الأحد، 28 أغسطس 2011

المنارة في حوار مع د. علي بوسدرة خبير قانوني ليبي بالأمانة العامة لمجلس الوزراء بدولة قطر



الدكتور علي عبدالجواد بوسدرة دكتوراه في فلسفة القانون وماجستير في القانون الدولي من جامعة "هال" بالمملكة المتحدة البريطانية، خبير قانوني بالأمانة العامة لمجلس الوزراء بدولة قطر حالياً، عمل في السابق بوظائف متعددة في دولة الإمارات منها مستشار قانوني لحكومة دبي ، ومستشاراً قانونياً لغرفة تجارة وصناعة عجمان، و مستشاراً قانونياً لسمو الشيخ/ حامد بن زايد آل نهيان رئيس دائرة التخطيط و الاقتصاد- أبوظبي-، و مدير إدارة السياسات الاقتصادية بالوكالة بدائرة التخطيط و الاقتصاد – أبوظبي-، ومدير إدارة السياسات و التشريعات بدائرة التخطيط و الاقتصاد – أبوظبي- ومدير إدارة السياسات و التشريعات بدائرة التنمية الاقتصادية –أبوظبي-  وعمل محكماً معتمداً لدى مركز أبوظبي للتحكيم و التوفيق التجاري، حضيت المنارة بلقاء مع د- بوسدرة وأجرت معه حواراً في قضايا التحديات التي تواجه الثورة بعد معركة طرابلس ومحاكمة القذافي والإعلان الدستوري للمجلس الوطني وقضايا أخرى تتعلق بمستقبل ليبيا

بداية حدثنا عن التنشئة ومراحل الدراسة ؟
علي  عبد الجواد بوسدرة من مواليد مدينة درنة عام 1955 درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة درنة خلال الفترة التي في درنة طبعاً نعرف مدينة درنة وتميزها في مسألة الولاء للوطن فهي حقيقة مدرسة في القضايا المتعلقة بالحرية فتعلمناها وتربينا عليها من خلال المدارس وغرس ذلك فينا المدرسون  أول قيام انقلاب  1969 كان عمري 14 سنة في مرحلة الصيف وبرز في تلك الفترة التيار الناصري القومي كان خطاب جمال عبدالناصر الجميع يسمعه في المنصات والشوارع ، وكان الناس ينتظرون خطاباته حيث كان يؤثر على أذهان الناس وكان الناس ينظرون إلى مصر على أنها القائدة  ويعدون عبد الناصر القائد الأممي فنحن تربينا في تلك الفترة وفي هذه الأجواء أما  التربية الأسرية فقد كان الوالد يهتم بالتربية الدينية وكان أبي مدرساً لمدة 47  عاماً وكان يشجعنا على العلم ويحرضنا على القراءة والاطلاع ولازلت أتذكر جيداً فقد كانت فيه قسوة القلب وأشار إلى الآيات الكريمة ((وإن من الحجارة...))
وكان يقول والدي لا أعتقد أن يخرج من القذافي إلا الشر  وكانت هذه الرؤية مبكرة وترعرعنا في هذا البيت الذي ينظر إلى الأمور بمنظور إسلامي وإلى الشارع الناصري القومي العربي  وكانت هذه بداية تفكيري بالجانب العام وجانب الحقوق ،وواجهنا في تلك امتحاناً في مواجهة السلطان ففي عام 1970  أي بعد الانقلاب بستة أشهر كانت هناك حادثة احتجاج بعض الشباب على تصرفات بعض الضباط في الجيش عندما دخلوا المدينة حيث قاموا ببعض الأخلاقيات التي لا يقبلها مجتمعنا  كمجتمع ليبي عربي إسلامي محافظ وبدأ معهم العراك والمشاكسة والضرب إلى أن رُفع السلاح وبدأ القتل وأصيب أحد شباب درنة وانتفضت درنة وخرج الناس في نوع من المسيرات  وانطلقوا  يرفضون  وجود الجيش  ونزل الناس اليوم الثاني بإصرار أكبر واستعداد أكبر وفي نفس الوقت نزل الجيش بتسليح أكثر واراتدوا الخوذات والسلاح وحصلت مناوشات بسيطة ولم يترتب عليها أية إصابات وكان وفي اليوم الرابع أو الخامس كان الناس مستعدين كان الشباب الذين لديهم الجلاطينات على أهبة الاستعداد وكانوا قد حفروا الحفر والنظام وقتها كان يعرف  جيداً أنه هش وأدار هذا الموضوع بحكمة وموضوعية  فجاءنا أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة وكان مستعداً لتنفيذ طلبات أهل المدينة وفعلاً سحب الجيش وسحبت الكتيبة، كانت هذه بدايات المطالبة بحقوقنا وحرياتنا وتقدمت هذه الأشياء وجئت إلى بنغازي ودرست بجامعة قاريونس كلية الحقوق وتخرجت عام 1977 وذكرياتي فيها لم تكن لها أقل الخصوصية والتأثير في نفسي، بالعكس في بنغازي تعلمنا الكثير ، تعارفنا على جميع ألوان الطيف وحصلت بعض الحوادث السياسية التي أثرت على الحياة السياسية عام 1976 ،وشاركنا فيها بالمسيرت وكتابة المنشورات وغير ذلك ورأينا الشنق وعرض الصور على التلفاز  وبدأ النظام يواجه بقوة وأخذت العلاقة بالسلطة علاقة شبه عدائية لأنه رفض أن يتعامل مع الناس بالحوار واالتعامل السلمي وبدأ الناس بترتيب صفوفهم بشكل سلمي وعملنا في شركة الفيتانول كمستشار قانوني للبتروكيمكالس وفي هذه الفترة تم إيفادي للدراسة في الخارج عام 1979 رجعت من الدراسة عام 1980 ثم غادرت في نفس السنة  ولم أعد إلا في عصر ثورة 17-فبراير و تجولت في كثير من مدن العالم وشاركت في كثير من الأعمال السياسية والقانونية لخدمة هذا الوطن والقضية الليبية.
كيف وجدتم بنغازي بعد هذه المدة ؟
الفرحة كانت تعم القلب  يعني هي فرحة لقاء مع من تحب بنغازي هي المدينة التي يتعلق بها قلبي الذي أصابه القليل من شعور الخوف والألم  حيث كانت مدينة جميلة ومنظمة جميلة في مبانيها وأنيقة وكانت الطرق معبدة وكانت الحدائق  حيث نقف وتجلس أمام البحيرة تجد الوجوه مبتسمة كنا عندما نعبر من شارع البركة إلى شارع جمال عبدالناصر كأنما عبرت حدائق الدنيا فلما رأيت المباني المتهالكة والشوارع أصابها الهرم طبعاً عندما ترى حبيبك مريضاً تحزن ولكن نقول إن هذه الأمور إصلاحها سهل وأهم شيء النفوس التي رجعت إلى طبيعتها متحابة متعاطفة أملها كبير والناس عاشقون للحرية والناس أصبح لديهم انتماء للوطن بنغازي أصبحت ترجع من جديد .
الآن محور الحديث في ليبيا  المشهد داخل مدينة طرابلس كيف ترى هذا المشهد ؟
من حيث المشهد العسكري أرى أن الانتصارات واضحة وقوية ولا تحتاج لإثبات ولكن هناك مناوشات بسيطة يتم السيطرة عليها وعندما يتحقق النصر العسكري ويعلن عن سقوط النظام أتمنى من الناس أن تتملك عواطفها وتلجأ إلى المحافظة على الأملاك العامة لأننا نحترم الأملاك ونصونها سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية الدينية علينا أن نحافظ على مباني السفارات لأننا نحترم أملاكهم  ولها حصانة ولها امتيازات ،نريد ان نخرج بمشهد دولة متحضرة تحترم العهود والاتفاقيات
كيف تقرأ التصريحات التي أدلى بها المجلس خلال معركة طرابلس وما اعتراها من تناقضات وأخطاء ؟.
 وجهة نظري أن أداء المجلس الوطني الانتقالي في الجانب الإعلامي أقل من الحدث ولا يرتقي إلى مستوى الأزمة ولا مستوى معركة التحرير ولا المستوى الذي يرتقبه الثوار والليببون  والأداء الإعلامي إلى حد ما ضعيف لأنه في غياب للرؤية الإعلامية التي هي إلى حد ما مشتركة وكأنه لم تتبلور رؤية إعلامية أو ربما لم يناقشها أصلاً، وتركوا الأمر للواقع والأحداث وبدأوا يعلقون عليها وكأنها ردود فعل وليست ممنهجة و أذيعت بشكل تصور ورؤيا فلذلك نجد تناقضات من وقت لآخر وأعتقد أن الخطاب الإعلامي في فترة من الفترات كان من المهم جداً أن يتوجه صوب الأرصدة المجمدة وكيفية تسييلها و الميثاق الوطني والإعلان الدستوري كان يجب من الإعلام التحدث عنه كان أفضل  لأوجدت نوعاً من الثقة بين المجتمع والمجلس الوطني وأنا لاحظت أن المجلس كانت له رؤيا موحدة.
الآن يمكن أن نشهد تحرير طرابلس  هل نشهد انتقالاً للمجلس والمكتب التنفيذي إلى طرابلس وإدارة الأمور من العاصمة  عن طريق فرق العمل وعن طريق المؤسسات؟
 أعتقد أنه لو أراد المجلس أن يستفيد من أخطائه فإنه سيستفيد كثيراً  وسيؤدي المطلوب بصورة أفضل بكثير وإذا لم يفعل ذلك فإنه سيوصف بنفس الوصف "أداء أقل من المستوى" ويفترض مشاركة المجلس جميع ألوان الطيف لا الإقصاء ولكن أتمنى أن يلتزموا بخارطة الطريق الدستورية التي قدمها الشارع التي تعكس إدارة الناس  ويجب أن تكون واضحة و نتمنى خطاب الشارع خطاباَ واضحاً وفيه شفافية.
كثر الحديث عن الخطة التي تم وضعها من أهالي طرابلس هل لديك تفاصيل عن هذه الخطة ؟.
طبعاً بالنسبة لي كمشاهد للخطة أستطيع أن أقول إن الخطة أن النيتو كان حريصاً جداً على معرفة الخطة وقطر وتقدمت كل الأطراف التي هي فاعلة في المشاركة إلى جانب المجلس الوطني ومحمود جبريل وكان هناك تصور معين وكذلك قدم الشباب الثوار أيضا تصوراً قدمه هذا الأخ عبد الحكيم بالحاج وفقد قدم تصوراً كاملاً لخطة تحرير طرابلس حسب معلوماتي أنه قدم هذه الخطة لرئاسة الأركان في قطر وللنيتو وتم مناقشتها وكانت من وجهة نظر عسكرية ناجحة وممتازة وعقلية عسكرية فذة ومتميزة قادرة على أن تنفذ هذه الخطة وأن تنقلها من تصور إلى حقيقة.
من قام بدور التنسيق بين مختلف الأطراف ؟
الشيخ علي الصلابي كان له دور مهم منذ اليوم الأول في مسألة التعامل مع الحكومة القطرية ومسألة الثورة واتصاله بالرجال الذين هم على أرض الميدان ،و كان مع الثوار مباشرة وعندما يكون في حاجة للمساعدة من قطر يقوم بذلك ، علي الصلابي كان يريد نجاج الثورة فلم يقتصر جهده على قطر فقط وفعّل علاقته مع كل الدول تركيا السودان وغيرها وأهمها  قطر  وقدم الجزء الأكبر والأقدم في المجال العسكري والإغاثي. 
هل يوجد  تنسيق بين عبدالحكيم بالحاج والثوار في طرابلس  وهل كان لهذا الدخول السلس ترتيبات مسبقة ضمن الخطة التي رسمها عبد الحكيم بالحاج ؟
أولاً في فترة من الفترات كان عبدالحكيم بالحاج يرى أنه يجب الاستيلاء على جميع المدن المجاورة لطرابلس وأن يتم محاصرتها محاصرة شديدة سواء مصراتة أوالخمس أو زوارة أوالزاوية ثم تبدأ الانتفاضة داخل طرابلس أعتقد أن ثوار طرابلس تقريباً كانوا يريدون الانتفاضة قبل أن تتم السيطرة على المدن المجاورة  ولكن الله سبحان الله عندما خلصت النية سقطت المدن سريعاً  وكانت الإنجازات في محاصرة طرابلس كان عبدالحكيم يتوقع أن يأخذ وقتاً أكثر وبالتالي تلاقت مع عدم صبر شباب طرابلس فرغبتهم في انتفاضاتهم وكانوا متوقعين تأخر دخول الثوار إلى طرابلس ولكن على العكس سقطت المدن المجاورة بشكل سريع .
لو تم إلقاء القبض على القذافي وسيف والسنوسي هل سيتم محاكمتهم في ليبيا أم في محكمة لاهاي ؟ وما هو الإجراء  الصحيح من الناحية القانونية.
القانون الذي يتضمن مسألة محاكمة القذافي تتضمنه اتفاقيته هي الاتفاقية التي تنظم قضية المحكمة  ومهامها  النص واضح وصريح الاختصاص القضائي في محاكمة المتهم من قبل نائب العام لمحكمة الجنايات الدولية يكون اختصاص للقضاء المحلي لأن هناك نصاً واضحاً و اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو اختصاص تكميلي تقوم بمحاكمة المتهم عندما لا يستطيع القضاء المحلي محاكمته لأسباب من ضمنها فرار هذا الشخص خارج الدولة أو عدم وجود الإمكانية للقبض عليه أو خروجه لدولة تسلمه هذه الدولة لمحكمة الجنايات الدولية أو وقوع هذا الشخص في يد قوات خارج ليبيا أو يعجز القضاء على المحاكمة فالأصل الاقتضاء القضائي المحلي والاستثناء ، أنا أحبذ أن يكون القضاء الليبي هو المقتص من القذافي أعوانه لأسباب كثيرة  أهمها أن هذه المحاكمة أنها ليست عادية لأن هنالك معلومات قد تمس الأمن الليبي قد تمس الاستقرار الليبي قد تكشف لنا حقائق هي جزء من تاريخ ليبيا والمعلومات التي تنبثق من هذه المحكمة هناك معلومات الليبيون هم أحق بها إذا تمت محاكمته خارج ليبيا هذه الوثائق والمعلومات ستكون سرية ولا يحق لأية دولة من بينها ليبيا أن تتطلع عليها أو تطلبها وهذه خسارة كبيرة ومن حق الليبيين أن يروا من أساء إليهم وعذبهم ودمر بلادهم أن يجازى بما يقرره القانون والمحكمة العادلة.
أصدر المجلس الوطني الميثاق التأسيسي للمرحلة الانتقالية ما تقيمك لهذا الإعلان الدستوري ؟
 تقييمي لهذا لإعلان الميثاق التأسيسي للمرحلة الانتقالية  هذا شيء يفرحنا ويثلج الصدر  لوجود رؤيا للمجلس الوطني  وإدراك أن المجلس الانتقالي  ووجود خارطة دستورية  للمرحلة الانتقالية وهذا كل ما يتمناه الشعب الليبي، الشعب حريص على أن تتضح الرؤيا من ناحية الخارطة الدستورية ونرى أن هذه الوثيقة عبرت عن هذه النية ولكن هناك مواد قد لا تؤدي إلى النتيجة التي نتمناها نحن نعرف أن هذه المواثيق تؤدي إلى إرادات ويجب عكس إرادات الليبيين أعتقد أن المادة ثلاثين عكست المسار الدستوري وهناك تفصيل مقبول ولكن تغطيه نقط قد تسبب إشكاليات كثيرة في المستقبل قد لا تحقق الثقة ألا وهي إعطاء المجلس الانتقالي كل السلطات فيما يتعلق بإداراة خارطة الطريق الدستورية  مثلاً بعد ثلاثين يوم من التحرير تنتخب هيأة تأسيسية بالاقتراع السري خارج المجلس في نوع من الهيمنة والسيطرة على الآليات والمؤسسات  التي ستقود فريقاً إلى بناء دولة دستورية من قبل المجلس هذه مخالفة جوهرية للعقد الاجتماعي قد تفسد المقص تمام من المقصود المفروض هناك طبعاً بعض الانتقادات للمواد من ضمنها أن المادة 17 تحتوي المجلس الوطني الانتقالي هو الممثل الوحيد للشعب الليبي ويستمد شرعيته من ثورة 17 فبراير المجلس يجب أن يستمد شرعيته من الشرعية التعاقدية العقد الاجتماعي ما بين الناس عندما يتعاقد الناس على رأي ويتفقوا على شرعية معينة وهي أعظم شرعية  وهي طويلة المدى ومستقرة لأنها منبثقة من شرعية الناس أما الشرعية الثورية و الأفضل أن تعاد صياغة المادة كي لا نسن سنة اكتوينا بها من  قبل.
سمعنا أن هناك مشروعاً للمصالحة الوطنية ستقوم بعرضه  ما هو مضمون هذا المشروع ؟
أنا أعتقد أن بعد التحرير سوف تتجه الأنظار لبناء الدولة هناك أموال سرقت وأعراض انتهكت ونفوس ازهقت و الناس تأخذهم العاطفة ونحن نحتاج لنوع من لم الشمل لهذا خرجت فكرة المصالحة  كانت لدينا رؤيا ثم التقينا بجهات كانت سباقة في هذا المجال جنوب أفريقية حيث كان لها تجربة متميزة ، وكذلك  في بريطانيا التقينا بشخصيات بريطانية وكذلك من بعض أهل العلم من الناحية الشرعية وطبعاً قسمنا المصالحة الوطنية على مراحل التخطيط وانعقاد جلسات مرحلة تنفيذ السياسات ثم مرحلة التقييم وتتطلب إخراج بعض القوانين تتعلق بالعفو وطمأنة الناس  ممكن مثلاً من باب التشجيع أن يتم استدعاء من كان لهم استفادة من مال الدولة الجزء و الأكبر من المال يعود للدولة وجزء للاستثمار وجزء يرجع له ويصبح ملكه وتقر له الدولة ذلك خاصة ونحن نتعامل مع  أناس لديهم مال كثير وهذا سيؤدي إلى الدفع بعجلة اقتصاد الدولة كذلك هذه الأموال نحن لا نستطيع الحصول عليها من غير ذلك وجزء كبير منها لانستطيع الوصول إليه من حيث الأسماء والبنوك ومن المؤسسات  وهم يستطيعون المساعدة في هذا الأمر هناك.  

نشر في العدد العاشر من المنارة الورقية
26-8-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق