الخميس، 2 يونيو 2011

ترجمة خالد محمد جهيمة : ليبيا, حرب الأيام المئة



سالت أفريك SaltAfrique
رومان ريجكا     Roman Rijka
ترجمة : خالد محمد جهيمة   Jhima Kaled
قرارات متأخرة, ضعف في الوسائل التي يوظفها حلف شمال الأطلسي ... لماذا استمرت الحرب ضد جيش القذافي, المقسَّم, والضعيف, كلَّ هذا الوقت؟

أحد ثوار ليبيا, قرب مصراتة  في 30 مايو 2011
مائة يوم. لماذا يبدو لنا هذا الرقم أكثر أهمية من تسعين, أو من مائة وعشرين؟ ألأن ذلك يعود بالذاكرة, ربما, إلى سنة 1815, وحرب المائة يوم  التي خاضها نابليون, عندما رجع من جزيرة إلب؛ ليسترجعَ الحكم, ويطردَ لويس الثامن عشر؟ لقد أدت هذه الأيام المائة المصيرية إلى سقوط الإمبراطورية الأولى سقوطا نهائيا, على إثر الهزيمة الحاسمة  في معركة واترلوا, مما أضفي على هذه المدة, في فرنسا على الأقل, هالة تكاد تكون صوفية.
  تجاوزت الحرب الليبية هذا الرقم  الرمزي. ومن عادة الصحافة أن  تتناول "المائة يوم" لحكومة جديدة, لأوباما, أو لساركوزي, من أجل تحليل أبسط أفعال, وحركات الزعماء, ومراجعة الآمال التي تحققت, وتلك التي لم تتحقق. لكن ليس من الشائع التعليق على المائة يوم الأولى لصراع مستمر.

