1. استطاعت حماس ان تضع المسجد الاقصى في مكانه الصحيح، كساحة معركة مركزية، واستطاعت من خلال نصرته تحشيد الامة المسلمة جميعها في مواجهة العدوان اليهودي الممنهج ضد الاقصى بقعة، وأنسانا، وعمرانا، وهوية، ان قرارنصرة المقدسيين أتخذ عن وعي كامل ودراية تامة بدليل ان الساعات الاولى شهدت انطلاق 650 صاروخا وفق بنك أهداف مدروسة.
2. بوغتت "اسرائيل" وهي في أوج علوها، وتجني اليها ثمرات العربان والغرب ،وبجاحة التطبيع العربي وصلت منتهاها، فهي ليست بحاجة الى حرب جديدة تعيد الامور الى المربع الاول، والمجتمع الصهيوني لايحسن العيش تحت التهديد والحصار ودولتة تعلم ان استمرار المعركة سيلحق بها خسائر اقتصادية ، أضرار تمس الجبهة الداخلية والسمعة العسكرية، وليس من مصلحة العدو ولا النظام العربي فسح المجال للشعوب ان تقاتل أو ان تواجه لاجل حماية مقدساتها، فهذه حرب فرضت على العدو ، وأول الطريق قطرة دم، والعدو يتبجح بان اعاد المقاومة سنوات الى الخلف ، والعكس هو الصحيح حيث مست هيبة العدو وتمكنت المقاومة من قلوب الشعوب .
3. لأول مرة باتت دويلة الكيان جميعها تحت النار وشعبها في الملاجئ، ومطاراتها ومدارسها وجامعاتها ومرافقها معطلة ومهددة ، وعمال الضفة الغربية توقفوا عن التوجه للمزارع والمعامل، واستطاعت حماس ان تقفز قفزة نوعية تحسب لها في صفحات التاريخ المقدسي حيث انتصرت حتى على قدراتها المحدودة وهي المحاصرة والمستهدفة، واستطاعت ان تفعل كل قدراتها القتالية والتكتيكية بجدارة .
4. كشفت حماس عن حنكة في أدارة المعركة العسكرية بالقدرات المتواضعة المتوافرة ،وحكمة في استيعاب كل الفصائل معها وتوزيع الادوار بطريقة أهلتها لتكون القطب الفلسطيني الجامع ، والذي عجز الاخرون من تحقيقه طوال عقود من الهيمنة .
5. اثمرت جهود الاعداد ، والارفاد، والاستعداد لتطوير كبير لمنظومة الاسلحة التي صنعتها حماس داخل القطاع ، بالاستفادة من خبرات عديدة أخرها لخبراء عراقيين سابقين، بحسب ما صرح به خالد مشعل في مؤتمر الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين في 17/5/2021م.
6. بسبب انتمائها الاسلامي أستطاعت "حماس" بناء لوبي اسلامي عالمي نتيجة جهود جبارة للتحريك، والتشبيك، والايقاظ ،والبعث، والانهاض، والاستنهاض، ما جعل الامة كتلة هائلة من الاسناد للمقاومة وتجلى هذا في الاف المظاهرات في امريكا واوروبا ،الى جنوب شرق اسيا ، واستراليا ، ولقد تعملقت مسيرات ديترويت وشيكاغو وكيبتاون وبروكسيل ومدن ايطاليا والاف الجزر الاندونيسية ، ولم يحصل هذا الاسناد لاية حركة أسلامية او قضية أخرى سوى بيت المقدس على الاطلاق، والسبب في ذلك ان المسجد الاقصى هو الذي يمنح الامة الطاقة اللازمة للاشتعال، ولكن السلطة الوطنية الفلسيطينة العتيدة لم تحسن التعاطي مع المسجد الاقصى ،بل قدمت غزة أريحا أولا، ورمت الاقصى من شبابيك أوسلو، كما مأسست لعدم العودة ....الخ، فكانت بحق من الخاسرين في هذة المعركة.
7. كسبت حماس المعركة الاعلامية بوحدة كلمتها ،والتئام صفها ، وتركها المجال لشخص الشاب أبي عبيدة لينقل عن رمز المقاومة محمد الضيف الذي لا يتكلم مطلقا ويفعل دوما، أما السلطة فكانت اكبر الخاسرين على كل صعيد، فهي نحّت الاسلام عن المعركة مع عدو يهودي توراتي تلمودي أساطيري ،ثم نحّت نفسها بذاتها عن معركة الاقصى المبارك.
8. وانتصرت حماس في معركة الصورة والعدسة والكاميرا ، فالصورة كانت مقاتلة تعكس الجانب الانساني للمقاومة والجانب المنتهك من العدو الدموي وقدمت ذلك بعدة لغات باقتدار ، وحرفية ، ومهنية ، ودقة كاملة في التوقيت ،والشكل، والكم ، والتأثير المدروس، لقد حاول الاحتلال طمس الحقيقة ومنع الكاميرات والوكالات ، فسطعت الحقيقة من غزة وكشفت المستور من قبح العدو.
9. الاقصى دوما ينقل الامة من الانكسار الى الانتصار ومن الدفاع الى الهجوم، ومن ينصره ينصر ومن يفرط فيه يمحق، ومن محاسن هذه المنازلة توحد أبناء فلسطين كلهم ،أهل بيت المقدس ،واهل الداخل الفلسطيني 1948 الذين فاجأوا الجميع بجسأرتهم، من المدن الخمس المختلطة ،والنقب، والمثلث، والجليل ،حتى الضفة المكبلة تحركت هذه المرة بصور شتى جماهيرية، وعملياتية، أما الفلسطينيون في العالم فأنجذبوا بشدة الى معركة " سيف القدس" ما جعل العالم كله ميدان معركة حربية ،واعلامية، وثقافية، وجماهيرية ،وتوعوية ،وتعبوية ، وأخذ الفلسطيني موقعه في المعركة من مكان لجوئه حول العالم، وكشف الاردنيون وهم التوأم السيامي للفلسطينين ذات التوجه والوجه والعمق وكلامها رأس رمح الامة وبتعداد يصل 18 مليون نسمة .
10. هذه حرب اللاجئين، وقوامها لاجئون محاصرون منذ" 15" عاما، شهداؤها وجرحاها لاجئون ،وابطالها لاجئون، ومبدعوها لاجئون، في حين عجزت انظمة ودول عن كف أذاها عن الاقصى وشرعيته ومشروعيته ومظلوميته التي تناستها وسمسرت عليها ،وحاول بعضها ان يضع المسجد الاقصى االمبارك سلعة على طاولة التنازل لتحسين الشروط.
11. صحيح ان غزة خاضت ثلاث حروب دفاعية مدمرة في 2008، 2012، 2014م، وثلاث حروب اخرى قصيرة، وكانت الغلبة في بعضها للمقاومة، وكانت الخسائر باهظة جدا في حرب 2014 م، حيث بلغت نتائج 60.664 غارة جوية يهودية بالطائرات الامريكية المتطورة مقرونة بالحرب البرية ما يلي: 2322 شهيدا، بينهم 578 طفلا، 459 أمرأة، 102 مسنا، ونحو أحد عشر ألف جريح منهم 3303 أعاقة دائمة، وخلفت الحرب نحو الفي يتيم ، وهدم كلي لنحو 12.000 وحدة سكنية ، وهدم جزئي لنحو 160.000 الف وحدة سكنية منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن، وتشريد 300.000 مواطن وتدمير 64 مسجدا وتصديع 150 مسجدا ، واستهداف 13 مقبرة ،....الخ . اضافة الى خسائر في كل المرافق تجاوزت الخمسة مليارات دولارلقطاع صغيرمعدوم ومحاصر من القريب والبعيد، لكن الاصح أن غزة تحملت وتحملت وتحملت وخاضت وحدها معركة نصرة المسجد الاقصى، ومناصرة أهله من المقدسيين المستهدفين بعمق ،لأول مرة تتجرأ جهة عربية وهي حركة مستهدفة وليست دولة، وليس لها معاهدات دفاع عربي مشترك وغيرها من الأطر الكاذبة، ومع ذلك تجرأت واستطاعت أن تبدأ حربا ضد العدوان النازل على المسجد الاقصى وأن تستمر فيه بأقتدار وبمبادرة وبمفاجأة رغم حجم ألة الحرب الصهيونية التي حرقت الأخضر واليابس.
12. تجلى أثر التربية ،والتعبئة، والتحشيد، والتغيير الثقافي والمعرفي في صمود مذهل لاهل غزة المكلومة، الذين قدموا عائلاتهم بالكامل وبيوتهم طعما لاجرام الاحتلال المسنود غربيا باجندات التطرف العقدي المتحكم في القرار المنحاز للعدو، ولم تخرج مظاهرة واحدة تعاند مسار الجهاد وخيار المقاومة رغم الكلف هائلة الثمن ،ولعل الامر وصل الى حد تبادل الاطفال بين الاخوة لضمان بقاء البعض حيا عند القصف الساحق.
13. أزالت هذه المعركة الغشاوة تماما عن هاشة كيان العدو، فهؤلاء مغامرون مهاجرون من 112 دولة نصفهم يحمل جنسية مزدوجة ويحرصون على حياة الترف والتنعم في فلسطين السليبة، تقابلهم فئة غزاوية تسترخص الدم في سبيل العقائد والمقدسات ، وهي مجرد طليعة لشعب الاقصى الممتد في احشاء أمة تتلمظ غيظا من مرارات المظالم، أبدا، أبدا، لا يحتمل المحتلون استمرار الحرب في أجواء مليئة بالفداء ، والاستشهاد ،والارفاد، والجهاد الذي عملت كل صنوف العربان على وأده، وتركت الامة فرائس لنتياهو ولزمرته، أن خسائر العدو المادية لادامة الحرب وتحمل تبعات توقف الاقتصاد تصل الى مئات الملاييين من الدولارات يوميا، وهذا ما لا يحتمل مقابل قطاع غزة الذي ليس لديه ما يخسره.
14. الاسبوع الاول من الحرب كان كفيلا بهدم كل طروحا ت العربان الخائبة من الاندماج مع المشروع "الاسرائيلي" والتطبيع المستتر والظاهر ، وعادت الامة وطلائعها الى الجذور والأصول وعدنا الى المربع الأول في الصراع ، وانحاز كثير من المثقفين الى الطريق القويم والنهج المستقيم ، فالمثقف هو أول من يثور وأخر من ينكسر، وهذا تأسيس سليم لقادم الايام، والاقصى المبارك هوالذي يدافع عنا ويدفعنا للتمسك والاستمساك بالثوابت غير القابلة للنقض.
15. في كل يوم يولد نحو 1300 فلسطيني جديد يتطلع لغد جديد ، والفلسطينيون شعب شاب نسبة الشباب بينهم تتجاوز 58% ،وهؤلاء جميعا ما عادوا يطيقون أن تبقى قضيتهم مرهونة لمجموعة عواجيز أستبدوا بتلابيب أقدس وأبرك وأنبل وأعدل قضية في الكون، ولعل من نتائج هذه الحرب التطلع لبلورة قيادة يستحقها هذا الشعب المرابط والمصابر ذلك أن من لا يتكيف لا يقود ولا يسود ولا يستمر، فكيف اذا كان المهيمن عاجز ومتهالك ومثبط ومنسق مع العدو ، ونجاحه الوحيد هو وأد المقاومة، وتجفيف كل ما يؤدي الى أيجاد بيئة حاضنة للمقاومة.
16. تفجرت الخلافات بين الغزاة اليهود وأحزابهم وجنرالاتهم وشرائحهم المختلفة وتحول التململ الى المناداة بالمراجعة العميقة لكل هذه المسارات المدمرة والخيارات الخائبة ،خاصة وهم يواجهون شعبا مقداما وأمة متجذرة في تمسكها بمقدساتها وفلسطين كلها قدس.
17. توضحت تماما معالم الطائفة المنصورة بملامحها الست الموصوفة في الحديث النبوي الشريف ، وتوضح مكانها وزمانها وتبلورت في بيت المقدس كتلة كفاحية ضخمة قوامها مرابطات كريمات وشباب بواسل ورجال اشداء وعبّاد وزهّاد وشداد رحّال من أهل القدس والداخل والضفة يشكلون النواة الصلبة لحماية الأقصى والصبر على مقارعة الاحتلال، وأثروا في المسار والخيار الامر الذي حدا بمقاومة غزة أن تضحي بالغالي والنفيس لنصرتهم.
18. عمليا بدأت تتضح للعيان أشارات "زوال اشرائيل" التي ظهرت كعبء على العالم كله، وتحولت هي الى فرجة تلفزيونية ليلية، وثارت في وجهها فلسطين التاريخية كلها ووصلت السخونة الى جميع حدودها، حتى من تبقى من بدو سيناء المصرية تجمعوا في قلب الصحراء للهتاف للاقصى، فهذا يؤكد على ان خيار قيام دويلة للعدو من العدم في قلب هذه الامة هو خيار خاطئ في بيئة لافظة ورافضة، هذه هي بداية العمل للتحرير الناجزللقدس ولن يدوم لهم المقام مع الجهاد.
19. نعم، الخسائر في غزة فوق الاحتمال، لكن "اسرائيل" خسرت على كل حال، وفي كل مجال، وكل يوم زيادة في الحرب هو زيادة في الخسران ، فالباطل الصرف لا يمكن أن يصمد في وجه الحق الخالص ، وما علا صوت الباطل ألا بخفوت صوت الحق، "اسرائيل" اليوم هي بؤرة كريهة سوداء تتوجة أليها سهام كل أبناء الأمة، التي ارادوها مشتتة بلا مرجعية، ومتفرقة بلا قضية، وممزقة بلا مشروع، فألتفت حول الاقصى قضية، وهوية، وأولوية، وأحقية، ومشروعا.
20. الكسب الأكبرهو في تحول الجيل المسلم في فلسطين وجوارها وعلى امتداد الامة نحو القدس، وتحول هذا الجيل لخوض غمار معركة معرفية اعلامية، عنوانها القدس والمستهدف فيها هو المعتدي عليها ،وعلى امتداد اعماق وسائل التواصل الاجتماعي وهذه حرب لها ما بعدها، ونتائجها محسومة وفيها خسارة صافية للعدو، ومكاسبها خالصة للامة المسلمة .
21. خسرت تماما قوة الثورة المضادة وبهتت وأضمحّلت ، فلا رواية لها ولا راي، ولا رؤيا، ولا مشروع ،ولا سردية ، ولا مشاركة الا القمع والمنع ،والصفع ،أمام قوى ناهضة في اقطار الامة كافة، ففي يوم واحد خرجت خمسون مظاهرة في المغرب ،والاف المظاهرات في أندونيسيا ، وبينهما لا يعد ولا يحصى، والهتاف واحد، والتكبير واحد ،والاشوا ق واحدة، وحاديها جميعا الشاب ابو عبيدة يؤشر على العدو فيحدده ويهدده ،وليس معه الا الثلة المؤمنة بربها الها معبودا ،والمعتنقة للجهاد سبيلا ومعتقدا، وللقران نهجا ومنهجا، والاعداد طريقا ومسلكا، والموت في سبيل الله كدرب اقصر يفضي الى جنة عرضها السموات والارض.
22. يقينا، انتصرت المقاومة الاسلامية والوطنية التي انخرطت في المعركة من أول لحظة ولم تستخدم الا أقل من 1% من قوتها المذخورة للمقاومة البرية والبحرية وتحت الارضية القادمة لامحالة ،واستفادت الفصائل الفلسطينية من قوتها الصاروخية وفتح الله لها الجبهات الاخرى في الضفة والداخل الفلسطيني ، ولربما تتطور احداث الدهس والطعن والحرق ومختلف صنوف المواجهة . رغم كل الام غزة وأوجاع أهل غزة التي لاتشكل أكثر من واحد في الالف من الامة المسلمة ،الا انه سجل لها شرف الانتصار مرة ومرات سابقات ، ففي حرب 2014 فان 59% من الاسرائليين أقروا بأن حماس هي التي انتصرت رغم الخسائر الكبيرة التي لايقاس بها معيار النصر والهزيمة ، فالجزائر انتصرت وتحررت مع ان خسائرها كانت عشرين ضعف الفرنسيين¸وفيتنام حققت الظفر رغم انها خسرت مائة ضعف الامبريالية الامريكية،وخالد بن الوليد بدون مقومات مادية انتصر في مائة معركة في مقدمتها اليرموك ضد بيزنطة ،والاسلام في ربع قرن أطاح بالاكاسرة والجبابرة والقياصرة ،ونور الدين زنكي التركي استطاع تدشين مشروع تصفية الوجود الصليبي في بلادنا رغم التحديات الداخلية والغدر الاسماعيلي المتنفذ في الشام ، وصلاح الدين الكردي واجة قارة اوروبا كاملة وخاض 74 معركة لاجل الاقصى، وسليمان القانوني خاض الاهوال ضد الدول الارثوذكسية والكاثوليكية والصفوية، وتعودالية أكثر من 70% من عمائر القدس القائمة ، والب ارسلان خاض معركة ملاذكرد التي غيرت مسار الامة عام 1071 وذلك في مواجهة حشد امبراطوري يفوقة عشرين ضعفا،ان الارادة تحقق المراد وغزة دوما مستودع الارادة ومضمار الرجولة . كلنا يعتصر ألما للدم الغزاوي المسفوح و نبكي لهذا الفقد الهائل للارواح والممتلكات، ولكنها بداية الشرارة لتدشين مشروع التحرير الذي لم يبدأ بعد للمقدسات المغصوبة، لقد أضاعت الامة قرنا كاملا وهي تصغي لوصفات النظام العربي الخائب ، لتكتشف عيانا ان ليس أمام الشعوب الا التوجة الى الله والتوكل عليه وثم الاعتماد على قدراتها الذاتية و استسقاء النصر بعد تقديم الممكن وأكثر.
تحية لغزة وتحية لاهلها والرحمة لشهدائها من كل الفصائل الاسلامية والوطنية، وسلام على مجاهديها الذين يتبسم لهم الزمان.
سعود ابو محفوظ.
2021م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق