الثلاثاء، 14 يونيو 2011

سيرة شهيد : الشهيد عيسى نوري حمد الوحيشي ( 1984م ـ 2011 م)


سيرة شهيد
بقلم : نورالدين عوض الشارف
الشهيد عيسى نوري حمد الوحيشي ( 1984م ـ 2011 م)
كنت أمر على الآية الكريمة ( ويتخذ منكم شهداء) لكني لم أكن أدرك المعاني العظيمة لهذه الآية، ولم أعرف المعايير التي جعلها الله عز وجل لمن اصطفاهم واختارهم للشهادة، وأحسب أني وقفت على بعض حقائق هذا الاصطفاء من خلال معرفتي بالشهيد "عيسى نوري حمد الوحيشي". فقد عرفته صادقا شجاعا شهما كريما ذو همة عالية وخلق رفيع ..عرفته محافظا على صلاة الجماعة بمسجد هدية في البركة.


عندما انطلقت الثورة المباركة، وفي أول يوم وهو 15 فبراير تقابلنا بدون موعد في ميدان الشجرة، وكنا مجموعة من منطقة البركة ذهبنا سويا وهم: علي الشريف البرعصي، وقد أصيب برصاصة، وهو الآن يعالج في تركيا شفاه الله وعافاه، وناجي الشريف البرعصي وأحمد على الزهاوي. تقابلنا هناك مع أسامة حسين بوقرين وهتفنا بقلوبنا بالشعارات التي ولدت في ذلك اليوم مثل :( نوظي نوظي يابنغازي هذا اليوم الذي فيه تراجي) ، (وين ضنانا لا تابوت ولا جبَّانة) ، ( قولوا لمعمر وعياله  بنغازي فيها رجاله) ، ( يامعمر ياجزمة يللي مالكش لازمه). ثم ذهبنا إلى صورة الطاغية الموجودة قريبا من مبنى المثابة الثورية في شارع جمال عبدالناصر وحطمناها على مرأى من اللجان الثورية، وتراشقنا معهم بالحجارة وبالسباب المتبادل، وكانت تلك اللحظات التي نحطم فيها صورة الطاغية هي في الحقيقة اللحظة التي حطمنا فيها قيود الاستعباد والاستبداد التي بداخلنا، وإذا بنا نشعر بميلاد جديد، وهو انبثاق ميلاد فجر الحرية والكرامة، وصارت عندنا قناعة تامة بدون أن نتناقش حولها، وكما انطلقنا بعفوية ولد هذا الشعور بعفوية، وأننا لن نستعبد بعد اليوم. كان ذلك هو اليوم الأول من ثورتنا المباركة، ولأن هذه الثورة كانت برعاية الله وتدبيره، فلم نكن منظمين وكانت العفوية هي التي ننطلق منها، براءة وعفوية، حتى أن أخي أحمد الشارف كنت ألتقيه بدون موعد أو تنسيق، وكذلك بعض رواد المسجد مثل عبدالوهاب ماضي، نلتق على غير ترتيب وعلى غير تخطيط أو تنظيم؛ عفوية عجيبة وقدر أعجب ولم نكن نتصور أن تلك الحركة البريئة والعشوائية ستخسف بعرش هذا الطاغية، وتصبح آهاتنا ومعاناتنا المكبوتة تدق أسماع العالم لتقول له: هناك شعب يعيش تحت أدنى خط الكرامة الإنسانية، سلبت حقوقه وإنسانيته، نعم هي رعاية الله وتوفيقه ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
وفي يوم 17 فبراير استعملنا مكبر الصوت في مسجد هدية وبدأنا بالقنوت ضد القذافي والدعاء عليه وعلى الأمن الداخلي واللجان الثورية، تحت تهديد ووعيد أزلام القذافي؛ فقد جاءني أحدهم بعد أن بدأنا بالتكبير والدعاء على معمر يتوعدني، ونسى هذا العميل أن عصر الخنوع قد ولى، وفي نفس هذا اليوم أخذ الشهيد عيسى  مكبر الصوت في مسجد هدية وأنشد يقول :
بجهادنا سنحطم الصخرة        ونمزق الطاغوت والكفرة
وبعزيمة جبارة كبرى        وإرادة لا تعرف القهرا
هكذا بدأت تتوالد تلك المشاعر بعد أن زرعنا نبتة الحرية في نفوسنا، وإذا بالشهيد يقول لي ( ليس هناك أفضل من الشهادة)،ثم توالت الأحداث واستشهد أحد الشباب بجانبنا وكان ذلك في 17 فبراير، ثم سقطت الكتيبة يوم 20 فبراير وذهب الشهيد في نهاية شهر فبراير إلى الجبهة، وظهر الشهيد عيسى في قناة العربية يوم 4 مارس يهدد الطاغية ويتوعده، ويقول له: " إن سرت  لا نفكر فيها بل نحن قادمون إليك في باب العزيزية، وستعرف إذا كان الليبيون رجال أم غير رجال". كانت تلك الكلمات المعبرة والمختصرة التي بثتها قناة العربية آخر عهدنا به، وانقطعت أخباره بعد ذلك.
 وفي 18 مارس جاء خبر يؤكد أن الشهيد "عيسى" مفقود، لكني كنت على قناعة تامة أن "عيسى" ليس مفقودا ولا أسيرا، بل إن عيسى قد استشهد لإصراره على الشهادة رحمه الله. وفعلا قمنا بصلاة الغائب عليه قبل أن يصلنا خبر استشهاده، وبعدها تبين أنه قد استشهد في يوم 6 مارس في معركة بن جواد الأولى رحمه الله.
الغريب أن إعلام الطاغية وبدون خجل ولا حياء يأتي بمجموعة صور للشهداء نعرف بعضهم جيدا يتهمهم باتهامين متناقضين وهو أنهم من القاعدة، وفي نفس الوقت إلى جانبهم قناني خمر وبعض حبوب المخدرات وكان من ضمنهم الشهيد عيسى نوري الوحيشي وطارق علي الحاسي وإبراهيم فتحي بعيو  والحسن صلاح العماري وهم شباب عرفوا بالتقوى والاستقامة، ولأننا نعرف مدمر القذافي جيدا فهو دائما يقوم بما يسمى بعلم النفس بعملية الإسقاط، فما يرتكبه هو وأزلامه يتهمون به غيرهم، ولكن كشف الله حقيقته، وقد رأينا  أزلامه بعد أن لاذوا بالفرار أمام أسود جبال نفوسة الأشاوس تاركين خلفهم السلاح وقنان الخمر.
  ومن عجائب القدر أن الشهيد عيسى استشهد في نفس اليوم الذي ولد فيه، فقد ولد في يوم 6 مارس 1984م واستشهد في يوم 6 مارس 2011م، والشهيد متزوج وله طفلان هما آلاء ونوري وترك زوجته وهي على وشك القدوم بمولود جديد، حفظهم الله ورعاهم، ويكفي أولاده وأهله فخرا أن عيسى ترك لهم مجد الدنيا وشفاعة الآخرة إن شاء الله، واستشهد عيسى لتعيش ليبيا عزيزة كريمة.

نشرت في صحيفة ليبيا المختار الورقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق