الجمعة، 30 أكتوبر 2015

السنوسي بسيكري : "الكيش" و"المايا"والتداعيات المحتملة .


الاستقطاب الذي تحول إلى "كراهية" بكل ما تحمل الكلمة من مدلول سياسي واجتماعي وقانوني أصبح سيد الموقف، وعندما تصبح الكراهية هي سيد الموقف فلا تسأل عن منطق لتفسير الأحداث ولا حكمة في التعاطي معها، ومن ثم، وكنتيجة مباشرة لذلك، لا تنتظر مخرجا قريبا للأزمة المستحكمة التي تمر بها ليبيا.
عندما تتمدد الكراهية وتعلو على كل قيمة إنسانية لا تسأل عن العقل والعقلاء، ولا تبحث عن حلول ناجعة للواقع المرير الذي يزداد مرارة كل يوم بفعل الناس وباختيارهم وعلى ألسنتهم بأيديهم.


عشرات يسقطون في مظاهرة بميدان الكيش بين قتيل وجريح في واقعة بشعة هزت أركان مدينة بنغازي، فتعالت دقات طبول التصعيد، برغم أن التصعيد لم يقدم للمدينة إلى مزيد من الدماء والاشلاء والخراب في العمران والإنسان. وانحاز لهذا الخطاب حتى بعض من كان موقفهم جانح للتهدئة والبحث عن مخرج لكارثة بنغازي بعيدا عن الاقتتال.
صدى قرع طبول الحرب جلجل هناك في أقصى غرب البلاد بعد جريمة إسقاط الطائرة المروحية التي أودت بحياة ما يقرب من عشرين كانوا على متنها. التعبئة جامعة في المناطق الساحلية غرب طرابلس، بل إن بعض الكتائب التي قادت التهدئة مع "جيش القبائل" تشعر بالحرج، فقد سبق حادثة استهداف الطائرة دعاوى للحرب ولاجتياح العاصمة من قبل أبرز القادة العسكريين لـ "جيش القبائل" في حفلة تذكر بتجمعات الفاتح من سبتمبر كانت نتيجته دخول كتائب مؤيدة لفبراير للمنطقة وملاحقة من شاركوا في الملتقى.
السؤال الوجيه والمنطقي هو: هل لجريمتي الكيش والماية علاقة بالتطورات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد، أم أنها ردود فعل محدودة وغير مدروسة لتداعيات الصراع المسلح في المنطقتين الشرقية والغربية؟.
لا ندعي أننا قادرون أوعازمون على الخوض في إجابة شافية على هذا السؤال، لكن المهم أن التفكير في آفاقه ومتنه وحواشيه، والبحث عن إجابة موضوعية لربما يساعد في النظر المعمق لما يجري من أحداث ومن ثم القدرة على احتوائها ومنع تداعياتها التي من المؤكد أنها تزيد في تأزيم الوضع وليس العكس.
من أبرز الملاحظات المتعلقة بجوهر السؤال ومبررات طرحه هو الغيوم الكالحة التي تخيم على الحوار السياسي الذي انطلق منذ نحو عام تقريبا بحيث صار التعويل عليه في هذا الظرف وبعد هذه الحوادث لا منطق فيه عند كثيرين ممن أيدوه.
بالقطع الثقة في الحوار السياسي اهتزت بقوة بعد الإعلان عن حكومة التوافق، لكن الموضوع ما يزال بين يدي الأطراف السياسية المعنية بالحوار، وكما تم التعديل على المسودة عدة مرات لن يكون من العسير إعادة النظر في الأسماء المقترحة من قبل المبعوث الأممي. لكن أن تقع أحداث مزلزلة في خضم الشد والجذب والتوتير حول الحكومة والمسودة، فإن خط الرجوع قد يكون صعبا، خصوصا إذا ما رافق حالة الغضب والهيجان طرح بدائل سياسية أو أمنية بعيدا عن الحوار السياسي في مقدمتها الدعوة لتشكيل مجلس عسكري أعلى.
من أخطر تداعيات الجرائم التي تأخد طابع مذبحة أنها تسد الأفق أمام أي مخارج سياسية أو اجتماعية ممكنة للأزمة وذلك عن طريق الدفع بالرأي العام لتصدر المشهد دعما لتوجهات قد تكون نتائجها خطيرة لكنها الأقرب لحالة الهيجان التي يعيشها، وهو غير مؤهل في تلك الحال لتقييمها والحكم عليها بموضوعية، كما أنها تصيب نخبته القادرة على الحكم الموضوعي على الخيارات المطروحة بالشلل خوفا من الحكم عليها بالخَوَر أو حتى الخيانة.
والنتيجة المباشرة والخطيرة هي تمرير خطاب بل وأفعال وممارسات الكراهية ونشير هنا إلى عمليات خطف وقتل تكررت خلال الأسبوع المنصرم في بنغازي، والتي كلما تكرست كلما صعُب معها تدراك الوضع وأنحسرت خيارات احتواء الأزمة.

"عربي21"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق