الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

أبو ريان المدني : العلاقات العامة والإعلام مفتاح نصرنا يا أخي شمام



هل يمكن للدم أن يصبح ماء؟
نعم، كبرى شركات العلاقات العامة جعلت هذا المستحيل ممكنا.

وحتى لا نقع في فخ عدم تقديرنا الصحيح لقدرات الآخر، يجب تعريف شركات العلاقات العامة التي نقصد.

 شركات العلاقات العامة الكبرى في عصر العولمة تتميز بتأسيسها شبكة علاقات عابرة للقارات موغلة التشابك في دهاليز عدة منها السياسة والاقتصاد والإعلام، وتضم خبراء في علوم متنوعة تهدف كلها إلى التأثير على سلوك الجمهور المستهدف بما يخدم غرض المستأجر، عبر استثارة البشر عقليا وغريزيا على اختلاف مشاربهم، مسببة ضوضاء سمعية وعقلية قادرة على إلهاء متابعيها عن أية أصوات مخالفة، مهما كانت محقة أو عادلة، حتى وإن تحول أصحاب الأصوات المخالفة إلى جثث هامدة حصدتها آلات القتل بضجيجها، حاجبة رائحة البارود والموت عن الأنوف.

وقد رأينا في حربنا الإعلامية ضد إعلام القذافي العجب العجاب، فرغم عدالة قضيتنا، إلا أننا رأينا التفاف العديد من وسائل الإعلام العالمية حول إعلام القذافي لتتلقف منه مصطلحاته وترمينا بها وكأنها سلاح آخر ضدنا.
ألم يجعلنا الإعلام الدولي متمردين عوضا عن ثوار؟ ألم يجعل معركتنا ضد القذافي وأسرته حربا أهلية؟ ألم يستمر في إسباغ الصفة الرسمية على القذافي وزمرته ليستمر استخدام مصطلح ليبيا والحكومة للتعبير عنه وعن زبانيته، رغم نزع الصبغة الشرعية عنه وعن لانظامه؟ ورغم اعتراف الدول العظمى بالمجلس الانتقالي كمجلس وحكومة شرعية. بل ظهر جليا في أداء وكالات عالمية كرويترز ووكالة الأنباء الفرنسية تجاهلها التام للاعترافات واستمرار وصفها للثورة والمجلس بالمعارضة والمتمردين!!!
ولم يتوقف تأثيرها على الإعلام فقط، بل طال موقف الساسة أيضا؛ ألم يتلقف بوتن نفسه مصطلح الحرب الصليبية؟ ألم يخرج بيرلسكوني محاولا تبرئة موقفه الشخصي تجاه الأحداث؟ ألم يحتدم النزاع داخل الكونغرس حول دعم الثورة من عدمها؟ كل هذا كنتاج عن الحراك الخفي لشركات العلاقات التي استأجرها نظام القذافي.
وبالمقابل، ماذا عن ثورتنا وإعلامها الرسمي؟ أين نحن من هذه الهجمات التي تتهدد ثورتنا في مقتل؟
 رغم كل الجهود التي يقوم بها الجهاز الإعلامي الرسمي للثورة، ومساندة العديد من الفضائيات كالجزيرة والحرة والآن، إلا أن الأداء الإعلامي ما يزال قاصرا عن متابعة الحراك السياسي والميداني والإنساني للثورة، فما بالك بالتصدي لما يحيكه النظام من كذب وتدليس وإفك؟
قد لا نختلف على الحيثية الإعلامية لمسؤول الملف الإعلامي بالمجلس الانتقالي، ولكن المعركة ليست إعلامية فقط، الإعلام واجهتها فقط، فمن أوجه القصور الشديدة:

1- غياب وكالة أنباء رسمية تنقل مستجدات الأحداث وخاصة عند نقاط التماس لتصبح مرجعا لغيرها من الوكالات ووسائل الإعلام، وترد مهنيا على افتراءات النظام مثلما حدث اليوم بعد ادعاء البغدادي استعادة السيطرة على بئر الغنم دون رادع.

2- غياب إعلام رسمي للثورة بلغات غير العربية والأمازيغية، لا إنجليزية ولا فرنسية على الأقل، مما يترك الباب مفتوحا أمام كل من يود الكتابة والترجمة وفق اجتهاداته وتوقعاته دون هدى ولا مرشد مرجعي من الثورة.

3- قصور الموقع الإلكتروني للمجلس الانتقالي، وتوقفه عن التفاعل منذ زمن.

4- غياب الأنشطة المؤيدة للثورة في الخارج إعلاميا ليبية كانت أو أجنبية، حدثت أم لم تحدث.

5- لا وجود لمنجم إعلامي يضم كل المواد السمعية والبصرية للثورة على كافة الأصعدة، لا ضبط لمصطلحات الثورة، لا توثيق مرجعي لكل ما صدر لصالح الثورة من أقوال رجال دين داعمين، ولا مواقف الساسة المؤيدين، لا إحصاءات واضحة عن ضحايا النظام من المتضررين والمفقودين والمقتولين (الشهداء)، بل حتى         لا توثيق للدول التي اعترفت بالمجلس الانتقالي لا عددا ولا اسما ولا تاريخا، من يبحث عن معلومات تخص الثورة عليه أن يلف فضاء الإنترنت وصفحاته كحاطب ليل ليقع على الغث منه والسمين قبل أن يقرر استهلاك ما فتح الله على عقله به ليرى فيه ما يعتقده صوابا ويقره.

6- لا وجود لضوابط نشر عامة من المجلس تشكل مرجعا ودليلا لكل ثائر غيور لتجنبه الوقوع في محاذير أمنية أو سياسية أو حتى اصطلاحية.

7- غياب أية محاولات لتجسير الهوة بين الثورة الليبية والشعب الجزائري، وأحد تداعيات تجاهل التواصل مع الجزائر استغلال القذافي الواضح لهم ومحاولة استقطابه لنخبهم المثقفة، مثلما حدث اليوم من زيارة لوفد شعراء جزائريين، وكذلك شعوب روسيا وبيلاروسيا وصربيا وموريتانيا التي يفترض استهدافها سواء رسميا أو      شعبيا وإظهار هذا التواصل لتحقيق ضغط شعبي على حكوماتهم.

8- عدم مد جسور التواصل مع المجتمعات المدنية الثقافية منها والشبابية للدول التي اعترفت بالمجلس من أجل إظهار الدعم الشعبي للثورة، وتقديم الثورة كثورة تقدر من دعمها وتعي أهمية الانفتاح مع العالم بأسره.

9- غياب التنسيق مع الثورات المجاورة التي ستضيف في تضامنها مع ثورتنا زخما لثورتنا وتوسع قاعدة المؤيدين من المتعاطفين مع الثورتين، خاصة مع انتشار فكرة تبعية الثورة لفرنسا ذات التجربة السيئة مع الثورة التونسية والمصرية، وعدم التنسيق لاستثمار قدرة شباب الثورة المصرية على إقصاء أحمد قذاف الدم من الساحة المصرية أو إيقاف بث النايل سات بوقفة تضامنية في جمعة واحدة.

10- غياب مواد توجيهية للثوار بشأن الإخلاص للوطن وتجنب الإشادة بالجهوية بحسن نية، أسوة بما قاله الشيخ الجليل الصادق الغرياني، فلا يصح الاهتمام بتفاصيل ثانوية كمن استشهد أولا ومن ثار ثانيا، إلخ، لأن فيها تكريس لما يريده القذافي من قبلية وتفتيت لوحدة الثورة.

11-ورغم حرصنا على عدم الاقتراب من قضية استشهاد الفريق عبد الفتاح يونس، إلا أن أداء الجناح الإعلامي للمجلس الانتقالي كان بعيدا جدا عن الحدث في وقت تقتضي الضرورة فيه أن يكون أداءه قريبا جدا منه، فترك الحابل للغارب، كل يدلو بدلوه، ومن بينها دلو المستشار الإعلامي لسيف الذي رمى به فكاد أن يغترف به من أمننا لولا لطف الله الذي صرف عنا فتنته فجعل دلوه مثقوبا، فما نرى في مروره دون تأثير إلا إحدى تجليات الرعاية الإلهية للثورة فيما يشبه الاتكال لا التوكل.



وحتى لا نطيل فنطنب، نعتقد جازمين بما آتاه الله للصفحة من علم محدود وإدراك مكدود، أن المعركة صارت تستلزم الإدارة بنفس الأدوات التي استخدمها القذافي، وتحديدا، الاستعانة بشركات علاقات عامة كبرى، قادرة على إكمال الأجزاء الناقصة في فسيفساء المشهد الإعلامي للثورة، خاصة بعد الأنباء المتعلقة بسعي القذافي إلى الاستعانة بشركات أخرى من أجل تجميل صورته القبيحة، والتي لا ينبغي التقليل من شأنها مطلقا.

والأسباب التي تدعوا إلى ضرورة الاستعانة بشركات علاقات عامة عديدة، منها:

1- إكمال دور الجناح الإعلامي، وتخفيف العبء والضغط الشديدين على مسؤول الملف الإعلامي ليكون مشرفا على أداء الشركات.

2- توضيح مكامن الضعف على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والإعلامية، والتي نتوقع أن ينال فيها أداء المجلس والجناح الإعلامي درجة الرسوب فيه على إدارته لأزمة أسبوع الحزن الماضي.

3- إعداد خطة علاقات وإعلام شاملة يتقيد بها الجميع، المجلس الانتقالي، والإعلامي، والثوار.

4- استثمار القدرات الأدبية والعلمية والشبابية المبددة في فضاء الإنترنت والصحافة دون تنسيق (عبر الصحف، المجلات، المنتديات، الندوات، صفحات التواصل الاجتماعي، مؤسسات المجتمع المدني، الخ)، فكم من إنجازات يمكن لهذه القدرات والطاقات صنعها إذا ما وظفت بالشكل الأمثل.

5- تأجيج الرأي العام الدولي ضد الطاغية ومع الثورة عبر استقطاب القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني العالمية التي يتوقع تجاوبها تأسيسا على عدالة القضية المليئة بشواهد إثباتها صورة وصوتا ونصا.

6- استثمار قنوات وخبرات وتقنيات تعد ضمن أسرار مهنة العلاقات العامة الفعالة والمحتكرة فقط للزبائن، والتي لا ولم ولن نكن لنعلمها دون اتفاق، كي تسهم في خدمة الثورة.

7- عدم إضاعة الوقت في إعادة اختراع العجلة وهي موجودة، داؤنا غياب دور شركات العلاقات العامة، ودواؤنا في وجودها، فالوقت حرج جدا ولا يحتمل المخاطرة من أجل توفير المال فقط أو محاولة إثبات ما تعذر إثباته.

 وما لا يعد ولا يحصى من الأسباب والأهداف التي يمكن للغيورين على الثورة والذين تعتمل صدورهم بهموم الثورة وتمتليء بمثل ما تقدمنا به وأفضل من الملاحظات على الأداء الإعلامي والسياسي في إطار النقد الإيجابي البناء والداعم للمجلس والجناح الإعلامي، لا للنيل منهما، خاصة وأن للمجلس علينا حق البيعة، وللثورة حق النصرة والوحدة، غير ناسين حداثة عهد المجلس الانتقالي والجناح الإعلامي بهكذا مسؤوليات.
نعلم يقينا أن هذا النوع من الخدمات باهض التكلفة، ولكن تكلفته لن تكون أغلى من الثمن الذي دفعه شهداءنا، ولن تكون أغلى من الدماء التي ستحفظ كنتيجة عن نسف آخر جسور القذافي نحو العالم الذي يمكن لشركات العلاقات مده له، مما يعني سرعة انهياره داخليا على نفسه بدلا من إطالة عمر نظامه، ونتوقع لأشرافنا المساهمة في إنجاحه بالجهد والمال.
ونذكر مجددا، ما لم نستعن على القذافي في حرب الإعلام والعلاقات بالله أولا ثم بأهل العلم وذوي الخبرة، نعتقد جازمين أن أمد الصراع سيطول، وهذا سيكلفنا الكثير من الدماء والمال والتضحيات، بل وقد ينحسر معه مد التعاطف الدولي تجاهنا الذي بدأت بوادره تظهر، لأننا لم نحسن إدارة دفة حرب الإعلام والعلاقات.

 ختاما، نذكر بقول الله عز وجل: " فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ " البقرة - 194

----------------

إبراءا للذمة، نؤمن يقينا أن الهدف صائب تماما، فإن أساءنا عرضه وتقديمه فإنما نعتب على أنفسنا كصفحة وقصورنا في إيصال الرسالة بالشكل الصحيح، ولا مانع مطلقا في إعادة تقديم الفكرة أو إثراءها من أي طرف كان بالصورة التي تضمن تحقيقها.
وإن وفقنا في العرض والتقديم، فإنما الفضل لله وحده، والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق