الأربعاء، 8 يونيو 2011

ترجمة : خالد محمد جهيمة : جولدمان ساكس, والملايين الليبية



لوموند

Sylvain Cypelسيلفان سيبيل

ترجمة : خالد محمد جهيمة Kaled Jhima

 معمرالقذافي في 1 سبتمبر 2009 في طرابلس.

لقد تمت الإشارة, حديثا, إلى خسائر ودائع المؤسسة الليبية للاستثمار في البنك الفرنسي سوسيتي جنرال, البالغة 1,8 مليار دولار (1,27 مليار يورو), والتي تبخر أكثر من نصفها بعد أن استثمرها هذا البنك في منتجات مالية غامضة جدا تسمى "مُهَيكَلة". لم يكتف العقيد القذافي, منذ أن صار مُرحَّبا به في الغرب, بنصب خيمته في باريس, أوفي روما, بل استُقبل أولاده, ومبعوثوه باحترام في صالات المؤسسات المالية الكبرى الهادئة. لقد كان تملك هذه المؤسسة الاستثمارية, التي أنشِئت في شهر يونيو من عام 2007 برأس مال قدره أربعون مليار دولار نقدا, وممتلكات أخرى, قبلَ الأزمة الليبية, ما قيمته سبعون مليار دولار تقريبا, منها 53 مليارا أصولا مالية.

لم يكن بنك سوسييتي جنرال البنك الوحيد, في أوروبا, الذي استقبل ثروة "قائد" الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العظمى. أما في الولايات المتحدة الأمريكية, فقد استُثمرت أغلب الأموال في أفضل مؤسساتها المالية, ألا وهي مؤسسة جولدن ساكس, التي وضَفت فيها ليبيا 1,3 مليار دولار في الفترة من يناير إلى يونيو 2008, لم يتبق منها اليوم سوى 25,1 مليون دولار. لقد ضاعت ما نسبته 98% من المبلغ الأصلي. نعرف بالتأكيد مؤسسات وشركات, مثل جنرال موترز, وليمان بروذر, وفاني ماي, وفريدريك ماك ...,  فقدت قيمةُ أسهمها خلال الأزمة المالية نسبة تشبه هذه النسبة, لكنه رقم قياسي عالمي فيما يتعلق باستثمارات حكومية.
لقد قام جورنال وول ستريت بالتحقيق في ذلك. قام صندوق الاستثمار الليبي بوضع 150 مليون دولار في عدد من المؤسسات المالية الغربية المهمة لاستثمارها فيها, من بينها, إلى جانب السوسييتي جنرال, وجولدمان ساكس, (أش إ سبي سي, و إدجي بي مورجان, وليمان ....), وصناديق لاستثمار الثروات, وإدارتها (كارتيل,وأوش زيف ...), وصناديق مضاربة. لقد تم أول اجتماع بين صندوق الاستثمارات الليبية, وبين جولدمان ساكس, في لندن, حيث رسم حي الأعمال فيها العلاقات بينهما منذ ذلك الحين. مثَّل الجانبَ الليبيَّ فيه مصطفي زرتي, الرجل الثاني في هيئة الاستثمارات الليبية, والتابع لسيف الإسلام, أحد أبناء "القائد", وكذلك حاتم الغرياني مدير الاستثمارات في الهيئة. كما مثل جولدمان ساكس ميشيل شيروود, رئيس عمليات أوروبا في البنك, محاطا بإدريس بن إبراهيم, رئيس قسم الأسواق النامية, ويوسف كباي رئيس قسم شمال أفريقيا.
لقد بدت العملية واعدة, مما شجع هيئة الاستثمار الليبية على توظيف مبلغ 350 دولار في يناير 2008, قبل أن تصعد بقوة؛ فوزعت 1,3 مليار دولار على تسع صناديق سندات عالية الخطورة, وسلَّة من عملات الدول الناشئة, وستةَ أسهم مرموقة, منها سيتي جروب (الذي سوف تنهار قيمة أسهمه), وبانكو سانتاندر, وشركة التأمين أليانز, وشركة الكهرباء الفرنسية. لاحظت هيئة الاستثمار الليبية, منذ شهر أغسطس, قبل أن يفجر إفلاس بنك ليمان الأزمة المالية, أن أموالها الموظفة عند جولدمان ساكس قد نقصت كثيرا, مما جعل السيد زارتي, يبدو, كما يؤكد أحد الشهود للصحيفة الأمريكية المالية, "كثور هائج". فشلت مفاوضات جرت في طرابلس بين الطرفين في ظروف صعبة, اضطرت مؤسسة جولدمان إلى إرسال رجال أمن إلى هناك لترحيل ممثليها. ثم بدأ رئيس البنك ليود بلانكفين, ومديره المالي دفيد فينيار, في البحث عن طريقة يعوضون بها الليبيين.
يقال إن البنك عرض ستة مقترحات, رفضتها طرابلس جملة, وتفصيلا. لقد اقترحوا عليهم في شهر مايو 2009, شراء 5 مليارات سهم من أسهم البنك الممتازة التي تتمتع بعوائد مربحة جدا على استثمارات تمتد أربعين عاما, بقيمة 3,7 مليار دولار. أما آخر "عرض سخي" فقد قُدِّم في شهر يونيو 2010, ولم يتم قبوله هو أيضا. ما تريده طرابلس هو استرجاع أموالها دون أي تأخير. لكن الحرب (الأهلية) الليبية تفجرت, وقامت الإدارة الأمريكية بتجميد الأصول المالية المرتبطة بالقذافي, والموجودة في أمريكا, والتي تقدر بـسبعة وثلاثين مليار دولار أمريكي, بما في ذلك الملايين البائسة المتبقية في الصندوق الذي أنشأه بنك جولدمان ساكس.
تثير هذه الخسائر الفادحة عددا من الأسئلة. أولها :  هل كانت مؤسسة الاستثمار هذه مؤسسة "حكومية", أو أنها كانت على الأرجح, مئزرا لإخفاء اختلاسات مالية مُنظَّمة في صالح أسرة القذافي, وبعض المقربين منها ـ إن على شركائهم الماليين طرحَ هذا السؤال على أنفسهم؟ ثانيها : لماذا لم يخبر جولدمان ساكس زبونا مهما كالدولة الليبية, بخسائره في وقتها؟ ثالثها : أين ذهبت الأموال, التي لم تَضِع على الجميع؟ يرفض جولدمان ساكس, كما فعل سوسييتي جنرال, الإفصاح عن ذلك. رابعها : لماذا تأخر المسؤولون الليبيون في معرفة خسائرهم في أوروبا, وفي الولايات المتحدة الأمريكية, ولم يتمكنوا من وضع حد لها؟
تعتقد لورنس بوب, وهي دبلوماسية سابقة, ولها معرفة ممتازة بالشأن الليبي, أن معمر القذافي لم يتمكن, بعد سنوات من الحصار, من إحاطة نفسه بموظفين أكفاء, كما هو الحال في الهيئات الاستثمارية  الحكومية العربية الأخرى (أبو ظبي, والكويت, وقطر), وبخبراء كان بإمكانهم تحذيرُه من الأخطار, والفهمُ السريع للكيفية التي أهدَر بها جولدمان, أو السوسييتي جنرال, الأموالَ التي اؤتمنوا عليها. أو ربما ترك القذافي أمواله تنحدر إلى الهاوية؛ لتسعد بها البنوك التي استقبلته؛ لأنه ترك ابنه سيف يقرر وحده؛ لعدم ثقته في أحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق