الأربعاء، 16 مارس 2011

ثورة ليبيا : بين رهانات السياسة والتزامات المبادئ



ثورة ليبيا
بين رهانات السياسة والتزامات المبادئ


لقد تجاوب الشعب الليبي الثائر إيجابياً، وكنا نعيش جميعاً لحظات تاريخية مع وقفةٍ دولية تستحق التقدير والعرفان من معظم دول العالم والأمم المتحدة، إلا أن هذا العرفان وذلك التقدير قد تراجع أخيراً، وفرضت جملة من التساؤلات نفسَها هذه الأيام حول تباطؤ أو تراجع نسبي في موقف المجتمع الدولي بقيادة كلا من الولايات المتحدة وابريطانيا وفرنسا، على اختلاف وتيرة التباطؤ بينها، من ردع كتائب عائلة القذافي عن جرائمها البشعة التي تمارسها تجاه أهلنا في ليبيا، وبخاصة بعد تكوّن عِدّة مُعطيات هامة كان ينبغي أنْ تدفع في اتجاه تعجيل محاصرة تلك الكتائب الغاشمة، ومن تلك المعطيات :
1-   اتفاق معظم دول العالم على سحب الشرعية عن نظام القذافي.
2-   جامعة الدول العربية تجمد عضوية نظام القذافي لديها، وتمنعه من المشاركة في اجتماعاتها.
3-   صدور القرار الأممي 1970 في إطار الفصل السابع.
4-   توالي قرارت تجميد أرصد القذافي وعائلته في معظم دول العالم ومنعهم من السفر.
5-   اعتراف فرنسا بالمجس الوطني الانتقالي ممثلا وحيدا للشعب الليبي. وتواصل دول أخرى مع المجلس.
6-   قرارٌ قويٌّ من جامعة الدول العربية بفرض حظر جوي وبدء التعامل مع المجلس الوطني الانتقالي.

منطقياً، كانت تلك المعطيات تفرض على المجتمع الدولي بعض الخطوات العملية التي كان على المجتمع الدولي اتخاذها ومنها على سبيل المثال :
1-   تكثيف العقوبات الدولية وتوسيعها، ورفع سقفها.
2-   التعاون والتشاور والتنسيق بشكل أوسع مع أطياف المعارضة الليبية التي أظهرت وحدة صف نادرة لم نرها في بلدان ثورية أخرى. وهنا يجب أن نفرق بين التشاور والتنسيق وبين الاستخدام والتوظيف! لأنَّ هذا لا يخدم تطلعات الشعب الثائر أولا، ولا يتفق وانتماء تلك الأطياف الوطني.
3-   الاعتراف بممثل الشعب الليبي الوحيد وهو المجلس الوطني الانتقالي الذي أطبقت عليه كلمة الليبيين بالداخل والخارج. وبخاصة أنه فُرغ من مسألة إسقاط الشرعية عن نظام القذافي أممياً وعربياً.
4-   التَّحرك في إطار حماية الشعب الليبي من نظام القذافي النازي، وهذا يتضمن على أقل تقدير وفي ظل رفض عام للتدخل الأجنبي :
-    تشويش على أنظمة الاتصال،
-    إعلان منطقة حظر جوي،
-    ضربات جوية لأهداف محددة،
-    إمداد الثوار بالسلاح والدعم اللوجستي.
5-   توظيف أموال الشعب الليبي المجمّدة في الخارج لدعم ثورته الشعبية وما تحتاجه من ترتيبات إنسانية وغيرها من الحاجات الماسة
6-   منع الدعم العسكري عن القذافي وأولاده الذي يتم تهريبه بالبحر والبر، لأن الجميع يعرف في ماذا سيستعمل تلك الأسلحة.

قراءة للأوضاع في ظل معطيات الواقع

أدرك يقينا بإن أحرار الشعب الليبي ليسو بحاجة لأية قراءة أيا كانت، فهم قد حزموا أمرهم بداية من السابع عشر من فبراير ولم يكونوا يعولون على أحد، فالذي عليه إعادة القراءة وتقليب الأمور والنظر في المعطيات هي الأطراف الأخرى وتحديدا المجتمع الدولي بأممه وجامعاته ومنظماته، لأنهم من يحتاج لذلك، ليقرروا كيف يتعاملون مع الواقع القائم. ولا حاجة بها للولوغ في دياجي الدبلوماسية ودهاليزيها لأن ذلك لن يُضيف شيئاً من المعطيات القائمة للعيان. لكني سأضع خطوطا عريضة لبعض عناصر الواقع التي قد تكون غُيبتْ،

1-   أنَّ ما دعت إليه القوى الوطنية الليبية بقيادة المجلس الوطني هو حظرٌ جوي لحماية المدن والمدنيين من القصف الجوي الهمجي الذي أهدر الكثير من الدماء للأسف. ولم تطلب إسقاط القذافي أو إخراجه أو حتى مواجهته من أيِّ طرفٍ أجنبي، فهذه معركة الليبيين والليبيون وحدهم قادرون على حسمها بإذن الله تعالى.

2-   أنَّ تمويل التدخلات العسكرية التي مارستها الدول الكبرى سواء تحت غطاء الشرعية الدولية الأممية أو الإقليمية أو غيرها، سواء في العراق أو أفغانستان أو البوسنة أو غيرها لم يكن يمثل إشكاليةً على الإطلاق، فلماذا وقف ذلك حجر عثرةٍ أمام عملية الحظر الجوي على طائرات القذافي التي ما توقف قصفها للمدنيين والمدن الليبية.

3-   يجزم المراقب للأوضاع بأن التردد والتباطؤ في كثير من المواقف الدولية لا يقدم ولا يؤخر في عزيمتنا ولا في عزيمة أهلنا في ليبيا بل، إننا نتعامل معه على أنه قَدرث الشعب الليبي بل من عوامل الرعاية الإلهية لهذه الثورة المباركة منذ انطلاقتها، فهي ثورة شعبية جماهيرية تطالب بحقوقٍ مشروعة حرمت منها عقودا من الزمان، تستمد مشروعيتها من كل قوانين الأرض والسماء، واطمئن الجميع بأن الليبيين لا يشعرون بخيبة أملٍ حتى في حال قررت قوى المجتمع الدولي للتخلي عن هذه الثورة في هذه اللحظات التاريخية، ولكن بالتأكيد في الوقت نفسه، فإن هذا الشعب الثائر لن ينسَ مَن وقف معه ومَن خذله أيضاً، ولن يملك أيُّ نظام حكم يتفق عليه الليبيون في المستقبل أن يُعيد الأمور إلى مجاريها مع هذا الخذلان الدولي الذي نشاهده اليوم، ولننظر كيف تحظى قطر وفرنسا والكويت وكثير من شعوب العالم الحر بأسمى آيات الشكر والتقدير لموقفها المشرّف - وهو أمرٌ يُشير بوضوح لكرم أخلاق هذا الشعب الليبي وأنه لا أجندات خفية لديه وأنه يُقدّر كل مَن يقف معه - في الوقت نفسه نرى ما تحظى ألمانيا والصين ونحوها بالمقابل من غضب واستنكار جماهيري، ولن يكون سهلاً على الإطلاق أن ينسى الليبيون من أهدر دماءهم وتركها بين يدي النازي الفاشي القذافي وخذلهم في هذه اللحظات وهو في الحقيقة يخذل نفسه ويخسر حليفا مستقبلياً هل ولمصالحه الاقتصادية.

4-   يروج في وسائل الإعلام أن تباطؤ الولايات المتحدة الأمريكية وربما معها بعض الدول الأخرى هو لأنهم لا يثقون بالبديل في ليبيا، وإلى مدى تعاونه معهم! إضافة إلى أن القذافي قد قدم فروض الولاء والطاعة بكل ما يملك ووعد بالتطبيع مع إسرائيل وربما برفع مستوى دعمها وحمايتها، فإن صحّت هذه المعادلة فهي قاصمة الظهر لدول مثل أمريكا التي لم تزل تخشر الشعوب حتى بدات تخسر الحكومات أخيراً، وهو يشير إلى أن القائمين على مراكز القرار في أمريكا وتلك الدول لم يدرسوا الأمر بالطريقة الصحيحة وأن حساباتهم التي أظهرت انحيازاً للمصالح لا للمبادئ لا أقول أنه سيفقدهم المزيد من المصداقية بين شعوب العالم العربي، بل إنه سيفقدهم شعبيتهم ومصداقيتهم لدى شعوبهم نفسها، وإني لا أشك أن حمى الثورات ستنتقل في وقت ليس ببعيد إلى دول كبرى أيضاً، والأيام القادمة ستظهر لنا، فقط أن يحسن القادة الجدد للشعوب العربية الثائرة والظافرة بأن يختاروا خطا سياسيا حكيماً وأن يختاروا الانحياز للشعوب وأن يُقدِّموا نموذجا حضاريا راقياً يغري شعوب العالم ويلبي تطلعاتها، وأن ينقلوا شعوبهم من مجتمعات تابعة واستهلاكية، إلى مجتمعات ناهضة ومصنعة تصنع أسواقا جديدة وتفرض تغييراتٍ صناعية واقتصادية بل وسياسية واجتماعية، لأنها تملك كل عناصر التقدم والنهوض وحازت متطلباتها وكان آخرها : "الحرية".

أخيراً، أستطيع أن أجزم بعد ما سبق أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على وشك تحقيق إخفاق آخر مع ثورة جديدة من الثورات العربية، حين لم تحسن قراءة الأوضاع الليبية، ولم تغتنم فرصة تحسين صورتها بشكل جيد، ويكاد ترددها الحالي يقضي على ما تبقى من مصداقيتها. ألم تدرك أمريكا أن انتفاضات الشعوب العربية كانت بريئةً نقيّة منذ انطلاقتها، حيث لم تكن تحت أي شعار جزبي ولا تنظيمي، ثم من حيث الأهداف، فإن سقفها الأعلى ومحركها الأساس كان ولا يزال هو طلب الحرية والعيش بكرامة وفي ظل عدالة واحترام لحقوق الإنسان، تماماً كما هي إرادة ورغبة شعوب العالم الأخرى كالشعب الأمريكي أو الأوروبي، لا أكثر ولا أقل، وبالتأكيد فإنّ هذا السقف لن يُرضي أنظمة القمع الديكتاتورية لأنه يلغي مبررات قيامها بالأساس ومن ثم يهدد وجودها، لذا حرصت تلك الأنظمة الديكتاتورية على استعباد الشعوب ونهب خيراتها وحرمانها من كافة حقوقها الإنسانية لتبقى في ظلال العبودية والقهر، فهل ستستدرك الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، وهل ستعي دروس ثورات الشعوب، وتجيد التعامل معها، وتتبادل معها المصالح الحقيقية القائمة على احترام حقوق الشعوب في الحياة الحرة الكريمة لتمهّد لتعايشٍ إيجابيٍّ بناءٍ مبني على الاحترام والتعاون المشترك؟ أم ستصرُّ على رهاناتها وعلى حساباتها السياسية لا المبدئية ؟! هذا ما سنتركه للساعات القادمة ..

وللحديث البقية بإذن الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق