التاريخ يكرر نفسه: بين هتلر وموسوليني والقذافي.
أبراهيم محمد طاهر
منذ فترة عبَّرَ لي صديق عن حنقه على تاريخ البشرية؛ كان قد اشترى كتاباً في التاريخ، ويبدو أن أمله فيه قد خاب إلى حدٍ كبير، فقد أجابني حين سألته عن الكتاب: (أظن أن العالم يجب أن يتوقف عن هدر الورق والجهد في طباعة كتب التاريخ... وإذا قابلت مؤرخاً ما، فسأنصحه – بكل مصداقية – بأن لا يُتعب نفسه في كتابة عشر مجلدات تاريخية جديدة، سأعطيه هذا الكتاب وأنصحه بأن يقوم، فقط، بتغيير الأسماء!)
وكم كان هذا الصديق مُحقاً؛ فالآن نحن نختبر سرمدية التاريخ مباشرةً؛ فنحن نشهد نفس سيناريو (الوقوع) يتكرر من جديد مع طاغية مجنون مُعاصر. ونظراً لاقتراب النهاية (وهي أقرب مما نتصور) وددتُ استعراض نهاية اثنين من آلهة الظلم والاستبداد.. التاريخ يفيض بالطُغاة الذين سقطوا من عليائهم وأصبحوا مجرد ذكرى بشعة لكابوس دموي، والواحد منا يستطيع أن يُسمي على الأقل عشر أمثلة على ذلك، ولكنني اخترت هذان الاثنان بالتحديد لاربتاطاهما ببعضهما البعض، ولشهرتهما... وأيضاً من دافع الأمل.. فلعلنا في الأيام القادمة سنشهد إحدى هذه النهايات تتكرر من جديد داخل العزيزية، أو وسط ساحة طرابلس...
من ناحية القادة فهتلر كان بالفعل قائداً وطنياً جيداً، والكثير يُجمعون على أنه حقق الكثير لألمانيا. ولكن البشاعات التي نتجت عن أحلام هتلر حكمتْ عليه بالهلاك، وجرَّ معه ألمانيا إلى الهاوية. وكانت النهاية. خسرتْ ألمانيا كل شيء. ولعل أحد الأدلة على جنون هتلر، وعقدة الإله التي تصيب كل القادة، كان تعبيره عن أن الشعب الألماني قد خذله، وأنه يستحق الموت لأنه فشل – هذه اللحظات الأخيرة من حياته بيَّنت للعالم أن هتلر لم يكن يحب إلا نفسه. وتدمرت القوات الألمانية شيئاً فشيئاً، ورفض هتلر الاستسلام لحقن دماء الألمان؛ عقاباً لهم على فشلهم كما أشرنا سابقاً. وكان هتلر قد اتخذ قرار الانتحار قبل أيامٍ من نهايته، وتم تجهيز وصاياه، وحتى تجريب أحد أنواع السموم على أحد كلابه. وبعد أن اقتربت القوات الروسية من معقل هتلر، حيث كانوا على بعد حوالي 500 متر، ودَّع هتلر من تبقى معه من ضباط ومساعدين، ودخل إلى مكتبه. وبعد لحظات تردد صدى عيار ناري عبر الممرات خارج المكتب.
لم يكن هنالك مفر من سقوط هتلر، ومعه ألمانيا، في دوامة العدمية التدميرية، بعد حربٍ شاملة، راح ضحيتها الملايين، وارتُكبتْ فيها جرائم فظيعة ضد الإنسانية، فهذا الدمار الذي أصرَّ عليه هتلر كان من الحتمي أن ينقلب عليه وعلى وطنه وأن يدمرهم أيضاً.
وهنا ننتقل إلى مثال آخر، مرتبط بهتلر، ومشابه له في تطلخه بدماء الإنسانية. ولكنه مختلفٌ عنه في شيء أساسي، وهو إيمان الشعب. عقيدة موسوليني لم تكن مبنيةً على الإنسان الإيطالي، نعم كان بها جوانب تهدف إلى إعادة أمجاد روما، ولكنها كانت عقيدةً فاشستية إلى أقصى الحدود، مما أدى إلى اضطهاد الشعب الإيطالي أيضاً. وبينما نجد دعماً غير مشروط من الشعب الألماني لهتلر، فنحن نجد معارضةً شديدة من الشعب الإيطالي لموسوليني. في ألمانيا لم تحدث انشقاقات وانقلابات إلا في نهايات الحرب، وفي سبيل الاستسلام، وكانت محصورةً في صفوف الضباط العسكريين الذين أدركوا بأن النجاح العسكري لم يعد ممكناً. ولكن أيطاليا كان بها جبهات مقاومة تتعامل مع قوى الحلفاء، وكان بها جماعات مسلحة انتفضت بعد أن وصلت الحرب إلى إيطاليا. في ألمانيا الجيش الروسي هو من دخل إلى معقل هتلر، حيث وجدوا أنه قد انتحر. ولكن في إيطاليا لم يتم أمساك موسوليني لا من قبل الأمريكان، ولا الإنجليز، بل من الطليان أنفسهم، حيث هرب ذلك (الإله الجبان) مع القوات الألمانية المُنسحبة، بل حتى أنه كان يرتدي زياً ألمانياً! ولكن المقاومة الإيطالية تعرفوا عليه، وقبضوا عليه هو وأتباعه. وتم إفراغ الرصاص فيه بعد أن ضُرب ضرباً مُبرحاً. وجميعنا نعلم أنه تم تعليق جثته، بالمقلوب، في إحدى الساحات. ولعل المفارقة، التي قد يتعاطف معها الكثير من الليبيين، هي أن تلك الساحة كان موسوليني قد أعدم فيها نحو 15 شخص من المعارضة، وبعد أن أُعدم موسوليني وتم تعليقه هو وأزلامه في نفس الساحة؛ ليراهم الجميع ويشفوا غليلهم بمشهدهم، تمت تسمية هذه الساحة بساحة الشهداء... وكم من ساحةٍ لدينا في ليبيا أصبحت تُعرف بساحة الشهداء...
هتلر شعبه وقف معه إلى آخر لحظة، موسوليني قتله شعبه. هتلر كان لديه نوع من الكرامة؛ دفعه لتجنب ذل الأسر بقتل نفسه، موسوليني كان فاشستياً، والفاشستية تنبع من الحقد والكره، وهما نتيجة مباشرة للجبن والخوف، وأدى كل ذلك إلى محاولته الهرب بطريقة مُخزية. ولكن، فكلاهما لم يرحمهما التاريخ، كلاهما مضى إلى قبره غارقاً في دماء البشرية، كلاهما جزار برتبة زعيم. وهو أمر يشاركهما فيه القذافي بتميز.
وعند تحليل الأمر، فيمكننا أن نكون متأكدين من أن القذافي أشبه بموسوليني... فشعب ليبيا يكره القذافي ويغلي عليه غضباً منذ 42 عاماً، وحين ومضت أول شعلة للثورة، انتفض الشعب كاملاً ليسترد حقوقه المهضومة... ومن ناحيةٍ أخرى، فلم يمر على تاريخ ليبيا كله شخص يكره الليبيين أكثر من القذافي... لا إغريق، ولا فراعنة، ولا رومان، ولا موسوليني وجراتزياني، جميعهم لا يُقارنون بذرة واحدة من حقد القذافي وكرهه لشعبه. أي جرائم ارتُكبت في حق ليبيا من الغرباء يمكن تبريرها على أنها حربٌ همجية أو احتلالٌ جائر، ومهما يُرتكب فيها من جرائم فالناس لا يستغربون ذلك، ولكن أسوأ طريقة لتدمير بلاد، أبشع وسيلة لاضطهاد شعب كامل، ليست الحرب أو الاحتلال، بل هي تدمير البلاد من الداخل من قبل شخص مجنون يدعي لنفسه قيادتها... القذافي غرس مخالبه المسمومة في ليبيا، وبقيَّ ينهشها من داخلها لأربعة عقود... لأربعة عقود وهو يدمر بلادنا، يقتل أهلنا وإخواننا، يسجن كل من يتنفس ضده، يذبح كل من يقول (لا)... وكل هذا الوقت، كان يقول بأنه قائد ليبيا! رئيسها، سلطانها، ملكها، ربها الأعلى!.. فيا إلهي هل هنالك زعيم بلاد يُفني حياته كلها في تدمير بلاده وقتل شعبه؟!
في هذه الأيام لم يبقى شيء يُقلقنا. شعبنا الليبي العظيم أرسى قواعد ثورته، لم يعد هنالك أي مجال للتراجع أو الاستسلام، (الجماهيرية القذافية) لم تعد موجودة، لم نعد نشك في انتصارنا أو نجاحنا، لقد تذوقنا طعم الحرية المختلط بالدماء، ولن نتوقف إلا حين ننال كامل استقلالنا من هذا (اللانظام) الفاسد... كل ما بقيَّ لنا الآن، لنتساءل عنه، هو كيف ستكون نهاية هذا السفاح؟ أنا شخصياً لا أظن أنها ستكون كنهاية هتلر؛ فالقذافي جبان، معتوهٌ أبله، لا يعرف شيئاً عن الكرامة والشرف – يعرف فقط كيف ينتهكها – وغضب الشعب الليبي لن يسمح له بأن يهرب بسهولة هكذا... ولذلك، فأنا حالياً أبحث عن أي مكان مراهنات؛ لكي أراهن على أن القذافي سينتهي نهايةً موسولينية: سيحاول الهرب في ثياب نساء (ومع ذوقه في الملابس فلن يكون ذلك صعباً!) وسيتم القبض عليه، وسيُحكم عليه بالإعدام آلاف المرات، اقتصاصاً لكل شهداء ثورة 17 فبراير، ولكل شهداء المجزرة التي استمرت 42 عاماً... وكل يوم ستُعلق جثته النجسة بالمقلوب في إحدى ساحات الشهداء في ليبيا، يومٌ في طرابلس، ويوم في بنغازي، ويوم في الزاوية، ويوم في مصراته، ويوم في البيضاء، ويوم في الزنتان، ويوم في درنة... وبعد أن يتعفن أكثر من الآن – وهو حي – ستُحرق جثته، وسيُنثر رماده في المراحيض عبر ليبيا... وبذلك سنكون قد رحمناه...
واتباعاً لنصيحة ذلك الصديق، فأنا أدعو أي مؤرخ يرغب في تسجيل نهاية القذافي، بأن يُجهز بعض الكتب عن نهاية هتلر وموسوليني، لكي يستبدل اسم أحدهما بالقذافي بعد أن يلقى حتفه على يد ثورة 17 فبراير. وأنا مازلتُ أراهنُ على نهاية موسوليني... وربما سأراهن بمبلغ بسيط على نهاية هتلر؛ تحسباً لأي طارئ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق