في عام 1916 تم الإعلان عن تأسيس الجمهورية الإيرلندية، وبالرغم من أنه تم تكوين حكومة متكاملة، لها علم ونشيد ورئيس ومجلس وزراء، وحتى برلمان، وبغض النظر عن دعم الشعب الكامل لها، وبالرغم من كل الحملات الدبلوماسية التي قامت بها هذه الحكومة لنيل الدعم الدولي، فإن العالم لم يساعدهم على التقدم ولو خطوة واحد باتجاه النصر.
الشيء الوحيد الذي حقق النصر للشعب الإيرلندي، ومنحهم الاستقلال النهائي من السيادة البريطانية في عام 1922 كان كفاحهم المنفرد. وربما ما يسمى (الحظ الإيرلندي)! فقد أذعنت بريطانيا للمفاوضات بشكل مفاجئ، ولو أنها تابعت شنَّ حربها العنيفة على إيرلندا لاكتشفت أنَّ المقاومة الإيرلندية كانت قد استنفدت كل طاقاتها، وأنه كان بإمكانها سحقها في أقل من شهر...
وها هي ثورة 17 فبراير تختبر مأزقاً مشابهاً. فبالرغم من تأسيس المجلس الوطني الانتقالي، وبالرغم من اعتراف الكثيرين به كالممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، وبالرغم من كل جهوده الدبلوماسية، فالمجتمع الدولي مازال مُتحفظاً جداً في مساعدته للثورة، وإن كانت مساعداته قد حالت دون إزهاق الكثير من الأرواح الليببية الغالية، فهي مع ذلك لم تساعد الشعب الليبي على تأمين نصره. وإذا لم يتم تنسيق بُنية تنظيمية واضحة ومتماسكة، بل وفعَّالة بدرجة كبيرة، فأخشى أن ينتهي بنا المطاف في حرب طويلة تستنزف فيها دماء شعبنا تحت أنظار العالم المتردد.
نحن لن ننكر أهمية الدعم الدولي لثورة 17 فبراير، ونحن نقدره سواءً كان دبلوماسياً، أو عسكرياً، أو اقتصادياً، أو إنسانياً – وفي حالة ليبيا فإن أي نوع من الدعم للثورة هو دعم (إنساني). لكن هذا الدعم مُقيد؛ فهو مُرتبط بمصالح الغرب قبل أن يكون متأثراً بدماء الليبيين. ونحن نُقدر ثِقل العبء الواقع على أكتاف المجلس الانتقالي، ولكن يجب على المجلس الانتقالي أن لا يُفني كل طاقاته في الحملات الدبلوماسية وفي الاهتمام بهاجس الغرب الأول – ألا وهو النفط – ولكن عليه أيضاً بذل تنسيق المجهودات الدولية من أجل الشعب الليبي، ويجب عليه أن يؤدي واجبه الصعب بشكل كامل وصحيح بأن يُقسِّم أعماله ما بين الداخل والخارج.
من الناحية العسكرية لا يمكن لأحد إنكار الفوضى السائدة وسط قوات الثوار، وهذا يستدعي في المرتبة الأولى بذل مجهودات أكبر لتنظيم القوات المسلحة للثورة. ومع هذا التنظيم الداخلي يجب توفير تنسيق مع الدعم العسكري الدولي إذا كنا نريد الوصول إلى النصر والحرية؛ ولذا يجب تشكيل هيئة عسكرية دبلوماسية من أجل التواصل المباشر مع قوات التحالف الدولي، هذا التعاون سيضمن وجود تنسيق دقيق مع هجمات التحالف لتفادي ارتكاب أي أخطاء في غاراتهم، وتواجد هذا التنسيق مع قوات التحالف سيساعد إخواننا المحاصرين في مصراته وفي الجبل الغربي بتوفير المعلومات لقوى التحالف وبتقديم طلبات مُلحة بإنقاذ أهل تلك المدن، كما أن هذا الاتصال العسكري المباشر سيؤثر بشكل كبير على دعم القوات التابعة للثورة، سواء كان هذا الدعم بتسليحهم، أو فقط بتوفير المعلومات الاستخباراتية لهم.
ولا ننسى أهمية تنسيق الجانب الإنساني، فمن الجانب الطبي يتم توفير الدعم والمساعدات الطبية، وهي مبادرات جديرة بالشكر والثناء، ولكنها تبقى غير مُنظمة ومجرد محاولات فزِعة لإغاثة شعب يخوض حرباً غير متعادلة؛ ولذلك من الضروري تشكيل لجان طبية تعمل على تنسيق هذه المساعدات، فتُشرف على طلب وإحضار الاحتياجات المحددة والمواد الناقصة، وتسعى إلى تنظيم انتشارها في المناطق التي تحتاج إليها.
أما الناحية الغذائية، فعلينا أن نتذكر أن ليبيا تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، وأن هذه الأحداث أثرت بشكل كبير على ذلك، وإن كنا لم نشهد حالياً وصول النقص الغذائي إلى مرحلة حرجة في بعض المناطق، إلا أنه للأسف أمرٌ حتمي فالأوضاع الغذائية في تدهورٍ مستمر، وهذا يستدعي تشكيل لجنة تعمل على تنسيق هذه المساعدات وتوزيعها، قبل أن تقودنا هذه الأحداث إلى إعادة اختبار (عام الشر) الذي أكل فيه الليبيون أطفالهم وجثث الموتى تحت معاناة الاحتلال الإيطالي.
ونحن لدينا عدد كبير من الأطباء والتجار، في داخل ليبيا وخارجها، يتشوقون للمساعدة، وقادرون على النهوض بأعباء هذه الواجبات. المجلس الانتقالي يجب عليه أن يأخذ زمام المبادرة فيُكثف اتصالاته الدولية ويعين ممثلين معتمدين لهذه الشؤؤن ليُنسق هذه المجهودات ويُشرف على الإجراءات اللازمة لإدخالها وتوزيعها.
هذه الخطوات التي تتجاوز الدبلوماسية وطلب رضا المجتمع الدولي، وتهدف إلى إرساء قنوات الاتصال بالمجتمع الدولي وتنسيق المساعدات العسكرية والإنسانية من أجل المصالح الداخلية، هذه التحركات ستنقل واقعنا من فوضى الثورة إلى تنظيم الدولة، وستجعل العالم يُدرك بأنه لا يتعامل مع عدة جهات غير منظمة، مع مجلس وطني انتقالي، وثوار، ومدنيين، وقتلى وجرحى، بل سيُدرك العالم بأنه يتعامل مع كيان واحد: دولة لها حكومة وجيش ومؤسسات وهيئات تعمل متحدة من أجل الشعب.
وهذا قد يُجنبنا أزمة إيرلندا وتخلي العالم عنها، فهو، على الأقل، إن لم يساعدنا على حشد الدعم الكامل والمطلق للثورة، فسيُمكننا من تنظيم المساعدات والموارد اللازمة لكي يستمر كفاحنا.
نحن جميعاً نعلم أن الشعب الليبي يخوض معركة الحرية بعزمٍ وإصرار، ونعلم أيضاً بأنه يحتاج إلى المساعدة، ولكن يجب أن يكون هنالك (أساس) ليستقر عليه الدعم الدولي، فالمجهودات الدبلوماسية وحدها لن تُنهي الصراع لصالحنا، وحماية المدنيين وإغاثة المنكوبين لن تحقق النصر؛ ولا يمكننا أن نستمر في هذا القتال غير المتكافئ على أمل أن ينتهي الصراع فجأة وننتصر كما حدث في إيرلندا، فالأمل هو مجرد فكرة متفائلة وليس خطةً استراتيجية؛ ولذلك يجب علينا أن نثبت وجود (ليبيا الحرة) لكي يدرك العالم أنه يساعد دولة. فلا يمكن للعالم أن يقدم لنا المساعدة وليبيا الحرة مجرد حلم وكفاح، يجب أن نبني ونُنظم بلادنا من الداخل؛ فهذا التنظيم سيؤكد للعالم أنهم لا يساعدون شعباً مُنتفضاً وحسب، ولكنهم يساندون دولة، دولة لم تعد في مرحلة الولادة، ولكنها أصبحت في مرحلة النمو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق