الاثنين، 10 أكتوبر 2011

هذا هو رئيس الحكومة الذي نريد!

بعد أن تهاوى أبشع استعمار شهدته بلادنا، وعانت من ويلاته لمدة أربعة عقود، بدأت نفوسنا تتوق إلى عهد جديد، و رئيس حكومة نزيه يعوضنا عما عانيناه في تلك السنوات العجاف من إرهاب وعذاب. نريد رئيس حكومة يكره الظلم كما يكره الجبناء الموت الزؤام، وتهفو نفسه إلى العدل كما تهفو نفس الذي نفد ماؤه في صحراء قاحلة إلى كوب ماء بارد، فتراه يسعى بكل جهده لمحاربة الظلم في كل الميادين.

تتلهف نفوسنا لرؤية رئيس حكومة يعاقب الظالمين على قدر ظلمهم ولو كانوا من أقربائه وأصدقائه . ولله دّر أبي بكر رضى الله عنه الذي قال:
" أما بعدُ، أَيُّها الناسُ فَإِني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم فإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني. الصِدْقُ أمانةٌ والكَذِبُ خِيَانَةٌ . والضعيفُ فيكم قويٌّ عندي حتى أرجعَ إليه حقَّه إن شاء اللّه، والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذَ الحقَّ منه إن شاء اللّه .... ".


لست أتوقع من رئيس حكومتنا أن يكون مثل أبي بكر أو عمر بن الخطاب، فلا أحسب الزمان يجود بمثل ذينك العظمين، رضى الله عنهما.


أحلم برئيس حكومة يحب الوضوح والشفافية، فلا تعاملات سرية إلا ما تقتضيه مصلحة الدولة فيما يتعلق بأمنها القومي لا يتعداها ولو يسيرا، فإذا عيّن قريبا له مثلا يسارع فيوضح سبب تعيينه له حتى لا نظن- مكرهين- به سوءا، ويوغر صدور بعضنا، وله في الخليفة العظيم عثمان بن عفان رضى الله عنه أسوة، فقد تكلم عنه الحاقدون المغرضون من السبائين بعد أن نقبوا سيرته العطرة فلم يجدوا فيها مثلبة، فقدحوا في تعيينه لأقربائه وإعطائه مالاً لبعضهم، فهل أصدر أمراً بسجنهم لأنهم تكلموا فيه؟ هل شكك في وطنيتهم أو طعن في دينهم؟ كلا، لقد جمعهم فوضح لهم أن الذين عينهم كانوا من الأكفاء ذوى الاستقامة، وهو رضى الله عنه كان من أكبر بطون قريش، بني أمية، فلا عجب أن يكون له أقرباء كثر. ولم تكن الولاية إذ ذاك مما تغني صاحبها، فقد كان الخلفاء الراشدون رضى الله عنهم حريصين على محاسبة الولاة محاسبة شديدة. أما المال فهو من ماله الخاص، الذي كان يرى من واجبه إنفاقه على المحتاجين وخاصة إن كانوا من أقربائه وليس من مال المسلمين.

أحلم برئيس حكومة لا يتسرب الغرور إلى قلبه، خاصة حين ينهال عليه المديح من المتسلقين حارقي البخور، لا كثرهم الله، فينقلب بعد أن كان متواضعاً مبتسماً لزواره إلى طاغية مستبد يصعر خده للناس، ويحسب أنه يستطيع خرق الأرض أو مناطحة الجبال.

أحلم برئيس حكومة يرى أبناء شعبه كلهم سواسية، فلا فرق في نظره بين مواطني الشرق والغرب، والعرب والأمازيغ. لا يهمش منطقة على حساب منطقة أخرى، ولا يولي اهتمامه قبيلة وينسى قبائل، أو يعنى بمدينة وينسى مدنا.

وحتى لا يقال إني أستشهد بالشخصيات الإسلامية فحسب ، أقول: انظروا إلى حكام الغرب وكيف يعاملون شعوبهم وفق ميزان المساواة، فما سمعنا مثلا أن بوش-على ما كان فيه من ظلم وغرور- حين حكم ،منح ولايته-تكساس- ما لم يعط غيرها، بل تعامل مع الولايات كلها تعاملا اتسم بالمساواة.

أحلم برئيس حكومة يبغض القمع والاستبداد، ويعشق الحرية، ويسعى لنشرها والدفاع عنها في كل المحافل. ولست أريد حرية مطلقة، فالحرية المطلقة لا تكون إلا للمجانين كما ذكر أستاذنا على الطنطاوي رحمه الله.

أحلم برئيس حكومة يرفض تكميم الأفواه المعارضة لحكمه، أو المنتقدة لبعض أفعاله،-هذا لا يشمل طبعا التحريض على العنف أو الفوضى- وللذين يظنون أن الإسلام يتعارض مع مبدأ الحرية أسوق هذه القصة التي لا أحسب أن لها مثيلا.

فقد هدد أبو لؤلؤة المجوسي، عامله الله بما يستحق، الخليفة العظيم العادل عمر بن الخطاب فقال له:" سوف اصنع لك رحى ما سمع بمثلها" ! وأدرك الخليفة الذكي أن هذا الكلام يتضمن تهديدا ، فذكره لبعض مرافقيه، ومع ذلك ما وجد في الشريعة ما يبيح له سجنه أو ضربه، واستطاع ذلك المجرم الغادر تنفيذ تهديده، واليوم إذا هدد شخص رئيس أمريكا مثلا يكون نصيبه السجن والمحاكمة.

أحلم برئيس حكومة لا ينسي أن شعبه مسلم، فيحرص ألا يأتي بما يعارض ديننا أو يسيء إلى عقديتنا، وأقول للمتحمسين للنموذج الغربي، أو من يدور في فلكه ممن تبوأ مركزا سامقا في دنيا العلوم والقوة السياسية: انظروا إلى دولة إسرائيل، فهل تجرأ رئيس حكومة واحد ممن حكموها فأتى بما يخالف عقيدة التوراة، أو خدش مشاعر اليهود في دينهم؟

وأسأل الذين ما فتئوا يتبجحون بالحرية والديمقراطية بعد طعنهم في الإسلام أو تهكمهم على بعض رموزه: هل تجرؤون على نفي محرقة اليهود في أي دولة من الدول الديمقراطية؟ وإن كان جوابكم بالنفي فلم لا تقبلون حق المسلمين في رفض الطعن والتهكم على دينهم؟

إن المسلمين لا يخافون على دينهم ممن يعرض شبهاته عليهم بطريقة علمية أيا كانت هذه الشبهات، طالما خلت من السب والتهكم، ففي ديننا الجواب لكل سؤال، لكن السب والتهكم ترفضه كل المجتمعات البشرية ، فلماذا تقام الدنيا ولا تقعد حين يرفضه المسلمون؟

أحلم برئيس حكومة يعشق النزاهة ويكره الفساد كراهيته لأشد الأمراض، فلا يقبل الهدايا المشبوهة التي ما أتت له قبل توليه منصبه، ولا خطرت في باله. وقد سن المستشار مصطفي عبد الجليل حفظه الله سنة رائعة تبهر النفوس حين رد هدايا ثمينة قدمت له من قبل قطر وتركيا إلى خزينة الدولة، فلله دره.

أحلم برئيس حكومة يكون لبعضنا أبا رحيما ولبعضنا أخا حريصا، ولبعضنا ابنا محسنا. يهمه جوع الجائعين وتقض مضجعه آلام المبتلين، فيبذل قصارى جهده لتخفيفها إن فشل في إزالتها، ويسعى بحماس من أجل إدخال السعادة في القلوب قدر استطاعته.

فهل نرى رئيس حكومتنا المقبلة بهذه الصفات، أو جلها يا ترى حتى وإن كان فيه ما يسمى بالميول الليبرالية، أم أن الخيال قد جمح بي جموحا شديدا؟

أدعو الله أن يبرم لبلادنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويهدى فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقيض لنا حاكما عادلا رحيما يعبد الله كأنه يراه، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.



سالم بن عمار


Suhyb11@yahoo.com

هناك تعليق واحد:

رحمك الله صاحبي ورفيقي

  رحمك الله صاحبي ورفيقي وان شطت بنا الديار وباعدتنا الغربة اجسادنا ولم تتفارق قلوبنا يوما... نشأنا مع بعض في نفس المدينة في طبرق وكانت اول ...