الأحد، 25 سبتمبر 2016

احمد كشلاف : مفاهيم ينبغي أن تصحح ( تحرير المصطلحات )





عندما يطالب الإخوان المسلمون أو غيرهم بدولة مدنية و"غير دينية" تتصاعد الاتهامات و تتهم النوايا وتقام الدنيا ولا تقعد وتبدأ الأقواس المعارضة برمي سهامها المسمومة , وتشحذ الأقلام المتربصة بالطعن واللعن بلا علم ولا روية, ولو إنهم استفسروا لوجدوا ضالتهم ولحكموا حينها على الموضوع عن فهم وبصيرة .
فما المقصود بالدولة المدنية "غير الدينية" ؟
للدولة المدنية المنشودة ,حسب نظرتنا المتواضعة, ركيزتان لامناص عنهما..فلا يمكن ان نطلق على دولة أنها مدنية و "غير دينية" إلا مع توفر ركنان أساسيان .
الأول: ان تكون سلطات الدولة الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)سلطات مدنية بحتة ولا يمكن بحال ان تكون سلطات عسكرية البته..تتوالى هذه السلطات وتتعاقب بالانتخاب أو التعيين وفقا لدستور الدولة المؤسس وفقا لأصول الشريعة الإسلامية.وانما تنحصر مهمة الشرطة والأمن في حماية المواطنين والحفاظ على مؤسسات الدولة ومحاربة الجريمة وتطبيق القوانين. أما مهمة الجيش فهي الدفاع عن الوطن ومراقبة وتأمين حدود الدولة البرية والبحرية والجوية. فلا مجال للعسكر ولا للشرطة بالتدخل في مؤسسات الدولة المدنية إلا بما يصرح به القانون...ولكن من رأى في نفسه الكفاءة منهم للترشح إلى الرئاسة أو البرلمان أو القضاء عليه خلع بزته العسكرية والتنازل عن رتبته والانضمام إلى القوائم الانتخابية كغيره من المواطنين المدنيين.
الثاني: ان يكون القضاء والمحاكم والنيابة العامة وباقي الأجهزة القضائية وملحقاتها في الدولة مدنية خالصة. بمعنى أن ليس لدار الإفتاء الموقرة ( مع أهمية وظيفتها في الفتوى والإرشاد والبحث والتصدي للفتاوى الوافدة والشاردة وتوعية الناس بأمور دينهم ودنياهم) ولا للجماعات الإسلامية أو للمليشيات التي تحكم باسم الشريعة حق القبض أو التحقيق أو المصادرة على الأموال والممتلكات فضلا عن إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات . حيث ان ذلك كله من الصلاحيات الحصرية للقضاء المدني وأجهزته المختلفة.
وعندما نطلق لفظ "لا دينية" إنما نقصد انه لا يجوز قانونا وتحت مسمى "الحسبة" أو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو " المحاكم الشرعية الخاصة" أو " محاكم القصاص الشعبي" ان يصادر حق القضاء أو أن تتخذ هذه "المحاكم" بمسمياتها المختلفة بديلا أو جسما موازيا للقضاء المدني. فالأخير يضمن حقوق المتهم القانونية من خلال إجراءات القبض الصحيحة وظروف التحقيق والاعتقال إضافة إلى حق الدفاع الخاص واستدعاء الشهود والمحاكمة العادلة والظروف الإنسانية أثناء قضاء فترة السجن وعند إنزال العقوبة. ولا يتخيلن احد ان المطالبة بالدولة "المدنية غير الدينية " يعنى التخلي عن أحكام الشرع ومرجعية الكتاب الكريم والسنة المطهرة و إجماع فقهاء الأمة على الأحكام المنصوص عليها . وانما القصد آليات تنفيذها وخضوعها التام للقضاء المدني. فالقصاص للقاتل وقطع اليد للسارق والرجم للزاني المحصن والقطع للأيدي والأرجل من خلاف لقاطع الطريق المسلح وغيرها من الأحكام ,هي من الحدود الشرعية الواجب الالتزام بها شرعا , ولكن وفقا للآليات والإجراءات المتداولة قضائيا ولو ان كل فصيل إسلامي اخذ على عاتقه حق المحاكمة لمقترفي الجرائم ومتعدي الحدود لصارت البلاد إلى فوضى عارمة لا يعلم مآلها إلا الله عز وجل.
فلا يتصور في الدولة المدنية ان تتحول الجماعات الإسلامية أو المليشيات التي تحكم بأسم الدين أو حتى دار الإفتاء إلى أجسام موازية أو بديلة للقضاء المدني فتتحول البلاد إلى ما يشبه "الدولة الكهنوتية" أو حكم "الملالي في إيران" حيث تم مؤخرا إعدام أكثر من 30 ألف معارض خارج إطار الدولة والقانون أو ان تتحول الميادين العامة و بأسم الدين إلى ساحات لإعدام المخالفين كما حدث في الآونة الأخيرة في سرت على يد " تنظيم الدولة" أو ما يحدث الآن وفي كثير من المدن و بأسم الدين ومكافحة "الإرهاب" من القبض التعسفي والتعذيب داخل السجون السرية بعيدا عن أعين الدولة ودوائر القضاء. وما يكتنف كل ذلك من انتهاك خطير للحرمات الخاصة التي ضمنها الشرع الحنيف وكفلتها وثيقة حقوق الإنسان.

م.احمد كشلاف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق