الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

كلمة المحرر : مشروع فرنسي مشبوه للاستيلاء علي الاثار الليبية لصالح ابوظبي





تحت عنوان "فرنسا تقترح بناء ملجأ يستضيف آثار ليبيا المهددة" نشرت يوم الأحد، الموافق 9 أكتوبر 2016، بعض المنابر الإعلامية "الليبية"[1] خبر تصريح لوزير الثقافة الفرنسي السابق، ورئيس معهد العالم العربي في باريس حاليا، جاك لانغ، لوكالة الأنباء الفرنسية.
قناة "218" كتبت "في مسعى لإنقاذ الآثار في ليبيا وغيرها من بؤر التوتر في العالم، تعمل فرنسا على إعداد مقترح لتجهيز "ملجأ" للآثار التي تهددها الحروب"[2]، وأضافت نقلا عن السيد لانغ "يجب التحرك للمساهمة في إنقاذ المعالم الأثرية في ليبيا وسوريا والعراق ومالي وبلدان أخرى".
المشروع الفرنسي يأتي على أعقاب قرار لجنة التراث العالمي، التابعة لمنظمة اليونسكو، في شهر يوليو الماضي، بوضع خمسة مواقع ليبية من مواقع التراث الإنساني العالمي، على قائمة "مواقع التراث العالمي في خطر"[3]. الخمسة مواقع هي: شحات ولبدة وصبراتة وجبال أكاكوس ومدينة غدامس.
البوابة والقناة نقلتا خبر تصريحات الوزير الفرنسي السابق هكذا وبدون أي تعليق أو أي نقد، هل يا ترى بسبب علاقتهما بأبوظبي؟[4] الموضوع يتعلق بنقل التراث الإنساني والثقافي الليبي، ولا يتعلق بنقل محصول الترفاس أو الشمام أو البطوم! هكذا مرور عابر بالخبر دون أي وقوف عنده، على الأقل موضوع المؤتمر ومتحف "اللوفر  أبوظبي"، وما إذا مصالح فرنسا في هذا المشروع الإماراتي ممكن تكون لها تأثيرات على إختيار المكان والتوقيت، أو تعريف الناس بالسيد جاك لانغ.
عقد "اللوفر أبوظبي" لمدة 30 عام
علاقة أبوظبي بالمقترح الفرنسي ربما لا تنتهي عند فقط أنها ستكون المدينة التي سيعلن السيد لانغ عن تفاصيل مشروع "إقامة مدينة تشكل «ملجأ» للآثار المهددة"، ومشاريع أخرى منها "مشروع إنشاء صندوق عالمي للحفاظ على التراث المهدد، يمكن أن يجمع 100 مليون دولار"، خلال "المؤتمر الدولي حول التراث المهدد" المقرر عقده فيها في مطلع شهر ديسمبر القادم، بل ربما أكثر من ذلك خاصة إذا أخذنا في الإعتبار خلفيات أخرى.
المؤتمر الدولي المشار اليه هو مشروع إماراتي فرنسي، كلف الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند السيد لانغ بتنظيمه وأختار أبوظبي ليتزامن مع إنتهاء الأعمال الجارية لبناء "متحف لوفر أبوظبي"[5]. متحف "لوفر أبوظبي" هو مشروع بناء متحف في أبوظبي "ليكون معرض للآثارالفنية الآتية من جميع أنحاءالعالم ... وأن يكون حلقة وصل بين الفن الشرقي والفن الغربي" وفق إتفاقية سارية لمدة 30 عام وقعتها أبوظبي مع فرنسا في عام 2007 مقابل 700 مليون يورو[6]، 400 يورو مقابل السماح بإستخدام إسم "اللوفر"، وتتعهد فرنسا بتقديم الخبرات الفنية والقطع الفنية من أهم متاحفها على الإطلاق[7].
جاك لانغ المثير للجدل
السيد جاك لانغ، قبل أن يصبح رئيس المجلس الأعلى ورئيس مجلس إدارة معهد العالم العربي[8] في باريس في يناير 2013، لانغ تولى منصب وزير أربعة مرات[9] وأنتخب مرة في البرلمان الأوروبي وأربع مرات في الجمعية الوطنية (برلمان فرنسا)[10] ، بالإضافة إلى تقلده وظائف عديدة في مجالس بلدية وإقليمية. سيرة ذاتية طويلة في الخدمة المدنية والسياسة الفرنسية، ولكن الرجل شخصية مثيرة للجدل وللريبة.
ففي شهر يونيو من عام 2011 نشر موقع "مَغرِس"، محرك بحث إخباري من المغرب، خبر عن قرار "النائب العام بباريس فتح تحقيق أولي في ادعاءات الفيلسوف والوزير الفرنسي لوك فيري، الذي اتهم وزيرا فرنسيا بممارسة الجنس على أطفال قاصرين بمراكش، ومن المنتظر أن يستمع عناصر الشرطة المكلفة بحماية الأطفال إلى لوك فيري، الذي رفض تسمية الوزير المتهم باغتصاب الأطفال،.." وأضاف التقرير أن "موقع "Arret sur images" أن الوزير المعني بفضيحة الشذوذ الجنسي على الأطفال بمدينة مراكش ليس سوى الاشتراكي "جاك لانغ" الذي شغل منصب وزير الثقافة..."[11].
فضائح السيد لانغ لا تتوقف عند هنا، فمنذ عام نشرت صحيفة القدس العربي مقال للكاتبة الفلسطينية أسمى العطاونة، مقيمة في باريس، ورد فيه "قرر المطعم [اللبناني "نورا" في باريس] مطالبة الوزير السابق المحترم بسداد دين تبلغ قيمته 41 ألف يورو، ثمنا لوجبات للوزير مع ضيوفه ولزوجته مع ضيوفها. الغريب أن عشقه للثقافة العربية يظهر في التهامه لها، ولكنه توقف فورا عند سداد الفواتير..."[12].
قرار لجنة التراث العالمي
ردود فعل البعض شعرت بأنه يمثل إهانة والبعض رآها سلبية وستكون لها تداعيات سلبية، وستتبعها خطوة أخرى وهي شطب المواقع الخمسة من قائمة التراث الإنساني العالمي.
هل الأمر فعلا كذلك؟ هل هو بهذا السوء؟ وما الذي تخسره ليبيا إذا تم شطب هذه المواقع من قائمة التراث الإنساني العالمي؟ وما الذي يتوجب فعله لحماية هذه المواقع ورفعها من قائمة المواقع المهددة؟
موقع لجنة التراث العالمي تعطي ملخص[13] لما يعني وضغ موقع من مواقع التراث الإنساني العالمي على قائمة موقع مهدد أو في خطر الملخص مستمد من "المباديء التوجيهية العملية لتنفيذ إتفاقية التراث العالمي"[14].
"إداراج موقع على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر يسمح للجنة التراث العالمي بتخصيص مساعدة عاجلة من صندوق الممتلكات المعرضة للخطر،
كما يلفت إنتباه المجتمع الدولي لهذه الحالة على أمل توحيد الجهود لحماية الموقع، كما أنه يتيح للمجموعة-المحافظة التفاعل بإجراءات حفظ محددة وبشكل فعال. الواقع أن مجرد إحتمال وضع موقع على القائمة [قائمة المواقع المهددة] يمكن أن يكون محرضا على إتخاذ إجراءات عاجلة لحفظه.
وضع موقع على قائمة مواقع التراث العالمي المهددة يتطلب من لجنة التراث العالمي تطوير وإعتماد، وبالتشاور مع الدولة العضو المعنية، برنامج إجراءات تصحيحية [معالجة]، ويلحق به إجراءات رصد وضع الموقع. ويجب بذل كل الجهود لإستعادة قيمة الموقع من أجل حذفه من قائمة مواقع التراث العالمي المهددة في أقرب وقت ممكن.
....
إذا فقد موقع الخصائص التي من بموجبها تم إعتماده في قائمة التراث العالمي، لجنة التراث العالمي يمكن لها أن تقرر حذف الموقع من قائمة التراث العالمي المهدد ومن قائمة التراث العالمي."
كما هو موضح أعلاه في الملخص، وفي الحالة الليبية هنا، الخطوة القادمة، بعد أن قامت لجنة التراث العالمي في يوليو الماضي بإدراج المواقع الليبية الخمسة على قائمة المواقع المهددة، أن تقوم اللجنة بالتشاور مع السلطات الليبية، وهنا عندنا معضلة، لوضع برنامج إجراءات لمعالجة الوضع وتنفيذه. هذه الخطوة لم تبدأ بعد، ولكن فرنسا ولغرض في نفسها تريد أن تأتي بمشروع، إجراءات حفظ محددة وهي هنا نقل التراث الإنساني في ليبيا إلى "ملجأ"، مدينة يتم إقامتها لحفظه.
ليس هناك أنسب لأبوظبي من شخصية مثل الفرنسي جاك لانغ، شبهات أخلاقية ومن أسوأ الشبهات[15] ومالية، ليحل لها ولفرنسا معضلة "لوفر أبوظبي". كثير من النقاد الفنيين تساءلوا من يترك زيارة المتحف الأصل، لمشاهدة القطع الأصلية، في باريس ويذهب إلى نسخة مقلدة في أبوظبي؟ ربما متحف لأثار من التراث الإنساني العالمي، نسخ أصلية وليس لها مثيل في مكان آخر، لا أصلي ولا مقلد، يكون الحل الأمثل لجلب السواح من أنحاء العالم.
المعضلة، فيما يتعلق بالسلطات الليبية، كما ورد في الفقرة أعلاه، وتحديداً المجلس الرئاسي بصفته الجهة المعترف بها دوليا، أنها منقسمة، لم تهتم بالقضية على الإطلاق. لم يصدر أي تعليق أو رد فعل من المجلس الرئاسي وهذا أمر خطير يفسح المجال أمام المشروع الفرنسي الإماراتي في ديسمبر القادم.
مؤتمر أبوظبي "المؤتمر الدولي حول التراث المهدد" هو ترجمة لما ورد في المباديء التوجيهية العملية لتنفيذ إتفاقية التراث العالمي من أجل"... توحيد الجهود لحماية الموقع، كما أنه يتيح للمجموعة المحافظة التفاعل بإجراءات حفظ محددة وبشكل فعال ..." بدون التشاور مع أو مشاورة الدولة المعنية وهنا في هذه الحالة ليبيا.
لا يمكن الثقة في أن يتحرك المجلس الرئاسي، المنقسم على نفسه[16]، من ذاته وإنطلاقا من الشعور بالمسؤولية، قبل أن ينعقد المؤتمر في أول ديسمبر القادم. يجب على الجميع إبعاد السياسة عن موضوع مواقع الميراث الإنساني العالمي في ليبيا، يجب توحيد الصفوف من أجل حماية هذا الميراث من مؤامرات القرامطة الجدد، وإلزام حكومة الوفاق الوطني بأن:
·       تستنكر تصريحات مدير معهد العالم العربي، السيد جاك لانغ،
·       توجه دعوة إلى لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو للإجتماع مع الحكومة،
·       تستشير أهل الإختصاص من الثقات علماء الآثار ومن فروع مصلحة الآثار ومن خبراء في القانون الدولي للدعم في المفاوضات مع اللجنة الدولية المعنية من أجل "تطوير وإعتماد برنامج إجراءات تصحيحية لمعالجة الوضع" والإتفاق على آليات وإجارءات رصد وضع المواقع الخمسة" وبذل كل الجهود من أجل حذفها من قائمة مواقع التراث العالمي المهددة في أقرب وقت ممكن.
وأخيرا إلى المجلس الرئاسي، ليس لديكم أي عذر على تقاعسكم وعدم تحملكم المسؤولية، ليس لديكم أي عذر في عدم القيام بأي إجراء فيما يتعلق بقرار منظمة اليونسكو، اليوم مضت ثلاثة أشهر على القرار ولم تقوموا بأي إجراء، هذا ليس تقصير مخل في أداء المسؤولية، هذا أصبح يقترب من درجة الخيانة والتآمر على الوطن.
إذا خرجت هذه الأثار من ليبيا ونقلت إلى أي دولة في العالم فلن تعود أبدا، وستحرموا أبناءكم وأحفادكم من تراث إنساني بعضه، مثل أثار منطقة أكاكوس، يبلغ عمره عشرات الألاف من السنين.



[1]  موقع "بوابة الوسط – صوت ليبيا الدولي" مديرها محمود شمام: "فرنسا تقترح بناء ملجأ يستضيف آثار ليبيا المهددة"، و قناة "218، قناة ليبية التوجه والهوية" مديرتها هدى السراري: "مقترح فرنسي لإقامة "ملجأ" لآثار ليبيا.. وعدة دول"، الأحد 9 أكتوبر 2016.
[2]  نسخة موقع "بوابة الوسط": "أعلن رئيس معهد العالم العربي في باريس، جاك لانغ، أن بلاده تعد مشروعًا لإقامة ملجأ موقت للآثار المهددة في العالم".
[4]  شهر مارس الماضي نشر موقع "الإمارات 71" تقرير عن سيطرة أبوظبي على 70% من الإعلام الليبي من خلال تمويلها بتكلفة بلغت حتى آنذاك 74 مليون دولار أمريكي حسب دراسة أعدها إعلاميون ليبيون (http://uae71.com/cate/1/posts/30246 )، وتمثلت الوسائل الإعلامية "ببوابة الوسط، راديو الوسط  fm، صحيفة ليبيا الحدث، بوابة أفريقيا الإخبارية، قناة 218، قناة ليبيا 24، و قناة ليبيا روحها الوطن " H D"". موقع "بوابة الوسط" وقناة "رديو الوسط FM" يملكهما محمود شمام، وتم الإنفاق عليهما بمبلغ 5 مليون دولار، بينما "قناة 218" تملكها هدى السراري حجم الإنفاق عليها بلغ 32.7 مليون دولار أمريكي حتى آنذاك، شهر مارس، كما ورد في تقرير "الإمارات 71".. القنوات لا تملك الإنتشار الواسع الذي يمكنهما من التمويل الذاتي عبر عوائد الدعاية وبيع البرامج أو المواد الإعلامية التي ينتجوها. في الولايات المتحدة، أكبر سوق إعلامي وأكثر سوق ينفق على الدعاية، التقديرات أن القنوات الإخبارية تشكل عائدات الدعاية ّ70% من دخلها بينما 24% من الدخل يأتي من إشتراكات المشاهدين (http://www.journalism.org/2014/03/26/revenue-sources-a-heavy-dependence-on-advertising/)، وهو ما لا تحققه أي من القنوات الليبية، لا قنوات شمام والسراري ولا غيرهم.
[6] Spiegel Online, International Edition: "Art in the Desert, 'Louvre Abu Dhabi' Gets Green Light'", March 7, 2007.
[7]  مصلحة فرنسا في المشروع لا تتوقف عند فقط هذا العقد، فبناء المتحف قدرت تكلفته آنذاك ما بين 83 و108 مليون يورو ونصيب الأسد فيه للشركات الفرنسية. كذلك المتحف جزء من مشروع أبوبظبي لبناء مجمع سياحي وثقافي على جزيرة السعديات بميزانية 27 مليار دولار، فرص عقود وفرص عمل كبيرة.
[8]  تونس نيوز: "جاك لانغ على رأس معهد العالم العربي في باريس". معهد العالم العربي تم إفتتاحه سنة 1987 في عهد الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، يعمل فيه قرابة 140 موظف، وتبلغ ميزانيته السنوية 24 مليون يورو  تدفع فرنسا  نصفها والنصف الآخر  على عاتق الدول العربية الـ22 الأعضاء في مجلس إدارة المعهد.
[9]  موقع قناة العربية: "وزير فرنسي سابق يترأس معهد العالم العربي في باريس، مارس ثلاث مهن بالتزامن: التدريس الجامعي والنشاط الثقافي والعمل السياسي"، 25 يناير 2013. وزير الثقافة بين العامين 1981و1986، ثم بين العامين 1988و1993، ثم أضاف إلى مهامه حقيبة التعليم في الوزارة بين العامين 1991و1993، قبل أن يتفرغ للتعليم بين عامي 2000 و2002.
[10] Wikipedia, the Free Encyclopedia: "Jack Lang (French politician)". European Parliament (1994-1997), National Assembly of France (1986–1988, Became minister in 1988), (1997–2000, Became minister in 2000) & (2002-2012).
[11]  مغرس، محرك بحث إخباري: "هل "جاك لانغ" هو الوزير الفرنسي المقصود بإغتصاب أطفال مغاربة؟"، 2 يونيو 2011، وقد عادت القضية للأخبار مجددا في عام 2014، حيث نشر موقع أخبركم خبر الكشف عن تفاصيل التحقيق الذي كانت تقوم به السلطات الفرنسية في إتهامات لوك فيري لوزير فرنسي سابق بعنوان "صحافي فرنسي: الوزير الذي تم ضبطه يمارس الجنس على قاصرين مغاربة هو “جاك لانغ”!"، 7 مارس 2014.
[12]  القدس العربي، أسمى العطاونة: "من وزير ثقافة إلى «حرامي وراقص»!"، 9 أكتوبر 2015.
[15]  في المجتمعات الغربية تورط إسم شخص في جريمة "إغتصاب أطفال" كفيلة بإنهاء حياته السياسية والإجتماعية والنفسية وكل شيء، مجرد الشبهة وليس تكرر النظر في القضية لأكثر من عقد ونصف من الزمان، ولكن بالنسبة لجاك لانغ يبدو أنه يتمتع بنوع من الجرأة، وربما الحصانة، غير عادية.
[16]  وكذلك بصراحة لا يمكن الثقة في رئيس المجلس الرئاسي السيد فايز السراج الذي أصبح يتردد هو ومساعديه على أبوظبي بشكل ملفت للنظر، وإذا لم يقم بتقديم ولاء الطاعة هناك في أبوظبي فلا يفوت الفرصة حتى هناك في نيويورك. الإمارات وبشهادة تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن وبما تبين من فضيحة برناردينو ليون، هي رأس الفتنة في ليبيا وهي وراء المؤامرات في تونس، أسألوا الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق