الأحد، 19 مارس 2017

ونيس المبروك الفسيي : الفرق بين الحوار والخداع



ا يُوجَدُ عاقلٌ يرفضُ الحوار مع خصمهِ، ولو ظلمه واعتدى على حقوقه، وقد علَّمنا القرآن وصحيح السُّنَّةِ والسِّيرةِ بأنَّ الحوار أرقى الوسائل للتَّعارُفِ والتَّثاقُفِ، وهو أنجعُ "الوسائلِ" للمقاربةِ مع العدوِّ، وحقنِ الدِّماء، وتحقيق مصالح الأطراف المتنازعة...
ولكن مهما عرَّفنا الحوار وتعارفنا حوله، فإنَّه لا يعدو كونه "أحد الوسائل" للوصول لغايةٍ حَسَنَةٍ من ورائه.
والجهول العنيد هو من يجعلُ أحدَ الوسائل غايةً عُليا لا يمكن مراجعتها حتَّى مع ظهور عجزها وقصورها عن بلوغ المرام مع مرور الشُّهور والأيَّام!!
خُذْ مثالاً على ذلك: (والمراد هو محلُّ الشَّاهد فقط)
العهودُ مع المحارب يجب شرعاً الوفاءُ بها، ولو عقدها نبيٌّ مرسلٌ، لكنَّ الله تعالى قال بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ: (وإمَّا تخافنَّ من قومٍ خيانةً فانبذْ إليهم على سواء ...).
فكيف يأمرُ الله تعالى بنبذ العهود والمواثيق وهي عظيمةٌ عند الله، وإعلامُ الطَّرفِ الآخرَ قبل حلِّها، بقوله: ( تخافنَّ ..)، والخوف إنَّما هو "ظنٌّ"؟!
الجوابُ - والله أعلم - : لأنَّ ديننا واقعيٌّ يكره السفسطة الباردة والمثالية الحالمة ، ويتنزَّل على نفوسٍ بشريَّةٍ، ويُعالِج واقعاً دائمَ الصَّيرورة والتَّشكُّل، ويُطالب المسلمَ الصَّادق أَنْ " يعتبر "القرآئن"، فإِنْ دلَّت على أنَّ خصمه يُبيِّت الخيانة، فمِنَ الحماقة المضيُّ في الاتِّفاق، ومن الخيانةِ الأدبيَّةِ والعلميَّةِ تسميةُ ذلك وفاءً!
وتسميت الشَّيء بغير اسمه هو من الخداع اللَّفظي، وتقويض المفاهيم، بل هو مسلكٌ من مسالك بني إسرائيل المتكرِّر في القرآن الكريم...
والسُّؤال: ماذا لو قدَّم لك الخصم الدَّليل تلوَ الدِّليلِ، وصدمَك بكلِّ القرآئن، والوقائع، والتَّصريحات، والتَّلميحات، بأنَّه ماضٍ في انحطاطه، وظلمه، ومتواطئٌ مع كلِّ مجرمٍ ونذلٍ، مستهترٌ بكلِّ المواثيق والأعراف السِّياسيَّة، والأخلاق الاجتماعيَّة، ثمَّ جعلَ من الحوار شعاراً لذرِّ الرَّماد في عيونِ البُسطاء، ودِثاراً يُواري سوءةَ مساره، وكسباً للوقت من أجلِ إكمال عدَّته، واستكمال جريمته؟؟!!
أناشدكم الله تعالى لا تتلاعبوا بالمصطلحاتِ، فإِنْ عجزتم عن ذلك لقصورٍ علميٍّ أو ضعفٍ نفسيٍّ؛ فلا أقلَّ من ترك قيم الإسلام ساميةً عاليةً دون تشويهٍ وتحريفٍ، وسمُّوا الأمور بمسمَّياتها، وتحلُّوا بالشَّجاعة، وقُولوا نحن نريد استسلاماً للظَّالم؛ لأنَّ موازين القوى قد تغيَّرت، ولا قِبَلَ لنا بها، ونرضى بأيِّ كسبٍ ضئيلٍ يُبقينا في أروقةِ السِّياسة.
هذا الاستسلام النَّابع من تقييمٍ للقُدرةِ والاستطاعةِ؛ يكون دليلاً على شجاعة وصدق ،وإن كان من ضعف وعجز .
أَمَّا أَنْ ترى بأمِّ عينك منظومةَ الظُّلم، والإفساد، والتَّضليل ماضيةً في طريقها، تستأصلُ كلَّ من يُخالِف وجهتها، ويُعارِض مآربها، ولا تقبل أدنى مقتضىً من مقتضيات الحوار ولوازمه، ثمَّ تقول: هذا (حوارٌ)؛ فلا أعلم غشَّاً، وتقويضاً للمفاهيم، وتضليلاً للبشر كهذا القول؟!

لا شكَّ نحن نُقدِّر جُهد واجتهاد كلِّ سياسيٍّ أرادَ باجتهاده خيراً لدينه ووطنه، ولكنَّا لا نرضى لأيِّ مسلمٍ حرٍّ أَنْ يختزل دوره ليكون مجرَّدَ مسمارٍ ضئيلٍ في ترس المظالم وهو يراها تطحن يوماً بعد يومٍ، أو شاهدَ زورٍ على عبثٍ لا طائلَ من ورائه، فإن قال صادقاً: حاولت، ... فعجزت ولم أستطع، فأقول له: فلتتبرَّأ مما أنت فيه، ودعْ ما لا تقدر عليه، وتمثَّل بقول عمرو بن معد يكرب: إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فدَعْهُ ** وجاوِزْهُ إلى مَا تَستَطِيعُ

هناك تعليق واحد:

  1. وفي سياق ما قاله عمرو بن معد
    وسَوْقُ كَتيبة ٍ دَلفَتْ لأخْرَى**كأنَّ زُهاءَها رأسٌ صَلِيعُ
    دَنَتْ واستأْخَرَ الأوغالُ عنها**وخُلِّيَ بينهم إلاَّ الوَرِيعُ

    ردحذف