الأربعاء، 4 مايو 2011

هل فهم الناتو خطاب القذافي؟


بسم الله الرحمن الرجيم
ان السامع لخطاب القذافي الذي بُثّ فجر السبت 30 ابريل 2011 ، قد لا يلاحظ تغير الخطاب الموجه للداخل كثيراً. فهو مازال يقول لليبيين ان قبضته حديدية و انه المجد الذي لا يزول و ان ليبيا بدونه ليست الا صندوق الرمال الذي كانت قبله بلا حياة و بعده مجرد هباء. هذا تعوده منه الليبيون و اعتادوه و استساغه منهم من استساغه و حفظه من حفظ و كرهه من كره.

لكن الملاحظ في هذا الخطاب هو تغير شكل الخطاب للغرب و لقد قرأت على صفحتكم مقالاً تحت عنوان "العقيد و المراحل الخمسة للمرور بالازمة"*  للكاتب السعودي " صالح بن عبد الله السليمان"،  يبين فيها و يحلل المراحل التي يمر بها القذافي الان حيث يقول انه في مرحلة " المساومة" او المفاوضة "  Bargaining " و ذلك حسب النظرية موضوع المقال . و لكننا هنا يجب ان نعود قليلاً الى ذلك الخطاب.


نجد ان القذافي  وضع اربع نقاط اكد عليها كما يقول للعالم و المجتمع الدولي. الاولى انه يجب تغيير الشعب الليبي اذا ـ اراد الغرب ـ كما يقول تغيير النظام. و من هذه النقطة نستنتج امرين. الاول انه يؤكد لليبيين في الداخل و لكتائبه و مرتزقته انه ما زال قوياً و ممسكاً بزمام الامور و هذه فقط للاستهلاك الداخلى و لرفع معنويات كتائبه المهزوزة و التى بدأت تستسلم بعد ان عرفت الحق.

و الامر الثاني انه اراد ان يحمل المسؤولية بشكلٍ او بآخر عن إبادة الشعب الليبي لقوات الناتو و المجتمع الدولي وبإستمرار الكذب ان الناتو هو الذي يريد استمرار الحرب و ليس القذافي هو من يسعّرها و يرمي  بشباب ليبيا ممن هم في الكتائب او من الثوار فيها و قد كان من الممكن حقن كل هذه الدماء  لو رحل كما رحل بن على او مبارك.

هنا يجب التأكيد ان القذافي قد اصبح  يحس ان الخطر بدأ يصل الى الحلقوم . فهو الان و كما يقول الكاتب السعودي بدأ يحاول مفاوضة الغرب على النفط  و يدعوهم لاخذه " ببلاش" لو انهم توقفوا عن قصفه. و الملاحظ ايضاً هنا انه حاول جاهداً إغفال و تجاهل و طمس حقيقة  ان الناتو ليس الا اداة للامم المتحدة تقوم بتنفيذ الارادة الدولية حسب " مبدأ مسؤولية الحماية" او     "  Responsibility  To protect " الذي اقرته 186 دولة في الجمعية العامة للامم المتحدة  في  2005 ، و دخل حيز التنفيذ من مجلس الامن في ابريل سنة 2006. فهو مازال يكرر و يعيد انها حملة صليبية و انه سيقاومها .

النقطة الثانية  و الثالثة التي يحاول ان يساوم عليها انه لن يخرج من ليبيا و ان الليبيين يحمونه و سيحمون نفطهم من الغرب  هي كذلك للاستهلاك المحلى لجنوده و من والاه و كذلك ليبرر اي عمل اجرامي يقوم به مثلما يفعل في مصراتة و الجبل الغربي محاولاً ان يصور نفسه الضحية و كذلك ليسوق نفسه بانه يحمى النفط الليبي و نسي انه دعا الغرب للعفو عنه " وكف القصف ثم التفاوض على النفط" و هي اللعبة التي اتقنها منذ زمن و كلما ضيق الغرب عليه الخناق كما في أزمة الاسلحة الكيماوية و أسلحة الدمار الشامل . و بقوله ان النفط يساوي الحياة فأنه يهدد بتصفية الليبيين إن هو لم يبقى على رأس ليبيا و يتصرف في نفطها.

 كل ما ألقاه قبل النقطة الرابعة كان مقدمة لها و هي مربط الفرس . القذافي لم يكف عن تكرار ان " الليبين سوف يضحون بأبناءهم و نساءهم و سيدخلون بعائلاتهم لتطهير المدن في شرق ليبيا " حسب زعمه. لقد كررهذه الجملة  تقريباً بعدد ما كرر كلمة " الجرذان" في خطابه  الذي اعلن فيه الحرب المفتوحة على كل شعب ليبيا و ليس الثوار او المتظاهرين فقط بل حتى الاطفال الرضع و العجائز و المرضى و الجرحى. لقد قال المفكر العربي " عزمي بشارة" ملاحظاً تكراره لكلمة " الجرذان" اكثر من 16 مرة في ذلك الخطاب، قال معلقاً " ان هذا الرجل لا يحمل اي احترام للشعب". لكن من عاش على مدى 42 عاماً يستمع له يعرف ان لكلام القذافي معنىً اجرامياً آخر. فبوصمه الثوار بالجرذان كان يحرض كتائبه على ابادة الثوار و معاملتهم بقسوة بالغة و عدم احترام انسانيتهم لا احياء جرحى او اسرى و لا اموات ، و كذلك تخويف من لم ينضم لهم وخاصة  في المدن التى بها تواجد امني مكثف كمدينة طرابلس.

اما تكراره " بأننا سنقاوم الناتو و سنضحي باطفالنا و نسائنا" و ذكره لبعض القبائل بالاسم  و ان منها " آلاف النساء المتطوعات لحمل السلاح " فإنه يريد امرين: الاول ان يشيع الفتنة بين المدن المنتفضة و تلك التى سماها و هو بذلك يحاول ايغار صدور الثوار على هذه القبائل و المدن و هو يرمي ايضاً  الى ان يقطع الطريق على هذه المدن من ان تنضم للثورة. فمتى سمع الثوار قولته " ان هناك الف امراة من بني وليد شكلن لواءاً لحمايته" فإنه يطمع ان تشتعل الفتنة و يشكك الثوار فيمن قد ينضم او يعلن الثورة من ابناء المدن التى لازالت تحت قبضته.

و الامر الثاني و هو الاجل، فإنه بتكرارجملة " سنضحي باطفالنا و نساءنا و عائلاتنا" فان اللعين قد يكون يخطط الى ادخال العائلات الليبية الغافلة بين صفوف كتائبه او في المناطق المتوقع قصفها من الناتو ليحرج الغرب او ليستعملهم كدروعٍ بشرية بين صفوف كتائبه عند مهاجمة الثوار. لقد ركّز بشكل ملحوظ على تجنيد النساء و الاطفال و الشيوخ، فهل انتهت القوة البشرية لكتائبه ليلجأ الى النساء و الشيوخ و الاطفال ؟ ام انه فقط يريد استخدام الاطفال و النساء و الشيوخ في حربه القذرة على كل ليبيا التى استنشقت الحرية بعد قهر سنين؟

ولقد اثبت القذافي في المعارك مع الثوار سواءً في ايامها  الاولى في البريقة و اجدابيا و راس لانوف او في  المعارك الحالية في مصراتة و الجبل الاشم ، اثبت ان جنوده و كتائبه هم " الجرذان" بصفة قطعية. فالجرذان معروف عنها علمياً انها ترسل الاضعف لتجريب طعامٍ مشكوكٍ فيه او متغير ريحه مخافة الموت.هذا بالضبط ما فعلته كتائب القذافي . لقد كانوا يرسلون الأغرار و المغرر بهم من المنخرطين حديثاً في كتائبه و كذلك القصّر من الذين اجبروا على حمل السلاح لمقاتلة اهلهم و الذين رأيناهم في مصراتة و الجبل الغربي،  كانوا يرسلونهم في المقدمة ككشافة بينما يحتمي ضباطه و خاصةً ذوي الرتب الكبيرة في الصفوف الخلفية.

في خطابه الاخير يؤكد و يردد انه سيضحي بالاطفال و النساء و الشيوخ وان ذلك يعتبره " تطوير للمقاومة و ان هؤلاء سيزحفون الى الشرق لتحرير العائلات الاسيرة"** . و قبل ذلك بأيام عرضتم على صفحة المنارة ما قام به نظام القذافي  في جولة لمراسل السي ان ان           و تصويره لتسليح نساء و اطفال و عجائز ترهونة***. استغربت لذلك في حينه و خاصة تصوير العجوز التى قد تكون تجاوزت التسعين من عمرها و هم يحملونها مالاطاقة لها به في هذا العمر و كذلك تصوير الاطفال و هم يحاولون حمل الكلاشنكوف الثقيلة. لم اعتقد ابداً ان القذافي يلعب او يضيع وقته بارسال مراسلي الصحف الاجنبية الى ترهونة، لكنني اعتقدت انه فقط يصرف انظارهم عما يدور في طرابلس او انه فقط يجد لهم ما يعملونه كي لا يطلبوا جولات في طرابلس التى تتحرك هذه الايام بأكثر قوة و فاعلية. لكن يتضح الآن و بعد خطابه انه يهيىء العالم لتقبل قتل الاطفال و النساء و ليتّهم بهم الثوار و حلف الناتو.

اننا هنا نشير الى هذه النية الخبيثة و نحذر من انحطاط و انعدام الاخلاق الذي يصطبغ به نظام القذافي البغيض. فهو و كما تشير النظرية التى يبني عليها الكاتب السعودي مقاله ، فانه في مرحلة  الغضب  او " Anger "  التى مرّ بها القذافي قد استخدم مضادات الطيران و القصف الجوي ضد المدنيين و هو حتى و ان دخل في مرحلة " المساومة" حسب النظرية و كما يرى الكاتب ، فإنه لا يتزحزح عن اخلاقه التى ما زال يعلنها في خطابه الاخير بأن " عليهم ـ اي الناتو ـ تغيير الشعب الليبي ، و انه سيقاتل حتى يموت ، و انه سلح الشعب بمئات الآلاف من الرشاشات".  هذه  هي اخلاق القذافي و نظامه التى  تبيح له إبادة الشعب الليبي و زرع الفتنة بين مناطقه و استخدام النساء و الاطفال و الشيوخ  كدروعٍ  بشرية او رميهم في اتون المعركة ليتفرج على ليبيا و هي تحترق و ينعم بجنونه الذي فاق جنون نيرون. و هو ما زال يحلم بان ليبيا يمكنها ان تثق فيما يسمى " الاتحاد الافريقي" ليحل مشكلتها مع نظامه المجنون.  وهي نفس الاخلاق التى جعلت وكيل خارجيته يكذب ليقول ان الشعب الليبي غضب لان الناتو قصف بيت القذافي و قتل اولاده. انه يكذب هنا ثلاث مرات ، فالبيت ليس مسكوناً و ليس به الا حفنة من الحرس و قد يكون مستعملاً لاغراضٍ عسكريةٍ بحتة و هو بذلك هدفٌ شرعي. و الثانية انه يدعى ان الشعب هو من هاجم السفارات الغربية عند الفجر و الصحافيين المقيمين في طرابلس يؤكدون استحالة الخروج الى شوارعها ليلاً إلا لمن كان من الكتائب، فكيف خرج كل هؤلاء و من اين لهم ان يعلموا بالامر في حينه و الطائرات لا زالت تقصف؟

و الثالثة ،  من ذا الذي يملك عقلاً يصدق ان الكتائب الامنية التي لا تعرف الا القصف و التى لديها اوامر واضحة بقتل كل من لا يستجيب لها و حتى من تشك فيه لمجرد الشك، كيف لكل هذه الكتائب ان تعجز عن منع هؤلاء " الغاضبين" عن حرق السفارات ؟؟ لكن القذافي قد أشعل النار في ثيابه بهذا التعدي على أراضي العم سام و لن يغفروا له ذلك و لن يفوتوه هيناً. فلو تغاضى اوباما  المتردد كما يصفه خصومه السياسيون فلن يسكت الجمهوريون الذين يتصيدون اخطاء اوباما ليرفعوا من شعبيتهم، و ليس خيراً من كرامة امريكا حقلاً للاستثمار في بورصة الانتخابات.

قد يكون مفيداً هنا التوجه الى علماء الامة ليفتونا في كيفية التعامل مع الوضع شرعاً إن اقدم القذافي و بدعمٍ ممن يوالونه من قوّاد الكتائب لحشر اهلنا الذين قد يغرر بهم من بعض المناطق و دفعهم الى مناطق التماس مع الثوار. لقد لمّح فضيلة الشيخ القرضاوي الى هذا الامر في الايام الاولي لفرض الحظر الجوي عندما تحدثت وسائل الاعلام عن استخدام القذاقي للمدنيين كدروعٍ بشرية في المعسكرات التابعة لكتائبه، و لكن قد يكون لزاماً التفصيل في ذلك مراتٍ اخرى.

أخيراً، نتوجه الى اهلنا من المناطق التي مازالت تحت سيطرة الكتائب ان لا يتبعوا امر هذا المجرم و ان لا يتركوا له الفرصة ليضحي باهلهم و نساءهم و اطفالهم،  و اهله و اطفاله و نساؤه في مأمن و لا نظن مسرحية مقتل ابنه و احفاده إلا ليعزز بها موقفه و ليغرر بهم ليرسلوا ابنائهم و نساءهم و شيوخهم الى حتوفهم. لقد اثلج صدورنا و أراح بالنا ما قرأنا من بيانات بعض اهلنا في بعض المناطق التى لازالت تحت سيطرة كتائب القذافي و التى يعلن وجهاؤها براءتهم من ابناءهم الذين يتبعون الطاغية ، و يعدّون المناطق المهاجَمة من قبل تلك الكتائب في حالة دفاعٍ مشروعٍ عن النفس. لقد وقعت كل اوراق التوت ، و حتى المخرومة منها و المرقعة ، عن هذا المجرم الطاغية الذي استباح الارض و العرض ، و افسد الزرع و الحرث و النسل و قتل و نكّل و فرّق شمل الليبيين لعقود و بدد ثروات ليبيا و ضيع مستقبل ابناءها. لا عذر بعد هذا لاي متعامي عن الحق او متغافل عن الحقيقة او مستغشٍ ثيابه ليصمّ آذانه عن صوت الحق و صوت الشعب.

من جهةٍ أخرى لابد للقوات  الدولية التى مهمتها حماية المدنيين من ان تقوم بواجبها الذي كلفته بها المنظمة الدولية و بقرار من مجلس الامن و ان تفعل دورها في حماية هؤلاء المدنيين الذين يريد القذافي إقحامهم في مواجهة القوات الدولية و الثوار. كما يجب ان تفتح الممرات الآمنة و بأقصى سرعة لحماية و انقاذ المدنيين في مصراتة و مدن الجبل الغربي المحاصرة. عندما حاصر ستالين مدينة برلين عام 1948 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، قامت الولايات المتحدة بمد جسر جوي لرمي المساعدات الغذائية و الطبية من الجو لمدة عام مما ادى الى افشال حصار السوفييت لها و دفعهم لرفع الحصار. ما الذي يمنع طائرات الناتو الان من ان تعيد ذلك مع مدن الجبل الغربي و مصراتة المحاصرة؟ لماذا لا يطلب المجلس الوطني من الناتو و الامين العام للامم المتحدة و كل الجهات المعنية  ان تقوم بذلك قبل ان تحدث كارثةً انسانية في هذه المدن التى تتعرض للابادة ؟  على الناتو ان يقوم بالمهمة الموكلة إليه قبل ان يتمكن القذافي من ابادة الشعب الليبي كما يردد في خطاباته وعلى المجلس الوطني ان يتحرك باكثر فاعلية لانقاذ المدنيين في مدننا المحاصرة.

و الله ولي التوفيق



باحث ليبي في الدراسات الاستراتيجية و العلاقات الدولية 

مراجع





هناك تعليق واحد:

  1. أشكر صاحب المقال و استغرب قلة التعليقات

    ردحذف