الخميس، 21 أبريل 2011

د فتحى رجب العكاري : الأحزاب السياسية في ليبيا قبيل الاستقلال

بعد خمود جذوة النضال العسكري في ليبيا من أجل الاستقلال بوفاة شيخ الشهداء عمر المختار بدأت أنظار الليبيين تتوجه نحو العمل السياسي خاصة مع تداعيات المراحل الأخيرة في الحرب العالمية الثانية و بروز دور الأمم المتحدة كمنصة دولية للمطالبة بحقوق الشعوب المقهورة. 
و لكي نستفيد من تجارب أجدادنا في النضال السياسي و نتجنب المطبات التي أودت بالحياة السياسية السليمة في ليبيا بعد الاستقلال نطرح في عجالة جوانب من تاريخ النضال السياسي الليبي قبيل الاستقلال. 

نشأة العمل السياسي 

بسبب اتساع رقعة الأراضي الليبية و قلة السكان و انخفاض مستوى التعليم و سوء وسائل الاتصالات بدأ العمل السياسي في ليبيا مشتتا و مبعثرا بين الأقاليم و داخل نفس الإقليم، فتكونت أحزاب كان هدفها الأول على ما يبدو هو الوصول إلى سدة الحكم أو تحقيق بعض المصالح الشخصية أو الجهوية أو القبلية و بالتالي تشرذمت و اندثرت في وقت قصير و سهل على الدولة حصارها و التخلص منها. 

أما الحركات السياسية ذات المحتوى الأيديولوجي فعاشت مدد تتناسب مع عمقها الفكري و الشعبي و لكنها بقيت أسيرة لدوائر مغلقة بسبب تدني مستوى الوعي الجماهيري بأهميتها بسبب الجهل و الأمية المتفشية في الشعب الليبي. 

فلا معنى للديمقراطية في شعب لا يقرأ الصحف و لا يتفاعل مع الأحداث و يفضل السلبية، 

و لا معنى للديمقراطية في حكومة لا تحترم الرأي العام و لا تحترم حقوق المواطنين، 

و لا قيمة لانتخابات يبيع فيها المواطن صوته مقابل دراهم معدودات يشتري خبزا يقتل به جوعه أو ماء يسقي به ظمأه. 

و لا معنى لقضاء مستقل إذا كان الناس يفضلون أعراف القبائل في المصالحات الشعبية و يتركون القضاء العادل. 

و لا معنى لأحزاب سياسية تختفي من الساحة مثل ما تظهر فيها، كريشة في مهب الريح لا وزن لها في قلوب أعضائها. 

و لا قيمة لحركات سياسية تدعو إلى الديمقراطية و سلمية تداول السلطة و لكنها لا تطبق هذا في أطرها التنظيمية بل تتحول إلى تشكيلات قبلية أو عائلية يتم توارثها بين الأهل و الأصهار. 

الحركات السياسية في إقليم برقة 

برقة اسم يطلق على الإقليم الشرقي من ليبيا و اشتهر هذا الاسم بعد الفتح الإسلامي و يصف الساحل الممتد من المرج إلى بنغازي و كانت في قديم الزمان تعرف بسيرينايكا نسبة إلى دولة الإغريق في سيرين و التي تعرف الآن بشحات أو قورينا، و تمتد من أمساعد على الحدود المصرية شرقا إلى قرية بن جواد غربا على الساحل الليبي. و أهم ما يميز أهاليها هو التجانس الاجتماعي و حب الاجتماع على القيادات الشعبية أو السياسية أو الدينية، و الكرم العربي الأصيل و الإيثار على النفس و التمسك بالعادات و التقاليد العربية. و لهذه الأسباب برز فيها عدد قليل من الحركات السياسية. 

1-جمعية عمر المختار 

تأسست جمعية عمر المختار في مصر في 31 يناير 1942 على يد عدد من النشطاء السياسيين الليبيين في المهجر، ثم تجدد إعلان تأسيسها في بنغازي في 4 أبريل 1943م و أفتتح لها فرع في مدينة درنة تميز بنشاط و حركية منقطعة النظير بقيادة الشاعر إبراهيم الأسطى عمر و كوكبة من الشباب المثقف. و تمكنت جمعية عمر المختار من السيطرة على الحراك السياسي و الثقافي في مدينتي بنغازي و درنة و برز من بين أعضائها خيرة رجال الدولة الليبية و استمر نشاطها إلى أن صدر مرسوم بحل الأحزاب و الحركات السياسية بناء على توصية من السفير البريطاني حسب ما أفادني به احد قادة الجمعية. و كانت نقطة ضعف الجمعية هي عدم استيعاب أبناء البادية بين صفوفها و بالتالي أصبحوا موالين للملك بصفة دائمة و على خلاف معها. 

2-الجبهة الوطنية البرقاوية 

تأسست هذه الجبهة في اجتماع لزعماء قبائل السعادي في 1946م و كان هدفها المعلن هو الدعوة إلى استقال برقة و الغير معلن هو محاولة سحب البساط من تحت أقدام جيل الشباب المثقف في جمعية عمر المختار الذي كان مصرا على استقلال و وحدة ليبيا بالكامل. و تم حلها عند ما دعا الأمير إدريس إلى إلغاء جميع الأحزاب في سنة 1947م. 

3-رابطة الشباب الليبي 

أسست هذه الرابطة بتوجيه من رجال الأمير المعتدلين لكي تستقطب الشباب من جمعية عمر المختار و كان أبرز قادتها السيد صالح بويصير و لكنها فشلت في مهمتها و انتهى دورها مع قرار الأمير بحل الأحزاب، وتمثل فيها الصراع بين جيل الوحدة الليبية و قدامى الموالين للقصر و أصحاب النظرة البرقاوية الضيقة. 

4-المؤتمر الوطنى البرقاوي 

تأسس هذا المؤتمر سنة 1948 كي يوحد كل الحركات في مظلة واحدة تحت لواء الأمير، و ربما كان هدفه الحقيقي احتواء شباب جمعية عمر المختار الذين أصروا على البقاء خارجه و الاستمرار في العمل السياسي تحت راية الجمعية من أجل استقلال ليبيا الموحدة. 

من كل ما تقدم يتضح بأن اللاعب الأساس في برقة كان جمعية عمر المختار و كل ما برز إلى جانبها كان محاولات من الدولة لإجهاضها و القضاء عليها، و اعتقد أن إهمال الانتشار بين البدو مكن القصر من تحجيمها ثم تدجينها من خلال المناصب الحكومية ثم حلها مع بقية الأحزاب. 

الحركات السياسية في إقليم طرابلس الغرب 

يتميز هذا الإقليم بتنافر مكوناته و تنافسها و تناحرها على مستوى العائلات و المناطق و العرقيات المختلفة بفعل سطوة السلاطين و الأمراء الذين حكموا طرابلس عبر السنين بالإضافة إلى وجود عدد من القيادات الدينية و الاجتماعية المتقاربة في القدرات و سيطرة الفكر الصوفي القديم على معظم مراكز التعليم الديني، و بروز عائلات متنفذة بسبب علاقاتها التاريخية بالخارج و تعاونها مع الأقليات الأجنبية في طرابلس. لكل هذه الأسباب لم تبرز في طرابلس زعامة سياسية تلتف حولها رجالات الإقليم و بدا واضحا في مشهدها السياسي تشرذم الحركات السياسية. 

1-الحزب الوطني 

تاسس هذا الحزب في طرابلس بزعامة السيد احمد الفقيه حسن و هو من العائلات الطرابلسية العريقة سنة 1944م كتنظيم سري و تم الاعتراف به سنة 1946م، و لقد انبثق هذا الحزب عن أول نادي ثقافي يفتتح في طرابلس باسم"النادي الادبي" و كان هدفه الأساسي هو استقلال ليبيا موحدة، ثم طرح الامر بأن تصبح تحت وصاية مصرية. و نشب خلاف حول موضوع الوصاية أدى إلى انشقاق أحمد الفقيه حسن و تولي مصطفى ميزران رئاسة الحزب الوطني، و مصطفى من العائلات الطرابلسية العريقة كذلك. 

2-حزب الجبهة الوطنية المتحدة 

أعلن تأسيس هذا الحزب رسميا بتاريخ 10 مايو سنة 1946م و أسندت زعامته إلى سالم المنتصر و ضم الحزب عددا من وجهاء طرابلس و بعض المناطق القريبة منها مثل ترهونة و زوارة. و دعا هذا الحزب إلى استقلال ليبيا تحت زعامة إدريس السنوسي و له نشاط في هذا الشأن؛ غير انه اشترط عدم توريث الزعامة بعد إدريس السنوسي. ثم نشأت خلافات أدت إلى انشقاق سالم المنتصر من الحزب و تأسيس حزب آخر. 

3-حزب الكتلة الوطنية 

خرج هذا الحزب للوجود مع انشقاق أحمد الفقيه حسن عن الحزب الوطني حيث اسسه هو و أخيه على الفقيه حسن سنة 1946 و كانت ميول هذا الحزب جمهورية و بالتالى رفض زعامة إدريس السنوسي. 

4-حزب الاتحاد المصري الطرابلسي 

مؤسسي هذا الحزب اثنان انشقا عن حزب الكتلة الوطنية و هما الحاج يوسف المشيرقي و علي رجب و حدث هذا في ديسمبر 1946م و دعا الحزب إلى استقلال ليبيا تحت التاج المصري، و لم يلق هذا الحزب تجاوبا في الداخل أو الخارج. 

5-حزب العمال 

تأسس هذا الحزب تحت زعامة بشير بن حمزة بعد فصله من حزب الكتلة الوطنية في سبتمبر 1947م. و قد دعا إلى استقلال ليبيا تحت زعامة السنوسيين. 

6-حزب الأحرار 

تكون هذا الحزب بزعامة الصادق بن زراع أحد وكلاء الحزب الوطني و دعا إلى استقلال ليبيا تحت أمرة إدريس السنوسي، لكن هذا الحزب لم ينرك أثرا في الحياة السياسية. 

7-حزب الاستقلال 

أسس هذا الحزب سالم المنتصر سنة 1948م مع عدد من أعضاء حزب الجبهة الوطنية الذين انشقوا عنها. و قد دعا الحزب إلى استقلال ليبيا و ضرورة التفاهم مع ايطاليا في هذا الشأن مما أكسبه تأييد الجالية الايطالية في طرابلس و أصبح لها دور في نشاط هذا الحزب. 

8- هيئة تحرير ليبيا 

تأسست هذه الهيئة بالقاهرة في مارس 1947م بزعامة السيد بشير السعداوي و بتأييد من الجامعة العربية و دعت إلى استقلال ليبيا دون الاعتراف بزعامة إدريس مما أدى إلى عدم تجاوب أبناء برقة معها و لكن بمرور الزمن اقتنع السعداوي بأهمية الدور السنوسي في المعادلة الليبية و دعا إلى استقلال ليبيا موحدة تحت إمارة سنوسية. 

9-حزب المؤتمر الوطني الطرابلسي 

نتج هذا الحزب عن اندماج الحزب الوطني و الجبهة الوطنية المتحدة في شهر مايو سنة 1949م بزعامة بشير السعداوي و كان لهذا الحزب حضور كبير في الكثير من مناطق الإقليم و شارك في أول انتخابات نيابية. 

من هذا العرض السريع تتضح مشكلة النشاط السياسي في طرابلس و ما جاورها من مدن، فروح الانشقاق و التشرذم أفرزت تسعة أحزاب معروفة خلال خمسة سنوات ناهيك عن تلك التي ماتت في مهدها بعد بضعة شهور. و يبدو أن السبب الأساسي في كل هذه الحالات هو غياب الإطار الفكري الجامع فكل الحركات هدفها بسيط و مؤقت و هو الاستقلال و ليس لها رؤية جامعة و قادرة على استقطاب الجماهير و المحافظة على ولائها. 

أول انتخابات بعد الاستقلال 

بعد صدور قانون الانتخابات الذي أقرته الجمعية التأسيسية تحدد يوم 19 فبراير 1952 كموعد الاقتراع العام في أول انتخابات برلمانية بعد الاستقلال، و أخذت الأحزاب و الهيئات السياسية تسعى للحصول على تأييد الناخبين و جرت الانتخابات في جو صاخب و أسفرت النتائج عن فوز جبهة الحكومة بأغلبية ساحقة أزعجت المراقبين السياسيين. و لقد تدخلت أجهزة الدولة في الانتخابات بما يحقق لها الأغلبية فغيرت بعض شيوخ القبائل الموالين للحركات الوطنية و أتت بمن يضمن أصوات الناخبين لمرشحي الحكومة و تم تزوير الانتخابات في بعض المناطق. و كان جليا للعيان أن التيار الموالي للدول الغربية و التبعية لها قد تمكن من تحجيم التيار الوطني الرافض للتبعية و القواعد الأجنبية. و حدثت اضطرابات كبيرة في طرابلس و مصراتة و المناطق المجاورة لطرابلس و واجهتها قوات البوليس التي دربها الانجليز بعنف أدى إلى مقتل عشرة أشخاص و جرح حوالي 110 من المواطنين. و وضعت الحكومة المناطق المضطربة تحت رقابة البوليس و اتهمت قيادة حزب المؤتمر الوطني بتحريض القبائل على انتزاع السلطة و قامت بنفي السيد بشير السعداوي إلى مصر. و وجه المؤتمر الوطني لطرابلس نداء للملك قال فيه"إن الشعب الليبي يرى في هذه الحقائق تأكيدا للنوايا السيئة لتلامذة النظام الفاشي و عصر الامبريالية السابقين الذين عانت البلاد من حكمهم الآلام و الحرمان على مدى ثلاثين سنة". 

و في يوم25 مارس سنة 1952 افتتح أول برلمان ليبي بحضور الملك إدريس الأول في مدينة بنغازي و ألقى السيد محمود المنتصر رئيس الوزراء أول خطاب عرش في عهد الاستقلال. 

من هذا العرض السريع نرى كيف لجئت الدولة إلى وأد الديمقراطية في مهدها و قبل أن يجف حبر إعلان الاستقلال و نيل الحرية الذي صدر منذ عشرة أسابيع فقط، وتسرب عملاء ايطاليا و تلاميذ الانجليز إلى دواليب الدولة و تم إقصاء التيار الوطني ثم تحول الأمر إلى القضاء عليه بحل الأحزاب و اغتيال النشاط السياسي الوطني في نفس السنة. 

أهم المصادر 

1-محمد يوسف المقريف"ليبيا بين الماضي و الحاضر" مركز الدراسات الليبية أكسفورد، 2004م. 

2-نيكولايبروشين"تاريخ ليبيا"، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الثانية، يناير 2001م. 

3-راسم رشدي"طرابلس الغرب في الماضي و الحاضر"، 1953م، نسخة قديمة.

هناك تعليق واحد:

  1. اتمنى على الكاتب وبكونه تكلم عن ليبيا كاقاليم ان يتنبه بان هناك اقليم ثالث واسمه فزان وكان له وجود سياسي قوي سواء في بناء الدستور حيث مثل اقليم فزان 20 رجل تماما مثل 20 من اقليم طرابلس و20 من اقليم برقة....وكذلك في اسماء ومواقع كثيرة وكبيرة في الجهاد وغيرها كثير ....كما ان اقليم فزان وبرغم من قلة العدد نسبيا ولكن التعدد بين قبائل وطوارق وغيرها يتطلب من الكاتب وغيره التنبه عند كتابة مثل هذه المقالات لتكون اكثر عمق وموضوعية ومصداقية للقراء.

    ردحذف