الجمعة، 10 يونيو 2011

عبقري الفن الساخر محمد الزواوي يرحل مع بزوغ شمس الحرية


أحمد إبراهيم الفقيه


ودعت الاساط الثقافية في طرابلس ليبيا نابغة الرسم الساخر الفنان الاستاذ محمد الزواوي الذي رحل عن عمر يناهز الخامسة وسبعين عاما، وسط هذه الاحداث الدامية التي تمر بها ليبيا وشعبها الذي يخوض نضالا قاسيا ضد حكم الطاغية معمر القذافي الذي جثم على صدر البلاد اثنين واربعين عاما. رحل الفنان الكبير وليبيا تستعد لدخول عصر ما بعد عهد الانقلاب والطغيان، بعد ان قضى اكثر من خمسين عاما يستخدم ريشته في التعبير عن مختلف مناحي الحياة الشعبية في بلاده، ويواكب تحولاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، وينشر رسومه في مختلف الصحف والمجلات في ليبيا والوطن العربي، كما وصلت رسومه الى مختلف الصحف العالمية التي كانت تنقلها من الصحف الليبية وتقدمها باعتبارها تعبيرا عن وجهة النظر العربية والليبية في الاحداث الدولية، كما طاف بمعارضه مختلف دول العالم، ونال شهادات التقدير وتم استقباله بحفلات الاحتفاء والتكريم في كل مكان حل فيه من الكرة الارضية اعترافا بالمكانة السامقة التي يحتلها في عالم الفن التشكيلي والموهبة الكبيرة التي ابداها في التقاط مفردات الحياة الشعبية الليبية وتقديمها في لوحات تتجلى فيها قدراته الابداعية وموهبته الكبيرة التي تغوص في عمق القضايا التي يعالجها بريشته وتلتقط جوهر الحياة فيما يعرض له من رؤى وافكار وما يلتقطه من الحياة التي حوله من مشاهد ولوحات. 

 وقد فقدت فيه رفيقا من رفاق العمر، جمعت بيننا مهنة الصحافة، وعرفت فيه صديقا عزيزا وفنانا عبقريا عز ان يجود الزمان بمثله، وانسانا بالغ الشفافية والصدق والنزاهة والامانة، وتواصلت صداقتنا تتجدد عبر الازمنة والمراحل المختلفة منذ ان عرفته عندما جاء الى طرابلس من مدينة الميلاد والمنشأ والدراسة بنغازي، وظلت صداقتنا واستمرت صداقة صافية نقية لم تشبها لحظة كدر واحدة، وهو صفاء ونقاء تميزت به علاقات محمد الزواوي مع كل من عرفه من اصدقاء حميمين، فقد رايتهم جميعا يحملون له نفس الاكبار ويختلفون فيما بينهم ويتعاركون ويتخاصمون ولكنهم يجتمعون على حب محمد الزواوي والالتفاف حوله دون ان اراه يوما يدخل في اية خصومة مع اي انسان من الزملاء مهما كثرت وكبرت الاحتكاكات والمنافسات واحيانا المماحكات الناتجة عن الغيرة المهنية، فقد كان اكبر من مثل هذه المماحكات واكبر من كل الحساسيات واكبر من كل المنافع الصغيرة التي يتزاحم حولها الناس ويتشاحنون ويتخاصمون، وربما السر في هذه التعفف وهذا الترفع عن الصغائر ياتي من الثقة في نفسه، بسبب الموهبة العملاقة التي منحها له الله، والتي تجعله دائما كبيرا في عين نفسه واعين الاخرين، ولا يشعر بتلك النقائص التي غالبا ما تصنعها مركبات النقص وضعف الموهبة والخوف من فقدان المكانة لقدوم من هم اكثر موهبة، وبجوار الموهبة فقد منحه الله القدرة على الجلد والمثابرة والعمل بدأب واحتراف وتواضع انساني جميل، وانكار للذات لا يعرفه الا اهل الزهد والتصوف. لم يركن يوما الى ما نسميه مزاج الفنانين وعصبيتهم، ولم يتبختر زهوا بموهبته العملاقة ويجعل منها بديلا للكدح اليومي والعمل المضني الشاق. كان دأبه دأب الفنانين الكبار الذي عرفتهم البشرية، والذين يقضون الساعات الطوال مستغرقين في العمل الفني الذي يقومون بانجازه دون كلل ولا ملل، كما نقرا عن عباقرة الفن التشكيلي، والنحت والتصوير، من امثال مايكل انجلو وليوناردو دافينشي قديما وما تركاه من تراث خالد، او عباقرة العصور الحديثة امثال بيكاسو ومن قبله فان جوخ وما تحفل به متاحف العالم من انتاجهما، بسبب ما اخذ به هؤلاء الفنانون انفسهم من جدية وحرفية ومثابرة وجد واجتهاد. وهكذا كان محمد الزواوي، يعكف يوميا على رسم لوحاته وتلوينها وزخرفتها واغنائها بالتفاصيل التي تقتضي وقتا وجهدا وصبرا، ولهذا ترك تراثا عظيما في الكم والكيف، سيظل زادا لاجيال قادمة، كما سيحمل تأريخا لمناحي الحياة التي عاشها المجتمع الليبي في الاحقاب التي عاصرها الرسام والاخرى التي صورها من واقع استقرائه للتاريخ والتراث وملاحم الجهاد التي خلدها في كثير من لوحاته.
 انتسب في مطلع الستينيات الى مجلة الاذاعة كفنان ورسام، بعد فترة عمل قصيرة قضاها رساما للخرائط البيانية في هيئة اجنبية اسمها المصالح المشتركة او النقطة الرابعة الامريكية، ثم سرعان ما انشأت السيد خديجة الجهمي مجلة المراة واختارته ليكون مساعدا له في ادارة المجلة ومديرا فنيا لها، الا ان عمله لم يقتصر على هذه المجلة وانما سعت كل الصحف التي كانت تصدر في طرابلس للاستفادة من موهبته في ترويج نفسها للقراء، وكنت قد انتقلت للعمل صحفيا متفرغا لصحيفة الدولة اليومية وهي صحيفة طرابلس الغرب، وهناك اتفقت معه على القيام بعمل مشترك هو زاوية صحفية اسمها نواقيس اقوم انا بكتابة مادتها التحريرية ويقوم بها برسمها تتناول جانبا من جوانب الحياة الثقافية او الاجتماعية، وهو عنوان الباب الذي اختاره الرسام الكبير ليكون عنوان واحد من المجلدات التي احتوت رسومه الساخرة، والتقيت به ايضا على صفحات جريدة اخرى اسبوعية اسمها الميدان وكانت صحيفة ذات توجهات نضاليةاشتراكية قام بتاسيسها وتولى رئاسة تحريرها احد عمداء الصحافة الليبية الاستاذ فاضل المسعودي وكنا نلتقي في اجتماعات اسبوعية لوضع خطة العدد والاتفاق على المواضيع التي يتناولها التحرير ويتناولها رسام الصحيفة الفنان محمد الزواوي، ووجدت رسومه التي زود بها صحيفة الميدان لعدة سنوات صدى كبيرا في الاوساط الشعبية لانها كانت صحيفة تتمتع بهامش من الحرية اكثر مما تتمتع به الصحف الرسمية التابعة للحكومة، ويذكر له الناس تلك الرسوم التي جعل الشخصية الرئيسية فيها التمثال الشهير للامبراطور الروماني من اصل ليبي سيبتيموس سيفيروس الذي كان يحتل موقعا في ميدان الشهداء قبل ان يقرر النظام الانقلابي نقله من الميدان وايداعه مخزنا من مخازن المتحف، فقد حرك الفنان الزواوي هذا التمثال وجعله يعاني معاناة المواطن الليبي وهو يذهب للبحث عن حل لمشكة السكن في وزارة الاسكان او يذهب الى السوق يسأل عن بضاعة لا يجدها او يبحث عن شهادة يتعذب في الحصول عليها من البلدية او اثناء السفر عبر منفذ حدودي وهكذا استطاع ان يتناول مشاكل المواطن الليبي من خلال تحريك هذا التمثال والذهاب به الى مواقع الادارات الحكومية التي يتردد عليها المواطنون ويجدون فيها عنثا وتعبا، ودارت الافلاك دورتها الكبيرة لتنقل البلاد من العهد الملكي الى عهد الانقلاب العسكري الذي جاء بنظام العقيد القذافي،وقد رافقت رسوم الاستاذ الزواوي هذه التحولات، وكان رحمه الله يؤدي عمله بمثابرة واجتهاد ويسعى لان يكون نافعا ومفيدا لوطنه، فكان ما ادعاه النظام من توجهات قومية، فرصة لان يعبر الزواوي عن نقده للاوضاع العربية وقضايا الحرب والسلام او قضايا الاحرب والاسلام، ونافح ودافع عن الفدائيين والجنود الرابضين في الخنادق بانتظار لحظة الانطلاق لتحريرالارض، كما ادان الانهزاميين والمستسلمين والراضخين للاحتلال، واذكر له رسما نقلته اغلب الصحف العالمية يحمل رايا في مهمة وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر ورحلاته المكوكية الى منطقة الشرق الاوسط عندما اظهر الزواوي هذا الوزير في ملابس ساحر يقدم عرضه على المسرح واراد كعادته وهو يلعب العابه البهلوانية ويقوم باخراج الارانب والحمام من قبعته ان يبهر المتفرجين باخراج هذا الارنب او هذه الحمامة، فاذا بيده تخترق القبعة من الجانب الاخر ولم يستطع اخراج لا ارانب ولا حمام دلالة الافلاس الذي وصل اليه في مهمته الفاشلة.
 وكان التركيز الاكبر لمحمد الزواوي على تصوير البيئة الشعبية الليبية والمواطن الليبي والمراة الليبية في محيطهما الاجتماعي، في رسوم تميزت بالانتباه الى التفاصيل وتفاصيل التفاصيل التي تجعل الصورة غنية بالدلالات والايحاءات والرموز والزخارف ذات التكوين الجمالي والحس الشعبي والتقاط ثيمات من التراث ومفردات من البيئة الشعبية ذات الزخم والثراء والتنوع والتعدد، ولم يكن يكتفي باقتباس هذه الزخارف الشعبية وتمثلها واعادة انتاجها في قوالب فنية ساخرة، وانما يرفدها بخيال واسع خصب قادر على استيلاد المعاني والدلالات والرموز التي يجترحها من الخيال، اذ يمكن في مشهد خصومة داخل البيت بين زوج وزوحته ان تظهر صورة فأر في ركن من اركان البيت ينظر باندهاش واستغراب لما يحدث، ويمكن لتلك اللوحات الساخرة التي يقتبسها من زيارة النماذج الشعبية الى الشواطيء للنزهة والسباحة، ان نجد الاسماك وقد اطلت برؤوسها في فضول تتسلى بمنظر هذه العائلات الليبية التي تريد ارتياد البحر بملابسها الشعبية، كذلك فان هذه التفاصيل والزخارف لم تكن لتغيب عن رسومه السياسية وهناك في دهاليز السياسة واركانها ما يمكن ان يكون زادا للرسام الساخر يقوم بتوظيفه لانتزاع البسمة من جمهور الصحيفة التي تنشر هذه اللوحة الكاريكاتيرية.
 كنت دائما اجد الفنان الكبير والصديق العزيز محمد الزواوي بجواري وانا اتولى عملا صحفيا جديدا، فقد كان معي وانا اتولى تحرير صحيفة الثورة التي تم اصدارها في مطلع السبعينيات، وكان دعما لي وانا اتولى اصدار صحيفة الاسبوع الثقافي، كما كان يساهم احيانا في اضفاء لمسة فنية على مقالة اكتبها لهذه الصحيفة او تلك وكان هذا التعاون يتواصل بيني وبينه حتى وانا اهاجر بمقالاتي الى الصحافة العربية المهجرية، ولي معه تجربة ذات دلالة في هذا الخصوص، فقد كنت دائما اعتبر الاستاذ محمد الزواوي وجها ابداعيا ليبيا لابد ان تفخر ليبيا بتقديمه الى العالم، بل كنت احرضه لان ينتقل بموهبته الى المجال العالمي واقول له ساخرا بانني كاتب مهنتي الكتابة باللغة العربية ولا مجال لاستخدامها الا في افق عربي وفي حدود هذا الاقليم من العالم، اما لغته فهي لغة عالمية، اي لغة الرسم الساخر، ولابد ان هذه الصحف والمجلات التي كثيرا ما عمدت الى نقل رسومه من صحف ليبية كما حدث مع صحيفة الهيرالد تريبيون العالمية ومجلة تايم الامريكية ونيوز ويك الامريكية والساندي تايمز البريطانية، سوف ترحب به رساما يعمل متفرغا معها وسيتضاعف دخله عشرات المرات ان لم يكن الاف المرات اذا ما انتقل للعمل في هذه الصحف العالمية، ولكنه لم يكن يابه لمثل هذا القول، ولم يكن يريد ولا يتمني ان يغادر بيته في حي الاندلس بطرابلس، ولا يريد ان يرضى عن وطنه بديلا فما اهمية ان يكسب الملايين وهو خارج وطنه وبيئته واهله، ولهذا كان يضحك ويسخرمن مثل هذه الافكار، وحدث وانا اكتب بابا يوميا لصحيفة الشرق الاوسط وكانت رائدة في تعدد الطبعات في العالم حيث كانت تصدر من لندن وتطبع في عدد من مناطق الوطن العربي والعالم، ان تكلمت بشانه مع الصديق عثمان العمير رئيس التحرير، فرحب بان يخصص صفحة اسبوعية لرسوم محمد الزواوي، وكان هذا يرضي رغبتي في تقديم الابداع الليبي لاحتلال موقعه على خريطة العالم العربي، ولم تكن متيسرة في ذلك الوقت تقنية ارسال الرسوم بطريقة الانترنيت، كما ان الفاكس لم يكن يؤدي الغرض، فكان الاستاذ الزواوي يتولى ارسالها لي في الرباط لاقدمها لمكتب الصحيفة هناك، وهي طريقة لم تكن عملية كما كان يجد صعوبة في استرجاع الاصول لهذه الرسوم بعد الطبع، فكان ان تعرقل استمراره في رسم هذه الصفحة التي استقبلها القراء بترحاب وحماس.
 هناك مناسبة اخرى قمت خلالها بتنظيم معرض لرسوم الفنان الزواوي في لندن ودعوته لحضور المعرض وجرى الاتصال باوساط صحفية وثقافية في العاصمة البريطانية للاحتفاء به وشاركني في هذا الجهد صديقنا الفنان الليبي العالمي الاستاذ على عمر ارميص ولكن ظرفا طارئا للاسف الشديد (ساتعرض لذكره لاحقا في هذا المقال) حال دون اتمام المهمة على الوجه الاكمل وايفاء بالالتزام مع الجهة المنظمة للمعرض قمنا بدلا من احضار الرسوم الاصلية بالاعتماد على رسوم منشورة للفنان في كتبه، تم عرضها دون حضوره ودون اكما ل البرنامج المعد للاحتفاء به.
 وجاءت اقامة هذا المعرض تسديدا لدين للفنان الكبير وتحقيقا لوعد قطعته على نفسي منذ ان استلمت عملي في اواخر عام 1975 مستشارا اعلاميا في سفارتنا في لندن، اذ عند وصولي الى مطار هيثرو وكان في ديسمبر من ذلك العام، والثلج يغطي الارض والشجر، وفي درجة حرارة متدنية جدا، وجدت ضمن من جاء لاستقبالي الفنان الكبير الاستاذ محمد الزواوي رغم انه كان موجودا بالصدفة في لندن، حيث اصر رغم البرد والثلوج على ان ياتي للترحيب بي مع زملاء السفارة، وكان وجوده ووجود بعض الاصدقاء، مناسبة لاذابة الثلوج واحالة صقيع لندن الى دفء، وشاء حسن الحظ ان اجد حجزا لي في نفس الفندق الذي اختاره لاقامته، مما اعانني على قضاء ايام جميلة في صحبة هذا الفنان وقلت له انني اريد ان ابدا عهدي في العمل بالسفارة بتنظيم معرض لرسومه ولكنه وبنبل واريحية رفض رفضا قاطعا ان يقبل مني هذا العرض، قائلا ان لمثل هذه الوظيفة اولويات وان امامي فترة للاستقرار وترتيب اقامة اسرتي وانه سيكون هناك في المستقبل متسعا من الوقت لاقامة مثل هذا المعرض، وهكذا تاجل الموضوع واخذتنا الاحداث وانتهى عملي في السفارة دون ان افي بوعد اقامة هذا المعرض لرسومه، ولهذا فما ان ظهرت مناسبة للاحتفاء بهذا الفنان الاستثنائي واقامة معرض له يتوافق ويتزامن مع معرض اخر لزميله وصديقه فنان الخط العربي الاستاذ المبدع النابغة على عمر ارميص حتى قفزت على الفرصة وكلي ثقة بالنجاح المحقق الذي سيلقاه المعرض في اجواء العاصمة البريطانية التي تفخر دائما بانها احد عواصم التصوير في العالم.
 واقول هنا ان الفنان محمد الزواوي بروح الفنان المحترف لم يتاخر يوما باعتباره موظفا في الصحافة التي تصدرها الدولة عن الالتزام باداء واجبه والوفاء بما يتعهد به من مهام وما يصدر اليه من تكليفات فانخرط بكل جهد ومثابرة في العمل دون كلل في تنفيذ كل ما تريده منه الاجهزة الحكومية من رسوم لبرامجها التعبوية،او لوحات مؤتمراتها، بل لا يستنكف ولا يكابر ولا يتاخر حتى لو اتصل الامر برسم اعلان او لوحة لغرض دعائي، وكان يحتفظ دائما بحقه في ان يرسم الرسم الانتقادي الذي يعبر عن رايه الخاص، وقد حفلت لوحاته الساخرة بالنقد للفساد والممارسات الادارية التي تسيء الى المواطن، انطلاقا من ايمانه بان الميدان الحقيقي للرسم الساخر كما كان يقول دائما هو النقد ورصد الاخطاء وتعرية وفضح اوجه التقصير والقصور والانحراف في المجتمع، وبمثل ما كان يقدم للدولة ما تريده منه كرسام عبقري تسعى لاستغلاله في تسويغ وترويج بضاعتها السياسية والثقافية فهو بالتالي يريد ان يقايض ذلك بقبول ما يريد ان يقوله من نقد وما يحرص على رسمه من لوحات تسخر من اوجه العمل الرسمي والوظيفي للدولة ورموزها وروتينها، وفي هذا الاطار لم يكن محمد الزواوي يشكو ضيقا او مضايقة في التعبير عما يريد ان تقوله اللوحات الساخرة الناقدة التي يرسمها، ولكن برغم هذا التفاهم بينه وبين النظام ورغم الاعتراف بعبقريته ونبوغه واستغلال هذا النبوغ وهذه العبقرية فيما يريده النظام، فان حياته مع الدولة وحكومتها لم تكن دائما على احسن ما يرام وتعرض في مسيرة العقود الاربعة التي عاشها مع النظام الانقلابي الى عدة كوارث، ساذكر منها اثنين من الكوارث الانسانية او النكبات التي تعد من اضخم واقسى ما يمكن ان يمر بالانسان في حياته. ولكن قبل ان اعرض لهاتين المناسبتين المؤلمتين ساذكر ما عاناه من تقصير في حقه وحجب لموهبته وسوء استخدام لهذه العبقرية مما يدخل في انتهاكات حقوق الانسان المبدع وحرمانه من ابسط هذه الحقوق.
 واقول واعيد ان الاعتراف بعبقرية محمد الزواوي كان موجودا على كل المستويات، شعبيا ورسميا، في الداخل والخارج، وفي الشرق والغرب، ولكن الدولة التي تقودها شعارات فاسدة ظالمة احداها "لا نجومية في المجتمع الجماهيري" لا يمكن الا ان تكون ظالمة مجرمة في حق عبقري، تختار له الاقدار، ان يولد وينشأ ويعيش في مثل هذا البلد وتحت هذا الشعار، ورغم ان محمد الزواوي لقى الاحتفاء والترحيب من كل مكان ذهب اليه، فان الدولة التي كان يمكن ان تستفيد من تقديم وجه حضاري ابداعي يعبر عن حضارة مجتمعها وابداع شعبها، لم تكن تملك النية ولا الوسيلة ولا الوسائط ولا الجاهزية لمثل هذا العمل، وكان اناس كثيرون يرون هذا التقصير ويسعون لتداركه ويريدون تحقيق منفعة للوطن والفن من خلال تقديم موهبة محمد الزواوي الى العالم، الا ان الجدار الحديدي الذي رفعه النظام للحد من مثل هذا الجهد كان يقف حجر عثرة بينهم وبين تحقيق هذا الهدف، واعرف اكثر من محاولة للاستفادة من جهود الفنانالزواوي في تقديم عمل يتولاه هذا الفنان بعبقريته للعبور بالفن الليبي الى الافاق العالمية وفي هذا الاطار تم اعتماد مشروع لعمل مسلسل من الرسوم المتحركة عن الشخصية التراثية الساخرة جحا، يتولى رسمه الفنان الكبير للتوزيع العالمي، وفعلا بدا الاستاذ الزواوي في رسم هذا المسلسل بل وصل الامر الى مرحلة التنفيذ لبعض حلقاته وسافر بنفسه الى طوكيو لتحريك هذه الرسام وسافر معه على ما اذكر كل من صديقيه الدكتور على فهمي خشيم، ربما لان له علاقة بالنص، والفنان عبد الحميد الجليدي لتولى الجوانب الفنية الانتاجية، ولكن كما قلت فان الجدار الحديدي الذي شيدته الدولة الليبية في العهد الانقلابي والذي يحول دون وصول اي مبدع ليبي مهما كان نبوغه وعبقريته للافاق العالمية، كان لابد ان يقف حاجزا دون اكمال المشروع، واعتقد ان الدكتور على خشيم ( شفاه الله ) اقدر من يفيدنا حول العقبات التي نشات لعرقلة الموضوع، كما نشات لعرقلة مشروع اخر في اطار عمل صحفي يكون له هذه المرة بعد عربي مشرقي، يعتمد هو ايضا على تسويغ نفسه للقاريء العربي على موهبة ورسوم محمد الزواوي وبعد بلوغ مراحل متقدمة في المشروع حالت سياسة الدولة العليا دون وصوله الى نتائجه المرجوة.
 واخلص الان الى الحديث عن احدى المآسي التي تعرض لها الاستاذ الفنان الراحل محمد الزواوي علي يد النظام، فقد ربى ابنه البكر المسمى عوض، تربية كريمة بها قدر كبير من الالتزام الديني، ولان الاستاذ الزواوي رحمه الله، كان من اهل التقوى والصلاح يؤدي الصلاوات في اوقاتها، فاقتدى به ابنه وصار من محبي الذهاب الى المساجد والاستماع الى حلقات الدرس الديني، ويبدو انه تاثر بما كان يسمع ويرى ويخالط في هذه المساجد من مجموعات شبابية ذات ارتباطات حزبية، فسار في ركاب احداها، ولم يكن والده قد انتبه الى ما انساق له ابنه، مع انه كان حريصا على ان يفي بالتزاماته نحوه، وكان عارفا بازمة الشباب الليبي في السكن وتدبير مصاريف الزواج واقامة اسرة فحرص على ان يساعده في اكمال نصف دينه فتزوج ابنه عوض وانجب، وشيد له مكانا في نفس البيت بحي الاندلس، يتسع له ولزوجته واطفاله، وذات ليلة شتوية وفي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل استيقظت العائلة على ضجيج وصخب ونهض افرادها يستطلعون ما يحدث في البيت، فاذا مجموعة من رجال الشرطة يقتحمون البيت ويتسلقون الاسوار وفي ايديهم البنادق وقد جاءوا للقبض على عوض وانتزاعه من فراشه بين زوجته واطفاله بتهمة الانضمال الى مجموعة دينية محضورة، وعرفت فيما بعد ان والدة محمد الزواوي، وكانت موجودة على قيد الحياة، وتقيم مع ابنها في نفس البيت، قد اصيبت بمرض استمر معها الى ان ادى الى وفاتها بسبب الرعشة التي اصابتها تلك الليلة، وكان عتب الاستاذ الفنان محمد الزواوي على الدولة، انه رجل معروف لدى رجالها، تربطه علاقات صداقة بكثير منهم، فلم يكن ليتاخر لو جاء من يطلب منه احضار ابنه الى مركز الشرطة للتحقيق، ولا ادري حقيقة ما حدث بعد ذلك، فقد علمت فيما بعد، ان الابن كان فعلا قد انضم الى واحد من التنظيمات الاسلامية المتطرفة لعلها الليبية المقاتلة، الا انني شخصيا لم اسمع ان عوض محمد الزواوي قد قدم الى المحاكمة ولم اسمع بان حكما قد صدر ضده، كل ما علمناه وافادني به والده نفسه فيما بعد، انه تلقى اشعارا بوفاة ابنه كما حصل مع ضحايا مجزرة سجن ابي سليم، لانه كان واحدا من المساجين الذين قتلوا في ذلك اليوم من عام 1996 وقد بلغ عددهم 1270 شهيدا.
 هذه المأساة او النكبة التي عاناها الفنان العبقري الراحل محمد الزواوي وعانتها اسرته على يد النظام، سبقتها ماساة اخرى، كانت هذه المرة من نصيبه هو شخصيا، وقد سمعت تفاصيلها منه لانني كنت موجودا على طرف هذه المحنة، انتظر في لندن مجيء الفنان محمد الزواوي لاعيد معه ذكرى ايام كثيرة عشناها بين ربوع تلك العاصمة من عواصم العالم التي تخصص ركنا دافئا من اركانها لاهل الفن والابداع. كنت اواصل دراسة الدكتوراه في بريطانيا وجئت الى طرابلس وذهبت لزيارة محمد الزواوي في بيته اتفق معه على دعوة احملها له لاقامة معرض في لندن، عملت على ترتيبه بالتعاون مع الصديق الرسام الذي يعيش في بريطانيا الاستاذ على عمر ارميص لاظهار هذا الوجه الحضاري لبلادنا، ورحب الفنان الكبير بالفكرة وابلغني بانه سيكون انشاء الله في الموعد المحدد معي في لندن وسيحضر اللوحات معه في حقيبة سفر مع امتعته وسيكون هناك من الوقت ما يكفي لوضع هذه اللوحات في الاطر التي تحتاجها، وافهمني انه مدعو الى تونس لاعداد معرض لرسوماته، وسيقوم بترتيب الموعد بحيث يتوافق مع الموعد الذي حددناه في لندن، وتركته وعدت لاتابع الاعداد لهذه الايام الثقافية، وعرفت فيما بعد ان الفنان الزواوي قد سافر الى تونس وجاءت الاخبار بانه اقام معرضه باحدى قاعات فندق هيلتون ليستمر لمدة اسبوعين او ثلاثة اسابيع يكون بعدها جاهزا للانتقال بلوحاته الى لندن، وفي الوقت المناسب اتصلت بفندق هيلتون لارسال بطاقة السفر ولاعرف منه الموعد المناسب لمغادرته تونس، فلم استطع ان اتلقي جوابا، فلجأت الى مهاتفة السفارة في تونس لاجد واحدا من موظفيها يخبرني بشيء من التحفظ، ان هناك مشكلة وان الزواوي لن يستطيع الحركة او السفر لاي مكان، وعند اتصالي بالاصدقاء المشتركين في طرابلس عرفت ان محمد الزواوي رهن الاعتقال في تونس بسبب تهمة سياسية لا احد يدري عنها شيئا ولم يتم الافصاح عنها لاحد، وطبعا تاسفت اسفا شديدا لما حدث مدركا تمام الادراك ان ثمة خطا ما، وقع لهذا الرجل الذي اعرف مدى براءته وجمال اخلاقه وعفة نفسه واستقامة سلوكه بحيث اراه مستحيلا ان تصدق عليه تهمة من هذا النوع، وتدبرت مع الصديق الفنان ارميص طريقة لتلافي المأزق الذي سببه لنا غياب الفنان الزواوي فقد اصدرنا كتاب الدعاية عن المعرض وكان الحل هو الاعتماد على رسوم منشورة في الكتب للفنان الزواوي، وحقق المعرض نجاحا كبيرا رغم انه لم يقم على اللوحات الاصلية، فقد كانت الرسوم المنشورة مفاجاة لكثير من الاوساط الفنية الاجنبية التي لم تكن تعرف الزواوي وانتبهت الى وجود موهبة بهذا الحجم تخرج من ارض هي ليبيا التي تهيمن عليها صورة القذافي بسجله المدموغ بالعنف والارهاب خاصة في بريطانيا التي ترى فيه مؤيدا وداعما لارهاب الجيش الجمهوري الايرلندي وجرائمه التي سقط الكثير من ضحاياها في العاصمة البريطانية نفسها، ولكن طبعا لم يكن المعرض بالنجاح الذي نريده، والذي اعددنا له، لان الفنان لم يكن موجودا ليلبي ما كان سيحدث من لقاءات صحفية وحفلات تكريم وتعارف بينه وبين اهل الفن الموجودين بالساحة البريطانية.
 عرفت فيما بعد، ومن محمد الزواوي نفسه ما حدث له، فاثناء وجوده في تونس لاقامة المعرض وسط احتفاء اهل الفن والثقافة من محبيه وصحبه، ارادت المخابرات الليبية القيام بعملية ارهابية تطال الجامعة العربية وتفجير اجتماع لوزراء الخارجية العرب، وكان وجود الزواو ي بهذه المكانة الفنية التي يحتلها، يمثل اغراء لهذه الاجهزة في ان تستخدمه غطاء تمرر من خلاله جزءا من العملية، وكان موجودا كما قال لي في مكتب السفير وكان حاضرا احد مدراء الاجهزة الامنية السرية في ليبيا، عندما دار الحديث حول حقيبة ينتظران احدا لاستلامها ثم خطر خاطر على السفير ومدير الجهاز الامني ابلغا به الفنان الزواوي وهو ان هذه الحقيبة تخص صديقا قد يتاخر في الحضور الى السفارة ولا ياتي الا بعد ساعات الدوام واضمن وسيلة لان تصل اليه في الوقت المناسب هي ان ياخذ الحقيبة معه الى غرفته وسيتم ابلاغ صاحبها فيما بعد بان الحقيبة مع الفنان في غرفته في الفندق لياتي ويستلمها منه، وبسرعة ابلغا الفنان الزواوي بان سيارة السفارة جاهزة لنقله الى الفندق فخرج وصعد الى السيارة وجاء من وضع الحقيبة بجواره وانطلق به السائق الى الفندق وعندما اراد الهبوط بالحقيبة وجدها ثقيلة بشكل يصعب تصديق انها حقيبة عادية، ورغم انها حقيبة متوسطة الحجم فقد كان بالكاد يستطيع تحريكها، ولان باب المصعد لم يكن بعيدا فقد تحامل على نفسها حتى وضعها فيه وصعد بها الا ان شكوكا بدات تساوره عن محتويات الحقيبة، وزاد من شكه وجود رجل الامن الذي بدا مهتما اهتماما غير عادي بالحقيبة، واحس ان السفير ورجل الامن ارادا استعماله واستغلاله وهو لن يسمح لهما بذلك فما كان منه بعد او وصل الى باب غرفته الا ان عاد هابطا مع نفس المصعد ومعه الحقيبة وامتطى اول سيارة اجرة كانت واقفة امام الهيلتون وعاد بالحقيبة الى السفارة قائلا للسفير ورجل الامن انه يعيد اليهما حقيبته لانه لا يطمئن لهذه المهمة وكان حجم المفاجاة هائلا كما اخبرني وانتابت الاثنان حالة من الغضب والهيجان فلم يعرهما انتباها ولا لصيحات الاحتجاج التي قابلاه بها. ادار لهما ظهره وخرج الى الشارع باحثا عن سيارة اجرة تعيده الى الفندق.
 جلس في بهو الهيلتون يدخن سيجارة يريح بها اعصابه، فوجد رجلا تونسيا ينحني براسه نحوه، ويطلب منه بصوت خافت ان ياتي معه لان هناك شخصا في مدخل الفندق يريد الحديث معه، ورغم غرابة الطلب فقد قاده الفضول لان يتحرك مع الرجل الى حيث سار وعند وصولهما خارج عتبة الفندق، وجد باب سيارة يفتح ويدا تدفع به الى داخل السيارة وتنطلق به وهو جالس بين رجلين يضع احدهما المسدس في خاصرته ويامره بعدم الكلام ويقوم الثاني بوضع عصابة سوداء على عينيه وتمضى فترة من الوقت قبل ان يجد السيارة تدخل بوابة ما، وهو يهبط من السيارة والعصابة علي عينيه ولا يتم ازالة العصابة الا عند وصوله الى مكتب فخم عرف انه مكتب رئيس جهاز امني تونسي، حيث كانت مهمة الرجل الامني التحقيق معه عن الحقيبة التي استلمها في السفارة وماذا فعل بها بعد ان دخل بها الى الفندق، وفهم من سؤال الرجل ان الشرطة التي عرفت بانه استلم حقيبة من السفارة لم تعرف انه اعادها، وان هذه هي الحلقة المفقودة التي تبحث عنها الشرطة، لكنه خوفا من التورط في قصة لا يعرف بدايتها ولا نهايتها وربما خوفا من عواقب المسالة مع السلطات الامنية الليبية فقد قرر ان ينكر اية علاقة له بالموضوع بل ينكر وجود هذه الحقيقة واستلامها له من قبل السفير ورجل الامن وهو ما اعتبره خطا كبيرا دفع ثمنه جلسات تعذيب وتحقيق واعتقال تجاوز فيما احسب مدة عامين داخل المعتقل التونسي، وقد رايته بعد فترة من عودته الى البلاد، وكان هذا الاعتقال قد اثر كثيرا في معنوياته الى حد انه صار حساسا لاي سفر خارج البلاد يرفض اية دعوة لاقامة معرض له في الخارج بل كان يقاوم حتى فكرة الخروج للعلاج، وقد وجدت الاسرة صعوبة في اقناعه ان يذهب الى مصر بعد ان ساءت حالته الصحية منذ اعوام قليلة مضت، وتعذر وجود خدمات تفي بالغرض في البلاد، وفعلا ارغم شبه ارغام على ان ياتي الى مصر، كما عرفت عندما كنت ازوره في مستشفي السلام بالمعادي حيث اقام.
 هكذا يعامل العباقرة في الجماهيرية العظمي، جماهيرية الجهل والطغيان ومعاداة الابداع والفن والمحبة والسلام والجمال.
 محمد محمد الزواوي الترهوني وهذا هو اسمه كاملا، كان نبتة من نبتات الارض الليبية، وعاش ملتصقا التصاقا حميما بهذه الارض، وربما من نعم الله عليه انه لم يذهب الى اكاديميات يتعلم فيها الفن، وانما التقط تعليمه، كما التقط مهاراته الفنيه وسعى لتطوير ادواته تطويرا ذاتيا وصنع من نفسه اكادمية ربى فيها نفسه كما ربى مجموعات من التلاميذ الذين تاثروا به وانخرطوا في المدرسة المتميزة في الرسم الساخر التي اقامها، مدرسة الاحتفاء بالتفاصيل والزخارف ذات الدلالات، وروح الدعابة التي تسري في كل اللوحة وكل تفاصيلها وليس في فكرتها العامة فقط كما هو الحال مع اغلب رسامي الكاريكاتير، اكتفى محمد الزواوي من التعليم بالمرحلة الاولية التي اتاحت له ان يتعلم الابجدية في الكتاب ثم في بعض فصول المدرسة الابتدائية وكانت الابجدية هي الباب الذي ولج منه الى عالم المعرفة ومن بعد ذلك الى عالم الفنون وتعلم اصول فن الكاريكاتير على الرسوم الموجودة في المجلات الايطالية التي نسميها مجلات الطوبولينو وهي الكلمة الايطالية لمجلات الكاريكاتير التي كانت تباع بكل انواعها في الاسواق الليبية بسبب وجود الجالية الايطالية الكبيرة في ليبيا.
 نعم سيذكر الليبيون محمد الزواوي الذي عاش معهم ادق تفاصيل حياتهم واخرجها في عدد من المجلدات هي الوجه الاخر، وانتم، ونواقيس ولديه ذخيرة من الرسوم التي يمكن ان تصدر في عشر مجلدات اخرى ولابد انشاء الله ان يجد تراث هذا الفنان المكان اللائق به في ليبيا الجديدة، ليبيا ما بعد العهد الانقلابي التي ستعتني بهذا التراث وسوف تهتم بتقديمه الى العالم وانصاف فنان عبقري عجزت ليبيا الانقلاب والطغيان عن انصافه.
 في الخامس من هذا الشهر يونيو 2011 ودع محمد الزواوي الحياة في بيته بحي الاندلس بطرابلس اثر نوبة قلبية، فليكرم الله مثواه وليجزل له العطاء والجزاء بقدر ما اعطى من رحيق القلب فنا وابداعا وجمالا اسعد به جماهير الرسم الساخر على مدى خمسين عاما وسيظل يسعدهم على مدى اجيال سوف تاتي باذن الله.

www.ahmedfagih.com fagih@hotmail.com

ايلاف

هناك تعليقان (2):