الجمعة، 29 أبريل 2011

بقلم الدكتور جمال أحمد بادي : فن التعليق وضوابط التواصل الفكري بين أبناء ليبيا الحرة


بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة: القليل منا من يكتب ابتداء، ولكن الكثير منا يبدون رأيهم من خلال التعليق على ما يكتبه الآخرون! فأسهل شيء أن تبحث عن ثغرة أو خطأ مهما بدى صغيرا فتختار له إطارا توجه سهامك من خلاله لمن تعلق على كلامه! أما الإضافة على الفكرة الأولى أو تنقيحها، أو إنشاء فكرة جديدة أو طرح البديل الموازي فأمر قد يصعب على الكثيرين. وهذا قد يفسّر الظاهرة التي عبّرت عنها بالحقيقة.

مدخل: تعتبر كتابة الكلمات المعبرة عن الآراء ووجهات النظر وردود الأفعال على صفحات المواقع الانترنتية والتعليق عليها والتعليق على التعليقات صورة حية ومعاصرة من صور الحوار والتواصل بين الناس. لكن القليل من هؤلاء الناس الذين يكتبون من يدرك ويعي أن الكتابة عموما والتعليق على ما يكتبه الآخرون فن من الفنون التي لها أصولها وآدابها التي يجب مراعاتها.


خلاصة: في هذه الأسطر أشارك برأيي في الموضوع بقصد أن نسهم جميعا في تطوير مهارات التواصل بين أفراد شعبنا الليبي الأصيل، على تباين خلفياته وأطيافه الفكرية. والذي حملني على ذلك هو ما أراه من تجاوز لأصول هذا الفن في كتابات بعض إخوتنا الليبيين على الانترنت. ولاسيما أننا مقبلون على مرحلة خطيرة في تاريخ ثقافتنا لعلها الأهم وهي مرحلة بناء دولة ليبيا الحرة القائمة على مؤسسات المجتمع المدني المتحضر. وذلك البناء لايتم إلا من خلال التحاور، والنقاش والتداول الذي تتباين فيه الآراء، وتختلف فيه وجهات النظر، ويعكس طرائق شتى من أساليب التفكير، وينبني على مراعاة اختلاف التجارب وزوايا النظر والمنطلقات والأهداف، إلى غير ذلك من القضايا التي تسهم في تعرجات الخارطة الإدراكية، وهي العدسات التي من خلالها ينظر الكاتب والمحاور إلى مسائل النقاش. 

بعض التحديات التي تؤثر على التواصل الحواري:

-         تحدي التواصل مع الآخر: نحن في بلد وإن جمعتنا أهداف مشتركة، ومرجعية ثقافية متشابهة، إلا أننا نخضع للسنن الإجتماعية التي لا تتغير و لا تتبدل، وكل واحد فينا يتميّز عن غيره، وله تركيبته الثقافية الخاصة. فلا بد من فهم حقائق تلك السنن الإجتماعية وتأثيرها على السلوك البشري ثم وهو الأهم في هذه السطور الإلمام بأصول مهارات الحوار والتواصل مع الآخر وأقصد بالآخر ابن بلدنا ليبيا الذي قد يختلف معنا في الرؤية والرأي.

-         تحدي التسامي على الذات: وذلك بتجنب إقصاء الآخرين ولاسيما المخالفين لنا في الرأي. وما أكثر الإقصائيين اليوم! والإقصاء على درجتين إقصاء فردي أي أن يقصي شخص شخصا آخر، وإقصاء فئوي أو جماعي وهو إقصاء طائفة أو جماعة بأكملها لمجرد القولبة والتعميم في الأحكام على فئة بسبب خطأ من أحد افرادها. أو لوجود كراهية غير مبررة تجاهها، أو لوجود خلاف في الرأي معها وهو أفظع وأخطر. ويستثنى من ذلك من ثبت – قطعا - في حقهم جنوح في الرأي فتتم مناصحتهم بالحسنى أولا فإن أصروا فلا حرج على من مارس عليهم إقصاء. ولكن كل ذلك يخضع لمعايير المنطق السليم وليس لمجرد الإدعاء لذلك قلت "من ثبت". كما يدخل في الاستثناء من ثبت عليهم إجرام أو طغيان بأي شكل من الأشكال!

بعض أصول وآداب فن التعليق:

-         ضرورة الجدل بالتي هي أحسن: هذا الأصل قرره القرآن الكريم في قوله تعالى: "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن". فحسن اختيار اللفظ أوالعبارة له قوته وسحره، وفي المقابل فإن سوء اختيار اللفظ أو العبارة يقيم الحواجز بين الحق الذي تملك وبين وصوله إلى قلوب وعقول الآخرين. وقديما قال الشاعر: "والحق قد يعتريه سوء تعبير".

-         عدم السخرية بعقول الآخرين لا سيما من يخالفك الرأي. فمن تسخر منه سيسخر منك ومما تكتب. بل إذا سخرت من شخص في كتابة أو تعليق، ترتب على ذلك أنّ كل من يقرأ كلامك سيسخر منك. وبذلك ستخسر كل منصف من القراء وليس من تخاطبه فقط.

-         لاتظهر ما عندك من حق في صورة "تحدي"، فإن التحدي يثير في نفوس الآخرين روح الممانعة والمعاندة. ومن صور هذا السلوك أسلوب فرض الرأي على الآخرين.  وكأن لسان حال الكاتب أو المعلق يقول: إن لم تتفق معي في الرأي فأنت لا تعرف كيف تفكر، أو "إما أن تأخذ برأيي أو فلتذهب إلى الجحيم"!

-         الحرص على النقد البنّاء الذي يوجّه ولا ينتقص، ويرشّد ولا ينتقم، وينصح ولا يعنّف.  

-         أمر مهم جدا أن هذه الأصول والضوابط لاينفع فيها مجرد القناعة الفكرية بل لابد من الممارسة والمزاولة المستمرة التي تحولها إلى سلوكيات فكرية واجتماعية وتربوية متجذرة.  

أمور تغيب عن المعلق لحظة الانفعال:

-         أن غيره ممن لهم قراءة مغايرة للأحداث يقرأ ما يكتب ولذلك فعليه مهمة عسيرة وهي إيصال فكرته بأسلوب مقنع وسهل الفهم

-         أن من يكتب على الانترنت يعرض عقله وقيمه وأخلاقه أمام الآخرين فليست القضية مجرد إبداء رأي بل إبداء شخصية وفكر فاختر لنفسك ما تشاء.

-         أن من لا يحترم آراء الآخرين سيكون لرأيه الحكم نفسه منهم، وليعلم كل كاتب أن من لا يراعي آداب الكتابة والتعليق فلن يوافقه إلا من كان على شاكلته وأخلاقه وحتى هؤلاء قد يخسرهم إذا تعدى طوره وتجاوز حدوده.  

-         شبكة العنكبوت وتجاوز حدود الزمان والمكان: الانترنت ليس مربوعة ولا نادي ولا لمة محصورة في عدد من الأفراد. فبمجرد مشاركتك على الانترنت لم تعد تملك التحكم في ما كتبت وسطرت ولن ينفعك المثل الليبي "يا كلمتي وليّلي". أنت تسمح للآلاف بل الملايين بالإطلاع على ما تكتب، وفي أوقات متجددة ومستمرة وفي أماكن وبلدان شتى بل إن الصفحات مفتوحة لغير الليبيين "الشيخ قوقل"! فما الرسالة التي نريد إيصالها لغيرنا بأسلوبنا وطريقة حوارنا؟

هذه مجموعة خواطر تواردت على الفكر عقب قراءتي لمجموعة تعليقات من القراء من أهل بلدنا على ما يطرح من موضوعات على صفحات الانترنت هذه الأيام. والموضوع مفتوح للمناقشة والتداول.

مع أطيب تمنياتي للجميع.

هناك تعليقان (2):

  1. أحسنت و اجدت . لابد من تصويب اخطاءنا بأنفسنا. و اعتقد ان هذا الكلام ينسحب على الاخطر و الاهم و هم الاخوة الذين يمثلون ليبيا الحرة على الفضائيات. فالتعليق على الانترنت قد يسحبه صاحبه و قد لا يقرأه الجميع و لكن الطامة فيمن يقول قولته على الملأ و على الملايين من العرب مباشرة. هؤلاء فعلاً لن ينفعهم و لن ينفعنا قول " يا كلمتي ولليلي". شكرا للكاتب

    ردحذف
  2. راقي راقي بل راقي جدا
    الله يفتح عليك
    شريف حسن

    ردحذف