الجمعة، 29 يوليو 2016

السنوسي بسيكري : هل تتجه أزمة النفط الليبي للحل؟



الاقتصاد الفاعل يتطلب استقرارا سياسيا ورؤية واضحة وسياسات تعنى بالواقع وتستشرف المستقبل. وفي الأزمات يكون تحريك عجلة الاقتصاد من أهم وسائل الفكاك من طوق التأزيم والاتجاه إلى الاستقررا الكامل، لكن أي معالجة خاطئة وأي توجهات غير مدروسة فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد في ظروف الأزمة قد تقود إلى نتائج عكسية خطيرة.

ويظهر هذه الأيام التركيز على ملف النفط، وتتجه الأطراف الدولية والمحلية إلى حقول إنتاجه وموانئ تصديره لأجل الوصول إلى مقاربة لإعادة تدفقه. فالأزمة الاقتصادية والمالية الضاغطة والمتمثلة في نقص السيولة وارتفاع الأسعار ونقص العديد من السلع إنما اقترنت بشح الإيرادات العامة بسبب توقف إنتاج وتصدير ما يزيد عن 70% من النفط الليبي منذ منتصف 2013.

الجديد في ملف النفط هو الإعلان، بشكل غير رسمي، عن الوصول إلى اتفاق بوساطة مارتن كوبلر، المبعوث الأممي، بين المجلس الرئاسي و"إبراهيم جظران" الذي تسيطر القوة التابعة له على عدد من حقول النفط وأهم ميناءين لتصديره في البلاد.

ما تسرب من الاتفاق هو القبول ببعض الشروط التي دأب الجظران على طرحها لفتح حقول وموانئ التصدير، وهي الشق المتعلق بدفع أموال لحرس المنشآت الذي يعتبر نفسه آمرا له، والمبالغ تقدر بعشرات الملايين من الدينارات الليبية (بعض التقديرات ترفعها لمئات الملايين)، وذلك بعد تراجعه عن الاشتراطات ذات الخلفية السياسية والجهوية التي تتضمن فرض نسبة محددة من إجمالي إنتاج النفط للمنطقة الشرقية. فالجظران اليوم في خلاف مع أهم المكونات السياسية والأمنية "البرقاوية"، وقد اتجه بميوله السياسية إلى مصراته، وكان أول الأطراف السياسية والأمنية في المنطقة الشرقية التي أعلنت تأييدها ودعمها للاتفاق السياسي وللمجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج.

ولأن التوافق الحقيقي غائب، قوبل الاتفاق حول إعادة فتح موانئ وحقول النفط بمعارضة من أطراف عدة قادرة على نسف الاتفاق أو التقليل من قيمته الاقتصادية.

أولى ردود الفعل كانت من مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فقد كان موقفه صارما مما وقع، إذ اعتبر ما جرى سابقة خطيرة قد تدفعه إلى سحب اعترافه بالمجلس الرئاسي، مع تحفظنا على هذا الموقف، ففي مؤسسات الدولة لا تتأسس السلطات بهذا الشكل، إذا وافقت مواقفنا نؤيدها وإذا خالفتنا ننزع سلطتها من رقبتنا، لكن لاعتراضه وجاهة وحجة قانونية.

وجه اعتراض صنع الله أن الاتفاق مكرر ويقوم على شيء أشبه بالابتزاز. صنع الله رفض وضع الثقة في شخص سبق وأن استنزف أموالا كثيرة من خزانة الدولة، واعتبر الاتفاق سابقة خطيرة سيشجع آخرين على انتهاج سلوكه نفسه. لكن الأبرز في موقف صنع الله تلويحه بورقة القوة القاهرة وأن مؤسسة النفط لن تقوم بإنهاء هذه الحالة في موانئ التصدير، وهي الوحيدة محليا المخولة بذلك.

التحدي الأكبر هو مضمون الاتفاق مع الجظران في ظل الصراع القائم، فالجظران مدفوع في مواقفه الجديدة بحالة العداء مع خليفة حفتر وسلطة طبرق، والأخير يسيطر على بعض الحقول، وهناك حقول آخرى معرضة لتكون محل نزاع جهوي ومناطقي ولا يستطيع الجظران الفصل فيها وضمان استمرار تدفق إنتاجها للنفط. هذا علاوة على عدم ضمان التزام الجظران بالاتفاق.

عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان الجيش التابع للبرلمان، هدد بضرب أي سفينة تقترب من موانئ النفط الليبية، وفي التهديد إشارة إلى عدم تنازل سلطة طبرق حول ملف النفط، فهو الأداة الأهم في إدارة الصراع وفرض الأرادة.

اجتماعات القاهرة اليومين الماضيين والتي ضمت رئيس المجلس الرئاسي ورئيس البرلمان وقائد الجيش التابع للبرلمان قد تنجح في تخفيف العداوة بين الطرفين، لكن لا أتوقع أن يتم التوافق على حل بخصوص ملف النفط، وحتى في حال إعادة إنتاجه وتصديره فسيظل يواجه انقطاعات حادة بسبب النزوع إلى الحلول التلفيقية والتدخلات الإقليمية والدولية التي تربك المشهد وتزيد من تعقيد الوضع السياسي والأمني.

إن احتواء الأزمات إنما ينجح في حال توافق الأطراف المحلية جميعها وعلى أساس تسوية شاملة وعادلة وقابلة للتطبيق، غير ذلك سيكون ما يجري حرقا للمراحل وترحيلا للأزمات.


نقلا عن عربي21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق