الجمعة، 5 أغسطس 2011

الدكتور ابراهيم قويدر : لا يا سيادة المستشار


في العدد الصادر يوم 19 \7\2011م نشرت مجلة المجلة لقاءً صحفيًّا مطوَّلاً مع السيد محمد عبدالمطلب الهوني مستشار سيف القذافي أجراه السيد عز الدين سنيقره.وقبل أن أتناول هذا الحوار ألوم على مَن أجرى اللقاء في مقدِّمته، حيث أشار إلى عبارة قبل أن تندلع الحرب الأهليه في ليبيا .. وبطبيعة الحال عندما بدأ بهذه البداية فهو قد حدَّد موقفه من الثورة الشعبية الليبية، وأعطاها تعريف القذافي. ولعلَّه من الأهميه بمكانٍ أن أشير إلى سيادته أن الثورة الشعبية الليبية التي بدأت شرارتها مساء يوم 15 فبراير،
واندلعت يوم 17 فبراير هي ثورة شعبية سلمية ضد أسرةٍ مستبدَّةٍ ظالمةٍ قاتلةٍ لأبناء شعبها منذ السبعينات، وبالتالي كان تصدِّي هذه الأسرة للمظاهرات الشعبية التي كانت في بدايتها تطالب بالإصلاح كان التصدِّي لها باستخدام مفرط للقوة استعملت فيه الأسلحة الثقيلة والطائرات، واستُشهِد في الأيام الأولى للثورة أكثر من ألفين شهيدٍ، ونكَّل بالأسى، واغتُصِبَت النساء، وهُدِّمَت البيوت، ودُكَّت المدن في الزاوية وزوارة نبشت حتى قبور الشهداء، ثم كان من الضرورة بمكان أن يتوجَّه الثوار إلى الجامعة العربية التي أحالت الموضوع لحماية الشعب الليبي إلى مجلس الأمن الذي أصدر قرارَيْهِ 1970 و1973 ..لا أريد أن أسرد الكثير حول هذا الموضوع، وأكتفي بالقول للسيد سنيقره، وإلى كلِّ مَنْ يعتقد ما يعتقده بأن ما يجري في ليبيا حربٌ أهليَّةٌ يا سادة، ما يدور في ليبيا نضال شعبٍ ضد طاغية وأسرته وأعوانه، وليس منطقة ضد منطقة، أو مجموعة قبائل ضد أخرى كما يشيع القذافي، فالقبائل الليبية مختلطة ومتماسكة ومتواجدة في جميع أنحاء البلاد، فالثوَّار في الشرق والغرب والشمال والجنوب هم من جميع الأطياف والمدن والقبائل الليبية، وأيضًا مَنْ هم مع الطاغية ليسوا قبيلة بعينها، بل هم أيضًا خليطٌ من نفس القبائل، ومشايخ القبائل الحقيقيين ذوي الرأي الصائب، والملزم لأفراد قبائلهم هم أكثر من شيخ في ليبيا؛ وللإيضاح قبيلة العبيدات مثلاً  لها شيخٌ في درنة، وشيخٌ في طبرق، وشيخٌ في بنغازي، وفي كلِّ منطقة، وهكذا بقية القبائل، وبالتالي فإن القبيلة في ليبيا رابطةٌ اجتماعية ليس لها دَخْلٌ بالسياسة كما يحاول إعلام ونظام القذافي الكاذب إظهار ذلك أمام العالم؛ ليقال أنها حربٌ أهليةٌ للصراع على السلطة .....(وللحديث بقية في هذا الجانب إذا لزم الأمر).


أعود إذن للقاء مع السيد المستشار، وبعد أن قرأت إجاباته بتمعُّن أشير إلى النقاط التالية :
أولاً : أن القذافي هو المسئول الأول والأخير منذ أن طالبه أعضاء مجلس القيادة الذين كانوا معه بأن يجري انتخابات، ويُشكِّل مجلس أمة، وأشار لهم بأنه سيعمل على ذلك، فألقى بعدها بخطابه الذي أعلن فيه الثورة الثقافية والشعبية، وسمَّى بالنقاط الخمس في زوارة، واستقال بعض من الأعضاء، أو ابتعدوا، والباقي سُجِنُوا، وهرب البعض، وصفيّ البعض الاخر منذ ذلك الوقت هو الحاكم، ولا أحد سواه، فهو القائد والرئيس الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي - قانونًا -  تعليماتُه الشفهية تُعتبَر بالنسبة للأجهزة التنفيذية واجبةَ النفاذ، وحكمُها في حكم  القانون، وكان يعاونه في ذلك السيد عبد السلام جلود الذي كان رئيس الوزراء الفعلي، وهو الذي يُصدِر التعليمات لما يُسمَّى بأمين اللجنة الشعبية العامة رئيس الوزراء الرسمي وغيره من الأمناء الوزراء.
وبعد انسحاب السيد جلود كلَّف ابنه سيف بالقيام بنفس الدور الذي كان يقوم به جلود، وأصبح مدير مكتب سيف هو مدير مكتب رئيس الوزراء الفعلي، وهم الذين يُعيِّنون، ويختارون الوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسَّسات وأمين اللجنة الشعبية العامة، ولجنته يوقِّعون أو يبصمون على هذه القرارات لإعطائها الشكل القانوني.. هذه هي الحقيقة، والسيد المستشار يعلمها، ولا يراودني أي شكٍّ في عدم علمه، أو إدراكه بذلك .

ثانيًا : القذافي الإبن لم تكن له أي رؤية إصلاحية، وكل ما كان يقال هو من إخراج وإعداد وسيناريوهات القذافي الأب لتحقيق غرضين؛ الأول تلميع صورة الإبن، وقبوله من قبل الشباب ليكون وريثًا شعبيًّا بالداخل، وتحضيره عالميًّا، فهو الكاتب، وهو المهندس، وهو الدكتور، وهو السياسي الشبابي الإصلاحي صاحب ليبيا الغد، وهو الفنان الذي يرسم اللوحات، ويقيم المعارض، لا تجعلنى يا سيادة المستشار أقول من المجموعة التي أعدَّت رسالة الماجستير والدكتوراة، ومن الذي أعدَّ اللوحات التي عُرِضَت في بعض العواصم، وقد تكون أنت ساهمت في كتابة بعض الخطب التي رسم خطوطها الأساسية القذافي الأب، والغرض الثاني هو استقطاب أكبر عدد ممكن من المثقفين والمفكرين وأرباب الإصلاح، والتعرُّف عليهم واستقطابهم، إما بتوريطهم في العمل مع الأسرة الحاكمة الظالمة، أو على الأقل معرفتهم؛ لكي يتم التحفُّظ عليهم في أي وقتٍ يرغب فيه القائد الأوحد ملك الملوك.

ثالثًا : حقيقتا من العيب يا سيادة المستشار ما تتفضَّل به بأن القذافي الإبن لا يملك شيئًا في الداخل أو الخارج، وأنه مُدان عيب والله! فنحن نعلم أنه ليس لديه شيء باسمه الشخصي، ولكن تعلم أنت ويعلم المتخصصين الكثير عن  الأموال التي تُودَع بأسماء شركات (الأوف شور) في جنيف والنمسا ولندن وباريس، وكذلك المحامون الذين يقومون بذلك، ولعل المحامي الفرنسي والنمساوي أكثرهم قيامًا بهذه الأعمال، والبذخ الذي يُصرَف في أعياد الميلاد الشخصية، وأعياد الميلاد المسيحية اعترف به الفنانون والمدعوُّون لهذه الحفلات، ولسنا في حاجة لأن نستمع لما تقوله سيادتك من نفيٍ؛ لأن الأمور مثبوتة وواضحة، والفيس بوك مليُّ بالعديد من الإثباتات .

رابعًا : التعويضات التي مُنِحَت للملكة فاطمة تعويضاتٌ قانونية مُطالَب بها من قِبَل محاميين، وهي تعويضات حُجِبَت عنها رغم أنها تخصُّ أملاكها، وهل سيادتك تَعقِل أم تحاول أن تُدغدِغ عواطفنا عندما تقول أن القذافي الإبن هو الذي صرف يا سيدي؟ صُرِفَت التعويضات من ميزانية وخزينة الدولة الليبية، وبأمر وموافقة من القذافي الأب على أن تظهر في شكل عملٍ يقوم به الإبن، ثم أتبع ذلك بأن تم اختيار السيد الفاضل والصديق العزيز فائق محي الدين السنوسي كرئيس للهلال الأحمر الموقَّع الذي كان يرأسه القذافي الإبن بأمر وموافقة من القذافي الأب للتقرُّب من السنوسيين، وإعطاء الإبن شكل المتسامح مع رموز الحكم السابق.

خامًسا : يا سيِّدي من ذكرتهم بالأسماء أنهم يقفون ضد القذافي الإبن، وضد برنامجه الإصلاحي أنا جُلَّهم أعرفهم، فهم مخلصين إلى أبعد الحدود للقذافي الأب والإبن، وعملية الحرس القديم مسرحية مكرَّرة، فهم أنفسهم كانوا يقومون بنفس الدور مع السيد جلود، ولكن كان لديهم خطٌّ لا يمكن لهم أن يتجاوزوه، وبماذا تفسر زيارتهم مع القذافي الإبن للجزائر قبل الثورة الشعبيه فى 17 فبراير ؟ والحقيقة  هى أنه توجد مسرحيات وسيناريوهات لخلق مشاكل باسم الحرس القديم والإصلاحيين يُخرِجها ويُنتِجها القذافي، ويُمثِّله الإبن وبقية الأبناء أحيانًا، والحرس القديم حسب التخصُّص والنوعية والمكان، ثم يتدخَّل المُخرِج ليحلَّ المشكلة، وينحاز للديمقراطية والإصلاح، والأمثلة كثيرة، ولكني أورد لك حادثة اعتقال الصحفيين في ليبيا برس، ولعلَّك تعرف ملابساتها قبل حدوثها التي أوضحها للعالم الأستاذ سليمان دوغة عبر وسائل الإعلام قبل قيام الثورة بأسابيع قليلة .

سادسًا : آسف لأقول لك أنك تغالط عندما تشير لوجود مليشيات، هناك كتائب بدأت بعد اندلاع الثورة نظَّمت نفسها حسب المناطق، ثم انطوت جميعها تحت لواء الجيش الوطني، ولها مجلس عسكري تنسيقي .. وأنت وغيرك يعلم أن القذافي ألغَى الجيش، وأنشئ الشعب المسلَّح؛ لكي لا يكون هناك جنودًا وقوات مسلحة متفرِّغة، ففرض العلوم العسكرية نظريًّا وعمليًّا على الطلبة، وبعد التخرُّج والعمل لهم شهر في العام، وبالتالي في كل شهرٍ يكون هناك جنود آخرين، والاستقرار والتسلُّح والتنظيم للكتائب الأمنيًّة التي ربطها ببعض الكتائب الأفريقية، وفي بلا روسيا والجزائر وأرانيا وغيرها من الدول، وبالتالي فإن الشباب عندما ردُّوا على هجوم الكتائب باحتلال المخازن التي كانت عامرة بالسلاح عرفوا كيف يتعاملون معها؛ لأنهم مدرَّبون عليها، قولوا الحقيقة حرام التزوير والمداراة، والعبث بمصائر هذا الشباب والشعب العظيم الذي حتمًا سينصره الله على مَنْ عاداه، وشرَّد أسرَه، وهدم مُدنَه وقُرَاه .

سابعًا : هل لسيادة المستشار أن يقول لنا مَنْ هي الدول التي تُسلِّح مجموعة معينة من الثوَّار، ولا تُسلِّح الآخرين؟ وما هي إثباتاته حول هذا الموضوع، أم هي إشاعات المقصود بها ما يقال عن مساعدات دولة قطر لبعض الثوُّار، وهذا أيضًا غير حقيقي؟ فالأسلحة التي تَحصَّل عليها الثوار حتى الآن جزء كبير منها تم شراؤه، وبمساعدة الرأسمالية الليبية التي رأت أن تقف مع الثورة المباركة، ولولا خوفي عليهم لسردتهم بالإسم، وهؤلاء يُسلِّمون السلاح لقيادة الجيش الوطني الذي يقوم من خلال مجلسه العسكري التنسيقي بتوزيعه على الجبهات في البريقة ومصراته وجبل نفوسة، وغير ذلك فتنةً وافتراءً.
وأقول: شعب ليبيا لن يكون مثل الصومال، وشبابه الثائر بعد تحقيق دولة الديمقراطية سيُخيَّر بين الاستمرار والانخراط في الجيش الوطني، أو تسليم سلاحه، والعودة معزَّزين مكرَّمين للحياة المدنيَّة.

وفي الختام يا سيادة المستشار إن الفوضى والإهمال وسوء التخطيط لا يرجع للشعب، فوالله عيبٌ عليك أن تتَّهمنا بأننا شعب بدَوِي؛  بمعنى أننا غير متحضِّرين، ومن قال لك أن البدو غير متحضِّرين، بالعكس في فترة زمنية قائدك وابنه الذي تعمل معه مستشارًا هو الذي أبعدنا عن أخلاق وسلوكيَّات البادية، هذه السلوكيَّات العظيمة التي تمثِّل في مفهومها ومعانيها وأساليب تنفيذها الصدقَ والثقة وعدم الكذب والكرم والشهامة والبطولة؛ ومَنْ يحملون هذه الصفات لا يكونون سببًا في إهدار خطة التنمية ومشاريعها، بل إن تصرفات الحاكم وأبنائه ومستشاريهم ومعاونيهم، وتكالبهم على العمولات، وخلق الفوضى من خلال عدم وجود خطة تنمية هي السبب الحقيقي وراء انهيار البنية التحتية التي بُنِيَت خطأً أصلاً، ودمَّرها الآن بصواريخ الجراد وقنابله والغامة .
أتمنَّى من كل قلبي أن يعلن كل مَنْ كان له صلة بهذه الأسرة الظالمة التوبةَ، والعودة إلى الحق، والالتحام مع الشعب الذي سيقبله بكل المحبة والود، إلا مَنْ قتل أبنائنا، واغتصب نسائنا، وسرق مالنا، فهؤلاء يجب القصاص منهم أولاً، ولا تسامُح في ذلك.
وأختم: فليقل الناتو ما يشاء، ولتقل الجامعة العربية ما تشاء، ولتقل الأمم المتحدة ما تشاء، ولكن الذي يقرِّر، وقراره هو الأساس، وهو الأول والأخير هم شعب ليبيا العظيم، وشبابه الثائر في أمر ليبيا ودولتها الديمقراطية، والقصاص ممن أجرموا في حقِّهم هم وحدهم دون غيرهم هم الذين سيقرِّرون وينفذون، وسترى بأمِّ عينيك ذلك يا سيادة المستشار.
تونس 20\7\2011

هناك تعليق واحد: