السبت، 5 سبتمبر 2015

سوق سوداء ولكن علنية: تجارة العملة الصعبة في طرابلس


سوق سوداء ولكن علنية: تجارة العملة الصعبة في طرابلس تحقيق يكشف عن سوق عملة موازية في طرابلس وعمليات فساد في المصارف تسهل حصول التجار على الدولار واليورو.
بالكاد ينجو أي عابر لقوس باب الحرية المفضي لسوق المشير بمدينة طرابلس القديمة من إلحاح تجار العملة الذين باتوا يملؤون السوق الشعبي الكبير. تجارتهم طغت على كل ما في السوق من تجارات أخرى مثل الذهب والفضة والحرير بالإضافة إلى الملابس والأحذية ولوازم الأفراح والصناعات التقليدية.

سوق المشير أو باب الحرية كما يتعارف على تسميته بات سوقاً سوداء لتبادل العملة بأنواعها، بعد أن قرر عدد من ملاك محلات بيع الذهب فيه تغيير نشاطهم. ولا يقتصر الأمر على الاستبدال أو التحويل إلى مكاتب خارج البلاد، بل بعضهم يعرض تحويل أي مبلغ لأي مصرف خارج ليبيا.


تجارة غير قانونية

لا يملك تجار العملة الجدد تراخيص لمزاولة المهنة، لكن لا شيء ينبئ بتخوفهم من المحاسبة، فهم يعرضون أوراق الدولار واليورو على واجهات محالهم.

يقول عصام العول المتحدث باسم المصرف المركزي أن" كل محال الصرافة وتحويل العملة إلى خارج البلاد غير قانونية ولا تملك أذونات مزاولة أنشطة تجارية وهي جميعاً تعمل من دون تراخيص".

لكن علي الشريف، أحد باعة العملة في سوق المشير، يؤكد أن أحداً لم يتعرض له او يمنعه من متابعة نشاطه. ويضيف أن ظروف المدينة الصعبة وحاجة الليبيين إلى تدبر العملة الصعبة جعلت من هذه التجارة تلقى رواجاً.

غير بعيد السوق الذي يعمل به علي، وقرب ميدان الساعة بسوق الترك، يتوافد عشرات التجار من أعمار متفاوتة لبيع وشراء العملة الصعبة التي تتغير أسعارها بين ساعة وأخرى.

بعضهم قال لـ"مراسلون" إنه يكتفي بفروقات الأسعار اليومية ولا يملك محلاً لمزاولة نشاطه، إلا أن معظمهم اتفق على أنهم يتحكمون في هذا السوق من خلال إيقاف البيع والشراء في حال هبوط سعر الدولار المفاجئ.

سؤال للمفتي

بحسب هذا التاجر، فإن هناك طرقاً مختلفة للحصول على العملة الصعبة ومن ثم بيعها للزبائن. "هناك تجار يتعاملون مع بعض مدراء المصارف الذين يقومون ببيع مخصصات المصرف من العملة الصعبة" يوضح التاجر.

ويضيف أن "بعض التجار أيضاً يعقدون صفقات استيراد وهمية، يحصلون بموجبها على عملة صعبة من البنك، ومن ثم يسحبون تلك المبالغ ليعاودوا بيعها في السوق الموازي".

الأنباء عن قيام بعض مدراء المصارف التجارية ببيع مخصصات مصارفهم إلى السوق الموازي والحصول على فروقات الأسعار، ومن ثم تقاسم هذه العوائد مع الموظفين في بعض الحالات، أوالحفاظ على الأمر سراً بين عدد قليل جداً من موظفي المصرف، راجت بشكل كبير مؤخراً.

فقد وجهت سيدة من طرابلس على صفحتها على الفيسبوك سؤالاً علنياً إلى دار الإفتاء عن الحكم الشرعي في هذه العملية، بصفتها موظفة في أحد المصارف وترغب في الحصول على حصتها من بيع العملة، ليعود المفتي صادق الغرياني ويعلق على هذا النوع من الأسئلة محذرا من الفساد إداري المنتشر في اجهزة الدولة ومن الطرق العديدة التي ظهرت  في الآونة الأخيرة لاختلاس المال العام. (شاهد هنا الفيديو)

فساد داخل المصارف

مدير فرع المغاربة بمصرف الوحدة بطرابلس عز الدين سالم نفى بيع مدراء المصارف لمخصصات المصرف من العملة الأجنبية، لكنه لم ينفِ التلاعب الحاصل في منح الاعتمادات.

وبحسب سالم، فإن المصارف حصرت منح الاعتمادات بالصفقات المتعلقة باستيراد الأدوية والسلع الغذائية والمعدات الزراعية فقط. كما أن المصارف تطلب من التاجر حجز قيمة محددة بـ 25 % من الاعتماد لسداد الإقرار الجمركي. لكن التلاعب على ما يبدو يجري في تحديد هذه النسبة.

وهنا يحصر سالم الفساد في طرفين، الأول هو مدراء المصارف الذين يقومون بتمرير الاعتماد مقابل مبلغ بسيط لا يتجاوز 1% للإقرار الجمركي بدلاً من 25%، والطرف الثاني هم موظفو الجمارك الذين يمررون البضائع دون الكشف عنها.

"الطرفان يعلمان أن الصفقة وهمية بالكامل وهما يفعلان ذلك مقابل رشاوى يحصلون عليها" يوضح سالم.

ديوان المحاسبة الليبي في تقريره الصادر عن عام 2014 أثبت كلام سالم. فورد في التقرير بالتفصيل أسماء شركات عقدت صفقاتها وهمية لاستيراد بضائع. وعندما قام أعضاء الديوان بحضور النيابة العامة بفتح الحاويات وجدوها فارغة.

سالم أكد أن دور المصارف ينتهي باستكمال الإجراءات الرسمية فقط ومن ثم يقوم المركزي بدفع قيمة البضائع المراد استيرادها، ولا يمكن للمصرف أن يقوم بالكشف على البضائع المستوردة التي يتلاعب بها التجار.

أكثر من الضعف

ما يدفع الزبائن للجوء إلى سوق العملة الموازي هو نفاذ العملة الأجنبية من المصارف، وهو أيضاً العامل الأكبر في ارتفاع سعرها الجنوني في السوق الموازي.

يقول محمد الترهوني الذي يقصد مصرف الوحدة طالباً الحصول على عملة  أجنبية لعلاج ابنته المريضة في دولة أوروبية، أنه يسمع نفس الإجابة منذ أكثر من شهر، ففي كل مرة يتم إبلاغه بأن المصرف المركزي لم يقم بتحويل عملة للمصرف.

ويشير الترهوني إلى أن سعر الدولار يرتفع بشكل كبير في السوق السوداء مقارنة بالسوق الرسمي، إذ بلغ اكثر من الضعف (2.95 دينار ليبي) مطلع الأسبوع في السوق بينما يتراوح سعره الرسمي بين 1.30 و1.35 دينار ليبي، أي

مدير فرع المغاربة بمصرف الوحدة بطرابلس عز الدين سالم أكد لـ"مراسلون" ما يقوله الترهوني، موضحاً أن مصرف ليبيا المركزي لم يصرف منذ عامين أي مبالغ مالية بالعملة الأجنبية للمصارف في ليبيا.

منح الرواتب بالدولار

محمد صالح الموظف القديم في مصرف الوحدة قال لـ"مراسلون" إن "الذي يتحمل مسؤولية كل ما يحصل هو مصرف ليبيا المركزي، إذ لا ينبغي أن يقف متفرجاً حتى تحدث الكارثة".

يعتقد صالح أن الحل يكمن في أن تصرف الدولة الليبية المرتبات بالدولار للموظفين، بهدف توفير العملة في السوق وقطع الطريق على الفساد.

ويوضح رأيه قائلاً إن "إيرادات ليبيا أصلاً تأتي من بيع النفط أي أنها تكون كلها بالعملة الأجنبية ما يضطر الدولة لبيعها بهدف توفير الدينار الليبي، أما إذا صرفت الرواتب بالقيمة الحقيقية للدولار فذلك سيوفر الخسائر على الدولة والمواطن".

الدعوة لصرف المرتبات بالدولار تلقى رواجاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي التي تشهد عدة حملات تطالب بهذا الحل، قابلتها حملات أخرى تطالب المواطنين بمقاطعة شراء العملة الأجنبية من السوق السوداء.

بدوره لا ينكر عصام العول المتحدث باسم المصرف المركزي مايتم من مخالفات وصفقات فساد داخل بعض المصارف التجارية.

وقال بأن "المصرف يتخذ بشكل مستمر عقوبات صارمة ضد من يثبت تورطه بهذه الأعمال ويفرض معاملات جديدة كل مرة تساهم في التضييق على من يحاولون الاتجار بالاعتمادات المصرفية".

موقع مراسلون – المانيا - مبروكة منصور أبو زيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق