لايخفى على احد ان اهم مايذكي الثورات ويكسبها زخما ووقودا هي بلا شك الدماء التي تسقط ثمنا لنيل المطالب المشروعة ,نعم إنها دماء الشهداء الزكية التي تحافظ على آوار الملحمة ونتائجها وقتية وليست مؤجلةو فالشهداء الذين اصترخصوا دمائهم في سبيل الله وطلب الحرية والانعتقاد من العبودية ودفاعا عن الوطن من غزو الطاغية ومرتزقته , والذود عن الاعراض والاموال , هذه الدماء توقظ النائم وتحفز المتردد وتخلق اشواقا من نوع آخر , وتنشئ تنافس جديد غير معهود , تنافس ليس فيه للدنيا نصيب , بل تنافس على نيل الفوز بالدارين , فلاشئ يقظ مضجع إخوان الشهيد بعد تقبيل رأسه الطاهر ومواراته التراب مصحوبة بتلك الابتسامة , والتي تفعل فعلها فيمن باع مع وربه واشترى , اقول لاشئ يطفئ لوعة فراق الشهيد إلا اللحاق به, فتسير قافلة الشهداء الاول فالاول فلايطيب عيش للمجاهد وللمرابط في سبيل الله والذي ازكت انفه رائحة المسك المنبعثة من الدم الاحمر القاني , لايطيب له عيش إلا بالاصرار على المواصلة لعله يكون له شرف الاختيار ( وربك يخلق مايشاء ويختار ) .
والاشتياق الي الشهادة وأجوائها تأسر حتى غير المسلم , فهذا الصحفي الارجنتيني الذي اسلم في بنغازي قال فيما قال عن سبب اسلامه ان صورة الشهداء قد أخذت عليه لبه وملكت عليه كل عواطفه , وقال ايضا انني حين أراكم تقبلون رأس الشهيد أراه هو الاخر يقبل رؤسكم فكأنه حي وليس بميت .
المخزون الذي ينتج هذه الطاقات كبير والحمد لله وهو الشعب وهنا لانبالغ حينما نقول انه لايوجد فصل بين الثوار وبين الشعب فالثوار هم ليسوا دخلاء وهم كذلك ليسوا فئة محدودة وإلا كان من السهل القضاء عليها ولكن الثوار هم الشعب إذ ليس مطلوب من كل الشعب حمل السلاح والتوجه الي الجبهات , ولكن التاريخ يخبرنا ان توزيع الادوار مهم غاية الاهمية , فالثائر حين يريد الراحة هو ببساطة يرجع الي بيته فيجد الاكل والملبس ومكان النوم بل والتشجيع والدعاء , وهذا العمق الشعبي هو سر نجاح كل الثوارت التي ثارت سواء على المستعمر او على الطغاة, وكذلك من يعمل في الاعاشة او من يعمل في المستشفيات سواء المتنقلة او الثابتة او من يشحذ الهمم عبر منابر الجمع , وكذلك من يطل على الشاشات لكي يفصل ويشرح ويرشد , او من يجود بماله وبيته , او من يكثر السواد , او من يقوم برسم معبر , او يسهر امام شاشة الكمبيوتر يوضح ويرسل ويكتب , كل هؤلاء لهم دور مهم وحبذا لو كان هناك التنسيق حتى لاتتكرر الجهود او يتم التركيز على جانب ويهمل جانب آخر.
نقطة اخرى جديرة بالاهتمام في الحفاظ على زخم الثوارات خاصة اذا ماأخذنا في الحسبان عامل الزمن واطالة حرب التحرير التي يخوضها الشعب الليبي ضد الطاغية ومرتزقته, وهي ان نحرص على ان لايعيش كل فئات الشعب في حالة طوارئ مائة بالمائة وعليه ولضمان الاستمرارية في المحافظة على جذوة الثورة ان نخفف من حالة الطوارئ العالية ونحافظ على حالة الزخم والمد الثوري , حيث ان العيش مع حالة الطوارئ الطويلة, مع تعطل مصالح مهمة نخشى ان يسبب في انهيار لبعض الفئات لاسمح الله , فمثلا لم لاتعاد المدارس , طبعا هذا اجراء الهدف منه التخفيف كما قلنا من حالة الطواريء العالية , وبالتأكيد هناك إجراءات تسبق هذا الامر ومنها تقوية جهاز الشرطة من اجل توفير طمأنينة لاولياء الامور والطلاب وللاخوة المعلمين , وهذا لايمنع من التواجد في ساحات التحرير في كل المدن بعد انقضاء اليوم الدراسي , بل وإقامة مهرجانات ثورية حقيقية وليست كاللتي كان يسيرها النظام اثناء اليوم الدراسي , وان يكون هناك مسيرات عفوية تشارك فيها كل الفئات بعد انقضاء اليوم الدراسي , وقد يكون اكثر عملية ان تكون البداية بمدرسة او اثنين في كل مدينة محررة ثم نوسع ذلك تدريجيا .
مثل ذلك ايضا الدوائر الحكومية في المواضيع ذات الصفة الخدمية كمكاتب الجوازات والجنسية واجراءات السجل المدني , ولو يكون على مدى ساعات قليلة في البداية .
علينا ان نحرص كل الحرص على المحافظة على المد والزخم الثوري وعلى اسباب نجاح الثورة من التعاضد والتظامن , والتدريب والتسليح الجيد , وكذلك الانتباه الي الاختراقات الامنية , والي الطابور الخامس على وجه الخصوص , والمحافظة ايضا على استمرار انسياب الاعانات , وكذلك حراسة المواقع المهمة وخاصة الحقول النفطية والمواني وكذلك الحدود الشرقية على وجه الخصوص, كذلك ايضا دعم المدن الصامدة غربا مصراتة الجبل الغربي والعمل على تحريك العاصمة , فدماء الشهداء الزكية الجرحى الذي غصت بهم المستشفيات الداخلية والخارجية , كل هذه التضحيات تجعل من واجبنا اكمال طريق التحرير من الطاغية فالوصول لذلك اليوم لم يعد ببعيد بإذن الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق