لمــاذا توجهت مديرة CIA ليلة البارحة على عجــل إلى تركيا وقبل
ساعات من إلقاء أردوغــان خطابه الذي أنتظـره العالم صباح اليــوم ؟
بينما كان
العالم يترقب خطاب الرئيس التركي رجب أردوغــان ، أعلنت واشنطن أن مديرة وكالة
الإستخبارات المركزية الأمريكية جينا هاسبل توجهت على عجــل إلى أنقرة وقبل ساعات
قليلة من الخطاب المرتقب ، الأمر الذي يشي بأن هناك شيئا مهما ربما يعرضه
أردوغــان على العالم سوف يجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مـوقف محرج لا
يحسد عليه داخليا ، وهـو أمام إستحقاق مصيري بعد قرابة الأسبوعين موعد إنتخـابات
التجديد النصفي في 6 تشرين الثاني 2018 ، وبالتالي أرسل مديرة إستخباراته لعقد
تفاهم معه
.
قبل 24 سـاعة من
خطاب أردوغــان المنتظر ، حصل تطور لافت في تسريبات قضية خاشقجي ، عندما عمدت
السلطات التركية إلى تـزويد شبكة CNN بصور
ومقاطع فيـديو تبيّن حركة أحــــد أفراد كتيبة الأعـدام الخمسة عشر منذ دخوله
السفارة حتى رجوعه للفندق الذي حجز فيه ، وهـو مصطفى مدني الذي مثّل دور خاشقجي
لإثبات خروجه من القنصلية السعودية بإسطنبـول .
هذه المقاطع
أثبت إلى حـد كبير مصداقية التسريبات التركية لوسائل الإعـلام بأنها تعلم كل شيء ،
ووثقت كل شيء بالصـوت والصورة ، وأنها وحـدها من تملك الزمان الذي تحدد فيه متى
تنشـر غسيل المجرم الحقيقي .
مستشـارو ترامب
نصحـوه بأن إنتقال التنسيق الإعلامي للتسريبات التركية لوسائل الإعلام ، من قناة
الجزيرة ( تسريب إقليمي ) إلى شبكة CNN ( تسريب عالمي ) سيجعله في موقف لا يحسد عليه داخليا ، لأن الشبكة
الإعلامية الأمريكية الشهيرة محسوبة على أنها العـدو الإعلامي الداخلي الأول ضـده
، وأنها قد تؤثر على الإنتخـابات القادمة ، بل قد يمتد أثرها المدمّر على
الإنتخـابات الرئاسية خريف 2020 ، حيث سيكون ترامب أمام الناخب الأمريكي متواطئا
مع بن سلمان بالدفاع عنه والتغطية عليه .
لذلك أُسنـدت
النصيحة له بأن أردوغــان عازم على كشف المستور يوم الثلاثاء ( أي بعـــد ساعات )
وإذا لم تسارع إلى التنسيق المباشر معه فسـوف تكون الخاسر الأكبر ، الأمر الذي
دعاه إلى إرسال مديرة إستخباراته جينا هاسبل على عجــل لأنقرة لتقدم عرضـا مهما
على الأتراك مختصره : نحـــن بتنا
متأكـدون بأنكم تملكون خيـوط الجريمة كاملة ، ولديكم تصـورا واضحا وكاملا عن مقتل
خاشقجي ، ونحن واثقون أنكم لا تـريدون ســوى رأس عدوكم محمد بن سلمان ، فما رأيكم
أن نساعدكم بذلك ؟
الأمريكان قالوا
للأتراك بأن القصة الكاملة للجريمة ليست كاملة التفاصيل كما يتصـورون ، لسبب بسيط
وهو أن الجريمة حقيقة لم تبـدأ من إسطنبول ، بل بدأت من واشنطن ومن السفارة
السعودية فيها
.
حيث وثّقت
المخابرات الأمريكية تسجيلات هاتفية بين كـــل من السفير السعودي في واشنطن خالد
بن سلمان وبدر العساكر مدير مكتب محمد بن سلمان في الرياض ، وبين خالد بن سلمان
والعقيد ماهر مطرب المنسق الأمني للعملية ( وهو منسق إستخباراتي لأمن بن سلمان ) ،
وبـذلك تكون الحلقة المفقودة في جريمة مقتل خاشقجي قد إكتملت ، بتفسير كيفية
إستدراجه لإسطنبول بدفع من خالد بن سلمان شخصيا ، وهو ما يـريده أردوغان لضرب
سلمان بولديه المحبوبين لقلبه محمد وخـالد وبالتالي إسقاطهما نهائيا .
لكن ماهـو
المقابل الذي تريده الولايات المتحدة ؟
على أردوغــان
أن لا يكشف في خطابه الحقيقة الكاملة ويكتفي بتأكيد التسريبات الإعلامية بشكل رسمي
، ويفتح النافذة للملك سلمان لخلع ولده ، وخـلال إسبوعين يقوم ترامب بتصعيد الهجوم
على القيادة السياسية للسعودية ، وهذا ما بـدى جليا اليوم ، حيث لم ينتظر ترامب
ســوى ساعات معدودة ليخرج للعالم ويقول :
أن السعوديين
فقدوا ثقتي لأنهم خـدعوني وضلّلوني ، ولن أتستر عليهم بعـــد اليوم ، وسأترك أمرهم
للكونغرس ليحدد مصيرهم .
تـــرامب يريـد
حفظ ماء وجهه أمام الناخب الأمريكي وليس العالم ، فالعالم لا يهمه البتّة ، ويـريد
أن يثبت أن دفاعه عن بن سلمان كان دفاعا عن مصالح الولايات المتحدة الإقتصادية
والإستراتيجية ، وليس بهدف التغطية عليه ، والدليل عندما إنكشفت الحقيقة له تركه
للكونغرس ليقرر تبعات هذه الجريمة على الرياض .
ولكي تكتمل
الحبكة لإنقـاذ سمعة ترامب ، فقد صرّح قبل قليل : سأتحدث عما حصل لخاشقجي بعد عودة
الفريق الأمني من تركيا وعلى رأسه مديرة وكالة المخابرات المركزية .. ماذا يعني
هـــذا ؟
هـــذا يعني أن
ترامب يهيئ الناخب الأمريكي لإخـلاء ذمته من دعم بن سلمان ، ويقول لهم سوف أنتظر
الفريق المخابراتي عندما يعود من تركيا ، أي أن هجومه على بن سلمان المرتقب سيكون
مبرره أن مديرة
CIA جاءت
بالحقائق الكاملة والصادمة من أنقرة ووضعتها أمام الرئيس الذي ضلّله السعوديون .
وعنـدما يقول
ترامب قبل دقائق : بأن من فكّر وخطط لقتل خاشقجي هو في ورطة كبيرة ؛ فالرجـل يقصد
بن سلمان لا غيره ، حيث نلاحظ أنه يساير الرئيس أردوغان حول شخصية ( المخطط ) وليس (
المنفذ ) ،
فالمخطط هو المجرم الحقيقي المطلوب للعدالة ، وليس المنفذ الذي هو مجـرد أداة
تنفيذ فقط
.
ترامب وعبر
مديرة السي آي آيه جينا هاسبل تعهد لأردوغـان بأن يشترك معه في إسقاط عدوه بن
سلمان ، ليس حبا في الرئيس التركي ولكن خوفا من سقوطه وسقوط الحزب الجمهوري في
الإستحقاقات الإنتخابية القادمة .
أردوغــان بدى
هادئا اليوم وواثقا من نفسه من أن عـدوه اللدود بن سلمان سـوف يسقط سقوطا مروّعا
بيد حليفه الأمريكي ، ويكون بذلك حقق رغبته في خلع هذا المجرم المارق ، وأرغم
حليفه الأمريكي على تقدير قيمة أنقرة مرة أخـرى كلاعب إقليمي هام ومؤثر .
ترامب لن يستطيع
التلاعب مع أردوغــان هذه المرة ، لأن كل
أوراق اللعب ببساطة من يملكها هو الرئيس التركي لا سـواه ، وإن فكر ترامب اللعب
بذيله فإن أنقرة قادرة على فضح المستور .
منــذ الليلة
وحتى عشية إنتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة في 6 تشرين الثاني 2018
بإمكانكم عُدّ أيام بن سلمان وأخيه التافه خالد .
بقلم جــــواد الكاظم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق