الكثيرون منا بعيدون عن دائرة (صُناع القرار)، ولا يستطيعون المساهمة في قضيتنا النبيلة سوى ببعض النصائح التي تتردد في الفراغ، أو ببعض الاتصالات الهاتفية هنا وهناك التي تُختم بوعود وآمال.
ولعل بُعدنا عن (الساحة) هذا هو الذي يجعل منا (مُراقبين) بالدرجة الأولى، فنرى الكثير، ونُحلل الكثير، فنقلق ونتحرق، وتخنقنا أسلئةٌ كثيرة عما لا نراه.
ومن هذا المنطلق رأيت طرح بعض الأسلئة، لعلنا (نرى) إجاباتها في الأيام القادمة، ولعل إجاباتها قد بدأت أصلاً لكن لم تصلنا أخبارها... هي ليست أوامراً، أو اقتراحات، أو نصائح... مجرد أسئلة، لا تفرض شيئاً على أحد سوى التفكير فيها لبضعة لحظات.
ولكن قبل أن يبدأ الصداع النصفي لهذه الأسئلة – الذي يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم – يجب علينا أولاً أن نُقر بكامل تقديرنا للمجلس الوطني الانتقالي، وبفخرنا بالانتصارات التي حققها هذا المجلس الذي بهر العالم بإنجازاته غير المسبوقة في تاريخ الثورات: فلأول مرة في التاريخ تتكون هيئة حكومية انتقالية في غضون أسابيعٍ قليلة، ولأول مرة يحتشد الدعم الدولي – وإن كان متردداً – في جانب حكومة انتقالية بهذه السرعة وفي نزاع مازال غير مُستقر.
إنجازاتٌ كثيرة، وانتصاراتٌ دبلوماسية رائعة، وعليه فإن هذه هي (أسئلة) وليست (مساءلة)، هي مجرد رغبة في أن يُتقن العملَ مَن يعمله، أملٌ في النهوض من الثورة والقيام بالدولة.
لماذا لم نرى ممثلين عن المجلس الانتقالي يقومون للاهتمام بشؤون النازحين الليبيين في تونس؟ أليس هؤلاء الناس ليبيين؟ هل تمنعنا عزة النفس من الإقرار بأن أكثر من 10,000 ليبي أصبحوا (لاجئين)؟ هل هنالك فرقٌ بين نازح عربي أو أفريقي وبين نازح ليبي؟ أليست هذه الثورة كلها (انفصالٌ) عن الحكم الفاسد للقذافي وعائلته، فكيف نتخلى عمن (ينفصلون) عنه أيضاً؟ كيف ننسى من (انشقوا) عن الدمار والموت ونفذوا بجلودهم؟ نحن نعلم أن المجلس لا يمتلك الموارد اللازمة للخوض في عمليات إغاثة، ولكن أليس واجباً عليهم أن يتواجدوا وسط الحدث وأن يساهموا في تنظيم المجهودات الإنسانية؟
وكيف لم نرى مبعوثين من المجلس في معبر وازن الحدودي؟ نحن لا نشك في قدرة أهل الجبل الغربي على الاهتمام بأنفسهم وتنسيق أمورهم، ولكن ألا يجب التواصل معهم؟ ألا يجب إرساء قواعد متينة تربط بين أهل تلك المدن وأهل المدن المُحررة في الشرق؟ أم أن تحرير هذا المعبر لا يدخل في سياق ثورة 17 فبراير؟ هل يجب أن تمر كل عمليات التحرر عبر إجدابيا والبريقة لكي ينتقل معها المجلس الانتقالي؟ ألا يجب أن يكون هنالك ممثلين عن المجلس الانتقالي وأن يفتح (مكتبٌ) لهم هنالك؟ ألم تحمل الثورة شعار (الوحدة الوطنية)، فكيف بنا الآن نحس بأن الوضع أصبح (كل واحد على قربوعة راسه)؟
لماذا لم يتم التواصل مع مدن الجنوب الشرقي – كالكفرة وغيرها – التي أعلنت انضمامها للثورة؟ هل تم التنسيق مع المجالس المحلية لتلك المدن؟ هل هنالك تواصلٌ متين معها؟ لماذا لا نرى فيها كاميرا إعلامية واحدة، ولا شخص واحد ينتسب للمجلس الانتقالي من قريبٍ أو بعيد؟ هل تم استدعاء القادة العسكريين والكتائب التي أعلنت انضمامها لثورة 17 فبراير؟ ألا تُعتبر موارد وإمكانيات هذه المدن، والخبرات العسكرية المتواجدة فيها مهمةً لنا وللثورة؟
هل هنالك تواصلٌ مباشر مع مصراته؟ هل هنالك تواصل مع قياداتها، أو تنسيقٌ مع ثوارها؟ هل تم إيصال إي مساعدات دفاعية لتحصين مصراته؟ نحن نعلم أنه تم إرسال الدعم إلى مصراته، ونعلم أن مصراته لديها ممثل في المجلس الوطني، ولكن هل من المعقول أن يتم كل التواصل عن بعد؟
إنها أسئلة مشروعة يُبررها حبنا الجليل للوطن. وهي فقط (حفنةٌ) من أكوام الأسئلة التي تهد مضاجعنا وتسلب نومنا، أصبحنا نتنفس القلق، ونتعرق علامات الاستفهام.
نحن لا نريد من السيد مصطفى عبد الجليل أن يذهب بنفسه، فالمتطوعون موجودن وجاهزون. الإمكانيات المتطلبة لهذه الأمور بسيطة، لا تتعدى إقامة وسائل الاتصال وتوفير بعض سبل المواصلات. ونحن لا نريد الإفصاح عن أي معلومات أو تحركات سرية، ولا نريد فضح التحفظات الأمنية، ولكن هنالك أعمال تقوم بها الدولة بطريقة سرية ونرى أثرها على أرض الواقع...
نحن الآن نرى فقط مسيرةً دبلوماسيةً ثاقبة المدى وعلاقات خارجية واسعة، ولكننا لا نرى أي تصرفاتٍ داخلية للدولة تتجاوز إجدابيا...
إن أركان أي دولة هي: الإقليم، الشعب، الحكومة، والسيادة... المجلس الانتقالي اكتسب صفة الحكومة الشرعية – وإن كانت مقترنةً بصفته الانتقالية – وشهد له الشعب الليبي بالسيادة وأعلن دعمه غير المشروط له، فلماذا لا نرى تصرفاتٍ داخلية تؤكد سلطة وسيادة المجلس؟ وتؤكد سعيهم من أجل مصلحة (كامل) الشعب والإقليم؟ أليست هذه المناطق الثائرة والمحاصرة جزءٌ لا يتجزأ من إقليم ليبيا الحرة؟ أليس أهلها المضطهدين شعب ليبيا الحرة؟
إنها مجرد أسئلة... نقولها ونحن نفيض فخراً وعزاً بانتصارات شعبنا وصموده، ونقولها ونحن أيضاً نعاني من القلق والحيرة... أسئلة نطرحها على المجلس الوطني بحياء، فنحن ندين له بالشكر الجزيل والتقدير العظيم على كل ما أنجزه، ولكننا فقط نطرحها لأن آمالنا في المجلس عظيمة، ونرجو – من كل قلوبنا – أن يرتقي المجلس إلى مستوى تحقيق كامل تطلعات الشعب الليبي.
فهل ستظل ليبيا الحرة مجرد حلمٍ وصمود؟ هل ستبقى أعمال الدولة نفطٌ ودبلوماسيةٌ خارجية؟ وهل سيبقى الشعب الليبي يخوض الثورة ولا يسنده سوى الأمل؟ أم أن (حكومتنا) ستنهض بكامل أعبائها وتقودنا من الثورة إلى الدولة، ومن الكفاح والصمود إلى النصر والحرية؟
يعطيك الصحة يا كاتب المقال . تساؤلات فعلا في حاجة للإجابة ويا ريت توصل للمجلس الوطني
ردحذف