الأربعاء، 20 أبريل 2011

موكب متجهم داخل خيمة طبية في ليبيا مقال من نيورك تايمز


الإخوة بموقع المنارة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد .

فيما يلي ترجمة لمقال "موكب متجهم داخل خيمة طبية في ليبيا" الذي نشرته جريدة نيويورك تايمز في 17 أبريل عن الظروف المأساوية التي تمر بها مدينة الحرية مصراتة ، والمجازر الوحشية التي تقوم بها كتائب ابومنيار في حق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ .


موكب متجهم داخل خيمة طبية في ليبيا

من سي . جي شيفرز


مصراتة – ليبيا : تنام جنان حسين على ظهرها فوق عربة الإسعاف داخل خيمة فحص المصابين وهي مصابة إما برصاصة أو شظية قنبلة أصابت الطفلة ذات الخمس سنوات من العمر على الجانب الأيمن من رأسها . يجاهد فريق طبي ليبي وإيطالي لإنقاذ حياتها حتى وهم غير متأكدين من ذلك . يقول الجراح عبد الله :  "لقد خرج دماغها خارج الرأس" ، وكما في الرياضيات القبيحة في مدينة متوسطة الحجم تعاني من الحصار ، كان الدكتور جويد هو الطبيب في خيمة كشف مكتظة ، وعم هذه الطفلة الجريحة في نفس الوقت . لم يكن لديه الوقت ليركز على حالتها ، فقد وصلت شاحنة بيك اب إلى الموقف بالخارج ، ونزل منها عدد من المقاتلين الثوار يحملون صديقهم المصاب بأعيرة نارية خلال المدخل.  بدا الرجل في العشرينيات من عمره.  لقد تم إطلاق النار عليه من خلال ساقيه الاثنين وبشكل مباشر في صدره وفمه . كانت عيناه جاحظتان . "ربما هو ميت" ، قال طبيب آخر بينما انهمك مساعديهم في قطع ملابس الرجل بعد برهة توقف المساعدون ، فلم تعد هناك حاجة للبحث عن المزيد من الجروح .  "لقد قتل" قال أحدهم .
خلال الصراع من أجل مصراتة ، وهي مدينة تحت سيطرة الثوار تتعرض لهجوم من قبل قوات العقيد معمر القذافي منذ أشهر ، يتزايد عدد القتلى والجرحى الذين يتم تسجيلهم يومياً ، وفي معظم الأحيان كل ساعة ، وفي أحد مراكز العلاج المتعددة المنتشرة في الأماكن التي يسيطر عليها الثوار من المدينة يمكن أن يتم التسجيل بشكل جزئي فقط ، ولكن حيث يتم حساب ذلك ، فإن الأمر قاتم .
يتواصل قدوم الجرحى إلى هذه الخيمة طوال النهار وأحيانا أواخر الليل ، وهم أناس وضعتهم الظروف ليصبحوا طرفاً في موكب يعاني من صدمة الحرب . شارك للتو مصطفى المدهون ، اخصائي العلاج الطبيعي الذي لم ير إصابات خطرة أكثر من تلك التي يعاني منها ضحايا حوادث السيارات ، في بتر الساق اليسرى للمقاتل مصطفى يوسف ، وقد لخص السيد المدهون الأمر بالقول : "كان الأمس يوماً سيئاً للغاية" ، وتمنيت أن اليوم سيكون مختلفاً اليوم هو يوم سيء جدا ، جدا" .
من الناحية السريرية ، شهدت هذه الخيمة قائمة من الآثار المدمرة للأسلحة الحديثة على حياة الإنسان : آثار أعيرة نارية ، وجروح ألغام ، وجروح شظايا قنابل ، وحروق عرضية  .البعض يصل بجروح معتدلة نتيجة خدشة رصاصة ، وآخرين يأتون بجروح تأثر على حياتهم في الحبل الشوكي ،  وهناك عدد قليل يصل مقتولاً . ووفقاً لملاحظة الكادر الطبي لتدفق المرضى يمر عبر هذه الخيمة في المتوسط 50 أو 60 جريحاً كل يوم ، يموت منهم حوالي 10 أشخاص .
"معظمهم ، يقيناً ، هم من المدنيين" ، قال الدكتور باولو جروسو ، وهو طبيب التخدير العضو في فريق من سبعة أفراد بمصراتة يتبعون منظمة المساعدات الإيطالية Emergency, the Italian aid organization وهي منظمة تعمل على مساعدة الأطباء في مصراتة ، وكان من بين أولئك الذين يعملون على إنقاذ حياة جنان . لم يعرف على الفور عدد الأشخاص الذين أصيبوا بجروح مميتة منذ بدء الحصار في فبراير.  يقول الثوار إنه قتل أكثر من 1000 شخص ، وهذا العدد لا يمكن التحقق منه في الظروف الراهنة . سجلات المستشفى المتاحة حتى الآن تشير إلى أنه قتل ما لا يقل عن 313 شخصا وجرح 1047 حتى مساء الأحد ، لكن هذا العدد غالباً  أقل من الواقع ، حيث أن بعض الأسر لا تأخذ الضحايا الذين قتلوا فوراً إلى المستشفيات ، بل يقومون ببساطة بدفنهم بدلاً من ذلك . على سبيل المثال تم دفن الأشخاص الثمانية الذين قتلوا في هجوم صاروخي يوم الخميس الماضي في حديقة عامة صغيرة في حي قصر أحمد دون أن يتم تسجيلهم لدى أي طاقم طبي .
بعض الأيام ، مثل السبت والأحد ، والتي تم التحقق فيها من وقوع 70 جريحا في كل يوم منها ، تكون أسوأ من غيرها ، فمن بين الذين تم قصفهم أطفال صغار أحدهم حسين محمد البالغ من العمر عشر سنوات والذي وصل بعد ظهر يوم السبت إلى خيمة الفحص يصرخ بكاءً، والدماء تتدفق من الشعر بجوار أذنه اليمنى ، وجاهد الأطباء كثيراً أثناء محاولتهم لفحصه ، حتى تمكن عدة مساعدين من الإمساك به . في البداية بدا وكأن رصاصة قد خدشته ، ولكن كان هناك أيضاً جرح على الجانب الآخر من رأسه . بعد أن استقرت حالته ونقل إلى مرفق يحتوي على ماسح للتصوير المقطعي ، وفرت الصور مشهداً أكمل : الرصاصة مرت من خلال جمجمة محمد . يوم الاحد كان لا يزال على قيد الحياة ، مع ذلك أعطى الطبيب تشخيصاً غير مشجع : "الحالة ليست جيدة" ، "في مثل هذا النوع من الإصابات لا يمكنك أن تعطي توقعات متفائلة" .
بحلول صباح الأحد كان هناك القليل من الوقت داخل خيمة الفحص للتفكير في مرضى يوم الأمس ، وأمكن سماع أصوات معركة على مسافة غير بعيدة ، فيما تصاعد دخان كثيف فوق جزء من شارع طرابلس أحد الجبهات الرئيسية في المدينة لتبدأ وتيرة التسجيل في التسارع مرة أخرى . في الساعة 11:20 صباحاً قص الطاقم الطبي قميص رجل كان قد أمطر بوابل من الشظايا الناجمة عن انفجار لغم ، وامتلأ ظهره بالثقوب الصغيرة .  قام فني التصوير بإجراء مسح لجذعه بواسطة جهاز الموجات فوق الصوتية بينما كان الأطباءيراقبون . "ليست هناك مشكلة" ، قال الدكتور جروسو :  "صدره لم يتضرر" . وصلت سيارة إسعاف أخرى بعد ثماني دقائق مع رجل لم يكن محظوظاً جداً.  كان قد أصيب برصاصة بالقرب من وركه ، وهو مكان من الصعب جدا إيقاف تدفق الدم منه . أدرك حشد من الرجال الذين رأوه يُحمل خارج سيارة الإسعاف ، ورأوا البركة الواسعة من الدماء التي تركها ، أنه على وشك الموت ، فبدأوا على الفور في ترديد : "الله أكبر" ، وكبروا مراراً وتكراراً .
طوال فترة ما بعد الظهر استمرت الوتيرة على نفس المنوال كان هناك أربعة أو خمسة مرضى جدد يتم إسعافهم في آن واحد ، وبدا الأمر كما لو أن عربة تخرج من الخيمة ، لتدخل واحدة أخرى في أعقابها ، وكان مركز العلاج جيد التجهيز بشكل أو بآخر : قام طاقمه والعديد من المتطوعين الذين أتوا لتقديم الدعم بعمل ما تم التخطيط له ، إضافة إلى بعض من التنازلات الضرورية ، حتى يتم القيام بهذا الأمر . (في يوم الأحد اضطر الطاقم إلى غسل يديه بصابون مسحوق الغسيل العادي . أي شيء لتبقى نظيفاً).العديد من احتياجات المركز الأساسية تمت تغطيتها إلى حد ما : هناك مولد ومياه جارية ، وهما شيئان غير متوفرين في الكثير من أجزاء المدينة ، كما يتم تقديم زجاجات المياه ووجبات بسيطة من الطعام للمرضى وأولئك الذين يعملون هنا من حين لآخر ، لكنه يفتقر إلى بعض الأدوية ، بما فيها المواد المخدرة ، فطوال أسبوع على الأقل لم يكن هناك مورفين ، وهو دواء يحتاجه بعض المرضى في أي ظرف آخر بالتأكيد ، ومن صمنهم السيد يوسف ، وهو مقاتل أصيب بعجز بسبب المدفعية التي دمرت ساقيه . شاهد السيد يوسف سرواله المليء بالدماء يقطع ، كاشفاً عن ساقين منفختين وقدمين بارزتين بطريقة غير مفهومة ،  وكان واضحاً أنه سيتم بتر ساقه اليمنى ، بينما من غير المؤكد أيضاً أنه سيتم الحفاظ على ساقه اليسرى ، ومع ذلك رسم شارة النصر ، واسترخى على المحفة ، وأنّ في خفوت ، ثم بدأ في الصلاة .
في وقت لاحق ، وبعد أن بُترت في هدوء ساق السيد يوسف اليمنى ، أسرع السيد المدهون الخطى بعيداً عن الخيمة ، فيما انهمك مساعدون في غسل الدماء عن النقالات ودفعها في سيارات الاسعاف للتوجه ثانية خارجاً.  كان الدخان فوق شارع طرابلس يزداد سمكاً ، وقال البعض إنهم يخشون أن تتعرض خطوط الثوار للانهيار ، مما يسمح للقوات الموالية للقذافي بالاندفاع دون عوائق إلى المدينة . كان جواب السيد المدهون سريعاً عندما سئل عما إذا كان خائفاً : "قطعا لا" ، وأضاف : "لدينا علاقة قوية مع الله. جميعنا هنا نعلم أن الموت سيأتينا يوماً ما نحن نعلم أننا جميعاً سوف نموت ، ونحن لا نهتم كيف نموت"  . ثم وقف صامتاً بينما كان يتم نقل المرضى ، في حين كانت هناك شاحنة مبردة في الموقف وبها الأشلاء المتناثرة التي تم جمعها في الصباح من الشارع.  وأضاف بعدها معدلاً جوابه. "إنه لشرف عظيم أن نموت موت دفاعاً عن الحرية."
رغم ذلك كثيرون جداً أصيبوا أو قتلوا دفاعاً عن لا شيء ، ودون مقاومة لأي شيء ، فقط كانوا يحاولون البقاء بعيداً عن الصراع ، إذ تشير احصاءات يوم الأحد إلى انضمام امرأة مسنة إلى موكب الجرحى ، إضافة إلى رجل ضئيل الجسم يبلغ من العمر 92 عاما تم جلبه إلى الخيمة ووجه وقدماه مخضبتان بالدماء . قال ابنه إنه كان في منزله عندما ضربت المنزل قذيفة هاون أو قذيف مدفعية مما أدى إلى انهيار السقف. كما وصل المزيد من المقاتلين أيضاً ، بعضهم في شاحنات صغيرة مليئة ببرك من الدماء ، وكان هؤلاء الرجال في الرمق الأخير من الحياة . مع الساعة الخامسة مساء كان الحشد حوالي الخيمة يرتلون دون توقف تقريباً . توفي مقاتل ليبي آخر ، فقاموا بلف جسده في بطانية خضراء تمهيداً لمواراته التراب وجرى إعداد جثته لنقله إلى قبره وقف عدد من الرجال ، وبعضهم يبكي ، في صفين ثم ساروا بالنعش الخشبي وبداخله الجثمان نحو شاحنة كانت في الانتظار .
بعد عشر دقائق بدأ اللحن الحزين نفسه من جديدكان الدور على رجل آخر. تأمل الدكتور جروسو المنظر ، وكان صورة من رباطة الجأش طوال اليوم وقف الآن بين سيارات إسعاف ملطخة بالدماء وصاح : " "إنه لعار على الدول الغربية" ، وقفل عائداً إلى الداخل للعمل.
وبعد وقت قصير ، انتقل الخبر من الطاقم الطبي ، ليصل إلى الحشد كان هناك ضحية أخرى جنان حسين طفلة الخمس سنوات ، ماتت .

ترجمة ليبيانا الحرة

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية
للاطلاع على الصور المرفقة بهذا المقال
حسبنا الله ونعم الوكيل .
اللهم مرسل السحاب ، منزل الكتاب ، هازم الأحزاب ، اهزم بومنيار وجنده وزلزلهم . الله إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم .


هناك تعليق واحد:

  1. حسبي الله ونعم الوكيل....اللهم اجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها

    ردحذف