سأستعرض فى هذا البحث
معانات وتأثير الأطفال الليبيين أثناء حرب اللانظام القذافي وانتهت بنهايته
البشعة مع شعب مسالم طالب بتحقيق حريته وكرامته واسوة بثورتي الربيع العربي فى
تونس ومصر .. ولا بد لي من تعريف للطفل كبداية البحث ومن ثم الإعلام .. فالطفل
كما تعرف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل فى مادتها الأولي منها أنه كل انسان لم
يبلغ السن الثامنة عشر فهذا التعريف القانوني للطفل الذي اتفقت عليه المجموعة
الدولية لاينفي الخصائص النفسية والاجتماعية لكل مرحلة عمرية ويقسم علماء النفس
الطفولة الى مرحلة الطفولة الأولي وهي تبدأ منذ الولادة الى العام الثالث للطفل ..
والمرحلة الثانية للطفولة من 3 الى 6 سنوات من عمر الطفل والمرحلة الثالثة بما
فيها فترة المراهقة تبدأ من بين سن السابعة وحتي البلوغ ... ويمكن تعريف وسائل
الإعلام بأنها تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والبرامج المتنوعة والمعلومات
الصحيحة والحقائق الثابتة التى تساعدهم على تكوين رأي صائب فى واقعة أو حدث أو
مشكلة بحيث يعتبر هذا الرأي تعبيراً موضوعياً عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم
وميولهم .. فالإعلام إذاً هو عملية تعبير موضوعي بالفعل يقوم على الحقائق
والأرقام والإحصاءات ويستهدف تنظيم التفاعل بين الناس من خلال وسائله المتعددة
وهي عبارة عن المواد الأدبية والعلمية والسياسية والفنية والدينية والتربوية
للاتصال الجماعي بالناس بشكل مباشراً أو غير مباشر , من خلال الأدوات التى ينقلها
أو يعبر عنها مثل الصحافة والإذاعة والتلفزيون وشبكة المعلومات ووكالات الأنباء
والمعارض والخطب والمؤتمرات ..
لذلك لابد من التاكيد على أن الإعلام القذافي أثناء حربه
الظالمة ضد شعبنا كان اعلاماً كاذباً وشرساً استخدام محطاته التلفزيونية لبث
الأكاذيب وتخويف الأطفال والنساء والشيوخ بأساليب دهاء ماكره وخبيثة بينما حاول
إعلام ثورة 17 فبراير استخدام الفيس بوك والانترانت بمساعدة من العديد من المحطات
التلفزيونية العربية كالجزيرة , والعربية , والحرة , ولآن , وفرنسا 24 العربية ,
فى ارسال الصور والحقائق عبر مراسلات من داخل الحدث وفى الجبهات والمدن التي
تحررت فى الشهور الأولي لهذه الثورة التى شملت كل ربوع ليبيا وزاد التنافس
الإعلامي فى عودة بث المحطات الإذاعية المسموعة إلا أنها لم تفلح فى تقديم برامج
خاصة للأطفال وامهاتهم بل خطابها سياسي وديني وتحريضى ولم يستطع أطفالنا مشاهدة
برامج الأطفال والرسوم المتحركة فى المحطات الفضائية الأخرى مع إيقاف المدارس فى
الجزء الشرقي من البلاد وخوف أطفال المنطقة الغربية وكذلك الوسطي من الذهاب
لمدارسهم نتيجة لالحاح ذويهم بالتواجد فى البيوت خوفاً من الكوارث والمصائب التى
قامت بها كتائب القذافي ومرتزقته وأزلامه من زرع الخوف واستخدام الأسلحة الثقيلة
لقتال الثوار الذين خرجوا لتحرير وطنهم من دنس المجرمين والذين استغلوا أطفال صغار
بالقوة وغرر بهم فى حرب من أجل أسرة تريد أن تواصل حكم البلد دون وجه حق بعد معاناة استمرت على
مدي 42 عاماً من الترهيب والتخويف والقتل والإبادة والاعتقالات للوطنيين الأحرار
من الشعب الليبي بل طال نظامها الفاسد الى شعوب العالم .. كما استغلت قوات
مليشيات القذافي هيمنتها القوية على مدن آمنة لتشغيل أبشع واقذر ممارسات قامت بها
مع الموالين لها ضد النساء والأطفال وخاصة الاغتصاب الذي لازال الشعب الليبي
والعالم متأثراً لنتائجه السلبية ولم تفلح المحاولات التى تقام من حين الى حين
حول المصالحة الوطنية إلا بعد محاسبة ومعاقبة من سبب فى إرهاق الأرواح والاعتداء
الجسدي على طفولتة بريئة ونساء شريفات .. كما أن أحداث الكتيبة فى بنغازي كان لها
الأثر الكبير فى نفوس الأطفال الذين يعيشون مع أسرهم فى منطقة البركة ومستشفى
الأطفال مشاهداً على إصابات أطفال بالهلع والفزع ومرض السحايا كما عاشت أمهات من
رأس الانوف والبريقة واجدابيا ومصراته وبقية أحياء بنغازي الآثار النفسية لهن
ولأطفالهن .. وأن نزوح عائلات من بنغازي للمرج فى يومي 18 , 19 / مارس /2011م
كان بسبب الخوف من وصول الرتل المجرم للعبث فى كل شئ ولو بالاستغلال الجنسي للحرائر
والأطفال البنات .. أنها حرب قذرة لا يعقلها عاقل ولم تقم من قبل فى أي مكان من
العالم بما فيها دولة صهيون المجرمة .. لقد استخدم المقبور وأبناءه الفاسدون
أساليب القمع ووزعوا الأموال واستعانوا بمرتزقة أجانب لكي يرعبوا الشعب الذي
انتفض وساهم مع الثوار فى الدفاع عن الشرف والعرض رغم التضحيات والدماء التى سالت
فى سبيل تحرير الوطن من العصابات التى عبثت بمقدرات وخيرات ليبيا وجعلت شعبها
فقيراً ومظلوماً ومغلوباً على أمره رغم محاولات الابطال تغيير الحكم القمعي
والإرهابي .. ولقد أشرك فى حربه هذه أطفالاً لا ذنب لهم أجبروا على الانخراط
كمتطوعين فى صفوف مليشياته .. فلا يجوز قانونياً لأشخاص دون سن الثامنة عشر من
عمرهم المشاركة فى النزاعات المسلحة أكانت مشاركتهم طوعية أم قسرية وبالتالي
يتوجب على الدول وفقاً للقانون الدولي أن يؤمنوا حماية كاملة للأطفال من كل أشكال
المشاركة فى النزاعات من دون تفريق بين الجيش النظامي والجماعات المسلحة فى أي
مكان وزمان وهذا ما جعل دول الخليج العربي ومن بعدها جامعة الدول العربية تعلق
عضوية العصابة الحاكمة فى ليبيا من الجامعة العربية وايصال استعانة ونداء
المجموعة الدولية وعن طريق مجلس الأمن تدخل لحماية المدنيين الليبيين وخاصة
الأطفال والنساء ويقوم حلف الشمال الأطلس ( الناتو ) بضرب الرتل القادم لبنغازي
فى يوم 19/03/2011م رغم جهود طيارينا الوطنيين فى ايقاف تقدمه مضحين بحياتهم فى
سبيل الدفاع عن الشعب من غطرسة وكبرياء عائلة معمر القذافي والمقربين لها
لمحاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم لاتعقل .
ومع ذلك ما هو مصير الأطفال
الذين تركوهم خلفهم يعانون من فقدان آبائهم المجرمين ؟ كيف ستكون مشاعرهم مع بقية
الأطفال الذين كان آبائهم شرفاء استشهدوا وأصيبوا او فقدوا من جراء هذه المعارك
دون أن يستخدموا عقولهم فى الاصطفاف مع الشر المتمثل فى معمر القذافي وأولاده أو
الوقوف مع الخير المتمثل فى مقاومة ثوارنا الأبطال وتضحياتهم فى سبيل تحرير الوطن
.. وهل الأموال والذهب الذي أغدق به الأشرار أبقت القذافي فى الاستمرار بحكم
البلاد ؟ لا .. وألف لا .. أن أرادة وتصميم الليبيين على التحرر والعيش بكرامة
فوق أرضهم جعلتهم ينتصرون فى هذه الحرب .. ورسم أطفالنا لوحات لعيد النصر
ولمقاومة ثوارنا الاسطورية .. يغنوا ويرددوا أطفالنا أغاني الحرية والوطن .. ولكن
آثار هذه الحرب لازالت مؤثرة فى نفسيات أطفالنا بل ان باحثاً أمريكيا فى مستشفي
الأمراض النفسية فى بنغازي أوضح بأن مرض الأرق مصاب به الليبيين وتختلف درجاته
بين الرجال والنساء والأطفال لأنهم لم يشهدوا فى تاريخهم الدمار والموت الذي زرعه
القذافي طيلة الثماني الشهور بعد بداية الشرارة من بنغازي ويستوجب أن تقوم أجهزة الإعلام
والمؤسسات التعليمية والتربوية بدورها لتخفيف شدة التوثر بين الشعب الليبي وهنا
لابد من التوضيح بأن الأجهزة التلفزيونيا وإذاعاتنا العامة والخاصة لازالت مقصرة
نحو تقديم برامج هادئة ومطمئنه لما حدث فى فترة الحرب .. وأعتبره ضعفاً نتيجة
لغياب الخطاب الإعلامي الممنهج والموجه خاصة للأطفال وفلا نكاد نسمع ندوة أو
برامج تهتم بهذه الشريحة العمرية التى لازالت تعاني مشاكل نفسية واجتماعية وعدم
رغبة فى ممارسة نشاطها الرياضي أو الفني وخاصة وأن هناك اشباه الثوار لازالوا
يعبثون باطلاق الأعيرة النارية والعصابات الهاربة من السجون تبيع المخدرات وتسرق
الأموال والسيارات والممتلكات بقوة السلاح .. وفى غياب الأمن وتعدد الكتائب
بزعامات لا تريد الانضمام الى وزارتي الداخلية والدفاع سيستمر الفزع والقلق
للكبار والصغار .. وما الاحتفاء بالأفراح واللعب والتسابق فى اطلاق الذخائر إلا
تأكيداً على غياب الأمن فى أحيائنا التى تبحث عن الوئام والسلام ..
ولنعود تاريخاً الى قضية حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة
مرتبطة بسياسة منظمة الأمم المتحدة حيال حقوق الطفل وحفظ السلام وبنائه وصنعه وقد
أكدت اتفاقية حقوق الطفل على وجوب تربية الأطفال وفقاً لمبادئ ميثاق منظمة الأمم
المتحدة وعلى الخصوص السلام والكرامة والحرية والتسامح والمساواة ولابد من
التذكير ما قامت به جمعية حقوق الطفل فى بنغازي أثناء وجود اسر النازحين للمدينة
والقادمين مع أطفالهم من مناطق التوتر والنزاع من رأس لانوف والسدرة والزويتينة
والبريقة واجدابيا وحتى مصراته من برامج ترفيهية فى منتزهات وحدائق بنغازي وكذلك
الحال قيام مجموعة بسيطة من الجمعيات الأهلية بتقديم الألعاب والهدايا فى مقار
اقامتهم .. وتوفير المواد الغذائية والرعايا الصحية والطبية لهذه الأسر وخاصة فى
الشهور الأولي لبداية الثورة بينما لا زالت قوات الطاغية تحاول التقدم فى اتجاه
بنغازي والمناطق الشرقية .. وللعلم وحسب الاحصائيات فإن هناك 300 الف طفل من دون
السن القانونية الثامنة عشر – بما فيهما مضى بين شهري فبراير وأكتوبر 2011 فى
ليبيا شاركوا فى نزاعات مسلحة فى مختلف مناطق التوثر فى العالم .. وقد تعرض
أطفالنا مثلما يتعرض الأن الأطفال بالالاف فى العالم الى أشكال عنيفة من المأسي
الإنسانية كالتعذيب أو العنف الجسدي الحاد .. أو مشاهدة امهاتهم وهن يغتصبن
أمامهم وأمام آبائهم .. أو من خلال التوقيف الاعتباطي والتهجير القسرى والذي
أشرنا اليه ونضيف ماذنب أطفال تاروغاء أو سرت فى تهجيرهم من ديارهم ؟ ووصولهم الى
بنغازي المكتظة بالسكان من مناطق ليبية أو سورية .. لقد شاهد الأطفال المجازر
التى ارتكبها اللانظام المنهار فهم قد يحملون بالانتقام مستقبلاً من أزلام
القذافي ..
تتنوع الوظائف التى يقوم بها الأطفال أثناء تجنيدهم وهي فى جميع
الأحوال تشكل انتهاكات صارخة لحقوق الطفل فقد يكونوا حمالين أو بائعي المخدرات
والدخان أو غسل السيارات أو جواسيس وكم كان لعب الأطفال في ليبيا فى مخلفات حرب
القذافي وسببت فى بتر أو قطع ارجلهم أو أياديهم ومنهم من انتقل الى رحمة الله فى
البريقة ا وفى زليتن وسرت .. ولقد عمل اتباع القذافي على زرع الالغام التى يصعب
اكتشافها وجلبها من البرازيل أثناء فترة الحرب الخاسرة لهم مع ما أصابنا من
تفجيرات ملعونة وقذرة وغير انسانية بعد اندحارهم وفرارهم وهزيمتهم بفضل ثورانا ..
إلا أن كما اسلفت الآثار التى ترتبت على الأطفال الليبيين كالتبول اللاإرادي وعدم
النوم والخوف من الكوبيس الليلية وما شاهدوه من اشلاء ودماء الذي بثته المحطات
التلفزيونية والمواقع الالكترانية والصور المحفوظة فى الهواتف النقالة . كما
لازال يشعر بعض الأطفال من اضطرابات فى الأكل وعدم القدرة على التركيز وأيضاً
يرافق الطفل الضغط النفسي من جراء المشاهد والأحداث المؤذية التى شاهدها على
الطبيعة أو من خلال التلفاز ..
وطبعاً يمكن للراشدين وللنساء والشيوخ ان يعانوا او قد عانوا من
نفس المشاكل التى يعاني منها الأطفال .. انما الفرق هو ان الكبار قد نعموا بفرصة
التنشئة الاجتماعية وفقاً لقيم الحياة المدنية قبل ان يشاركوا أو يشاهدوا هذه
الحرب التى فرضت علينا وكان بامكان القذافي التنحي منذ تحرير شرق ليبيا بعد أربعة
أيام من بدايتها ليصلوا ثوارنا الى الوادي الأحمر .. فالكبار يمكن بقدرتهم الرجوع
الى حياتهم الطبيعية وفقاً لما اكتسبوه اجتماعياً فى طفولتهم .. أما أطفالنا فهم
لم يعرفوا غير هذا الجو العنيف فتتم تنشئتهم الا وفقاً للدماء والقتل ومن هنا
يستوجب على اجهزة اعلامنا الخاص والعام المسموع والمرئي ضرورة الاهتمام بهذه
القضية وتفعيل برامج ترفيهية وتربوية ونفسية لإعادة النفوس البريئة الى طبيعتها
ومحاولة نسيان الشهور الدموية التى سبب فيها اللانظام من كوارث ومصائب فى بلادنا
.. كما ان على المؤسسات التعليمية ان تعيد تنظيم برامجها التربوية وعدم استخدام
القسوة أو الضرب فى التعامل مع التلاميذ واعطاء الحرية فى النقاش والحوار
والتعبير وسد العجز والتقصير الاعلامي فى هذا الصدد .. كما يتطلب من الاخصائيين
النفسيين والاجتماعيين القيام بدورهم فى هذه الفترة المهمة والصعبة بعد تحرير
كامل تراب الوطن العزيز على أمل ان يعيش أطفالنا البراءة والحب والأمان وأن نبني
دولة الحرية والمؤسسات ونتسابق مع الزمن للعمل والبناء والعيش الكريم .
________________________
* بحث مقدم من الخبير الإعلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق