أحداث
بني وليد التي جرت الأسبوع الماضي هي نتيجة طبيعية متوقعة، و ليس بمستغربة، على
الأقل بالنسبة لي. إن ما حصل في ليبيا من ثورة عارمة في وقت كان فيه البلد تحت
سيطرة كاملة من قبل القذافي و أبناؤه ربما هو المستغرب. بعض المدن التي لها نوع من
العلاقات الخاص يرتقي في تقييم البعض ليصفها ب"الموالية" هو تقييم خاطئ،
لأن الموالي هم مجموعات صغرت أو كبرت في هذه المدن، استطاع القذافي أن يتبناها و
يستوعبها لتحقيق أغراضه السلطوية و تأمين شر هذه المناطق أو الاستعانة بها للقضاء
على مخاطر قد تواجهه إن لزم الأمر.
شيوع
مصطلح "موالية" ساهم في خلق جدار عازل منع التواصل البناء بين هذه المدن
و غيرها، خاصة تلك التي ذاقت ويلات سياسات حرب القذافي على أبناء وطنه سواء بآلته
الحربية الفتاكة، أو بتبنيه لوسائل خسيسة، ربما هي أشد فتكاً من آلته القاتلة في
مجتمع محافظ مثل ليبيا.
مدن
بني وليد، سرت، الجميل، تاورغاء و غيرها، أصبحت بفعلنا و ردود أفعالنا – شئنا أم
أبينا – بيئات مهيئة للتمرد ، إذا اجتمعت عوامل و أحداث معينة، أو سادها الكراهية و
البغضاء إن عجزت، و ذلك لأسباب عدة يجب التنبه لها، أهمها - في نظري – هو
غياب السعي للتواصل ما بينها و بين
السلطات المركزية المؤقتة و أيضاً مع مكونات المجتمع المدني الناشئة التي هي
الأخرى أصيب الكثير منها بمرض النفور من التعامل مع هذه المدن بسبب هذ الوصف، وصف
"الموالية"، هذا الأمر وضعها في خانة "المنبوذة" أو
"المهمشة" في أحسن الأحوال.
لو
تمعّنا النظر لتبين لنا أن الأغلبية العظمى في هذه المدن لا تحب القذافي و لا حكمه
و إنما المستفيدين هم القلة و لكنهم يملكون
مقومات عديدة كالمال، و النفوذ و العلاقات و المصالح تمكنهم من تحقيق طموحاتهم
الهدّامة. في حين تكوّنت بيئة انكمشت فيها عوامل الخير البنّاءة لصالح مآرب الشر، و
زاد الشعور بالتهميش، فوجب أن نلوم أنفسنا لتقصيرنا قبل أن نلوم هؤلاء.
إن الانتقام لا يمحو ماضياً ولا يبني مستقبلاً،
و لنا في نبينا الكريم صلوات الله عليه أسوة "اللهم أغفر لقومي فإنهم لا
يعلمون". فمن علم من أولئك القوم بعد ذلك كان علماً في البناء و رمزاً للحق و
العدل، فيجب أن تكون رسالتنا أننا لا نريد لهم إلا الخير و أن يلمسوا ثمرات الخير
التي تحملها هذه الثورة.
الأمر
الثاني، هو الجهل بما يحمله المستقبل، فالإنسان بطبيعته يتوجس خيفة من المجهول،
فالشعور بالعداء من قبل الآخر سيقود حتما إلى فقدان الاطمئنان و الخوف من الآتي ، و
هذا التوجس ربما يشاركهم فيه بعض أبناء الوطن نتيجة الوضع الجديد. تبديد هذا المخاوف
يأتي عن طريق أمرين، أولهما ضخ الخطاب التفاؤلي المستمر و المناسب لكل طبقة من
طبقات المجتمع فتنبعث من خلاله الحيوية و النشاط في أوساط المجتمع فيسري في النفوس
لذة الشعور بالمواطنة و انتعاش الكرامة، فيتعزز تقدير المواطن لذاته و ينمو حب الارتباط
بالوطن، فتتفجر الطاقات، و ربما ستتلذذ باجتياز العقبات، فيتبين الفرق ما بين
العهدين و يحصل التمايز.
ثانيهما
وضوح الرؤية لدى المسئولين على صناعة القرار، و ضرورة تبني الشفافية عند صناعة
القرار و إشراك مؤسسات المجتمع المدني في صناعة القرارات لإنضاجها، ليكونوا طرفاً
معاضداً معينا، و ليس مناوئاً مشاكساً، مشتبهاً فيه في خلق المشاكل و إنما يكونوا
طرفاً في إيجاد البدائل و إبتكار الحلول.
سيزول فتيل الفتنة، و نأمن خطر
"الموالاة" إن اقتربنا من الآخر و أشعرناه بعطفنا و حبنا، لا نشمت في
مآله و لكن نقتسم ألآمه، صدقاً إن استطعنا، و إلا فتصنعاً، مراغمة لشيطان الفرقة.
الأمر
المهم الآخر هو ملاحقة عناصر الإجرام من المنظومة السابقة خارج ليبيا، و قطع
العلاقات بينهم و بين من تبقى و إدّعى تبنيه للثورة. فهؤلاء أيضاً أدوات تأجيج
للفتن فقد دربوا على صناعة المؤامرات، و
يملكون من الحنكة و الأموال ما يمكنهم من نيل مقصودهم من عدم الاستقرار.
ختاماً
إن معركتنا رابحة لا محالة لأن صراعنا مع الباطل " بَلْ نَقْذِفُ
بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ
الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ " و ثورتنا منتصرة ليس بمقتل القذافي – وقد
قتل - و لكن بوأد آثاره و دفن عاداته و هجر سلوكياته و أحقاده.
خالد
العقيلي
31.01.2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق