هو ليس حاوياً كي يجمع كل الحيات في جرابه،
أو ساحراً هندياً كي ينفخ في مزماره فتتراقص بين يديه كل الأفاعي بدلاً من أن تنفث
سمومها في جسده.
ربما لا سمح الله يطيح به انقلاب قادم ينجح
فيما فشل فيه سابقه، ولربما تسقطه انتخابات رئاسية، أو يأتيه اليقين الذي كتبه الله
على كل نفس،غيلة أو على فراشه . لكنه اليوم قد أتم آخر فصول ثورته ووضع آخر لبنة في
هيكل الدولة التركية الجديدة.
ما فعله أردوغان في تركيا هو ثورة من حيث
نتائجها لا من حيث آلياتها،
فالثورات تبدأ بعاصفة جماهيرية وخروج إلى
الشوارع،
وربما مواجهات مسلحة لإسقاط النظام القائم
واستبداله بنظام جديد يختلف عنه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، عبر مخاض عسير ينهك
قوى البلاد ويضعف قدراتها
وربما أدى إلى انقسامها أو تراجعها كثيراً
عما كانت عليه إلى أجل مسمى.
ولكن أردوغان استطاع أن يحدث هذه الثورة
دون المرور بهذا المخاض، ودون إجراء هذه الجراحة الخطرة ، التى من الممكن لو فشلت أن
تجهز على الجسد المريض بدلاً من أن تشفيه.
لقد انتقلت تركيا من دولة مدينة منهارة
اقتصاديا تقف على حافة الإفلاس إلى دولة دائنة تقف بين الدول الأكثر تقدماً ،
هذه النقلة لم تتم باكتشافات حقول غاز أو
بترول أو باستخراج مواد أولية من باطن الأرض، ولكن بنهضة علمية واقتصادية وتكنولوجية
حقيقية.
ومن الناحية السياسية استطاع اردوغان أن
يقضي على سيطرة الجيش على الحكم، فبعد أن كان رئيس أركان الجيش التركى هو الحاكم الفعلي
للبلاد، استطاع أردوغان أن يعزل الجيش التركى تماما عن ممارسة أي دور سياسي وذلك عبر
مراحل متدرجة كان فيها أردوغان يسير وسط حقل ألغام، ليحول الجيش في النهاية من الحكم
إلى الحماية، ومن الوصاية على النظام السياسي إلى الخضوع له تحت قيادة الرئيس المنتخب،
و تحول مقعد رئيس الأركان من جوار الرئيس
إلى الصف الأمامي كغيره من الوزراء والمتنفذين، بعد أن كان يأنف أن يلقي التحية العسكرية
على الرئيس ،
وهو تغيير ثوري بالنظر لما يملكه الجيش
التركي من قوة ونفوذ طاغ .
لقد أسقط أردوغان الجمهورية الأتاتوركية
تماماً، من غير أن يحطم تماثيل أتاتورك ، أو يعلن صراحة الخروج على مبادئ جمهوريته،
لكنه منع عنها الهواء والماء حتى ماتت بعد أن جردها شيئا فشيئا من كل مضامينها، فتحولت
من نهج مستبد أحادي الرؤية حاكم للواقع ومتحكم فيه إلى مجرد حقبة تاريخية وماض يتغنى
به الأتراك.
وعلى المستوى الاجتماعي استبدل أردوغان
نظريته في العلمانية المحايدة بالعلمانية الأتاتوركية المعادية للدين ، لتقف قوانين
الدولة على مسافة واحدة من الأديان، فأردوغان لم يتبن منهج الأصولية الإسلامية في الحكم،
ولكنه أوقف الكثير من أشكال الاضطهاد والإقصاء التي عانى منها الإسلام تحت وطأة العلمانية
الأتاتوركية المناهضة للدين بكل تجلياته بدءا من العقيدة وانتهاءً بالظاهر السلوكية
مروراً بالشعائر التعبدية. أدرك أردوغان أن الإسلام لا يحتاج إلى حكومة تتبناه وقوانين
تفرضه بقدر ما يحتاج إلى نظام عادل لا يمارس
التمييز أو الإقصاء ضده، فألغى تباعاً وبحذر بالغ القوانين التي تفرض القيود على الاسلاميين
لم يمنع بيع الخمور ولكنه سمح بإنشاء المدارس الإسلامية،
لم يجرم الإلحاد ولكن سمح بتحفيظ القرآن
،
لم يفرض الحجاب ولكن سمح للمحجبات بدخول
المدارس والجامعات.
لقد أطلق سراح الدين ولم يعتقل العلمانية
تاركاً القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار تتفاعل مع المجتمع حتى عادت روح الإسلام
وقيمه ومبادئه لتسري في الجسد التركي وهذا هو جوهر التغيير الثوري.
د. علي الصلابي ..
(( اللهم وفق وبارك هذا الرجل
الفذ الذي عمل بصمت مالم يعمله كل الحكام حتى
أضحى للمظلومين كالنجاشي )) اللهم آمين .
اللهم آمين يارب العالمين
ردحذف