا *** ورأيناك خطيبا صادقا مؤزرا *** ورأيناك جريحا طريحا في الفراش مكبلا*** ثم رأيناك في الوغى شهيدا بالدماء مضرجا.

لله درك ياسي علي، فلم نره يلبس النياشين ولا الرتب ولا واقيات الرصاص ولا حتى اللباس العسكري التقليدي في كل ضهوره بل رأيناه يرتدي الملابس البسيطة مثله مثل رفاقه في الجبهة على بساطتهم لعله لا يريد ان يقي نفسه من الرصاص بل فضل الشهادة والموت في سبيلها، كيف لا وهو صاحب القول المشهور "نحن لا نشتري الحرية بالمال نحن نشتريها بالدم" والذي أتمنى أن يكون شعارنا لهذه الثورة بدلا من شعار عمر المختار ليصبح لدينا شعارا لكل مرحلة تاريخية مشرفة من تاريخ هذه الأمة. لم يغادر سي علي مصراتة حتى بعد ان تيسرت له سبل العودة الى أهله في شرق ليبيا، فقد كان بإمكانه ان يعود الى بنغازي وان يلبس زيه العسكري المليء بالرتب والنياشين التي استحقها وان يجلس على المنصات وان يلتقي بالإذاعات وان ينظر وحينها يكون له الحق في ذلك لأن مجرد انشقاقه عن منظومة القذافي وتكبده عناء الهروب من جحيم طرابلس الى مصراته لهو بطولة في حد ذاتها يذكرها له التاريخ، ولكنه فضل البقاء في مصراتة وفضل ساحات الوغى على ساحات الإذاعات وفضل الموت شهيدا على ان يحي وهو يسمع كل يوم عن طفل يموت وامرأة تغتصب وشيخ يهان. لله درك ياسي علي لقد سمعنا كلماتك الرنانة المؤثرة والحماسية بصوتك السجي المجلجل ولقد رأينا أفعالك المشرفة في ساحات القتال وانت تحمل بندقيتك بيدك ونعشك على كتفك ولقد رأينا غبار المعارك على جبينك والإيمان في قلبك وقرأنا النصر في عينيك. لله درك ياسي علي فوالله ما رأيت زاهدا في هذه الأيام مثلك فاختارك الله وشرفك بمرتبة الشهداء. لله درك ياسي علي فقد رأيناك كالأب الحنون وسط ثوار مصراتة البواسل الذين هم من أعمار أبنائك يستلهمون منك أسمى معاني التضحيات. اني والله لا أجد الكلمات التي استطيع ان اصفك بها واني لم أرى نفسي عاجزا عن التعبير كما انا اليوم ولكن عزائي اني سوف لن أوفيك حقك مهما كتبت ولكن أبت نفسي الا ان اكون أول الشاهدين لك في هذه الدنيا، وجمعني الله  واياك وجميع شهداء ليبيا في الآخرة وحشرنا مع الشهداء والأبرار.

وأختم كما بدأت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا سي علي لمحزونون، وان لله وان اليه راجعون". 

وأرثي الشهيد بقصيدة للأستاذ عبدالعزيز الرنتيسي في رثاء عياش يحي مع قليل من التصرف في الأبيات استأذنه فيها:

عليٌ حيٌ لا تقل علي ماتْ
                                        أو هل يجف النيل أو نهر الفرات

عليٌ يحيا في القلوب مجدداً
                                        فيها دماء الثأر تعصف بالطغاةْ

عليٌ ملحمة ستذكر نظمها
                                        أجيال أمتنا كأغلى الذكرياتْ

عليٌ مدرسة تشع حضارةً
                                        عليٌ جامعة البطولة والثباتْ

اليوم يا عليٌ ستنهض أمةٌ
                                        وتثور تنفض عن كواهلها السباتْ

ونعيد ماضينا ويهتف جندنا
                                النصر للإسلام بالقسام آتْ

عبدت درباً للشهادة واسعاً
                                ورسمت من آي الكتاب له سماتْ

وغرست أجساد الرجال قنابلاً
                                وكتبت من دمك الرعيف لنا عظات

يا ذا المسجى في التراب رفاته
                                من لي بمثلك صانعاً للمعجزات؟

أنعم بقبرٍ قد تعطر جوفه
                                إذ ضم في أحشائه ذاك الرفاتْ

آن الأوان عليٌ لراحة
                                في صحبة المختار والغر الدعاةْ

أبشرْ فإن جهادنا متواصلٌ
                                إنْ غاب مقدامٌ ستخلفه مئاتْ



بالقاسم الجارد العَبِيدي

شفيلد – بريطانيا

(9/7/2011 ، 8 شعبان 1432)

هناك 3 تعليقات:

  1. الحمد الله يا والدي ,الي رب رحيم لا يظلم عنده احدا
    كيف نبكي والله اكرمنا بشهادتك, نام قرير العين


    سهيل علي عطية الله حدوث العبيدي

    ردحذف
  2. بارك الله فيك يااخي ورحم الله الشهيد
    والله ان الشهيد علي العبيدي فخر ومجد لليبيا والليبيين

    ردحذف