الأحد، 14 مايو 2023

الانتخابات التركية: الديمقراطية ونفاق الغرب

 خاص - المنارة


 حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 إلى عام 2019 خاض وفاز بثلاثة عشر، ما بين انتخابات برلمانية وبلدية ورئاسية، بالإضافة لإجراء عدد اثنين استفتاء لتعديل الدستور. كل هذه الانتخابات كانت انتخابات حرة وكانت المنافسة فيها قوية، أعلى نسبة أصوات تحصل عليها حزب العدالة والتنمية في انتخابات برلمانية كانت في انتخابات عام 2011 حيث تحصل على 49.83%، وبالنسبة للانتخابات الرئاسية في عام 2018، فاز بها الرئيس الطيب رجب أردوغان بنسبة 52.6% من الأصوات. إذا لما هذه الهستيريا في تغطية الانتخابات التركية في الإعلام وعواصم العالم الغربي؟ لماذا هذه الحملة الشرسة ضد الرئيس أردوغان واتهامه بالديكتاتورية؟ الرئيس الطيب أردوغان وحزبه لم يأتيا إلى سدة الحكم في الجمهورية التركية ويستمرا فيها عبر انتخابات هزلية، كانتخابات حلفاء الغرب في المنطقة ذات العلامة المسجلة 99.99%، فما هي حقيقة هذه الهستيريا الغربية؟ ما هي مشكلتها مع الرئيس الطيب رجب أردوغان وحزب العدالة والتنمية؟ بل والأهم من ذلك، هل من مصلحة العالم الغربي، وأوروبا تحديدا، مغادرة أردوغان قيادة تركيا؟
 الرئيس الطيب رجب أردوغان الزعيم الوحيد الذي لم يتوانى ولم يرتعد في مواجهة عربدة وتنمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا في سوريا ولا في أوكرانيا، بعكس كل زعماء أوروبا الذين كانوا يحاولون عدم استفزاز بوتين، رغم مواقفه وتحركاته العدائية، سواء في أوكرانيا، أو في مزاعم التدخل في الانتخابات والاستفتاءات في بعض الدول. الموقف الأوروبي كان ربما للحفاظ على إمدادات الطاقة أو عدم الرغبة في الدخول في صدام قد يؤدي إلى تصعيد حربي مع دولة تمتلك أكثر من خمسة آلاف رأس نووي استراتيجي.
 
الرئيس الطيب أردوغان تصدى للتحركات العدائية التي قام بها الرئيس بوتين بالرغم من أهمية روسيا كشريك تجاري رئيسي لتركيا، في الطاقة والمنتجات والسياحة. والأهم من المواجهة والتصدي لعربدة الرئيس الروسي، هو قدرة الرئيس الطيب أردوغان على إدارة الموقف مع روسيا والمحافظة على التواصل المباشر والحوار. المُسيرات التركية حطمت منصات الدفاع الجوي الروسية الصنع بانتسر (Pantsir-S1) في سوريا وليبيا وأذربيجان، والمدرعات وناقلات الجنود. المُسيرات التركية كانت العنصر الرئيسي في هزيمة الفاغنر، المرتزقة الروسية، وحلفاء روسيا. وأثبتت فاعليتها في الحرب الأوكرانية في فبراير 2022.
 
غالبا في الحروب، وفي الاحداث الكبيرة عامة، عقارب الساعة تبدأ عند اللحظة الأولى للعمليات العسكرية، ما حدث من أحداث قبل ساعة الصفر للحرب يتم تجاهلها. الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا بدأت في الساعات الأولى من يوم الخميس الموافق 24 فبراير 2022. خلال الأشهر السابقة للحرب وخاصة منذ مطلع عام 2021، عندما بدأت روسيا في حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا، سعت أوكرانيا جاهدة في الحصول على دعم عسكري من الغرب، ولكن دون جدوى. حتى إدارة بايدن، بعد أن قامت روسيا بسحب بعض الوحدات من الحدود مع أوكرانيا، قامت بتعطيل الدعم العسكري "لإعطاء فرصة للمساعي الدبلوماسية".  قناة NBC الإخبارية الأمريكية في تقرير لها بتاريخ 11 ديسمبر 2021 قالت "على الرغم من مناشدات أوكرانيا، إدارة بايدن تحجم عن تقديم مساعدات عسكرية إضافية إلى كييف وسط جهود دبلوماسية. ومع ذلك، قال مصدر مطلع على الأمر إن هناك خيارات أخرى لمزيد من المساعدات لأوكرانيا، بما في ذلك حزمة أكبر بكثير في حالة حدوث مزيد من التوغل من جانب روسيا". عشية الغزو، وبعد خطاب بوتين مساء الأربعاء 23 فبراير 2022، كان واضحا أن أوروبا اعتبرت أن استحواذ بوتين على أوكرانيا بات محسوما، التوقعات كانت أن تحتل القوات الروسية، القادمة من الشمال عبر الحدود الأوكرانية مع روسيا البيضاء، في غضون 48 ساعة، ولذلك ربما القرار كان لا جدوى من الدخول مع موسكو في خلاف حول حرب باتت نتيجتها محسومة.
 
دخلت القوات من الشمال، بالإضافة الى الشرق والجنوب الشرقي، لكن جبهة الشمال كانت الأقرب إلى العاصمة الأوكرانية كييف، ونقلت الأقمار الصناعية صور لرتل عسكري روسي ضخم طوله أربعون كيلومتر. مرت الساعات يوم الخميس ويوم الجمعة ولم يصل الرتل حتى مشارف العاصمة كييف، أي مرت 48 ساعة ولم تتمكن القوات الروسية الغازية من السيطرة على العاصمة الأوكرانية. وبخلاف بعض بيانات التنديد والاستنكار وبعض الإجراءات التي تمثلت في فرض عقوبات على بعض الشخصيات والمؤسسات، عقوبات محدودة جدا والتي كانت في الأرجح لحفظ ماء الوجه أو تسجيل موقف، استمر الموقف الغربي في وضع اللا موقف.
 
الساعات الأولى من فجر يوم السبت الموافق 26 فبراير 2022، بدأت تنتشر صور ومقاطع فيديو، على منصات التواصل الاجتماعي والتقفتها المنصات الإعلامية، لخسائر كبيرة في العتاد والأروح للقوات الروسية المتجهة نحو العاصمة كييف. الأخبار نقلت تمكن القوات الأوكرانية من استخدام المسيرات التركية الصنع، البيرقدار، بذكاء في تمزيق أوصال الرتل الروسي الضخم. ضربات استراتيجية مكّنت القوات الأوكرانية من الصمود، وأثبتت قدرتها على مقاومة القوات الروسية الغازية وكشفت نقاط الضعف فيها بصورة عامة، وبصورة خاصة ضعف الإمدادات وقدرات النقلية العسكرية الروسية. عندها استيقظت أوروبا الغربية وأدركت أن القدرات العسكرية للقوات الروسية كانت مبالغ فيها، وقبل ظهر السبت بدأت القرارات تصدر من العواصم الغربية بفرض عقوبات اقتصادية ومالية صارمة وشاملة ضد دولة روسيا وضد قيادات فيها.
 
لقد مكّن قرار تركيا، في يناير 2019 ويوليو 2021، بتزويد أوكرانيا بالطائرات المسيرة وعقد مشروع شراكة لإنتاجها في أوكرانيا، هذا القرار الاستراتيجي، رغم اعتراض موسكو، مكّن أوكرانيا من الصمود وغيّر الموقف الأوروبي من الرضوخ لعربدة وتنمر بوتين إلى المواجهة، حتى وإن كانت غير مباشرة، وعدم الرضوخ، وفك أسرها من الابتزاز الروسي، المتمثل في الاعتماد على الغاز الروسي.
 
قد يقول البعض "وماذا يعني دور تركيا في صمود أوكرانيا؟ ها هي الحرب المدمرة ما زالت مستمرة وممكن لها أن تستمر لسنوات قادمة، كما استمر غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان ومن بعده الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان". للرد على تساؤل مثل هذا، فلنتصور السيناريو الآخر، وهو تحقق أهداف بوتين من غزو أوكرانيا واحتلال العاصمة كييف في غضون ما كان متوقع لها 48 ساعة. هل الوضع الجيوسياسي في أوروبا سيكون كما هو الآن؟ روسيا الآن في عزلة شبه كاملة، أوروبا استقلت عن الاعتماد على الغاز الروسي، روسيا الآن تبيع النفط الخام والغاز بأسعار أقل من أسعار السوق العالمي لمن لديه الجرأة على خرق العقوبات المفروضة على روسيا. أضف إلى ذلك، أن الرئيس بوتين في أكثر من مناسبة، أفصح عن عقيدته بأن قرار حل الاتحاد السوفييتي أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، وأعرب في مناسبات عديدة عن حلمه في إعادة بناء الاتحاد السوفييتي. فهل كان بوتين المنتصر في حرب خاطفة في أوكرانيا، هل كان سيقف عند الحدود الغربية لأوكرانيا؟ ما مصير دول البلطيق الثلاث، لاتفيا واستوينا وليتوانيا، جورجيا ومولدافيا ودول وسط آسيا؟ ما الذي كان سيمنع دول أخرى، في حال انتصار روسي خاطف في أوكرانيا، من اللجوء إلى القوة في ضم دول أو أقاليم متنازع عليها أو احتلالها بالقوة لتنصيب أنظمة عميلة لها؟ تورط بوتين في غزو أوكرانيا، إعادة تذكير لمن لم يتعظوا، ومنهم بوتين نفسه، من الخسائر الاستراتيجية التي مُنيت بها الولايات المتحدة الأمريكية عندما غرّتها قوتها وغزت العراق في مارس 2003. عدوان كلفها خسارتها صفتها القطب الأوحد في النظام العالمي.
 
مشكلة أوروبا وأمريكا، ولكن أوروبا أكثر، مع الرئيس الطيب رجب أردوغان أنه قائد وزعيم سياسي مستقل، يتمتع بدعم شعبي تحصل عليه من خلال ما قدمه هو وحزبه من نجاحات في إدارة الدولة. كما أنهم مشكلتهم معه تتمثل في أنه يمثل نموذج للزعيم السياسي، صاحب رؤية وعزيمة على صناعة واتخاذ القرار بدون خوف. هل على الساحة الدولية الآن قادة سياسيين في مستوى ووزن الرئيس الطيب رجب أردوغان؟ قدرة الرجل على اتخاذ القرار الحاسم في حرب أوكرانيا وفي ذات الوقت التواصل المباشر مع الرئيس الروسي، دون وسيط، والتفاوض معه في حل أزمة تصدير القمح والشعير من أوكرانيا إلى العالم، تجعله بدون أي شك قائد متميز وفاعل في تحقيق الاستقرار.
 
قبل أن تفتح مراكز الاقتراع أبوابها في تركيا، صباح اليوم 14 مايو 2023، لاستقبال الناخبين ليدلوا بأصواتهم، قد تأكد بدون أدنى شك هوية الخاسر الأول في هذه الانتخابات، إنها أوروبا وأمريكا. لقد خسروا أخلاقهم ومصداقيتهم وادعائهم الحرص على تعزيز الديمقراطية والحريات. أما من سيفوز بالانتخابات فهذا سيقرره الناخب التركي، هل سيمنح ثقته لحزب العدالة والتنمية وللرئيس الطيب رجب أردوغان ليقود الدولة التركية لخمس سنوات قادمة؟ أم يختار غيرهم؟ سوف نرى. أما الغرب فَقَد سقطت عنه آخر ورقة توت كانت تستر حقيقته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق