المنارة
قال أحد شهود العيان في مجزرة بوسليم التي وقعت أحداثها في العام 1996 "حسين رجب الشافعي"إنه تعرض لصور شتى من العذاب والتنكيل بسجن بوسليم وصلت إلى حد إحداث عاهة جسدية في جسمه.
جاء ذلك في رسالة بعث بها الشافعي إلى المنارة سرد فيها تفاصيل القبض عليه وإيداعه السجن في العام 1989 وحتى الخروج منه في العام 2000.
وذكر أنه يكتب هذه الرسالة من"منطلق الحفاظ على كرامة البشر واحترام عقولهم وصون دمائهم وأن النفس قد أعزها الباري عزوجل وأمرنا بحفظها كما جاء في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأرواحكم بينكم حرام) أو كما قال المصطفى"
وسرد الشافعي في هذه الرسالة تفاصيل القبض عليه التي بدأت بوضعه في زنزانة في مقر الأمن الداخلي بمنطقة الحدائق ببنغازي ثم نقله إلى سجن الكويفية وصولا إلى نقله مع مجموعة أخرى في طائرة إلى طرابلس ووضعهم في سجن بوسليم.
وذكر الشافعي أنه تعرض للتعذيب والضرب بسجن أبو سليم وعُذّب عدة مرات، ومورست عليه عدة أنواع من التعذيب، ولكن المحققين لم يستطيعوا أن يجدوا بحسب قوله أي إدانة في حقه من النواحي الفكرية أو الحركية أو ما يخالف قوانين الدولة وشرائعها.
وأشار أن المحققين معه أعطوه "في نهاية التحقيق عدد من الأوراق وطلبوا منه أن يوقع عليها ولم يتم السماح له بقراءتها أو مراجعتها.حسب قوله.
وقال إنه"حتى يوم الإفراج وهو يوم 01/06/2000 ولم أر أي ممثل قانوني أو محامي ولم أعرض على نيابة عامه أو أي جهة قضائية".
وأوضح الشافعي أنه تعرض"طيلة الإثنى عشرة عاما لأشد وأقسى أنواع الألم والعذاب النفسي والجسدي،وحرمت من رؤية الأهل والأحباب، وقد خسرت أهم وأقدس الأهداف ألا وهو التحصيل العلمي، إذ إنني كنت طالبا في ذلك الوقت وعلى مشارف التخرج في تخصص الهندسة الكهربائية".
وأعلن الشافعي أنه"على أتم الاستعداد للعفو والصفح استنادا على قول الخالق وإن تعفوا وتصفحوا فهو خير لكم ولكن الصفح والعفو يجب أن ينطلقا معا وسويا على أسس واضحة مبدأهما إثبات الصدق وحسن النوايا وإظهار حجم الضرر والأذى بما لحق بالمتضرر وصدق النواية والاعتراف والندم لدى المعتدي".
واعتبر الشافعي الدكتور مصطفى الزائدي مسؤولا عن عاهة مستديمة في إذنه نتيجة شجاره مع أحد السجناء ممن يعملون مع غدارة سجن أبوسليم.مضيفا أن الزائدي لم يسمح له بالعلاج بطريقة طبية قد تجعله يشفى من الجرح الذي لحقه في أذنه اليسرى.
وعبر الشافعي عن اعتقاده في أننا نعيش - حسب قوله - في وقت يحترم فيه القانون والقضاء، فهما مرجعنا الأساسي لاسترداد الحقوق ورد المظالم ونشر العدل والأمن بين الناس.
وطالب في ختام رسالته جهات الاختصاص بأخذ حقه كاملا والحكم المجزي الذي يتناسب وحجم الكارثة التي لحقت به ونتيجة الظروف التي يعيشها و التي وصفها بالمأساوية.
وفيما يلي نص الرسالة كاملة :
بسم الله الرحمن الرحيم
(ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين)
إنه من منطلق الحفاظ على كرامة البشر واحترام عقولهم وصون دمائهم وأن النفس قد أعزها الباري عزوجل وأمرنا بحفظها كما جاء في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأرواحكم بينكم حرام)أو كما قال المصطفى.
أكتب أنا حسين رجب الشافعي من مواليد مدينة بنغازي /ليبيا 07/07/1968 وأشهد أن كل ما أسرده في هذه الرسالة هي الحقيقة ولاشئ سوى الحقيقة.
إنه في يوم 19/01/1989 عند الساعة الواحدة والنصف صباحا قد جاء إلى بيتنا الكائن بحي الفويهات الغربية خلف مستشفى الأطفال عدد ثلاث سيارات وأخرى حافلة كانت تقل عددا من أعضاء وأفراد بجهاز الأمن الداخلي المسلحين بأوامر تواجد العقيد الحالي"فتحي العربي" وطلبوا من والدي السيد"رجب مفتاح الشافعي" رحمه الله بأن لديهم أمرا بالقبض عليّ، وإنني بأمر استدعاء يجب حضوري معهم إلى مقر أمن الحدائق في ذلك الوقت الذي كان يرأسه العقيد الصابر.
وعند الساعة الرابعة فجرا من ذلك اليوم بعد مشادة كلاميه بيني وبين العقيد العربي كادت تؤدي إلى الأذى وإلحاق الأذى بشخصي إلا أن تدخل العقيد"النقيب" في ذلك الوقت والعقيد الحالي"منصور الدغيلي" لفك التوتر وذلك لمعرفتنا الأسرية به تم نقلي إلى سجن الكويفية في زنزانة انفرادية حتى مساء ذلك اليوم، وبعدها أخرجنا ومجوعه من الموقوفين إلى تلك الساحة لنتفاجأ بأننا يجب نقلنا إلى طرابلس، وقد تم بالفعل أخذنا من قبل أشخاص آخرين يلبسون زي الشرطة العسكرية إلى حافلات تتبع جهاز الشرطة العسكرية، ومنها تم عصب الأعين وتكتيف الأيدي، حتى انتهى بنا المطاف إلى مطار عسكري كانت إحدى الطائرات العسكرية (يوشين) روسية الصنع بانتظارنا، وكانت بصحبتي مجموعه أخرى من الشباب لم أكد أراهم بوضوح بسبب غطاء الوجه (الذي يتساقط أحيانا من على وجهي ويرجعونه أحيانا أخرى) ولكنهم من نفس المجموعة التي كانت معي في سجن الكويفية،وكانت تحيط بنا قوات عسكرية مسلحة مصحوبة بكلاب بوليسية حتى حطت الطائرة في مطار بمدينة طرابلس، ومنها أخذنا بحافلات إلى سجن آخر وهو سجن بوسليم.
وما أن حطت الحافلة في سجن بوسليم وأخذ الحراس بإنزالنا واحدا تلو الآخر فإذا بمناد ينادي بصوت يغلب على لكنته المزيج من لهجة الغرب مع الجنوب قريبه جدا من لهجة المنطقة الوسطى قائلا:(وين محمد بوسدره ،احنى نبو هذا الأهم توه).
تم وضعي في زنزانة انفرادية لمدة ثلاث أسابيع بدون تحقيق، ومنها تم نقلي إلى قسم آخر وهو القسم السادس الغرفة السابعة بالسجن المركزي بصحبة أربعة أشخاص آخرين(رحمهم الله جميعا).
إلى ذلك الحين لم يتم خروجي من الزنزانة ولا التحقيق حتى منتصف شهر مارس من ذلك العام، حيث تم التحقيق معي لمدة لا تقل عن الخمس ساعات في أحد المكاتب التابعة لإدارة السجن المركزي، وهو ممر تحت سطح الأرض (ريفودجو) وكان يرأس التحقيق الرائد بشير بوشقيفة، ولم تثبت ضدي أي تهم أو شبهات وكان في الطرف الآخر من غرفة التحقيق أحد السجناء معلقا من قدميه رأسا على عقب، وكانوا يعذبونه أشد التعذيب لغرض تخويفي وإرهابي ومن ثم أخذ أي اعترافات.
وفي اليوم التالي تم أخذي مرة أخرى لنفس المكتب ونفس المحقق وقد تم ضربي واستعمال أنواع مختلفة من التعذيب ولكن لم يجدوا أي شيء من شأنه أن يدينني سواء فكريا أو حركيا أو ما يخالف قوانين وشرائع الدولة ويهدد أمنها.
أعطيت لي في نهاية التحقيق عدد من الأوراق وطلب مني أن أوقع عليها ولم يتم السماح لي بقراءتها أو مراجعتها،ومنها تم إرجاعي إلى زنزانتي، والتي بقيت فيها حتى شهر نوفمبر في اليوم التاسع عشر من نفس العام 1989 عندما شكلت لجنة، وكان معظم أعضائها من المنطقة الشرقية، وأذكر منهم العقيد"عبد الله عبد الرحيم" والرائد"الطيب الجراري"فهم أسوأ بكثير مما يتصور المتعصبون والجهويون من أبناء منطقتنا الشرقية؛ لأنه هناك شباب من المنطقة الغربية الرجل منهم يفوق ميزان عشرات من أبناء عمومتنا، ومنها تم نقلي إلى القسم الثالث وكانت تعرف مجموعه ج.
بقيت من ضمن هذه المجموعة حتى يوم الإفراج وهو يوم 01/06/2000 ولم أر أي ممثل قانوني أو محامي ولم أعرض على نيابة عامة أو أي جهة قضائية .
وقد تعرضت طيلة الإثنى عشرة عاما لأشد وأقسى أنواع الألم والعذاب النفسي والجسدي، وحرمت من رؤية الأهل والأحباب، وقد خسرت أهم وأقدس الأهداف ألا وهو التحصيل العلمي إذ إنني كنت طالبا في ذلك الوقت وعلى مشارف التخرج في تخصص الهندسة الكهربائية.
فبسبب هذا الظلم الذي وقع علي لازلت حتى هذه اللحظة أواصل تعليمي الجامعي وعلى حسابي الخاص، وما تتطلبه الدراسة في هذا الوقت من تكاليف ووقت قد ينعكس سلبا على أسرتي التي تتكون من زوجه وثلاثة أبناء، إذ إنهم في حاجة ماسة لكل دقيقة وثانية من وقتي في بلد الغربة؛ لأكون لهم السند والدعم كأب ووالد يطمح كل الخير لأبنائه.
وعلاوة على هذه الآلام ثمة هناك أعراض أخرى منها ما هو متعلق بقسوة السجان مباشرة ومنها الغير مباشر.
فالمباشر هو علامة قطع بذراعي اليمنى ، إذ إن ذات يوم كنت من المتأخرين في الصف، ونحن في طريق دخولنا لزنزاناتنا بعد قضاء ساعتين أو ثلاث في الهواء الطلق، وإذا به يصوب عليا بسلك كهربائي مصنوع للجهد العالي باتجاه رأسي وكنت مسرعا لأتفادى الصدمة، ولكن بتوفيق الله تعرضت لها بيدي اليمنى مما نتج عنه هذه الإصابة.
وأما الغير مباشر فهو قطع جزء لا بأس به في أذني اليسرى شهر مارس من العام 1996 نتيجة شجار مع أحد السجناء، وكان سبب الشجار أن ذلك الشخص يكتب تقارير كاذبة علينا لأجل تقريبه من إدارة السجن.
وبعد طلب من زملائي السجناء لإدارة السجن بأنه يجب نقلي إلى المستشفى على الفور بسبب النزيف، وأنه يمكن علاجي العلاج المناسب بإمكانية إلصاق الجزء المبتور، ولكن للأسف بأن الذي حدث هو وجود مدير لمستشفى الحروق والتجميل بطرابلس وهو المدعو الدكتور"مصطفى الزائدي" والذي رفض طلب الدكتور المصري المعالج في ذلك الوقت بإمكانية إلصاق ولحم الجزء المقطوع إذا تم إحضارها في غضون ساعة من الزمن ووضعها في إناء بماء بارد.
وإضافة إلى ذلك لم يتم الموافقة على إجراء العملية بداخل غرفة العمليات، ولكن تم جلب السرير والمعدات في ممر خاص بالمستشفى، وذلك بأمر من السيد الدكتور"مصطفى الزائدي"وأنه يجب فقط مداواتي وإجراء غرز لإيقاف النزيف.
فعبر هذا الخطاب أتوجه بسؤال إلى كل من يقرأ هذه الرسالة وخاصة طبيبنا المسؤول عن هذه العاهة المستديمة ، أين هي الأمانة المهنية يا حضرة الدكتور المحترم والسيد الأمين السابق لأمانة الصحة العامة الدكتور مصطفى الزائدي بعد أن وثقت بك الجماهير وتم تصعيدك وتزكيتك من قبل القيادة العليا بالجماهيرية ؟وماهي علاقة سجين سياسي جريح وينزف دما وبه مايكفيه من الآلام ويحب أن يحافظ على نعمة الخالق التي منحها إياه وهي (إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) بعدم تحصيله على العلاج الكامل بغض النظر عن أي خلافات أو أي محاميل أخرى (هذا إن وجدت أساسا).
إن الله عز وجل من وراء القصد ياحضرة دكتورنا الموقر مصطفى الزائدي ويعلم الله أنني على أتم الاستعداد للعفو والصفح استنادا على قول الخالق"وإن تعفوا وتصفحوا فهو خير لكم" ولكن الصفح والعفو يجب أن ينطلقا معا وسويا على أسس واضحة مبدأهما إثبات الصدق وحسن النوايا وإظهار حجم الضرر والأذى بما لحق بالمتضرر وصدق النواية والاعتراف والندم لدى المعتدي.
أعطيت هذه الرسالة لغرض استعمالها في الإجراءات القانونية والمداولات القضائية ، إذ إننا نعيش في وقت يحترم فيه القانون والقضاء، فهما مرجعنا الأساسي لاسترداد الحقوق ورد المظالم ونشر العدل والأمن بين الناس.
وأنه بالنظر إلى هذه الظروف المأساوية التي عشتها ولازلت أعيش بعضا من جرائها أطالب جهات الاختصاص بأخذ حقي كاملا والحكم المجزي الذي يتناسب وحجم الكارثة.
الاسم : حسين رجب الشافعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق