عطفاً على مقال سابق كتبته قبل عامين بعنوان " النظام السياسي الليبي ومتغيرات النظام الدولي" بينت فيه ضرورة إعادة هيكلة النظام السياسي في ليبيا بما يتلاءم مع التغيرات الدولية، و كان مختصر المقال قد بين أن هناك تغيرات حصلت في سياسة ليبيا الخارجية, وعودتها للساحة الدولية عبر العديد من السلوكيات والمسلكيات, مثل حل قضية لوكربي, والطائرة الفرنسية, ومقهى لابيل الألماني, وقضية الممرضات البلغاريات، ولكن هذه التوجهات لم يقابلها أي تغيير أو تحديث أو تطوير للسياسة الداخلية وخاصة آليات عمل النظام السياسي الليبي،
ولهذا فنتيجة للحراك السياسي الذي تشهده المنطقة العربية بسبب الثورة التونسية, والمصرية, ارتأيت أن أبين بعض المنطلقات والرؤى التي تثير جدلاً في الأواسط الشبابية داخل ليبيا, وخارجها, انطلاقاً من إيماني بان ليبيا للجميع ويحبها الجميع ويتمنى الكل لها الخير. بدايةً سأبدأ من تونس الثائرة : فعندما شعر الرئيس المخلوع زين العابدين أن نهايته قريبة, وأن ظروف الشباب الثائر لا تسمح ببقائه في الحكم، آمن كما آمن فرعون في لحظات الغرغرة, بقوة الشعوب حين تثور وتقرر تحطيم الاستبداد، حاول أن يصحح ثلاثة وعشرين سنة في خطاب وداع يتيم، في مظهر مبكي محزن يذكر بضعاف خلفاء بني العباس لرئيس يستجدي شعبه أن يستمع إليه، وقدم التنازلات, وتعهد بأنه سيرسي دعائم الديمقراطية, وسيسمح بحرية الرأي, وسيعطي الحق لجميع الأفراد في تكوين تنظيمات وجمعيات وووووو ...إلى آخر واواته غير المتناهية التي دلت على نهايته، ولكن هذا كله لم يجد نفعاً, في وجه شعب فهم رسالة البوعزيزي, و علم أن رسالة الشعب أن يثور على الظلم، فوعي الدرس بعد لأي, وأنهى العرس الحزين, وحقن الدماء ورحل هارباً تاركاً البلاد والعباد، وقال قولته المشهورة : " اليوم فهمتكم ، اليوم فهمتكم". ولم ينفعه فهمه, كما لم ينفع فرعون إيمانه.
وفي مشهد مشابه لا يختلف أبداً عما قاله الرئيس التونسي المخلوع، تكلم الرئيس حسني مبارك في خطابين منفصلين ولكنهم خطابان متشابهان، سواء في المفردات, أو في العبارات, أو في المضمون أو في التوقيت، وحاول تدارك الأمر, فقدم تنازلات لم يقدمها طيلة الثلاثين سنة الماضية، فأقال الحكومة, وعين نائباً له, وطالب بإجراء حوار مع المعارضة بما فيهم الإخوان المسلمون وحركة كفاية إلى آخر موضة الواوات غير المتناهية. ومازال حتى كتابة هذه الأسطر لم يفهم الدرس، ولم ينه العرس، فربما يكون غير مصدق أن الشعب الذي خدمه حسب قوله ثلاثين سنة يثور عليه، فعاند وكابر ولم يع أن الروح قد عادت إلى جثة الجسم العربي المنهك من حكومات فاسدة نتنة، ودكتاتوريات بالية لم تعد شعوبها تصدق ما تقوله وليس لها أدني مصداقية، وأن استمرارها في الحكم ما كان ليتم لولا الحديد والنار والإرهاب والترهيب.
من خلال هاتين التجربتين, سأطرح العديد من الأسئلة التي تدور برأسي ورأس الكثيرين من أمثالي, حول النظام السياسي الليبي, وءالية عمله في هذه المرحلة الحرجة, من تاريخ الشعوب العربية التي نتأثر بما تتأثر به إن خيرا فخير وإن شرا فشر والتي منها:
- هل ستمتد شرارة الثورة التونسية والمصرية إلى ليبيا؟ أم أن الليبيين كانوا حذاقا كما ذكرت صحيفة قورينا فقاموا بعمل جسر لمرور الثورة من تونس إلى مصر؟
- هل يوجد احتقان داخل المؤتمرات الشعبية الأساسية؟ كما هو موجود بتونس ومصر يستدعي القيام بتحركات شعبية؟ أم أن طبيعة المجتمع الليبي المتصفة بتجذر القبلية قد تمنع مثل هذه التحركات؟ خوفاً من أن تغرق ليبيا في بحر من الدماء قد يكون عميقا ؟
- وهل هناك تفاعل مبني على المصداقية؟ داخل النظام السياسي قادر على احتواء هذه الأزمة؟ من خلال محاولة النظام إنتاج مؤسسات جديدة قادرة على التكيف مع متطلبات الفترة, واستحقاقات المرحلة؟
- وهل الإجراءات والقرارات التي يتم اتخاذها الآن من تقديم قروض بدون فوائد، وتعيينات للعاطلين والإعلان عن توفير250 ألف فرصة عمل، وتوزيع المساكن ، وتخفيض قيمة بعض السلع الأساسية وووو...إلى آخر الواوات التي نرجو أن تكونا أجدى من أخواتها المصريات والتونسيات, يمكن أن يصدقها المواطن الليبي ؟ علما أن الكثير من هذه السياسات لم يتم دراستها, وعليه فهي ليست سياسة رشيدة, بقدر ما هي عبارة عن قرارات لردود أفعال تحاول احتواء أمر ما لا أكثر ولا اقل؟ (( مقال الأستاذ عبد الرحمن الشاطر بعنوان تريثوا..أتابكم الله)).
- وهل الأفراد فعلا يحتاجون إلى الدعم المادي والنقدي والعيني فقط؟ أم أن الناس فيما بعد الثورة البوعزيزية لم تعد تصدق ما تقدمه الأجهزة التنفيذية من وعود وعهود؟ وأن تلبية مطالبهم المادية يجب أن تقترن بمطالب معنوية ؟
- وهل فشل سياسات اللجنة الشعبية العامة وأجهزتها التنفيذية -كما يسوق البعض- فعلاً مسئولة عنه هذه اللجنة، أم أنها تدور كما يدور غيرها في فلك نظام أعم وأشمل وخلل يمتد ليشمل تركيبة النظام السياسي وطريقة تفاعله داخل الدولة والنسق القيمي الذي يعمل به؟
إن هذه الأسئلة وغيرها يجب النظر إليها بكل واقعية, ودون أي خلفية إيديولوجية سياسية تنظيمية، ودون أي غرض سوى خدمة هذا الوطن العزيز، وبما يحقق نموه وتقدمه وتجنيبه أي منزلق خطير ربما لا تحمد عقباه.
وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق
كما يقول شوقي,
ولهذا فان أي سياسة مستقبلية ينتهجها النظام السياسي الليبي لاستحقاق المرحلة الحالية والقادمة يجب أن تراعي الآتي:
1 – أن ليبيا بلد لجميع الليبيين, وأن الإقصاء والتخوين والتهميش وغيرها يجب الابتعاد عنه، لأنه قد يزيد الطين بلة, وأن مجرد إطلاق هذه الصفات يعتبر نوع من نكء الجراح التي لا طائل من ورائها لمن يستشرف المستقبل، وأن أبواب ليبيا مفتوحة لجميع الليبيين في الخارج والداخل وبدون أي تحفظ، وأن مساهمة كل التنظيمات السياسية, والتيارات الفكرية في الخارج, أمر مهم للم الشمل بما يحقق الخير للجميع.
2 – أنني متأكد جازماً اقتناع الجميع داخل ليبيا بأهمية الأمن والأمان وأنهم يدعون في صلواتهم " اللهم احفظ البلاد والعباد من الفتن ما ظهر منها وما بطن"، وأن الخسائر التي قد تنجم عن الانفلات الأمني-لا قدر الله- مدمرة للبلاد, وقاتلة للعباد, وقد تأتي على الأخضر واليابس، وقد تدخل ليبيا في نفق مظلم لا نتحكم في الخروج منه، غير أن الحرص على الأمن يجب أن يقابله حرص على تفعيل أساسيات مبادئ بناء الديمقراطية والتي تعتمد على حرية الاختيار وحرية القول والفعل, والشورى والعدل والمساواة ، وهي المبادئ التي نجد صداها ورؤاها في الفكر السياسي الاسلامي...الخ
3 – أن إعادة هيكلة النظام السياسي التي دعوت لها قبل عامين يجب أن تبدأ من معرفتنا بقصور هذا النظام عن تلبية متطلبات أعضائه، ويجب كما يقول المثل: أن لا نغطي عين الشمس بغربال، وأن نواجه حقيقة واقع معاش لا يمكن إنكاره، وأن المداورة والمحاورة والمناورة عليه بتطبيل وتزمير لا ينطلق إلا من خيال الحالمين والمتحاملين, والمنافقين والمتسلقين, والانتهازيين، وهذا لن يقدم شيئاً إلى هذا الواقع بل قد يزيد الأمر تأزماً واحتقاناً، وأول تجليات هذا الواقع وأهمها عزوف المواطنين عن حضور المؤتمرات الشعبية الأساسية التي تعتبر عماد الديمقراطية في ليبيا, ومرتكز التنظير الفلسفي النظري للنظرية العالمية الثالثة ، وهذا مثبت علميا بدراسة قام بها أحد طلبة أكاديمية الدراسات العليا بجنزور سنة 2005 بعنوان " أسباب عزوف المواطنين عن حضور المؤتمرات الشعبية الأساسية" حيث قام الباحث باستبيان شمل جميع مناطق الجماهيرية تركزت الأسئلة حول أسباب هذا العزوف، فكان الأجدى بمؤتمر الشعب العام واللجنة الشعبية العامة منذ ذلك الوقت البحث في أسباب القصور ومناقشتها بكل صدق وشفافية وبطريقة علمية عملية .
4 – إن المرحلة الحالية تتطلب وبصورة لا تقبل التأجيل تكوين مرجعية قانونية أساسية يستند إليها النظام السياسي في أداء وظائفه تتوافق ومتطلبات الظروف الراهنة، وأن هذه المرجعية يجب أن يصوغها خبراء متخصصون من أساتذة العلوم السياسية والقانونيين والاقتصاديين, وأن يساهم في صياغتها جميع أفراد الشعب دون إقصاء لأي فئة أو طائفة أو تنظيم، وأن تؤكد هذه المرجعية على سيادة القانون، ودولة المؤسسات بالدرجة الأولى، بحيث يتم تفعيل ميكانزمات عمل النظام السياسي الليبي لكي يكون قادرا على التطور والتحديث وفق تحولات البيئة المحيطة.
إن الشعوب أصبحت أكثر وعياً، وأوسع إدراكا ، وأكثر فهما لما يدور حولها، وإن أي محاولة لطمس الحقائق عنها قد تكون نتائجها عكسية، وليس هناك أفضل وأجمل وأحسن وأسلم من الصدق ثم الصدق ثم الصدق مع الشعوب, والتاريخ لا يظلم أحدا, ولا يرفع أحدا فوق قدره,:
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثا حسنا لمن وعى.
كولالمبور – ماليزيا
08/02/2011
برا الحق السعي في مزده وانت حرام فيك شهاده ابتدائية يا والله دكتور هههههه
ردحذف