السبت، 2 أبريل 2011

على ذمة نيويورك تايمز ... القذافي متهور ونرجسي


 ربما كان مصابا بنرجسية مضللة، تدفعه للقتال حتى الرمق الأخير، أو أنه رجل متهور محب للظهور الإعلامي، يفر من المدينة عندما يضيق عليه الخناق.. أو ربما شخص سيكوباتيّ واستراتيجي يقوم بحساباته بدم بارد مجنون مثل ثعلب صحراء.ونتيجة لذلك، فإن الفصل الأخير من مأساة ليبيا ربما يرتكز في جانب كبير منه على غرائز العقيد معمر القذافي، وأي تحليل متعمق لهذه الغرائز سيكون ذا قيمة كبيرة للغاية لدى صانعي السياسة. وشكل الصحافيون انطباعاتهم عن القذافي من النكات وتصرفاته السابقة، بينما عمد آخرون إلى التعليق على هجومه الأخير على "القاعدة" والرئيس باراك أوباما


وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" لكن مجموعة واحدة على الأقل حاولت تحديد سمات شخصيته معتمدة على طرق علمية يتوقع أن تؤثر نتائجها على السياسة الأميركية؛ فعلى مدى عقود كان المحللون في وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات الأميركية يعملون على جمع التقييمات النفسية للقادة العدوانيين من أمثال القذافي، وكيم يونغ إيل في كوريا الشمالية، ورئيس فنزويلا هوغو شافيز والشخصيات البارزة الأخرى (الكثير من الحكومات الأجنبية تفعل ذلك بطبيعة الحال). واعتمد الدبلوماسيون وواضعو الخطط العسكرية، وحتى الرؤساء، على هذه السمات الشخصية في اتخاذ قراراتهم وفي بعض الحالات لمصلحتهم الشخصية وفي حالات أخرى مقابل ثمن
ويقول الطبيب النفسي الدكتور جيرولد بوست الذي يدير "برنامج الطب النفسي السياسي" في جامعة جورج واشنطن، ومؤسس الفرع ذاته في وكالة الاستخبارات المركزية التي يقوم بعمل تحليلات سلوكية لصالحها: "ربما تكون السمات الشخصية السياسية هي الأكثر أهمية في الحالات التي يكون فيها رئيس الدولة مهيمنا على كل مقدراتها، والقادر على التصرف فيها من دون أية قيود. وهو ما ينطبق على حالة العقيد القذافي".والملف الرسمي للقذافي بالغ السرية، لكن الوسائل التي اتبعت في تحليل شخصيته معروفة للجميع؛ فقد طور أطباء الطب النفسي المدني العديد من الوسائل التي تعتمد بشكل رئيسي على معلومات بشأن القادة مثل الخطب والكتابات والحقائق البيوغرافية والملاحظات السلوكية. والتوقعات الناجمة عن مثل هذا التحليل تشير إلى أن إعداد الجوانب الشخصية عن بعد، كما هو معروف، لا يزال فنا أكثر منه أمرا قائما على العلم إلى حد بعيد. ولذا، ففي أزمة كتلك التي تشهدها ليبيا، ربما يكون من المهم للغاية معرفة قيمة التقييمات المحتملة وأوجه قصورها الحقيقية
ويقول أستاذ الطب النفسي في كلية وارتون للطب بجامعة بنسلفانيا الدكتور فيلب تيتلوك ومؤلف كتاب "حكم سياسي ذو خبرة: ما مدى جودته؟ كيف يمكن أن نعرف ذلك؟": "خبراء اكتشاف السمات الشخصية هم الأفضل في التنبؤ بالسلوك من قرد شمبانزي معصوب العينين، لكن الاختلاف ليس واسعا كما قد يتخيل البعض منهم؛ إذ لا توجد تركيبة سرية، وانطباعي هو أن هذه العملية غالبا ما تتداعى، فقد يتحول القائد فجأة إلى شخصية محل اهتمام شديد".أما الطريقة صاحبة التاريخ الأكثر شهرة فتعتمد على دراسات الحالة السريرية والسيرة النفسية التي يدونها الأطباء عند التشخيص، مستشهدين بالتأثيرات التي تعود إلى أيام الطفولة. وقد أجريت التجربة الأولى لهذه الطريقة في أوائل عام 1940 من قبل مكتب الخدمات الاستراتيجية، الذي حلت محله وكالة الاستخبارات المركزية، وكانت لأدولف هتلر، التي قيم فيها اختصاصي تحليل الشخصية في جامعة هارفارد، هنري موراي بتخمين، بحرية وبطريقة بالغة الإثارة، الجوانب الشخصية لهتلر المتمثلة في التحقير المطلق للذات، والرهاب من المثلية الجنسية، والميول الأوديبية
ولا يزال المحللون يعتمدون على دراسة الحالة السريرية، لكنهم يطبقونها بصورة أكثر قوة على حقائق السيرة الذاتية أكثر منها على تكهنات فرويد أو الآراء الشخصية.وفي تحليل لشخصية القذافي الذي أجرته مجلة "فورين بوليسي"، خلص الدكتور بوست إلى أن "الدكتاتور على الرغم من عقلانيته، فإنه يميل إلى التفكير الخيالي عند التعرض للضغوط، وهو ما يتحقق على أرض الواقع الآن، حيث يواجه أقسى أنواع الضغوط منذ توليه قيادة ليبيا".وفي داخله يرى القذافي نفسه متطرفا، والقائد المسلم المحارب القادر على قتال العقبات المستحيلة. ويؤكد الدكتور بوست على أن "القذافي دون شك مستعد للخوض في النيران".هذا النوع من تحليل الشخصية كان أمرا لا يقدر بثمن في الماضي؛ ففي إطار الاستعدادات لمفاوضات سلام كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، قدمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للرئيس جيمي كارتر تحليلا لشخصية رئيسي كل من مصر وإسرائيل، ويروي كارتر في سيرته الذاتية "الاحتفاظ بالإيمان"، أن هذه التحليلات ساعدته إلى حد كبير في التوصل إلى عقد اتفاق السلام بين الدولتين
والتحليل الذي كتب عن السادات وحمل عنوان "معضلة السادات الحاصل على جائزة نوبل" فيه أن السادات: "يرى نفسه استراتيجيا عظيما، وسيقدم بعض التنازلات التكتيكية إذا ما أقنع بأن أهدافه الإجمالية قد تحققت. وأن ثقته بنفسه سمحت له بأن يقوم بمبادرات جريئة وفي أغلب الأحيان تجاهل اعتراضات مستشاريه".على الرغم من هذه الحقائق التي لا تنكر والمكاسب التي يمكن أن تحققها مثل هذه التحليلات، فإن بعضها يمكن أن يكون مضللا في بعض الأحيان، بل وحتى مثيرا للحرج، فتحليلات شخصية الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين التي نشرت في أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي، أشارت إلى أنه كان نفعيا ويمكن أن يستسلم تحت الضغوط، وفي عام 1993 قدمت وكالة الاستخبارات المركزية ملفا يزعم أن الرئيس الهايتي جان برتراند آرستيد لديه تاريخ من المرض العقلي يشمل الاكتئاب الهوسي
وأنكر آرستيد هذا بشدة وسرعان ما تبين زيف التقرير. وفي عام 1994 كتب توماس أومستاد في مجلة "فورين بوليسي" يقول إن "تحليل شخصيات الزعماء لا يعتمد بشكل كبير على الحقائق، بل يعتمد على التخمينات، وهو ما يبدو أقرب إلى اغتيال الشخصية منه إلى تحليلها".وقد تعلم المتخصصون في مجال الاستخبارات أن يخفوا رهاناتهم على مدار السنوات، ويكملوا تواريخ الحالة بوسائل تحليل المحتوى التي تبحث عن نماذج في تعليقات القائد أو كتاباته.. فعلى سبيل المثال، يعمل البرنامج الذي طورته الباحثة مارغريت هيرمان في جامعة سيراكيوز، الترددات النسبية لفئات معينة من الكلمات مثل "أنا" والضمائر المتصلة بها في المقابلات والكلمات والمصادر الأخرى والروابط، للعشرات من سمات القيادة
والأسلوب الذي استخدمه الدكتور ديفيد وينتر، أستاذ الطب النفسي في جامعة ميتشغان، يعتمد على مصادر متشابهة للحكم على دوافع القادة خاصة حاجتهم إلى السلطة والإنجاز والشرعية. وعبارة "يمكن أن نسحقهم". تعكس تجذر القوة الكبير، وعبارة: "جلسنا بعد العشاء نتسامر ونضحك معا" تشير إلى الانتماء.ويقول الدكتور وينتر، الذي أعد تحليلا لشخصية الرئيس ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون وكثير من الشخصيات الأخرى: "مزج القوة المفرطة والانتماء الكبير يمكن الشخص من التواصل، في الوقت الذي تشير فيه القوة وضعف الانتماء إلى إمكانية التنبؤ بالعنف، هذه هي الفكرة على الرغم من أنه لا يمكنك بطبيعة الحال توقع أي شيء بصورة مؤكدة".هناك مجموعة من المحللين النفسيين السياسيين دمجت ذلك القصور - الشك - مع التوقعات. فحاول بيتر سودفيلد، أستاذ الطب النفسي في جامعة كولومبيا البريطانية، الذي عمل مع الدكتور تيتلوك، دراسة كلمات القادة لتحديد الخاصية التي تسمى العقدة التكاملية، وهو إجراء يعبر عن مدى يقين الأفراد من أحكامهم سواء وضعوا في اعتبارهم وجهات النظر المعارضة لهم أم لا
وفي سلسلة من الدراسات، حاول بعض الباحثين مقارنة المراسلات التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى والحرب الكورية بتلك التي أدت إلى اتخاذ قرارات سلمية مثل أزمة الصواريخ الكوبية، ووجدوا أنه كلما زاد مستوى الشكوك، تضاءلت احتمالات لجوء القادة إلى الحرب.لم يحلل سودفيلد خطابات القذافي، لكن الأمر لا يتطلب خبيرا لدراسة تعليقات القذافي لإدراك أن الزعيم الليبي يبدو واثقا للغاية إن لم يكن بالغ الصلابة.ما يغيب وسط كل هذا العدد من التحليلات والقولبة هو استشعار الطريقة الأنجع في تحليل الشخصية؛ ففي مراجعة شاملة للتحليلات الاستخباراتية التي نشرت هذا الشهر، اتفقت لجنة من علماء الاجتماع على أن تحليل السمات النفسية للشخصية والطرق الأخرى التي يستخدمها محللو وكالة الاستخبارات في التنبؤ بسلوك الزعماء أو الأفراد بحاجة إلى اختبارات قوية
وفي إطار البحث عن الأفكار الجديدة، قام مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الذي أمر بإعداد التقرير، في خطوة غير مسبوقة، برعاية مسابقة دعت الأفراد إلى اختبار وسائل التنبؤ لديهم لتحسين تحليلاتهم الاستخبارية.وبالنظر إلى تحدي التنبؤ بما قد يقوم به قادة مثل القذافي، ربما يمكن التفكير في الاشتراك فيه كنوع من المساعدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق