وفي يوليو عام 1995، وبعد حصار دامٍ وطويل، أصبحت مدينة سريبرينتسا رمزا لجبن وخزي المجموعة الدولية التي أصدرت قرارا يعتبر هذه المدينة الواقعة شرق البوسنة منطقة أمنية (تحت الحماية الدولية) ومع ذلك وقفت تتفرج على المليشيات الصربية التابعة للجنرال رادكو ملاديتش وهي ترتكب أبشع مذبحة بشرية تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، راح ضحيتها أكثر من 8000 مسلم بوسني.
فهل تصبح مدينة مصراته، الواقعة في الغرب الليبي، والتي تشهد حصارا محكما منذ أكثر من شهرين من قبل كتائب العقيد القذافي، رمزا آخر للتردد وغياب الفاعلية الدولية؟ وحتى إذا كان تدخل المجموعة الدولية قبل حوالي شهرين قد أنقذ مدينة بنغازي –عاصمة الثورة الليبية – من مذبحة محققة لطالما توعد بها العقيد سكان المدينة الثائرة ضد نظام حكمه القمعي، إلا أن مدينة مصراته – رغم ذلك – تعيش منذ ذلك التاريخ مأساة حقيقية بكل المقاييس؛ بسبب الحصار الشامل والقصف العشوائي على مدار الساعة لأحياء المدينة من قبل كتائب القذافي، مما حول حياة أهل المدينة إلى جحيم لم يستطع النزر اليسير من المساعدات الإنسانية القادمة عن طريق البحر تخفيف وطأته.
ورغم أن الثوار أعلنوا سيطرتهم على مصراته بعد إجبارهم كتائب القذافي على التراجع خارجها، إلا أن المدينة لا تزال تحت رحمة صواريخ وقذائف هذه الكتائب التي تمارس سياسة الأرض المحروقة.
لكن .. ما هي القيمة الحقيقية لانتصار الثوار الجزئي هذا في مصراته - رغم رمزيته – ما دمنا نعيش حربا أشبه ما تكون بلعبة شد الحبل المطاطي: نتراجع بعدما كنا متقدمين، لنتقدم بعدما كنا متراجعين .. وهكذا ؟!
وفي خطوة ستزيد بلا شك من تعقيد مهمة مقاتلات التحالف الغربي التي تواجه مصاعب جمة في التفريق – من الجو – بين كتائب القذافي وقوات الثوار، عمد القذافي إلى تعبئة القبائل الموالية له في المناطق القريبة من مدينة مصراته للمساهمة في إحكام الحصار على المدينة الصامدة.
وبعد مضي شهرين على بدء العمليات العسكرية للتحالف الدولي من أجل حماية المدنيين في ليبيا، يبدو أن هدف إزاحة نظام العقيد القذافي عن السلطة – الذي تم الإفصاح عنه أخيرا – لا يمكن أن يأتي من السماء.
فالخبراء العسكريون يؤكدون أنه "لا يمكننا الاستسلام بسبب ضربات تنفذها صواريخ بعيدة المدى" كما يقول العقيد ميشيل جوبا من معهد الأبحاث الاستيراتيجية بالأكاديمية الحربية بباريس. مضيفا: "للحصول على نتائج ملموسة لابد من وجود عناصر فاعلة على الأرض". ولا يُنتظر أن تؤدي مشاركة الطائرات الأميركية بدون طيار لأول مرة هذا الأسبوع إلى إحداث تغييرات ذات أهمية في هذا السياق.
وفي ظل عدم الانسجام بين الأهداف السياسية للتحالف الدولي والوسائل المعبأة لبلوغ تلك الأهداف، يُطرح التساؤل حول مدى الحاجة لإدخال مبررات عسكرية أخرى نفسه بإلحاح على البلدان المشاركة في هذا التحالف، خاصة وأنه لا قرار الأمم المتحدة حول ليبيا، ولا الموقف المعلن من قبل البلدان الغربية المشاركة في التحالف بعدم رغبتها نشر قوات برية على التراب الليبي، يمنع من إرسال وحدات خاصة في مهام محددة وعاجلة، من شأنها أن تخف من الحصار المفروض منذ أكثر من شهرين على مدينة مصراتة.
فهل من قبيل الصدفة أن يتجه 600 جندي بريطاني مؤخرا إلى قبرص للقيام "بتدريبات" هناك، حسب الرواية الرسمية؟
المصدر: ترجمة/ سعد بن أحمد (الاسلام اليوم )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق