د. محمد خليفة : ضحايا الحرب النفسية!

 

 

إذا كنت ممن يتسمم إذا سمع عبارة "الإخوان المسلمين"، فأنت من ضحايا الحرب النفسية! وإذا اعتقدت أني ادافع عن الجماعة فلا بأس، لأن هذا النوع من الأعراض الجانبية يظهر على معظم المصابين بالإسلام-فوبيا!

ويمكن فهم الإسلامُ-فوبيا عند غير المسلمين، أما الإخوان-فوبيا عند المسلمين فهو مما يجب شرحه، لأنه لا يحدث مصادفة، بل يجري تحضيره في معامل السموم السيكولوجية.

ويمكن أن تكون نقطة البدء في الحديث عن الاستراتيجية الموجهة للحرب النفسية ما جاء بصحيفة نيويورك تايمز على لسان موشى يعلون، رئيس الأركان الإسرائيلي، من أنه: "لا بد من دفع الفلسطينيين ليحسوا في أعمق نقطة من نقاط شعورهم أنهم شعب مهزوم"!

   The Palestinians must be made to understand in the deepest recesses of their consciousness that they are a defeated people.

    (New York Times 29 Jan 2009)

وإذا كنت ممن يستخدم عقله فأنت لا تحتاج لأكثر من وضع كلمة المسلمين بدل كلمة الفلسطينيين في العبارة السابقة لتطلع على ما يخص المسلمين في سياق الحرب النفسية، لأن الصراع على فلسطين لم يكن في يوم من الأيام مع زعيم عربي بعينه، لأن الزعيم العربي وجيشه يمكن هزيمتهما في معركة السلاح، أما هزيمة المسلمين جملةً فلا يمكن تحقيقها إلا في ميدان الحرب النفسية. وفق هذا التقديم سأتحدث عن ميكانزمات الحرب النفسية أولاً، ثم إدارتها ثانيًا.

أولاً. ميكانزمات الحرب النفسية.

تقوم الحرب النفسية على الكذب والدس والتدليس على الغافلين الذين يتحولون بتصديق الأكاذيب إلى مغفلين. ويتم الدس وتسويق الكذب عبر أجهزة التضليل التي تسمى أجهزة اعلام، وادوات أخرى تحمل أسماء شريفة وأهداف خسيسة، مثل مكتب الكذب الذي أنشأته وزارة الدفاع الأمريكية تحت مسمى "مكتب الخطط الخاصة"، بمناسبة غزو العراق سنة 2003.

في ليبيا كانت كذبة "الإخوان يبيعون النفط بدون عدادات" من أسباب انتشار السم في نفس الإنسان الليبي، ولم تُكتشف الكذبة إلا بعد أن وصل السم النخاع. ومع الأيام نسى الناس الكذبة لكن السم بقي في النخاع! وكي لا يتعافى الإنسان الليبي مطلقًا تناوبت منابر الجمعة على إذكاء الحقد الأسود بعبارة "الإخوان خربوا البلاد"، وكما لو كانت ليبيا مثل سنغافورة حتى جاء الإخوان من كوكب آخر فجعلوها على ما هي عليه بعد الربيع العربي.

نسى الناس أن القذافي حول ليبيا إلى زريبة تأكل خبزًا رخيصًا (العشرة بربع دينار) لأنه مصنوع من علف الحيوانات! الذي خرب جنة "العشرة بربع" هم الإخوان، ولذا على الليبيين إبادتهم لإعادة الزريبة إلى سابق ازدهارها، حيث لا بنية تحتية ولا تعليم ولا رعاية صحية، ولكن "العشرة بربع"ــــ كل ما يلزم الزريبة هو العلف!

ثانيًا. إدارة الحرب النفسية.

في ادراج 04/ 08/ 2021 أضفت لصفحتي لقاء صحفي يصف فيه فائق الشيخ علي (ليبرالي من أصول شيعية) كيف أضاف عبد الناصر للطبعات المتأخرة من كتاب سيد قطب "في ظلال القرآن" أن الإمام علي بن أبي طالب صلى بالناس سكرانًا وقرأ "يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون"، بهدف تسميم الشيعة ضد سيد قطب. كان أئمة الشيعة يقرؤن كتابات سيد قطب بشغف، وكان لا بد من التدخل حتى لا يلتقي الشيعة والسنة على تفسير/فهم جديد للقرآن من وضع سيد قطب.

صحيح أن عبد الناصر كان هو الظاهر في الصورة، وصحيح أنه المسئول أمام الله والتاريخ عن كل ما جرى في عهده، لكن عبد الناصر كان الشجرة التي تخفي الغابة. ودليلنا لاكتشاف الغابة سيكون مالك بن نبي الذي عاش في القاهرة بين عامي 1956-1963.

كان وصول مالك بن نبي إلى القاهرة مفاجأة سارة لأهل الفكر والسياسة في مصر. وفي هذا السياق وجه عبد الناصر مالكًا للعمل مع د عبد القادر حاتم رئيس الهيئة العامة للمعلومات. ولكن ما أن وصل مالك إلى الهيئة حتى عاد مذعورًا وهو يقول: " شممت رائحة الاستعمار في الهيئة.."!

 ـــ ما الذي صادفه مالك في هيئة المعلومات حتى يصاب بالذعر؟

وجد مالك أحد الضباط النازيين الذين عملوا مع غوبلز أثناء الحرب العالمية الثانية موظفًا في الهيئة العامة للمعلومات مع د. حاتم!

ـــ وكيف وصل ضابط الدعاية النازية إلى مصر؟

مع نهاية الحرب العالمية الثانية قبض الحلفاء على كل الضباط الألمان، وبالخصوص قال أحد الأمريكان تجاوزنا لذة الانتقام إلى الاستفادة. وزعت الاستخبارات الأمريكية ضباط هتلر وخبراءه على الأنظمة الدكتاتورية الصديقة، في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. كان نصيب مصر من الخبراء الألمان بعض خبراء الصواريخ (ظافر وقاهر) وبعض خبراء الدس والكذب ومنهم ذاك الضابط النازي الذي صادفه بن نبي في الهيئة العامة للمعلومات.

ولم يكن الضباط الألمان وحدهم في معية "الضباط الأحرار" في مصر، بل كان هناك ضباط الـ"سي آي أى" كذلك، وأشهرهم مايلز كوبلاند صاحب كتاب "لعبة الأمم". الصحفي والمؤرخ الإنجليزي كيث كايل، صاحب كتاب "السويس"، يؤكد أن الضباط الألمان كانوا هدية من المخابرات الأمريكية، ويقول إن مايلز كوبلاند -الذي كان معه فريقان؛ واحد لفبركة بروباغاندا مضادة للولايات المتحدة، والثاني لتصور الانقلابات الممكنة ضد ناصر وكيفية التعامل معها- كان مسئولًا عن بعض الملفات في وزارة الداخلية المصرية (الإخوان). وكانت وزارة الداخلية من المهام التي تقلدها عبد الناصر.

وقد تكون "مسرحية المنشية" إحدى منجزات مايلز كوبلاند وفريقه. المسرحية ضربت عصفورين بحجر واحد؛ أنقذت شعبية ناصر والضباط من الانهيار، وقضت على الاخوان المسلمين. القضاء على الإخوان المسلمين أعطى إسرائيل فسحة زمنية تحولت فيها إلى دولة عظمى تذل العرب في بضع ساعات. كان بالإمكان حسابيًا أن تقوم حركة المقاومة الإسلامية سنة 1947، ولكنها تأخرت حتى 1987، بفعل تصفية الإخوان سنة 54.

قد يعتقد الغافل أن الحقد الذي يغلي في صدور الشيعة والسنة مجرد مصادفة، وأن الحقد الذي يغلي في صدور الاتراك والاكراد مجرد جهل، أو أن الحقد الذي يغلي في صدور العرب والبربر مجرد سوء حظ! والحقيقة ليست شيئًا من ذلك. ما نشاهده هو الجيل الرابع من الحروب، حيث يشتغل العدو (الأمة المسلمة) بتمزيق نفسه، بينما يراقب صاحب المصلحة المشهد في حبور، ولا يخفي استمتاعه بمشاهدة العدو الذي أعماه الحقد يقوم بعملية تدمير ذاتي بفضل حرب لا يراها أحد ولا يشعر بها ضحاياهاـــ إنها الحرب النفسية!