السبت، 5 فبراير 2011

ليبيا: تصدعات.. والإصلاح يتلاشى



 القبس الكويتية 


دان الرئيس الليبي معمر القذافي الإطاحة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، في لحظة كانت بعيدة عن خطاباته الشعبية المعتادة، معبرا عن رأيه يوم 16يناير الماضي بأنه «لا يوجد أحسن من الزين أبدا في هذه الفترة، بل أتمناه... أن يبقى إلى مدى الحياة».

كلمات القذافي جذبت اهتمام وسائل الإعلام الدولية لصراحته، ولكن كلامه لم يكن مفاجئا. وهناك أدلة أخرى بأن أي اندفاع تجاه الإصلاح في السنوات الماضية في ليبيا بات الآن يتلاشى.
ففي منتصف ديسمبر 2010، وفي خطوة مفاجئة، اتخذ مجلس الأمناء في مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية، وهي منظمة غير حكومية يرأسها سيف الإسلام منذ إنشائها، قرارا بالتوقف عن ترويج حقوق الإنسان والإصلاح السياسي في ليبيا. ويترتب على هذا التغيير الفجائي في توجهات المؤسسة تداعيات مهمة على صعيد جهود الإصلاح في ليبيا. وسواء أرغم سيف على الابتعاد عن النشاط الإصلاحي، أو انسحب طوعا للحفاظ على مصداقيته المتضائلة في ليبيا والغرب، فقد وجد نفسه مضطرا إلى الإقرار بأن عمله اصطدم بحائط مسدود أقامه الحرس القديم المحيطون بوالده.

جهود إصلاحية محدودة
في الجزء الأكبر من العقد الماضي، كان نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، سيف الإسلام، الشخصية العامة المعنية بإصلاح حقوق الإنسان في ليبيا، وكانت مؤسسة القذافي العنوان الوحيد في البلاد الذي يقصده من يريد رفع شكاوى عن التعذيب والحجز التعسفي واختفاء الأشخاص. وقد أصدرت المؤسسة تقريرها الأول عن حقوق الإنسان العام 1999، فوثقت فيه الانتهاكات ودعت إلى إجراء إصلاحات، ثم أصدرت تقريرها الثاني في ديسمبر 2010 الذي أبدت فيه أسفها لحدوث «تراجع خطير» في المجتمع المدني، وناشدت السلطات رفع «قبضتها الخانقة» عن الإعلام. وفي غضون ذلك، ساعد سيف منظمة هيومن رايتس ووتش على عقد مؤتمر صحفي شكل اختراقا في هذا المجال، وإطلاق تقرير من طرابلس في ديسمبر 2009.
كان سيف أيضا مدافعا بارزا عن الإصلاح السياسي، إلا أن تقدمه في هذا المجال كان ضئيلا كما في حقوق الإنسان، لا بل أكثر ضآلة. وبإلحاح من والده، عينته القيادة الشعبية الاجتماعية منسقها العام في أكتوبر 2009، واقترح القذافي أن يكون صاحب هذا المنصب بمنزلة رئيس الدولة الرسمي وخلفه على رأس الجماهيرية العربية الليبية. وقد ربط سيف قبوله المنصب بتطبيق إصلاحات سياسية مجدية، بما في ذلك إجراء انتخابات شفافة، ووضع دستور جديد. وقد تم تسريب مسودة دستور وضعتها لجنة عينها سيف إلى الصحافة العام 2008؛ وعلى الرغم من أنها كانت وفق المعلومات وثيقة مهادنة لا تحدث تغييرات كبيرة في المنظومة السياسية الحالية، إلا أنها تجاوزت الحدود على ما يبدو بالنسبة إلى الحرس القديم. وفي مطلع العام 2010، أحيلت الوثيقة إلى القيادة الشعبية الاجتماعية لإبداء رأيها فيها، ثم اختفت عن الأنظار.

إحباط المجتمع الأهلي والإعلام
في هذه الأثناء، لم تسفر الجهود التي بذلها سيف الإسلام لتعزيز حرية التجمع، وتكوين منظمات غير حكومية عن أي نتيجة. فعلى مر السنين، فكك نظام القذافي بصورة منهجية كل المؤسسات التي كانت موجودة قبل انقلاب 1969، وحظر كل المنظمات السياسية ماعدا تلك الخاضعة لسيطرة النظام، ولم يسمح سوى بعدد قليل جدا من الهيئات غير السياسية. وعندما اقترحت لجنة عينها سيف قوانين تؤسس لقانون عقوبات جديد، وتجيز إنشاء منظمات غير حكومية لا تعنى بالشأن السياسي، استخدم والده صلاحياته لإسقاط المقترحات، وقال أمام مؤتمر الشعب العام في يناير 2010 إنه لا مكان في ليبيا لمجتمع أهلي ومنظمات غير حكومية.
كذلك تداعت الجهود الهادفة إلى تأسيس إعلام مستقل. ففي منتصف العام 2009، أغلقت الدولة صحيفتين بصورة مؤقتة، هما أويا، وقورينا اللتان تنتقدان النظام، كما أغلقت محطة الليبية الفضائية التابعة لسيف بصورة دائمة. وفي يناير 2010، قال القذافي أمام مؤتمر الشعب العام إن الصحافة الحرة هي تلك التي يملكها الشعب وليس أفراد. وفي نوفمبر 2010، علقت الدولة من جديد صحيفة أويا عن الصدور ورقيا، بعد شنها هجوما على الحكومة لفشلها في مكافحة الفساد، واحتجزت عشرين صحافيا على صلة بمجموعة إعلامية مرتبطة بسيف.

المؤسسة إلى أين؟
أثارت القرارات التي اتخذتها مؤسسة القذافي، ونشرت على موقعها الإلكتروني في ديسمبر الماضي، تساؤلات كثيرة من دون أن تقدم أجوبة شافية. وقد حذفت المؤسسة النشاط السياسي من ميثاقها، لكنها ذكرت أن مجموعة تابعة لها هي جمعية حقوق الإنسان سوف تنشط في هذا المجال، على الرغم من أن هناك شكوكا حول ما تستطيع الجمعية إنجازه من دون تدخل ناشط من سيف. وقررت المؤسسة التركيز من جديد على ما وصفته بأنه اختصاصاتها الجوهرية في أفريقيا جنوب الصحراء، بيد أن القارة الأفريقية لم تكن قط محط اهتمامها الوحيد أو حتى الأساسي. إلا أنه من شأن إعادة توجيه نشاطات المؤسسة نحو أفريقيا أن تدعم رؤية معمر القذافي عن ولايات متحدة أفريقية، يكون هو رئيس دولتها الأول.
ولعل المؤشر الأبرز هو أن مجلس المؤسسة (الذي يضم شخصيات دولية وليبية مرموقة) شكر سيف الإسلام على جهوده، وأعلن أن دوره كرئيس للمؤسسة سيصبح «فخريا» من الآن فصاعدا، ونصب نفسه «السلطة الحاكمة العليا» للمؤسسة.

رابط مع لوكربي؟
على الرغم من أنه لم ترشح معلومات كثيرة عن خلفية القرار، إلا أن البعض فسروا إبداء المجلس قلقه من أن «الأعمال السابقة حجبت جهود المؤسسة الأخرى»، بأنه رد على الانتقادات الأميركية وسواها من الانتقادات للدور الذي لعبه سيف في الحصول على الإفراج عن عبد الباسط المقرحي المدان بتفجير لوكربي، في أغسطس 2009. وفي حين يبدو واضحا أن العامل الأهم في ما يمكن اعتباره بأنه تفكيك لمؤسسة القذافي، هو المعارضة الشديدة التي لاقاها سيف في كل خطواته من جانب المتشددين الذين يقاومون أي تحرك خارج المنظومة السلطوية والمركزية في ليبيا، من الممكن أيضا أن يكون استياء الغرب من سيف قد زاد من هشاشة الأخير.

هل يعود سيف؟
لطالما كان سيف رمزا آسرا في الغرب لجيل ليبي جديد، بيد أن موقعه السياسي داخل ليبيا ليس مضمونا على الإطلاق. فهو لم يشغل قط منصبا رسميا أو غير رسمي خارج رئاسة مؤسسة القذافي، وعلى النقيض من شقيقيه المعتصم بالله وخميس، لا يملك قاعدة نفوذ في الجيش والأجهزة الأمنية.
تشكل القرارات الأخيرة لمؤسسة القذافي إقرارا بالهزيمة من جانب سيف الإسلام الذي أرغم على التراجع علنا عن مواقف سابقة له وعلى الانسحاب من السياسة لفترة. لكن لا يعرف بعد إذا كان إبعاده سيكون دائما، ويؤثر في خطط توريث القيادة. فقد سبق أن انسحب سيف الإسلام من السياسة، ولاسيما في خريف 2008، إلا أنه لم يصل قط إلى مرحلة الاعتزال الكامل. فضلا عن ذلك، يشتهر والده بمهارته في إرساء توازن بين قوى متعارضة، ومن غير المرجح أن يسمح القذافي للمحافظين - أو أي فصيل آخر - بالسيطرة على المشهد السياسي لوقت طويل. لكن هذا لا يلغي أن الليبيين خسروا، في الوقت الحالي على الأقل، إحدى الوسائل القليلة المتاحة لهم من أجل تحسين حقوق الإنسان وتطبيق الإصلاح السياسي.

رونالد سانت جون*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق