رسائل "هيلاري" بشأن
الإخوان المسلمين.. الزيف والحقيقة
كيف تدار أكبر عملية تضليل للشعوب حول موقف
إدارة "أوباما" من الإخوان المسلمين؟
تقرير من إعداد- المركز المصري للإعلام-
15 أكتوبر 2020م
مقدمة:
خلال الأيام من 11 إلى 14 أكتوبر 2020م،
أحدث إعلام السيسي والثورات المضادة ضجيجا كاذبا حول رسائل نشرتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،
لأسباب انتخابية، من البريد الإلكتروني لهيلاري
كلينتون وزيرة خارجية أمريكا في عهد أوباما والمرشحة الرئاسية السابقة عن الحزب الديمقراطي
في 2016م.
برغم أن الرسائل لم تحمل جديدا، حيث نشرها
سابقا موقع "ويكيليكس" في أكتوبر 2016م، لأسباب انتخابية أيضا، وربما بتدبير
وترتيب من منافس هيلاري حينها، مرشح الحزب الجمهوري، الرئيس الحالي، دونالد ترامب،
إلا أن إعلام مصر والإمارات والسعودية تلقف ما أفرجت عنه الإدارة هذه المرة وتوسع في
نشره بشكل مزيف لإصابة عدة أهداف:
- تشويه صورة الإخوان المسلمين،
وإظهار أنهم لم يكونوا أهلا للحكم والمسئولية.
- تشويه إعلام المعارضة في الخارج،
والذي يطلقون عليه تسمية "إعلام الإخوان"
- تشويه ثورة 25 يناير وتصويرها
على أنها مؤامرة أمريكية ضد مصر.
نستعرض فيما يلي أبرز الأكاذيب التي روجها
الانقلابيون منسوبة إلى بريد هيلاري ونوضح حقيقتها، كما نوضح حقيقة ما كتبته عنهم في
مذكراتها المعنونة بـ"خيارات صعبة" والمنشورة عام 2014م، لنجلي الحقائق أمام
الجميع.
ونشير بداية إلى أن ما يخص الإخوان في الإيميلات
والوثائق الفعلية لكلينتون، ورد ضمن 26 صفحة من بين 79 صفحة تتعلق بمصر، من مجموع
1779 صفحة نشرتها الخارجية الامريكية على موقعها حتى يوم الخميس 15 أكتوبر 2020م، كما
أن ما ورد بشأن الجماعة في مذكرات هيلاري لم يتعد إشارات داخل 3 أو 4 صفحات من مجموع 632 صفحة.
أولا: أكاذيب الإعلام المصري
والإماراتي والسعودي بشأن بريد "هيلاري":
1- مشروع إعلامي للإخوان بدعم
أمريكي وبتمويل قطري!
أكثر الموضوعات التي لاكها إعلاميو السيسي
والثورات المضادة كانت حول "مشروع إعلامي" قالوا إن الإخوان كانوا بصدد تنفيذه
في 2012م، بدعم أمريكي وتمويل قطري يبلغ 100 مليون دولار.
تم صناعة خبر مزيف خصيصا لهذا الموضوع وكان
نصه المنشور في معظم وسائل الانقلاب يقول: "كشفت إحدى الرسائل التي تم رفع السرية
عنها وتعود لسبتمبر من عام 2010، عن تعاون قطري مع تنظيم الإخوان في مشروع إنشاء قناة
إعلامية باستثمارات تبلغ 100 مليون دولار.
كما كشفت الوثيقة المسربة أن التنظيم اشترط
على قطر أن يتولى إدارة القناة القيادي الإخواني خيرت الشاطر، وأن يكون مشرفاً مباشراً
على المؤسسة التي ستمولها الدوحة بحيث تكون البداية قناة إخبارية مع صحيفة مستقلة لدعم
الإخوان، ولم توضح الرسائل المسربة مصير المشروع وما حدث به لاحقاً".
والحقيقة المجردة أن هذا الكلام لم يرد
على الإطلاق في رسائل هيلاري المنشورة باللغة الإنجليزية، بل تم اقتباسه من نص خبر
منشور في النسخة الإنجليزية لموقع صحيفة "المصري اليوم" يوم 13 سبتمبر
2012م، كان عنوانه "جماعة الإخوان المسلمين تخطط لمشروع إعلامي مع شركاء قطريين"،
منسوبا إلى مصادر مجهلة، وتم عرضه على أنه رسالة بريد إلكتروني وجدت ضمن رسائل هيلاري
يرجع تاريخها إلى عام 2010م!! (فيديو من قناة مكملين تحت عنوان " فضيحة إعلام
السيسي وتزوير رسائل هيلاري كلينتون"..الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=xlRWlyRJbLs)
وحتى لو صح أن الإخوان كانوا يخططون لإقامة
مشروع إعلامي بهذا الحجم فما العيب في ذلك؟ وقد كانت قناة الإخوان الوحيدة (مصر
25) وصحيفة حزبهم الوحيدة (الحرية والعدالة)
شاهدا على محدودية إمكانياتهم المالية حتى أثناء وجودهم في الحكم، فماذا يقال عن المليارات
التي تنفقها الإمارات على محطات وصحف ومواقع الانقلاب.. وكلها مثبتة ومعروفة!
2- خيانة وتآمر الاخوان مع الغرب
ضد ثورة يناير وأنها كانت مخترقة!
حقيقة الأمر أن الوثائق تضمنت ما قاله
"مصدر موثوق" مجهول عن ان المرشد العام يرغب في التواصل مع الغرب وفق الاعراف
الدبلوماسية لطمأنتهم كي لا يتدخلوا في الثورة. وهذا أمر عادي جدا وطلب عادي (علي فرض
صحة ما قاله المصدر لكلينتون ولم يثبت ان المرشد قاله اصلا!!)
3- تآمر إدارة أوباما بمساعدة
الإخوان فى الوصول للحكم!
الرسالة المتداولة في إعلام الانقلاب تقول:
"صدرت الأوامر من واشنطن للإخوان في القاهرة بضرورة السيطرة على مصر، وكشفت الرسائل
المسربة حقيقة دعم هيلارى كلينتون لجماعة الإخوان، وحرص إدارة أوباما على تولى الإخوان
مقاليد حكم مصر بأى ثمن"!.
والحقيقة أن ما ورد بهذا الشأن أمريكيا
يرد تلقائيا على هذه الأكذوبة، ففي رسالة مرسلة إلى كلينتون في 31 يناير 2011م، أي
قبل رحيل مبارك بـ11 يوما، قال صاحبها الذي أخفي اسمه، إنه أجرى محادثات آنذاك مع تايلر
دراميلر (ضابط بالاستخبارات المركزية الأمريكية، ومدير الشعبة الأوروبية للعمليات السرية)
وباتريك لانغ (ضابط أمريكي متقاعد ومحلل استخباراتي للأوضاع في الشرق الأوسط)، حول
الأزمة المصرية.
وأشارت الرسالة إلى أن دراميلر كان على
اتصال وثيق مع مسؤولي استخبارات أوروبيين رفيعي المستوى ومع مصادر مباشرة على الأرض
في مصر، أما لانغ فـ"هو صديق قديم لعمر سليمان".
وقال الاثنان في الرسالة أن "الجيش يدرك أنه يجب أن يتوصل إلى تسوية
مع الإخوان المسلمين"، في وقت "تم سجن معظم قادة الإخوان المسلمين المتطرفين
(حسب نص الرسالة). الجيش يتحدث مع المعتدلين. لا يوجد الخميني أو نصرالله هناك. المشكلة
ليست الإخوان المسلمين. المشكلة هي المستوى العام للتدين بين الطبقات الدنيا التي تفتقر
إلى الوظائف".
كما أن "الجيش يريد جنرالا كرئيس،
ومدني مثل البرادعي، كرئيس للوزراء، لكن على الأرجح البرادعي ليس له قاعدة سياسية،
رغم أن مكانته آخذة في الازدياد"، بحسب ما ورد في الرسالة. (الرابط حسب ترجمة
موقع "روسيا اليوم"، بتاريخ 12 أكتوبر 2020م: https://bit.ly/3lIRwLY ورابط آخر لمنشور cnn
عربي بتاريخ 11 أكتوبر 2020 حول الموضوع نفسه https://cnn.it/317QOjF).
كانت الرسالة مجرد تقديرات قدمها
"مصدر موثوق به في مصر" لكلينتون! وكلها تتحدث عن قوة الاخوان.
وما ورد في الوثائق مجرد حديث عن دعم أمريكا
للربيع العربي والثورات لدعم الديمقراطية في المنطقة دون الحديث عن دعم الاخوان او
غيرهم ولكن مع الاعتراف ان الاخوان هم القوة الشعبية الكبرى في مصر، ومطالبة هيلاري
قطر بتمويل صندوق مخصص لمؤسسة كلينتون لدعم ثورات الربيع العربي .
ولم يرد أبدا في رسائل بريد كلينتون ما
يشير إلى دعم الإخوان فى الوصول للحكم، كما
يزعم إعلام الفتنة.
4- الإدارة الأمريكية ساعدت الإخوان
على "أخونة مؤسسات الدولة"!
على سبيل المثال، قالت لميس الحديدي في
فيديو مذاع بتاريخ إن جزء من الايميلات يتحدث
عن لقاءات كلينتون والرئيس مرسي للحديث عن هيكلة جهاز الشرطة وإرسال أمريكا خبراء أمن
لتقديم خبراتهم في ذلك (فيديو https://bit.ly/37eprs5)، وغيرها توسع في الحديث عن موضوع "الأخونة"
بمساعدة أمريكية!
الاعلام قلب القصة وقال إن الاخوان كانوا
يريدون هيكلتها لإدخال الاخوان في الوزارة واستخدامها لاعتقال معارضيهم من الاعلاميين
والصحفيين ، وكل هذا أكاذيب.
من المفارقات أن موضوع الإيميلات الرئيسي
هو رؤية مسئوليين أمريكان لما يفعله الرئيس محمد مرسي وخاصة سعيه لهيكلة وزارة الداخلية
بعدما لعبت دورا في قتل ثوار يناير، وهو هدف طالب به كافة ثوار مصر وحتى الإعلاميين
وقتها بمن فيهم لميس الحديدي وعمرو أديب وغيرهم، ولكنهم الآن ينشرون الإيميلات بطريقة
ملتوية ويصورون الأمر على أنه تحالف بين مرسي والإخوان وأمريكا ضد الداخلية، برغم أنهم
كانوا من الداعين لهيكلة الداخلية حين كان الإعلام حرا ولكنهم في ظل السيسي وذهبه وبطشه
أدانوا أنفسهم وظهرا رافضين لتصحيح الداخلية وهيكلتها.
لفتت الوثائق أيضا إلى أن لقاء كلينتون
ومرسى فى ذلك الحين، كان لتقديم التهنئة على فوز الأخير فى الانتخابات الرئاسية، وعرض
الدعم الأمريكي لحكومته، والذى تضمن نقل خبرة تقنية ومساعدات من الحكومة الأمريكية
والقطاع الخاص لدعم برامجه الاقتصادية والاجتماعية المفترضة، فما هو العيب في ذلك أو
السرية والاسرار كما روج اعلام السلطة؟!
بجانب ذلك فإن ما ورد في وثائق كلينتون
ينقل وجهة نظر الإخوان في نظام الدولة المطلوب، حيث عبرت الرسائل عن رؤية مصادر أمريكية
لموقف الاخوان من مستقبل مصر وأن المرشد العام محمد بديع يري ان مصر يجب ان تصبح دولة
إسلامية على غرار النموذج التركي المنفتح، وتعزيز التعاون مع الغرب لتقليل توجسه من
تأثير الثورة المصرية على مصالحه، وتنقل عن هذه المصادر أن الاخوان يريدون دولة تعتمد
على المبادئ الإسلامية.
تصورات المرشد العام لأهمية التعاون الدبلوماسي
مع الغرب، واهمية دعم كلينتون للديمقراطية في مصر شيء لا يعاب إطلاقا على الإخوان،
فمن حقهم طرح ما يرونه مناسبا من وجهة نظرهم لنظام الحكم في ظل ثورة قائمة، وكلامه
عن علاقات منضبطة مع الغرب هو حديث مشروع وليس فيه ما يسئ للجماعة أو يؤخذ عليها.
5- جماعة الإخوان خططت للهيمنة
على عملية وضع الدستور عام 2012!
نص الخبر المنشور في إعلام الانقلاب يقول
"الرسالة المؤرخة 14 يناير 2012م، والذي لم تفصح الوزراة عن هويته، إلى كلينتون
..تأكيدات من مصادر مقربة من قيادات جماعة الإخوان وأجهزة مخابرات غربية، بأن مرشد
الإخوان محمد بديع ومعاونيه، بمن فيهم رئيس حزب الحرية والعدالة - آنذاك - محمد مرسي، عقدوا سلسلة جلسات سرية لبحث
كيفية استثمار فوز الإسلاميين بأغلبية مقاعد مجلس الشعب الذي انتهت انتخاباته للتو.
وأضاف المرسل أن المرشد محمد بديع وعدد
من قيادات الإخوان قدروا أن الجماعة يمكن أن تشكل تكتلًا برلمانيًا مع أحزاب التحالف
الديمقراطي يسيطر على 38% من مقاعد البرلمان، بينها 27% من المقاعد يسيطر عليها حزب
النور وحلفاؤه من الحركة السلفية.
وأوضح أن المرشد محمد بديع كان يعتقد أنه
رغم وجود بعض الخلافات الفرعية بين الإخوان والسلفيين، إلا أنه كان بوسعهم تشكيل تحالف
يسيطر على مابين 65% و70% من مقاعد مجلس الشعب المنتخب لتوه، كما اعتقد الإخوان أن
الإسلاميين سيسيطرون على نسبة قريبة من ذلك من مقاعد مجلس الشورى خلال الانتخابات التي
كانت ستجرى في نهاية يناير 2012.
ومن خلال الفوز بأغلبية مقاعد مجلسي الشعب
والشورى، بحسب الرسالة، خطط الإخوان للتحكم في عملية صياغة الدستور، وربما بشيء من
التلاعب بالسلفيين وأنصار الجيش كان يمكن لهم التحكم في تشكيل حكومة مدنية قبل موعد
تمرير الدستور الذي كان مقررًا في مايو أو يونيو 2012".
والحقيقة أن نص الرسالة نشر محرفا بشكل
عمدي، حيث جاء في النص الأصلي أنه بهذه الأغلبية " سيكون الإخوان قادرون على صياغة
الدستور الجديد"، ولم يرد أبدا أنهم "خططوا للتحكم في عملية صياغة الدستور".
كما أن الممارسات الفعلية للإخوان بشأن دستور
2012م معلومة للجميع وهي ترد على هذا الكلام، فضلا عن أن ما ورد في إعلام الانقلاب
لا يؤخذ على الجماعة، فهذه طبيعة التحالفات والممارسات السياسية في أي تكتل يفوز بأغلبية.
5- الإخوان استشاروا أمريكا في الإعلان
الدستوري 2012م!
نشرت صحيفة الوطن المصرية تقريرا بعنوان
الإخوان استشاروا أمريكا في الإعلان الدستوري 2012، هو نفس ما نشرته المصري اليوم بعنوان:
«إيميلات هيلاري».. كيف حاول مرسي تحجيم دور القضاء المصري؟ قالت ان إيميل بعنوان
26 نوفمبر عام2012، وتحت عنوان «سري..السياسة الداخلية المصرية بشأن استحواذ مرسي على
السلطة»، جاء به: "أرسل شخص مجهول تقريرا مفصلا عن معلومات سرية نقلها عن مصدر
مطلع بأعلى مستويات في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة"!!
وجاء في الإيميل إنه: (في 25 نوفمبر
2012 وبعد نقاشات بين محمد مرسي والمرشد الأعلى للإخوان محمد بديع، التقى مرسي بوفد
من كبار الحقوقيين في محاولة لشرح قراره بشأن الاعلان الدستوري ومزاعم عن "الحد
من سلطة القضاة في الحكم على الشرعية الرئاسية"، وأن المرشد د. بديع رأي أن هذا
التطور، في رأي هذا المصدر (!)، يمثل فرصة حازمة في ترسيخ سيطرة جماعة الإخوان المسلمين
وحزب الحرية والعدالة على المشهد السياسي في مصر).
الميل –بحسب الوطن- هو قراءة تحليلية لمحادثة
هاتفية بين السفيرة الأمريكية لدى القاهرة، آن باترسون وجهاد الحداد، المسؤول عن ملف
العلاقات الخارجية حول الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس ومخاوف امريكا من اضطرابات
بسببه تقوم بها المعارضة وليس به شيء من عناوين الوطن الصارخة، وليس هناك أي دليل على
أن مرشد الإخوان قال هذا الكلام.
6- هيلاري كانت تدعم مشروع الإخوان
لإقامة دولة لداعش في سيناء بمشاركة حماس!
هذه الفرية روجها الانقلابيون على نطاق
واسع - وكذلك فعلوا بعد نشر مذكرات هيلاري في 2014م، وسيأتي الرد عليها في الجزء الثاني
من هذا التقرير، ولكن في عجالة: هل يقبل أي عقل أو منطق سليم فكرة أن تدعم الإدارة
الأمريكية إقامة دولة معادية للكيان الصهيوني على حدوده؟ وهل كانت ستسمح للإخوان الذين
يعلنون دائما أنهم ضد وجود الكيان الصهيوني بمشروع كهذا؟
ثانيا: ما ورد عن الإخوان في
مذكرات هيلاري:
منذ عام 2014م، تداول عشرات آلاف المستخدمين
والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية خبراً جاء فيه "هيلاري كلينتون
تفجّر مفاجأة في كتاب مذكراتها كلمة السرّ 360 المطروح مؤخراً بأميركا".
وينقل المنشور عن كلينتون أنها قالت في
كتابها "كنا على اتفاق مع إخوان مصر على إعلان الدولة الإسلامية فى سيناء وإعطائها
لحماس".
واقرّت كلينتون، بحسب المنشور، بأنها زارت
112 دولة لدفعها على الاعتراف بهذه الدولة الإسلامية ضمن مخطط لتقسيم المنطقة، لكن
"تحطّم كلّ شيء" حين قامت "ثورة 30/6 و3/7 في مصر"، أي حين أطاح
الجيش المصري بالرئيس المنتخب محمد مرسي بانقلاب عسكري في 3 يوليو 2013م.
حظي هذا الخبر بالصيغة نفسها بانتشار كبير
جداً في مؤسسات إعلامية مختلفة في عدد من بلدان
المنطقة، مثل صحيفة الشروق المصرية، وقناة
الإخبارية السورية ، وصحيفة النهار اللبنانية، وقناة العالم الإيرانية، والعديد غيرها.
وجرى تداوله أيضاً على تطبيق واتساب على
نطاق واسع، وصار مادّة للاستخدام في التحليل السياسي عبر المنابر الإعلامية.
والحقيقة أن هذا الخبر يحمل عدداً من العناصر
المثيرة للشكّ، منها:
1- من المعلوم أن هيلاري كلينتون تركت منصب
وزيرة الخارجية في فبراير من العام 2013م، وبالتالي، لم تكن في منصبها وقت الانقلاب،
ومن غير الوارد أن تكون جالت آنذاك على دول العالم لنقل موقف بلدها أو تحدثت بصفة رسمية كما ورد في المنشور.
2- لم تصدر هيلاري كلينتون أي كتاب بعنوان
"كلمة السرّ 360". أما كتاب المذكّرات الوحيد الذي نشرته، فيحمل عنوان
"Hard
Choices"
أي (خيارات صعبة)، وصدر في عام 2014.
الأهم من ذلك أنه ليس هناك أي أثر في كتاب
كلينتون لما نُقل في هذه المنشورات والأخبار على مواقع التواصل والمؤسسات الإعلامية
التي تداولتها.
يدعم ذلك ما نشرته وكالة "فرانس برس" حول هذا الموضوع يوم الثلاثاء 23 يوليو 2019م، تحت عنوان "كلينتون
لم تتحدّث في مذكّراتها عن مخطط بالتعاون مع الإخوان المسلمين لإقامة دولة إسلامية
في سيناء"، والتي كذبت الخبر تماما بإثباتات من المذكرات ذاتها (الرابط: https://bit.ly/3lNj96q)
قالت الوكالة: في الجزء الذي تحدّثت فيه
كلينتون عن مصر في كتابها ورد في الصفحة 347: "اتهمنا مؤيدو الإخوان المسلمين
بدعم نظام (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك واشتبهوا في أننا نتواطأ مع الجيش لإبعادهم
من السلطة. في حين كان معارضو الإخوان يخشون احتمال حكم إسلامي، زاعمين أن الولايات
المتحدة تآمرت مع الإخوان لإخراج مبارك".
وهذا يعني أن الإدارة اللأمريكية كانت متهمة من الطرفين ولم تكن منحازة للإخوان
بطبيعة الحال.
وعن العلاقة مع الإخوان بعد وصولهم إلى
الحكم كتبت كلينتون في الصفحة 349: "واجهت الولايات المتحدة الأمريكيّة مرّة جديدة
المعضلة نفسها: هل نتعامل مع قائد نختلف معه حول أمور كثيرة لأجل الحفاظ على مصالح
أمنيّة جوهريّة؟". وهذا يعد شهادة إيجابية بحق الرئيس مرسي، وليست ضده، على اعتبار
أن الإدارة الأمريكية كانت ترى وجود رئيس مدني منتخب ذي توجه إسلامي في مصر يمثل خطرا
على مصالح أمريكا والكيان الصهيوني، فالمصالح "الأمنية الجوهرية" هنا لا
تعني سوى التخوف على أمن الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى.
وذكرت كلينتون في مقدّمة الكتاب أنّها زارت
112 بلداً خلال مهامها كوزيرة للخارجيّة، لكنها
لم تأت على ذكر إقناع دول بالاعتراف "بالدولة الإسلاميّة في سيناء" كما جاء
في المنشور الكاذب.
وللأمانة التاريخية، حاول إعلاميون، حتى
من المعارضين للإخوان، توضيح أن ما نُقل في مواقع التواصل وبعض المؤسسات الإعلامية
منسوبا لهيلاري، لم يرد بتاتاً في كتاب كلينتون، ومن بينهم الكاتب المصري بلال فضل
والكاتبة المصرية مي سمير.
الخلاصة:
• تسريبات
كلينتون ليست جديدة ومعظمها نشر عام 2016 ولكن الإعلام المصري وقناتي سكاي نيوز والعربية،
اهتموا بنشر التسريبات وتقديم تفسيرات مختلفة لها بغرض شن حملة صحفية جديدة على الإخوان
وحملات إلكترونية على مواقع التواصل تزعم "خيانة الإخوان والرئيس مرسي" لأنهم
فكروا في هيكلة الداخلية، مع أن هذا كان مطلب ثوار يناير.
• تضمن
الوثائق ما قاله "مصدر موثوق" مجهول، وليس الإخوان بشكل مباشر، عن أن المرشد
العام يرغب في التواصل مع الغرب وفق الأعراف الدبلوماسية لطمأنتهم كي لا يتدخلوا في
الثورة وطلب التعاون مع صندوق النقد أيضا لأخذ قرض بلا شروط سياسية، هذا الأمر روجت
له أبواق إعلامية حسابات إلكترونية على أنه دليل خيانة وتآمر الإخوان مع الغرب وأن
ثورة يناير مخترقة.
• الهدف
من الترويج لمذكرات هيلاري هو الهجوم على الإدارة الديمقراطية وتمهيد الطريق لترامب
في الانتخابات، والهجوم على الإخوان وقطر، والأهم الهجوم على ثورة يناير والربيع العربي
واتهام أمريكا وقطر بدعم الربيع العربي لهدم حكومات عربية وادعاء تشجيعهم للإخوان.
• الإعلام
استغل الإيميلات لنشر مزاعم على إعطاء أمريكا الضوء الأخضر للإخوان ومشروعهم، سواءً
عبر التنسيق، أو من خلال مباركة خطواتهم، ومزاعم أن "واشنطن كانت على دراية بالدعم
السخي الذي تقدمه الدوحة لتنظيم الإخوان وأذرعه الإعلامية، تحت ذريعة الوقوف بجانب
المعارضات السياسية"، رغم أن الوثائق لا تتضمن أي شيء من ذلك وإنما مجرد تقديرات
قدمها "مصدر موثوق به في مصر" لكلينتون، وكلها تتحدث عن قوة الإخوان وتصورات
المرشد العام لأهمية التعاون الدبلوماسي مع الغرب، وأهمية دعم كلينتون للديمقراطية
في مصر وحث قطر علي توفير دعم مالي لهذه الديمقراطية الوليدة بعد ثورة يناير.
• لفتت
الوثائق إلى أن لقاء كلينتون ومرسى في ذلك الحين، كان لتقديم التهنئة على فوز الأخير
في الانتخابات الرئاسية، وعرض أمريكا نقل خبرة تقنية ومساعدات من الحكومة الأمريكية
والقطاع الخاص لدعم برامجه الاقتصادية والاجتماعية المفترضة، وهو أمر ليس سرا كما تم
الترويج له إعلاميا.
• الأبواق
الإعلامية التي تنشر الأكاذيب الآن وتحرف أو تفسر مراسلات هيلاري كلينتون في اتجاهات
مغايرة كانت هي نفسها عند ترشح د. محمد مرسي للرئاسة تحذر من وصول الإخوان للحكم، وأن
ذلك سيؤدي إلى معاداة الدنيا وعلى رأسها أمريكا لمصر، وأن ذلك سيسبب دمارًا لمصر، والآن
تأتي وتقول عكس ذلك.
• كما
تتجاهل هذه الأبواق عمدًا دعم أمريكا الكامل للانقلاب على حكم الرئيس مرسي، أول رئيس
مدني منتخب انتخابًا حرًا بمصر، وأن وزير الدفاع المصري وقتها أعلن صراحة أنه كان على
اتصال بوزير الدفاع الأمريكي وقتها تشاك هيجل لمدة ستة أشهر كاملة بداية من فبراير
2013م لإطْلاعه على تفاصيل تحركات الجيش وأخذ الضوء الأخضر والدعم الكامل لتحركاتهم
ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، وأنه لا يمكن تركه بالمنصب أكثر من ذلك.
لقراءة رسائل كلينتون من مصدرها:
https://foia.state.gov/search/results.aspx?collection=Clinton_Email
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق