لا تختلف تركيبة الشعب الليبي الاجتماعية عن غيره من الشعوب العربية من حيث الانتماء القبلي الذى هو امتداد تاريخي تميز به العرب منذ ان وجدوا وعلى مر القرون.
ومما يؤكد هذه الحقيقة الاجتماعية للبشر ما قرره الحق تبارك وتعالى فى القرآن العظيم في قوله تعالى (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير)
ومما يسجله تاريخ الليبيين فى هذ الجانب ان القبيلة كانت تمثل سلطة فاعلة في الحراك الاجتماعي سواء فى شأن العلاقات بين القبائل او ما هو على مستوى الوطن والذي تبين في الجهاد ضد الاستعمار. ولعله مما ساعد على ذلك في الماضي التواجد الجغرافي السكاني والذى كان يغلب عليه فى الماضي تكتل السكان في مناطق معينة حسب القبائل.
ومن الطبيعي ان يتغير الوضع الجغرافي لسكان البلاد وان يمتزج السكان ويتنقلوا حسب ظروف ومتطلبات الحياة حتى صارت المدن الكبيرة مزيجا من مختلف القبائل ولم يعد للانتماء القبلي دور الا في تعريف الانساب واحيانا فى علاقات المصاهرة.
شاء القدر للقذافي الذي ينسب لقبيلة القذاذفة ان يحكم ليبيا ولن اتعرض هنا لكيفية وصوله للحكم وتمكنه منه ولكن الحقيقة التي يعرفها الليبيون بوضوح هي ان القذافي عمل بقوة لترسيخ مبدأ سيادة البدو على الحضر وانتصار الخيمة على القصر فى كل ادبياته وميكانيكية حكمه حتى احدث في المجتمع الليبي عنصرية مكبوتة فى النفوس منع من ظهورها سيف الاستبداد المسلط على رقاب الشعب الليبي طيلة سنين حكمه.
وقد لعب القذافي منذ بداية حكمه على حبال القبلية كلما سنحت له الفرصة ورأى في ذلك حاجة لتثبيت حكمه، والمتابع لمنهج سياسة القذافي طيلة عقود حكمه لا يحتاج الى تحليل عميق اوتفكير طويل لمعرفة هذه الحقيقة.
من هذا التقديم الموجز اردت ان اصل الى امر يهمنا نحن الليبيين في هذه المرحلة المفصلية التي ستحسم مستقبل وطننا بعد ان ينتهى بعون الله تعالى صراعنا مع نظام القذافي البغيض ويفرح العباد وتهنأ البلاد برحيله الى غير رجعة. فمنذ ان انطلقت هذه الثورة المباركة في بنغازي ثم اشتدت وانطلقت الى باقي بقاع الوطن صارت الحاجة امس واشد الى تكاثف جهود الشعب الليبي وتلاحمهم امام بطش القذافي لا سيما بعد ان انكشف وجهه الحقيقي في جلبه للمرتزقة الذين يغدق عليهم من اموال الليبيين التي حرمهم منها طيلة عهده المظلم. أتى بمرتزقة لا يعرف لهم اصل ليقتلوا الليبيين ويعيثوا في ارضهم فسادا بصورة بشعة ومجردة من ابسط قيم الانسانية يقودهم هو وابناؤه الفسقة وممن حوله من اولئك الذين ينسب اليهم كأبناء عمومة.
في هذا الخضم وامام هذا المشهد الرهيب انطلقت صرخات الليبيين تستنجد بكل ما امكن، والذي يهمني هنا تلك الاصوات التي ما انفكت تنادي مرة استنجادا واخرى تحريضا وغيرها تفاخرا تنادي القبائل ان تتحرك لنصرة شعبها الذي يذبح على ايدي مرتزقة ومن معهم من عصابات كتائب القذافي.
ولم يقصر الاعلام كذلك في تضخيم دور القبائل وصور ليبيا دولة قبلية تحركها قيادات القبائل التي تملك امر الحل والحسم وصناعة المستقبل. وحتى يومنا هذا لا تكاد تخلو صفحة على الانترنت او لقاء على الهوائيات الا ويبرز هذا الامر ويجدد النداء، والحقيقة التى على ارض الواقع انه لا حياة لمن تنادى وانه لا دليل لدور قبلي في الصراع الا ما قد يكون يدبر وراء الكواليس لصالح النظام بحكم ان كثيرا ممن يحيطون بالقذافي كان قد مكن لهم على هذا الاساس القبلي.
ولمن ينساق وراء هذا الوهم ويعول على هذا الدور ويتحمس له اقول رويدك فالذي تراه سراب وحسبك ان تنظر الى الدماء الي تسيل في شوارع المدن والى الرجال الذين يتنادون للمقاومة فليس بينهم من يلتفت الى هذا الامر وخبرنا بربك متى تفيق هذة القيادات وكيف وبأيي محرك ستوجه دفة الواقع الدموي الاليم.
ولربما اعتبر البعض ان هذا الامر من باب الفضول او التثبيط ولكني ارى الحقيقة ان المجتمع الليبي يتجه نحو الخير والعافية عندما يتجاوز هذا النمط الاجتماعي القديم ليصبح مجتمع دولة حضارية تحكمه موازين العدل والحق وتحركه دوافع مجتمع مدني متحضر يأخذ مكانه في مجتمع عالمي اصبح كمدينة واحدة مع التسليم بأن القبيلة كنسب لا ضرر منه البتة. ثم نظرة الى مجتمعات اخرى عربية وافريقية تحكمها سلطات قبلية وعشائرية، كيف نراها من حيث استقرارها السياسى؟ وكيف ان انظمة الحكم المتسلطة اينما كانت تعتمد فى بقائها على هذا الوضع الاجتماعي. وسؤال اخير: سيذهب القذافي بعون الله الى غير رجعة فهل سيكون نظام الحكم في البلاد بعده رهنا لهذا التأثير القبلى؟ ارجو ان يكون غير ذلك.
د. بشير احمد المدهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق