الأربعاء، 6 أبريل 2011

موقف الحكومة التركية: مصالح ملطخة بالدماء، وتخاذل غير مفاجئ.


إبراهيم محمد طاهر.

منذ بداية ثورة 17 فبراير، والمصالح تكشف لنا العدو من الصديق، وتزيل الحجاب من على من يدعون القيم والمبادئ الإنسانية وفي الحقيقة هم لا يؤمنون إلا بقيم الدولار ومبادئ المكسب.


تركيا كانت إحدى تلك الدول التي تلطخت بدماء الليبيين، وغرقت في عار مساندة الظلم بسبب مصالحهم في ليبيا، والتي تتجاوز 15 مليار دولار. ولعل مسارعة السيد أردوغان نفسه إلى نفي ذلك الاتهام بقوله أن (تركيا لا تحكمها المصالح الاقتصادية) هو أفضل دليل على أن هذا هو (بالتحديد) سبب موقفهم المخزي. وجميعنا نعلم بأن نفي الاتهام هو في أغلب الأحيان الدليل علي صحة الاتهام، خاصةً حين يسارع الرئيس نفسه إلى نفي الأمر!



وقد أثبت تسلم النيتو للعمليات العسكرية بأن تركيا تقف (كلياً) مع القذافي. العمليات العسكرية ضد قوات القذافي تراجعت بشكل مأساوي لتسمح لمحرقة القذافي بالتقدم نحو الشعب الليبي. وللعلم فقط، فإن تركيا لا تحتاج لأن تكون عضواً بارزاً أو مسيطراً في النيتو لكي تعطل ضرباته، فالقرارات في النيتو يتم تنفيذها بالإجماع، أي أن اعتراض عضو (واحد) فقط يلغي القرار.

وحين ندرس تباطؤ ضربات النيتو، سنجد أن هذا التعطيل أدى إلى تقدم قوات القذافي في الشرق، ونجد تجاهلاً تاماً للمناطق المُحاصرة في الغرب في مصراته والجبل الغربي... وكأن النيتو، أو من يؤثر عليه، يحاول أن يساعد القذافي في إحكام سيطرته على الغرب وعلى أكبر قدر ممكن من الأرض لكي يكون لديه نوع من النفوذ في حالة وصول الأمر إلى المفاوضات، وهو الأمر الذي تُروج له تركيا بإصرار عجيب.



وفيما يخص خدعة المفاوضات، فها هي تركيا تلهث بسرعة فائقة نحوها. وهي سرعة تُذكرنا بسرعة وسائل إعلام القذافي التي كانت تبث أخباراً عن وصول قوات القذافي إلى بنغازي، وتحرير مصر وتطهير اليمن وإغاثة اليابان! وكل ذلك في غضون ساعاتٍ قليلة! فنحن نسمع الآن تصريحات مُشابهة في سرعتها من الحكومة التركية؛ فقد أكدت في اليومين الماضيين إجراء الكثير من المحادثات والمفاوضات المهمة مع ممثلي المجلس الانتقالي وممثلي القذافي، حتى إن المرء ليظن أنهم قد اقتربوا من حل كل مشاكل العالم، إلى أن فضحهم المجلس الانتقالي بأن صرح بأنه ليس لديه أي ممثل في تركيا!



وهذا كله إن دل على شيء، فهو يدل على أن تركيا تتعامل بانتظام، وبشكل شبه حصري، مع القذافي وعصابته، وأن كل التحركات التركية تتم بالتنسيق مع القذافي، ولصالح القذافي.



أردوغان نفسه رجل ماكر للغاية. فجميعنا نذكر موقفه في المؤتمر الدولي الاقتصادي حين هجم على إسرائيل وعنفها ضد الشعب الفلسطيني، فأصبح بطلاً ومدحه العرب والمسلمون في كل أنحاء الأرض. ولكن، هل كنتم تعلمون أنه كان في وسط فترة انتخابية في تركيا؟ ذلك الخطاب كان فقط جزء من حملته الانتخابية، وقد ضمن له إعادة الانتخاب من جديد، حيث تم استقبال أردوغان استقبال الأبطال بعدما عاد إلى تركيا ومال إليه الرأي العام التركي، وهو كان يحتاج إلى ذلك؛ فعلاقة تركيا الحميمة مع إسرائيل واضحة وضوح الشمس والشعب التركي غير راضٍ عنها. وهذا الموقف يشابه موقفنا الراهن بشكل كبير، فالقذافي ارتكب من البشاعات ما جعل الإسرائليين يبدون كهواة غير محترفين في مهنة المجازر والإبادة، ومع ذلك لم نسمع أردوغان يتحدث عن دماء الليبيين، وعن الأطفال الليبيين الذين قتلهم القذافي. لم ينطق بشيء سوى الدعوة للأمن والسلام وهو يدعم القذافي عدو الأمن والسلام.

وأجد نفسي أتساءل: هل كان موقف أردوغان سيختلف لو كان في فترةٍ انتخابية؟



الموقف التركي لطالما كان مُخيباً للآمال. فموقفهم في الماضي يعكس موقفهم في الحاضر؛ فكما ساعدوا الليبيين في جهادهم ضد الاحتلال الإيطالي، فقد قاموا في نفس الوقت بالتنازل عن ليبيا لإيطاليا. ونفس الشيء يتكرر من جديد، فالحكومة التركية توهم الشعب الليبي بأنها تساعده في نضاله من أجل الحرية بينما تتفاوض على سعره لتبيعه للعدو.



لقد برهنت لنا الحكومة التركية أنها تماماً مثل كل الحكومات التي ساعدت القذافي بالسلاح والمرتزقة لذبح الشعب الليبي، وبينوا لنا أنهم (ضدنا) وليسوا معنا. مساعداتهم الإنسانية ما هي إلا ضمادات يحاولون بها إخفاء دماء الليبيين المتدفقة، ومفاوضاتهم ما هي إلا مناورات كلامية يُغطون بها تحركات القذافي العسكرية. الحكومة التركية الآن تساهم في قتل الشعب الليبي، والدماء التي تسفك الآن تتحمل الحكومة التركية مسؤوليتها كالقذافي.



ثورة 17 فبراير كشفت الحجاب عن الكل، ووضعت كل شيء في إطار (الأبيض والأسود)، فلا توجد منطقة رمادية في قضية الحرية، الحياد لا يوجد إلا في من لا يتدخل على الإطلاق، ولكن من يتدخل في تحديد مصير وحرية شعب فهو إما مع الشعب أو ضده. وتركيا الآن موقفها واضح... ويجب علينا أن نتصرف مع هذا الموقف كما نتصرف مع موقف القذافي وأتباعه: بالرفض التام والمطلق.



المجلس الانتقالي يجب عليه فوراً أن يُخرج تركيا من دائرة التدخل في ليبيا، وأن يوضح للعالم بأنه لا يمكن على الإطلاق التعامل مع من يُساند مجرماً شهد له العالم كله بأنه سفاح متعطش للدماء. يجب أن تصدر تصريحات واضحة برفض التعامل مع الحكومة التركية، وليس فقط مع القذافي، وبإمكان المجلس اقتراح جهة أخرى جديدة يتفاوضون عبرها على خروج القذافي ورحيله.

المجلس الانتقالي قطع شوطاً ممتازاً في العمل الدبلوماسي، ويجب عليه أن يحشد مجهوداته الآن لإعادة القيادة إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا، يجب التواصل معهم بقوة وبسرعة، وحث المجتمع الدولي إما على سحب القيادة من النيتو، أو على إرغام النيتو على القيام بواجبه بشكل صحيح، أو حتى التدخل رغماً عن النيتو؛ فما يحدث الآن هو عكس قرار مجلس الأمن تماماً، ما يحدث الآن ليس حماية المدنيين وإنقاذ الشعب، بل هو تواطؤ لحماية القذافي وقتل الشعب... ما يحدث الآن هو اشتراك الحكومة التركية، وحلف النيتو، وكل من يتواطأ معهم، في إبادة الشعب الليبي.

هناك 5 تعليقات:

  1. هذا موضوع ليس له لزمة..و لا يلزم الا صاحبه..
    مهما يقال عن تركيا فان الاتهامات غير دقيقة و لا تستند لأي دليل مادي ملموس..و الذي يريد ان يثبت العكس فعليه ذكر المصادر و توثيقها..فالكلام الانشائي باستطاعة كل انسان ان يقول رأيه و هو فقط ملزم به..
    هناك ملاحظة يجب ان اذكرها.. يوو فال الشمام بانه ليس لدى المجلس اي مفاوض في تركيا( و كانت اجابة عن سؤال خاط~ من صحفي الجزيرة) لأن تصريح وزير الخارجية التركي كان فيه دبلوماسية و كان فضفاض..و لكن في النشرة الموالية.. السيد عبد الحميد غوقة يؤكد وجود مرسل من المجلس وهو السيد جبريل في تركيا..؟!! من نصدق؟؟ اذن القضية هي عدم دقة في الكلمات.. و تسارع الاخبار..مما لا يعطي مجالا لبلورة رؤية متأنية للمشهد الليبي..
    نعم هناك مصالح لتركيا..و لغيرها من الدول..غير أن الفرق هو أن تركيا لديها شعب متضامن كليا مع الثورة..و عليه فموقف الحكومة مهما فسره المفسرون..أو أوله المؤولون يبقى في مصلحة الثورة..
    المتحدثون في الخارج ليسوا على كلمة واحدة.. فالأ ستاذ شمام وحده من بدأ فتح النار على الأتراك؟؟
    بينما أغلب المتحدثين لديهم حكمة أكثر..و دبلوماسية في طرح الموضوع..
    فالرجاء ان يتناول هذا الموضوع بشيء من الحكمة..فالثورة ليست فورة..و الردود الانفعالية الآنية لا تخدمنا.. فالنصر صبر ساعة.. و ستكشف انا الايام أشياء أخرى و قد نندم على انفعالاتنا..
    عاشت ليبيا حرة موحدة..و المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار.. النصر و الثبات للثوار..و ان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب..!!

    ردحذف
  2. لله درك يا ليبيا لله درك

    ردحذف
  3. مداخلة رائعة. بارك الله فيك. لا نستطيع أن نزيد أكثر من هذا. لقد قلتم ما كنا نبطن في نفوسنا و نكاد نتفجر من الغيض. إذا: بدون تعليق.

    ردحذف
  4. أحب الرد على الأخ الكريم اللي نقد المقال... يا أخي أنت معك حق الكاتب ممكن كان منفعل أكثر من الللازم لكن موقف تركيا واضح.. حكومتهم تتفاوض لصالح القذافي و كأنها وسيط اتى به القذافي و الى اليوم لم تتخذ تركيا موقفا واضحا مع الثوار... و يجب ان لا ننسى ان الحكومة شيء والشعب شيء اخر... الحكومة التركية موقفها متردد وغير واضح لكن الشعب التركي موقفه واضح و مع ذلك يا اخي متى كان الشعب هو الذي يحدد سياسات البلاد؟
    كما احب ان اضيف ان الكاتب بالفعل تجاهل الفوضى في المجلس الوطني ولكن هذا لا يعني ان حكومة تركيا موقفها جيد و الدليل على ذلك هو كما قلت انت استخدام عبارات دبلوماسية فضفاضة و في الحقيقة يا اخي فإن كلام ممثلي الحكومة التركية مخيب للآمال بشكل كبير فكل كلامهم هو عن مفاوضات لصالح القذافي والانتقال الى الدميقراطية مع القذافي و غيرها من المبادرات..
    خلاصة القول يا اخي هي ان موقف حكومة تركيا غير واضح و هو الان يصب في صالح القذافي وليس الثوار و لذلك يجب على تركيا توضيخ موقفها
    و ارجع ثانية الى فكرة انه حين نقول تركيا و موقفها نحن فقط نعني الحكومة و لا نقصد بالنقد الشعب التركي الشقيق
    واحب ان اضيف اننا يجب ان نعذر بعض الاشخاص الذين يتحمسون اكثر من اللازم و يتهجمون على كل من تبدو مواقفه غير واضحة... فهذه طروف استثنائية و ممكن تغلب المشاعر على الناس... لكن في النهاية كلنا لا نريد الا شيء واحد و هو حرية ليبيا .

    ردحذف
  5. إبراهيم محمد طاهر8 أبريل 2011 في 1:43 ص

    رداً على السيد المحترم الذي تفضل بالتعليق على المقال.

    بدايةً، كيف تقول بأن هذا موضوع ليس له لزمة؟ ألا يخص الشأن الليبي والثورة الليبية، فكيف يكون لا يلزم إلا صاحبه؟
    إن كنت تقصد بأن الآراء الواردة فيه هي آراء تخص صاحب المقال، فأنا أتفق معك مائة في المائة، ففي النهاية هذا رأيِّ الشخصي، ولا أفرضه على أحد، وإنما فقط أطرحه فإما يلقى القبول أو الرفض.

    كنت أتمنى لو أنك (صبرت) مع هذا المقال كما تنصح ولم تسارع في التهجم على المقال وصاحبه، وليتك حاولت تأكيد ما ورد فيه بنفسك، قبل أن تتهمني بأنني آتي بالكلام من عندي، فأنا يا أخي لا مصلحة لي ضد تركيا، ولا نفع لي في أن ألفق المعلومات والكلمات، ومع أن هذا مقال رأي، وليس مقالاً صحفياً، إلا أن كل المعلومات التي وردت فيه مصادرها موجودة وأدلتها واضحة، والشيء الوحيد الذي اجتهدت في تفسيره أو تحليله كان موقف تركيا والنيتو.

    أخي العزيز أنا أشكرك على نقدك، وأقدره، وأنا أوافقك وأعترف لك بأنني بالفعل كنت (فائراً)، ولكن يا أخي موقف تركيا بالفعل مخزي، وتخاذلهم في دعم الشعب الليبي متفق عليه بإجماع العالم كله، فالعالم العربي والإسلامي والشعب التركي نفسه يطالبون الحكومة التركية باتخاذ موقف واضح وبالوقوف مع المجلس الوطني، بل إن أهل تركيا نفسهم يعاتبون حكومتهم ويسألونها (هل فرنسا وإيطاليا، اللتان اعترفتا بالمجلس الوطني والآن تدعمان ثورة شعب ليبيا، هل هما أِشرف من تركيا؟) وأحب أن أذكرك بأن كل تصريحات الحكومة لم تكن فضفاضة بشكل حيادي، بل كان من الواضح أن موقفهم هو لصالح القذافي، أم الفضفضة التي ذكرتها فهي كانت فقط فيما يخص علاقتهم بالمجلس الانتقالي. وهم بدأوا في اليومين الماضيين فقط في توجيه خطابهم للثوار في بنغازي بعد أن اشتد عليهم العتاب من العالم كله.

    كما أنني أتفاجأ بأن أقرأ في تعليقك أنه بما أن الشعب متضامن فالحكومة أيضاً متضامنة!!! هل حدث في التاريخ أن كان الشعب هو الحكومة؟ وإذا كان الشعب في تركيا هو الحكومة فكيف تفسر رفض الشعب التركي لسياسة حكومتهم في ليبيا، وعدم دعمهم للثورة؟ الشعب التركي نفسه يطالب الحكومة بأن تعترف بالمجلس الوطني، وأن تتوقف عن التعامل بشكل حصري مع نظام القذافي، فبعد هذا هل تقول بأن الشعب هو الحكومة؟!

    كما أنني أرغب في ذكر أخبار عن موقف المجلس الانتقالي تجاه تركيا، والذي يوافق غالبية المواقف الدولية ويماثل أكثرية آراء المراقبين والمحللين، وهو الرأي الذي ذكرته في المقال، فيما يخص موقف الحكومة التركية من الثورة وتخاذلها:
    أولاً تم رفض استقبال سفينة تركية في بنغازي احتجاجاً على موقف تركيا، فهل في رأيك هذا التصرف بدر من عمال الميناء، أم أنه حدث بإشراف المجلس الوطني أو على الأقل بموافقتهم؟
    ثانياً، قام متحدث باسم المجلس الوطني (اسمه مصطفى الغرياني) بحث الحكومة التركية على اتخاذ موقف واضح تجاه القذافي، وهو يدل على عدم رضا المجلس على تركيا، ثم أكد كلام السيد شمام، فقال المتحدث أن المجلس يبحث إرسال مبعوث إلى تركيا في الأيام المقبلة، مما يعني أنه لا يوجد مبعوث هناك.
    وهذه الأخبار هي من اليومين الماضيين من داخل بنغازي مقر المجلس الوطني.

    أعتذر على طول التعليق، ولكنني لم أجد بداً من الرد. فمع احترامي لك يا أخي، أنا أعلم أن نواياك سليمة، وأنا مثلك ليس لدي أي عدواة مع تركيا وشعبها، ولكن المشكلة هي في موقف حكومتها. ويا ليتك فقط تأنيت قبل إصدار أحكامك القاسية (قبل أن تكشف لك الأيام أن رد فعلك كان متسرعاً)، وليتك راجعت المصادر والمراجع وتأكدت بنفسك أن هذا المقال ليس مجرد كلام إنشائي كما قلت أنت، ولأدركت بأن هذا رأي الأغلبية، وبأنني لا أريد شيئاً سوى مصلحة ليبيا. فلماذا تتجاهل ما قلته عن ليبيا وعن الثورة؟ وكيف ضاعت عنك الفكرة الأساسية، التي كتبت بسببها المقال، وهي الحفاظ على مسار الثورة من أجل تحرير ليبيا كلها وعدم التفريط في شبر واحد منها؟
    وفي الختام، وبغض النظر عن اختلاف وجهات نظرنا، ففي النهاية كلنا نريد شيء واحد: ليبيا حرة. وكلنا نردد نفس الشعارات: الوحدة الوطنية، والمجد للشهداء، والنصر لثورة 17 فبراير.
    ونحمد الله على هذا الاختلاف، فبالاختلاف فقط تتوضح الأمور، وبالاختلاف تتحقق الدميقراطية، ولكن يجب توافر الفهم والتفاهم مع الاختلاف من أجل تحقق الدميقراطية.

    ردحذف