الكويت, أفغانستان, العراق, كوسوفو....
ربما يرجع ذلك إلى أنه ليس هناك صراعا واحدا, من بين كل مراحل الصراعات  النشطة التي اشتركت فيها تحالفات غربية منذ عام 1989, استمر كل هذه المدة.؛ فلم تبدإ القوات الغربية ضربَها القوات العراقية في حرب  الخليج الأولى , التي بدأت في الواقع  باجتياح قوات صدام حسين الكويت في شهر أغسطس 1990, إلا في 17 يناير 1991, وانتهت في 28 فبراير من السنة نفسها. أما في البوسنة, فإن تدخل حلف شمال الأطلسي الجوي في عام 1995, لم يستمر سوى عشرين يوما تقريبا, أي بين شهري أغسطس, وسبتمبر. كما لم تَدم العمليةُ العسكرية ضد طالبان في أفغانستان, بقيادة الأمريكيين, وبمشاركة حلفائهم, أكثرَ من شهرين. كما أن الأمر نفسه ينسحب على الهجوم الأمريكي الإنجليزي على العراق, في عام 2003, الذي انتهى بهزيمة العراقيين فيما يقرب من أربعين يوما.
الحرب الوحيدة التي  مثلت مشكلة لوسائل الإعلام في تلك الحقبة, هي حرب كوسوفو, التي  بدأت في 24 مارس 1999, وانتهت  باتفاقيات كومانوفو, التي وضعت حدا للهجوم على صربيا في 11 يونيو, أي 79 يوما من القصف, على الرغم من تأكيد  المسؤولين, كـ آلان ريشار وزير الدفاع الفرنسي في ذلك الوقت, أن الحرب لن تستمر أكثر من أيام, أو أسابيع على الأكثر.
لقد فاق القذافي الصرب؛ بتمكنه من الصمود مائة يوم. لكن كيف تم له ذلك؟ أيمكن أن يكون الجيش الليبي أكثر عدة وعتادا من نظيره العراقي في عام 1991؟ أيمكن أن يكون أكثر حماسة, وأفضل تدريبا من الجيش الصربي في تسعينات القرن الماضي؟ أيمكن أن يكون مسرح العمليات أكثر وعورة, والعمل عليه أكثر صعوبة من أفغانستان, أو البلقان؟
الجواب هو لا في الحالات السابقة جميعها؛ فالجيش الليبي, كما أشرت إلى ذلك في مقام آخر, يمتلك معدات قديمة, وهو أقل عددا من الجيوش السابقة, كما أنه مقسَّم؛ لأن بعض وحداته قد انضمت إلى الثوار. لكن يبدو أن من يقاتلون اليوم هم أنصار متحمسون للقذافي. كما أعلنت إيطاليا حديثا عن انشقاق عدد من ضباط, وجنود القذافي. يضاف إلى ذلك كله, الصعوبةُ التي يلقاها في التزود بالسلاح, وبالذخيرة, وحرمانُه من الثروة النفطية  التي كانت تملأ خزائنه. وفي النهاية, فإن تضاريس الساحل الليبي تعد أكثر مواتاة للضربات الجوية من مناظر كوسوفو, وأفغانستان الطبيعية.
أكان قرارا متأخرا جدا ؟
لا علاقة لذلك بقدرة خفية على الصمود يملكها الجيش الليبي المحروم من كل شيء, بل بعوامل أخرى تتوقف على الغربيين دون غيرهم.  أولا, تذهب بعض المصادر ت إلى أن حلف شمال الأطلسي, وشركاءه قد تأخروا كثيرا. وهو ما صرح به السناتور جون ماكين لقناة سي إن إن بعد بداية الضربات الجوية بقليل, قائلا : " لو اتخذنا كل هذه التدابير قبل أسابيع, لكنا اكتفينا, على ما يبدو, بمنطقة حضر جوي. أما الآن فإنها لم تعد كافية؛ لذا فمن الضروري أخذ تدابير أخرى".
أما بحسب آخرين  فإن عمليات الحلف ـ الذي تدخَّل, رسميا, لإنقاذ السكان المدنيين المهددين بما قيل إنها مجازر قادمة ـ لم يكن بإمكانها أن تجري إلا ببطء", وبخاصة أن أمين عام جامعة الدول العربية قد شدد, منذ بداية القصف, على أن إطلاق الصواريخ, والضربات, قد تجاوزت, بحسبه حدودها. وهو ما صرح به إلى وكالة الشرق الأوسط بقوله : "إن ما يجري في ليبيا يختلف عن الحاجة إلى فرض منطقة حضر جوي. إن ما نريده هو حماية المدنيين, لا أن نعرضهم أكثر للخطر".
كما أشار العسكريون, في بداية التدخل, إلى أنه ليس من الحكمة توقع نهاية سريعة للحملة. لقد جازف الأميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية, بقوله على شاشة تلفزيون أ بي سي في 20 مارس 2011, "أعتقد أن تطور الوضع سيعتمد على الظروف. أما في هذه اللحظة, فلا أجرؤ على تحديد مدة معينة" .
هذا مثال جيد على اللغة الخشبية, التي تميزت بصدقها النسبي من جهة أخرى.  لقد كان من المبكر جدا, أي عند بدء هطول صواريخ التوماهوك على طرابلس, وعلى الدفاعات الجوية الليبية, حقيقة, البدءُ في لعبة التوقعات, على عكس ما فعله القادة الغربيون, بعيدا عن كل حكمة, بخصوص كوسوفو قبل اثني عشر عاما.
حلف شمال الأطلسي بالكاد يَعمل.
يبقى هناك عامل تمت مقاربته على استحياء, لكنه يفسِّر  أيضا أسباب قدرة العقيد القذافي على الصمود حتى الآن؛ ألا وهو ضعف الوسائل  الموظفة في العملية. لأن حلف شمال الأطلسي أُجبِر على العمل بالوسائل التي كان يملكها؛ فالجيوش الأمريكية, والإنجليزية, والفرنسية, وجميعها قوى محترفة, كانت تعمل, قبل ذلك, بكل طاقتها في أفغانستان, وفي العراق, وفي يوغسلافيا السابقة, وفي ساحل العاج, وفي الصومال, وحديثا في ليبيا.
إن كان القذافي لا يستطيع  أن يَصُفَ سوى بعض عشرات الآلاف من المقاتلين, وإن كان لا يجرؤ على تحريك  القليل مما تبقى له من طائرات, ومن مروحيات, وإن تم  قصر دور دباباته على لعب دور الداعم لمشاته, ومدفعيته في معارك الشوارع, وإن منعت قواته البحرية من مغادرة موانيها, فإن حلفَ شمال الأطلسي , وشركاءَه لم يَنشروا في سماء ليبيا سوى ما يقرب من مائة طائرة تتناوب على الطيران فيها, في حين أن الأمريكيين قاموا بنشر 148 ألف جندي , مدعومين بـ 45000 جندي بريطاني, ومئات من الطائرات, من أجل سحق 400 ألف جندي عراقي. كما قام التحالف ضد العراق في عام 1991 بجمع 959 ألفَ رجل, ومئاتٍ من الطائرات. أما من أجل إخضاع ميلوسيفيتش, فقد تم حشد أكثر من ألف طائرة غربية جابت سماء صربيا.
يقول كورني في سيد : تتوقف المعركة, لعدم وجود مقاتلين. أما في حالتنا هذه, فالعكس هو الصحيح.؛ فحلف شمال الأطلسي يطيل أمد المعركة؛ لعدم قدرته على اتخاذ قرار بتوظيف عدد أكبر من القوات فيها, على الرغم من أن جيش القذافي , يعد إلى جانب طالبان في عام 2001, أضعفَ عدو واجهه الحلف.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق