السبت، 28 مايو 2011

فاطمة رجب الشافعي : ظواهر نظيفة ومواطن سخيفة


ايهما اصلح ان يكون وطنك مملكة ام جمهورية ؟ إذا وجهت هذا السؤال للأغنياء لاجابوك بأنهم يريدون الارستقراطية ، وإذا سألت الشيوخ لقالوا لك انهم يريدونها إمارة إسلامية ، وإذا استفتيت الشعب فأنه يريد الديمقراطية ، ولكن احد ممثلي المجلس الإنتقالي يريد البقاء ممثلاً للشعب لمدة سنتين اخرتين . كثيرون منا لا يجرؤن على الكلام او البوح بما تعتليه الصدور ، لإسباب كثيرة لعل اهمها ان الوقت لم يحن بعد و بالليبي ( مش وقته الكلام او مازال بدري عليه) وانا اقول ان زمن الهمس قد ولى ، لذا سأرفع صوتي . وكمقدمة انا ممن يحترمون البني ادم الذي لا ينتظر حتى تغويه الكلمات المعسولة ، فالحياة الجديدة التي تنتظرنا تقتضي من كل واحد منا ان يعيش خارج دائرة هؤلاء الذين يريدون مزاولة مهنة جديدة بالتقليد الاعمى لمن سبقوهم ، واحب من يحترم عقلي قبل سني ودونما تنقيب بخارطة جنسي . عليه سيكون كلامي واضحاً .

قرأت خبراً مفاده تصريحاً صادراً عن نائب رئيس المجلس الإنتقالي بأن تنظيم إنتخابات في ليبيا قد يستغرق سنتين ، الامر الذي اعتبره البعض تراجعاً عن وعود سابقة لفترة إنتقالية كانت لها مدة محددة لن تتجاوز الستة اشهر . وهذا الخبر إن صح ، رغم شكي بصحته ، فانا استبعد ان يكون الاستاذ غوقة ممثل المجلس الإنتقالي وهو رجل قانوني ، يمكن ان يصدر عنه هكذا تصريح ، ولكن ان صح خبره ، فإنما هو حدث يذكرني بذلك الخنزير الداهية بقصة مزرعة الحيوانات لجورج اورويل ، حين زين له عقله المريض وطمعه وشجعه وحبه للسلطة ، وضعف وخوف الحيوانات ، وحاجتها لمن يقودها ، ان يغير جميع القوانين التي تعهد بها للحيوانات في فترة سابقة لتوليه مقاليد حكم المزرعة . قلت في بداية حديثي (ان صح) فأن هذا التصريح فهو كارثة ، وخروج عن مسار الثورة وبشائر( مش كويسه) وتبقى السُلطة فعلاً مُفسِدةٌ ، ووجب علينا تقويم مسار من يريد الخروج عن السكة بأسرع وقت وإلا سنندم حيث لا ينفع الندم ، إلا إذا كان السيد الذي صرح بهذا التصريح يريد ان يقول لنا بأن النصر لازال بعيداً ، وان الإنتخابات لن تُجرى وطرابلس وبعض المدن لازالت محتلة ، عندها فليتقبل اسفي عما اريد البوح به......
عانى الشعب الليبي كثيراً ، فقد كنا نشكو ونلوم الدهر فصرنا نواجهه ، وكنا نخاف العواصف والطيايير التي اخافت بوشفشوفة فجعلت فرائصة تصطك خوفا كجرذ بقفصه المُشيد بالحديد والخرسانة المضادة للغاز والسلاح تحت الارض، فصرنا نقصد الشهادة على سطح الارض ونواجه الراجمات والجراد بصدور عارية ، وكنا نخضع لملك الملوك الصنم المُحنط فصرنا لا نعبد الا الله ، وكنا شعباً صامتاً فأصبحنا صوتاً وصورة ً شعباً صامداً وبأعلى حناجرنا نهتف بأن الشعب يريد تغيير النظام . وبتنا نؤمن كشعب حُر بأن الحًرية ليست ربطة معدنوس تنمو بكل طقس وتتواجد دوماً بالفندق البلدي للخضار ، ولُقِنا الدرس بأن التنازل عن الحُرية وقت قطافها ونضجها سيجعلنا نفقد إنسانيتنا ، ولنصبح مثل الدواب التي تمشى على اثنين . وحين نقول اننا شعب حُر فأن المعنى مفاده اننا اليوم  نؤمن بأن الحرية ورقة طرية على رؤوس الشجر، وقد قررنا اننا سنحاول جاهدين ان نمد اعناقنا لنقضمها ، حتى تصبح لنا بالنهاية اعناق طويلة كالزرافات ...
وشخصياً ابارك هراوة القذافي القاسية التي علمتنا المعاناة ، وهي التي يجب ان تكون لنا المًرشد لنا في الصعود الذي رفعنا من مراتب الحيوان الى مرتبة الشعور بإنسانيتنا وكرامتنا البشرية كي نعيش كما اراد لنا الله ان نعيش إسوة بغيرنا من البشر . وعليه فأن الشعب الليبي بأسره لن يعرض نفسه مرة اخرى لذات العصا، ولن يكون حُراً إلا عِندما يكون قادراً على تنفيذ تحرير ليبيا من حكمها الشمولي وإقامة حكم ديمقراطي بناءاً  على إرادة الجماهير المتحضرة والتي تريد ان تكون اكثر تلاؤماً وإنسجاماً مع طبيعتها الإنسانية ، وليس نتيجة رغبة هذا ولا ذاك ، وليس غداً او بعد غد ، ولكن صباح هذا اليوم قبل ان يحل غسقه ...
عليه فأنني اهيب بابناء ليبيا الاحرار ، تحسباً لأي طاريء ، ان يقوموا بهدم كل سياج يحاول صاحبه او اصحابه تشييده خارج المخطط الديمقراطي محاولاً صاحبه او اصحابه ان يحيطوا به لانفسهم ، بقطعة ارض ، وحق ، وقبل ان يتغول هؤلاء ويحولون هذا السياج الى حائط مبكى اخر طويل عريض لقلعة تضم حكومة احد الغاصبين ، يدعي انه المُعلم والمُنظر والحارس الليلي لمنظومة الشعب السيد المغيبة إرادته ...
لا احب الإتكال على الاماني لإنها بضاعة الموتى ، ونحن شعب حي ، هذا ما تُعلمُني اياه الثورة كل يوم ، وانا اشاهد مناظر القتلى والشُهداء والمُشوهين والمقطعة اطرافهم من خلاف . وكمواطنون لا رعايا ، يجب ان ندرك ان هذه المرحلة نقطة واضحة وجلية تمحورت فيها نضالات ابناء شعبنا شرقاً وغرباً من اجل تحرير ليبيا اولاً ، والتقدم بالوطن نحو العُلى ثانياً . انها النقطة التي تجعلنا نتيقن بانها نقطة لاتغيب عن وجدان شباب ثورتنا الذين يشاهدون  موت الشُهداء العالي ، والنهر العظيم للدماء التي سالت ، شبابنا الذين يسعون لبداية حياة كريمة مجيدة هرموا وهم يحلمون بها . عقبات كثيرة تنتظرنا ، اعلم ذلك ، لعل اهمها الفوضى واليأس والخوف من الوقوع بالفشل او التعثر الذي واجه ثورات جيراننا ، الا ان كل ما سبق لا يعطي لاي كان الحق بأن يحاول سلب الثورة إرادتها ليجعلها ريشة في مهب الريح ، او ان ينصب من نفسه قيماً على شعب وهب نفسه للموت في سبيل الايمان  بمبادئه ، او يظن ان  الشعب عاجز او معاق ، او انه  لا يُحسن ان ينتخب من يحكمه لمدة قصيرة قابلة للتجديد مرة واحدة لاغير ، بعدها ما عليه سوى ان يولينا ظهره  شاكرين سعيه بادائه لوظيفته التي انيط بها ، او محاسبته عن تقصيره إذا ثبتت بها الادلة  ....
والى كل الحالمين باليقظة ، الذين يظنون انهم يستطيعون سرقة شباب الثورة حلمهم اقول انكم لن تستطيعوا ان تمنحوا الشباب احلامكم الوردية وزيف اوهامكم ، ولن تستطيعوا ان تغرسوا فيهم بذور افكاركم واهدافكم السخيفة  ، او بالليبي الفصيح( لن تستطيعوا  ان تضحكوا عليهم او تحايلوا عليهم)، إن  في ( طاقاتكم ) ان تصنعوا الاحلام وان تبنوا المساكن وان توزعوا الثروات لأجساد هؤلاء الذين قاتلوا على الخطوط الامامية للنار ، ولكن اعلموا ان نفوس شباب الثورة الثوار لا تقطن في مساكنكم ، لأن اساسات نفوسهم تقطن بالغد الذي يجاهدون للوصول اليه كما يريدونه هم . وليس لكم انتم الا ان تجاهدوا كي تصيروا شباباً ثائراً مثلهم إن اردتم ، ولكن عبثاً تحاولون ان تجعلوا من انفسكم رجالاً مثلهم وانا احدكم . الحياة لا تراجع بها فهي تسيردوماً للامام ولا تلتذ بالاقامة بمنازل الامس المتهاوية . وكل نقطة دم سقطت على تراب ليبيا لم ولن تجف ، وستأتي كل قطرة منها بثمر كثير . الشباب يصر على ان يموت حراً على ان يعيش عبداً لطاغية اخر او ديكتاتوراً  اخر يغير القوانين كما يشاء ، ولا توجد الا قبعة حمار لتوضع على رأس ذلك الواهم المتوهم بانه يستطيع ان يصبح معمر قذافي اخر  يحرسه ذوي القبعات الصفراء، يحاول جاهداً ان يسكننا بأقبية السجون مجاناً ، نحن شعب تعلم الدرس باهظاً . نحن اليوم شعب حر يعني لا نخضع الا لله وللقانون ، والحرية تعني انه لا يحق لاي كان ان يخرج علينا ليعلن انه يريد تمديد مدة بقائه لاي سبب من الاسباب الغير مقنعة . اليوم نستطيع ان نجلس ونقرر ما نريد ، وان نقرر من نختار وان نستبعد من لا نحب ولا نهوى . لسنا شعب عاجز ولسنا متخلفين ، ولسنا عاجزين على ان نحكم على ( اطروحات ) اي كان ونستطيع ان نحكم على خلق اي كان خصوصاً اولئك الذين رضينا وقبلنا بان يعملوا لدينا ممثلين لنا لفترة وجيزة ، رغم تاريخهم السابق بوضع ايديهم بيد النظام ، ورغم تصريحاتهم وتعهداتهم بعدم الترشيح مجدداً او البقاء على سُدة الحكم . من يحكم اليوم هم شباب ليبيا الذين قهروا الموت بهزم الخوف منه ، وقيمة الإنسان لا تكمن في النصر الذي حققه ولكن في الكفاح من اجل النصر الذي يصبوا اليه ، وبالمحافظة على المكاسب التي تحصل عليها . شخصيا لا اخاف على الثورة لان الثوار كل دقيقة يثبتون لي انهم يزدادون ثورة كلما تقدم بهم العمر دقيقة دقيقه ، وساعة ساعه ، و يوماً بعد يوم ، فحذار لهؤلاء من هؤلاء .............
فاطمة رجب الشافعي
حُررت مساء الجمعة 
27/5/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق