الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

ملف حقوق الانسان في ليبيا...................... العدالة أساس التسامح.


لقد ظهر مصطلح التسامح في المشهد الليبي  مع تقدم ثورة 17 فبراير وخاصة بعد ان تمكن المجلس  الوطني الانتقالي المؤقت  مدعوما من عموم الشعب الليبي من الحصول علي الدعم الدولي  عسكريا وسياسيا ، مع إزدياد عزلة القذافي واعوانه بدأ المجلس  ومثقفي ليبيا الاحرار يدعو الي التسامح بين الليبين ويعدون بالتسامح مع من ينشق علي القذافي ..... التسامح مبدا رائع لا يختلف عليه عاقلان .... خاصة وان  هذا المصطلح لم يكن يعني شيئا لكثير من الليبين .... فلقد ضخت الة القذافي الاعلامية طوال اربعة عقود ونيف فكر الحقد المقدس و الكراهية للاخر ايا كان هذا الاخر ....
ولطالما راودني سؤال لا اجد له حتي اليوم اجابة : كيف يمكن ان يكون الحقد مقدسا؟ ... اذا كانت القدسية صفة لله مالك الملك ،،،،، واذا كانت القدسية لكتاب الله " القران الكريم" الذي يهدينا الي الحب والرحمة والتكافل والتسامح والايخاء ويدعو الي العفو عند المقدرة ، اذا كان عصيان تعاليم الله يمكن التكفير عنه بالتوبه .... فكيف يكون الحقد مقدسا .....  لقد تعلم الليبين الحسد والحقد ، لقد تعلموا الكراهية واصبحت البذائة والشتائم لغة رسمية للبلاد  ونحن المجتمع الفخور بتقاليده وعاداته المبنية علي قيم الاخلاق الحميدة والحشمة وتفضيل الغير علي النفس او الايثار، ما يثير الاستغراب اليوم  .... لا بل ما يثير الدهشة ... ان مصطلح التسامح الذي  نادي به المنتفضون  في 17 فبراير من أجل لم الشمل، ينادي به اليوم المنشقين علي القذافي بعد هروبه ولا اقول سقوطه ، فالهامات هي التي تسقط وهو لم يكن يوما هامة ... لا اعتقد ان التسامح ممكن قبل العدالة ، وانا هنا لا اتكلم عن الانتقام فاحترام تعاليم الاسلام الذي افخر بالانتماء اليه ، واخلاق العرب الذين تربينا عليها،  تفرض علينا تفضيل مصلحة المجموع علي مصلحة الفرد، ومساندة فكرة العفو والصفح لترميم الشروخ التي اصابت اللحمة الوطنية اصبحت اليوم واجب وطني او تكاد ان تكون ... لكن العدالة ورد الحقوق الي اصحابها هو الاساس الذي يبني عليه التسامح ،،، لان التسامح مقدس قدسية الايمان، وكما يبني الايمان علي عقيدة واقتناع ، يبني التسامح علي العدالة التي تقتضي تقصي الحقيقة واعلانها وما يتبع ذلك من تحديد مسئولية كل متهم سواء باقرار المجرم بجرمه  او بحكم قضائي يدينه وما يتبع ذلك من جبر للضرر.
ان ما دفعني للحديث عن فكرة التسامح وارتباطها بالعدالة ، ما نشرته ليبيا اليوم والعديد من الصحف والقنوات التلفزيونية حول عثور ناشطين من منظمة هيومن رايتس وتش علي مستندات في مقر الامن الخارجي الليبي تكشف عن التعاون بين المخابرات الليبية ونظيرتها البريطانية والامريكية ، تمثل هذا التعاون في خطف معارضين ونشطاء ليبين في الخارج وتسليمهم الي ليبيا ... ولعل قضية عبدالحكيم بالحاج ليست القضية الوحيدة، لكنها مثال لانتهاك حقوق الانسان وادميته، فخطف انسان فر من الظلم الذي طاله في ارض اباءه واجداده الي ابعد بقعة في الدنيا ... الي تايلاند ، فلحقت به المخابرات البريطانية واختطفته مع زوجته الحامل لترسله كطرد بريدي الي من لا يرحم ... القي به في يد المخابرات الليبية لتعذبه وتهين ادميته... لا نستطيع ان نصدق فكرة ان المخابرات البريطانية لم تكن تعرف انه قد تعرض للتعذيب، فالغرب يعرفون القذافي ومخابراته اكثر منا، المفارقة هنا لا تكمن في موضوع التعاون مع القذافي في انتهاك حقوق المواطن الليبي بل في الطريقة التي تعاملت بها السلطات البريطانية والليبية مع الموضوع بعد ان كشفت عنه منظمة هيومن رايتس ويتش :
لقد اعلن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الي التحقيق في الموضوع في رد فعل سريع علي الاتهامات الموجهة الي اجهزة امن بلاده، ايا كانت نتائج هذه التحقيقات فان الخطوة العاجلة التي اتخذها السيد كاميرون تؤكد انه لايستطيع ان يغض البصر عن مسالة   تتعلق بانتهاك حقوق الانسان ومساعدة الانظمة الدموية في انتهاك ادمية مواطنيها وكرامتهم ، للاسف لم نجد احد يعبر عن أي موقف في ليبيا ، فعلي الرغم من ان كل اعضاء المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيدي والناطقين الرسميين وما اكثرهم يصرحون " عمال علي بطال" وكأن عندنا اسهال تصريحي ، الا ان احدا لم يتصدي لهذا الموضوع ولو شكليا، لم يعلن حتي عن تشكيل لجنة تقصي حقائق لتجمع هذه المستندات وتجمع ادلة ليتم البث في الموضوع لاحقا بعد استكمال تحرير التراب وتحقيق استتباب الامن، فلماذا هذا الصمت؟ للاسف هذا الصمت يدفعنا الي التساؤل : هل للمواطن الليبي ثمن ؟ هل يعي قادة ليبيا الجدد كما تسميهم بعض الصحف اهمية ملف حقوق الانسان الليبي؟؟؟ نحن في حالة حرب ..نعم، القضاء لايمكن ان يعمل بشكل عادي وهذا ينطبق علي مؤسسات الامن...نعم ، لكن لاشئ يمنع من تكليف لجان تقصي حقائق والاعلان عن ذلك، وهذه اللجان يمكن ان ترافق الثوار في كل مدينة يحررونها، تجمع الادلة و تطلع علي ما حدث ويحدث من الثوار وغيرهم وتوثقه ، قد لاتملك التدخل لظروف القتال لكنها تملك التسجيل والتوثيق ، الايرافق نشطاء المنظمات الحقوقية الدولية الثوار ، السنا اولي بهذا العمل او بالاحري أليست هذه المهمة من واجباتنا؟
السيد عبدالحكيم بلحاج اعطاه الله عمرا ليري عدوه وعدونا يفر ونظامه ينهار واتيحت له الفرصة لان يعثر علي الادلة التي يحتاجها ليطالب بحقه، فماذا عن الاخرين، ماذا عن ابناء ليبيا الذين قتلوا بعد ان نكل بهم وهدرت كرامتهم واهينت ادميتهم ، يؤسفني ان اري ان السيد عبدالحكيم بالحاج يطالب بحقوقه بشكل فردي ولا اجد الي جانبه دولة تدافع عنه باعتباره احد مواطنيها وتعمل علي تقصي الحقائق وجمع الادلة لتتمكن من ان تساعده وتساعد غيره من اجل الدفاع عن حقوقهم والقصاص من الفاعلين او العفو عنهم ، فالقادر وحده هو من يملك العفو ام الضعيف او المقهور الذي لايعترف احد بحقوقه فلا احد يهتم ان عفا وسامح او لا !!!  
ان ثورة 17 فبراير لم تكن ثورة جياع بل كانت ثورة الكرامة التي هدرت، لم يثر الليبين بحثا عن رغيف الخبز بل ثاروا انتصارا لكرامتهم التي اهينت ولدمائهم التي هدرت ولقتلاهم " اللي اعتبرهم القذافي لايستحقون حتي الدية" (قد يقول البعض ان بعض ضحايا القذافي دفعت لهم دية واقصد هنا بعض ضحايا ابوسليم، هذا قول مردود عليه فتقديم الدية مبني علي اعتراف المجرم بجرمه وطلبه العفو والمسامحة من اولياء الدم وهذا ما لم يتحقق في قضية ضحايا ابوسليم) ... الم يحن الوقت لان نهتم بالانتصار لكرامة الليبي واعتبارها اولوية ، اليس هناك مسئول مكلف بملف العدل وحقوق الانسان في المكتب التنفيدي او المجلس الوطني الانتقالي ؟  ام ان هناك خشية ان يثير البحث في الموضوع شعور العداء تجاه الغرب وخاصة بريطانيا التي وقفت الي جانبنا في حربنا ضد القذافي واللانظام الذي جثم علي صدورنا اربعة عقود ونيف... متي نتعلم التعامل مع الاخر علي اساس الفصل بين القضايا والملفات، فالبحث في قضية بلحاج وامثاله لاعلاقة لها بالتعاون السياسي والاقتصادي مع المملكة المتحدة و فتح ملف الكيخيا لا يضر بالعلاقات الليبية المصرية ، اذا ثبت بالوثائق تورط المخابرات البريطانية فيمكن محاكمة جهاز الامن البريطاني امام محاكم بلاده او المحكمة الاوربية وهذا لايربط بالتعاون الاقتصادي والعلمي ، الايتعامل الغرب معنا بنفس الطريقة ، ليس الغرب وحده بل كل الحكومات الديمقراطية التي تحترم حقوق مواطنيها...... الا يطالبنا محامي ضحايا الجيش الايرلندي بحقوق موكليه التي انتهكها القذافي مع اننا ضحايا مثلهم ؟ الم تثر قضية المقرحي بعد تحرير طرابلس (وقد تصدي لها احد المصرحين بتصريح قوي يرفض فيه اعادة تسليم المقرحي لبريطانيا) ؟  تساؤلات نتمني ان نعثر لها علي اجابات تطمئننا علي حقوق الانسان الليبي في ليبيا الغد، ولا يجب ان ننسي ان الغد ابن الامس .

د/ كريمة حسين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق