الأحد، 29 مايو 2011

خالد محمد جهيمة : الديكتاتورية المتوحشة



"لو جاءت كل أمة بخبيثها, وجئناهم بالقذافي لغلبناهم"


لقد صيغ هدا المصطلح على غرار ذلك الذي عرف في أدبيات الاقتصاد السياسي الغربي في تسعينيات القرن الماضي وصفا للاقتصاد الليبرالي, أعني به الليبرالية المتوحشة "le libéralisme sauvage"’ الذي كان عنوان كتاب, يعد من أروع ما كتب في العربية في هذا الموضوع, ألفه الدكتور رمزي زكي , ووصف فيه درجة التوحش التي بلغتها الليبرالية في جانبها الاقتصادي. أما أنا فسأتحدث عن الدكتاتورية في قمة توحشها؛ لأن الدكتاتورية متوحشة بطبيعتها, لكن توحشها يتفاوت بحسب الدكتاتور؛ إذ لا يمكن مقارنة دكتاتورية موسليني, وهتلر, وفرانكو, وحافظ الأسد, ودكتاتور ليبيا بدكتاتوريات أقل توحشا, كتلك التي عرفتها, وما زالت تعرفها بعض دول أخرى, وبخاصة تلك التي تتوارثها بعض الأسر عن بعض, كما في دول الخليج العربي, مثلا. تكمن قوة التوحش هذه فيما يقدم عليه بعض المستبدين من قتل, وذبح, واغتصاب من يتولون أمرهم, ويدعون كذبا أنهم شعوبهم, وهو ما فعله هتلر بقتله اليهود الألمانيين, وما أقدم عليه فرانكو بذبحه أبناء شعبه بقيادة قوى اليسار في إسبانيا, وحافظ الأسد بذبحه الآلاف من أبناء حماة, وما يقوم به ابنه اليوم من قمع لأبناء سوريا الأحرار (ذرية بعضها من بعض) وما يرتكبه طاغية طغاة العصر  في ليبيا  من ذبح, وتقتيل, واغتصاب, وخطف, وتغييب وتدمير لمدن ليبيا التي تجرأت على أن تقول له لا (أخيرا يا كلمة لا). يشرف هو وأبناؤه على هذه المجازر (وينشأ ناشئ الفتيان فينا  على ما كان عوده أبوه).وبعضٌ من عبيده.

يرتكب هذا الديكتاتور المتوحش , الذي أعلن, بحسب تعبير محمود جبريل, نهاية التاريخ, قبل أن يفعل ذلك فوكوياما بأكثر من خمسة عشر عاما, بفرضه الترهات التي جمعها في كتيبه (البازيلي بحسب وصف أهلنا في طرابلس) حلا نهائيا لمشاكل العالم, وقد تجاوز في  دعواه تلك الرسائل السماوية التي لم تدَّع أيٌ منها ذلك, بدليل أنها تجَدَّدت, وتنوعت بحسب الزمان, والمكان, ما يَرْتكب في ليبيا؛ لأنه يرى فيها, كما نقل عنه بعضهم, هبة أفكاره, وإبداعه؛ فهو الذي أحياها, وهو الذي يميتها, سائرا في ذلك على نهج أحد أعلام هذا الطريق, طريق ادعاء الألوهية, أعني النمرود الذي قال "أنا أحيي وأميت" (لو كان زدنا عام راه كفرنا, وكلمة إله الشعب جيس تجينا)؛ إذ ما بعد لقب ملك الملوك, كما قال صاحب هذا القصيدة, إلا "اعبدوني".
من أبرز صفات الدكتاتور المتوحش, شعورُه بأنه مركز الدائرة التي يدور حولها المجتمع الذي يحكمه, أو بالأحرى الذي يملكه؛ لأنه لا ينظر إلي أفراده باعتبارهم رعية, بل باعتبارهم عبيدا. لذا فإنه يبيد كل من تسول له نفسه رفضَه, ورفضَ سلم قيمه التي بفرضها على الناس, إلى الدرجة التي يهدد فيها بإفناء سكان الإقليم الذي يسيطر عليه جميعهم, ويستبدلهم بآخرين (من الباكستان, أو من الصين , أو من الهند, على رأي المنجل) (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء).
أما من يتجرأ على التصريح, أو التلميح بكرهه, فإنه , بحسب الطاغوت, وذريته (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) لا يستحق الحياة.؛ لذا فقد عمد, إلى تصفية كل من اعترض مجرد الاعتراض على أسلوبه في إدارة البلاد, أو على أي أمر من أوامره. ألم يأمر مماليكَه بقتل ألف ومائتي سجين رأي من خيرة رجال ليبيا ! ( لا تِجْبدي غيَّابي ابريك وسالم من خْيار شبابي) لا لشيء, إلا لأنهم اعترضوا على ظروف سجنهم, ولم يكتف بذلك, بل كتم تلك الجريمة سنوات عدة, ولم يخبر بها أسرهم, التي استمرت في السفر إلى طرابلس, وتحمل وعثائه, للسؤال عنهم, وحمل بعض الأشياء التي قد يكونون في حاجة ماسة إليها, من أكل, ولبس إلخ. والتي كان يتسلمها القائمون على ذلك السجن من المنافقين, والقتلة واعدين بنقلها إلى أصحابها, مع طمأنتهم عنهم بأنهم بخير, وعلى أحسن ما يرام (نِنْشدو في كلاب على قْصاد النية يقولو طيبين وما سَوْ إيجيهم).
ألم يأمر زبانيته بقتل محمد سعيد رمضان ! بعد أن بعث إليه برسالة ينصحه فيها بالرجوع إلى سواء السبيل, وبقتل المحامي بشير نافع الذي كان يدافع عنه في مكتبه. ألم يخطط , وينفذ مرتزقته, لقتل كل من عارضه, في السر, وفي العلانية. حتى الحرم المكي, لم يسلم من جرائمه النكراء, حيث قام عبيده بقتل أحد المعارضين له, وتقطيعه, ووضعه في كيس بلاستيكي.
ذكرتني هذه المآسي وغيرها بما روي عن عمر بن عبد العزيز, معلقا على موت الحجاج بن يوسف الثقفي, وقد كان من أعلام طريق التوحش, والاستبداد, "لو جاءت كل أمة بخبيثها, وجئنا بالحجاج لغلبناهم". وأنا أقول : لو جاءت كل أمة بدكتاورها, وجئناهم بدكتاتور بوهادي (بلادي موش بلادي وطن أجدادي تمت عزبة في بوهادي (قرية صغيرة من قرى سرت)) لسبقناهم.
إلى أولئك الذين استشهدوا في سبيل تخليصنا من هذا المخلوق, منذ أول يوم ظهر فيه علي الناس بابتسامته الصفراء, وقلبه الأسود, سلاما من حنايانا, ونسرينا, وريحانا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق