دأب فريق
من الناس على إبداء استياءهم من تفاعل بعضنا مع قضايا المسلمين مسوغين هذا
الاستياء بضرورة حصر الاهتمام بالشأن الليبي في هذه الآونة!!. وقد التقيت في
زيارتي إلى بلادنا الحبيبة مؤخرا بقريب لي فتجاذبنا أطراف الحديث في مواضيع شتى،
فاندفع يهاجم بحدة مسألة مساعدة بلادنا للسوريين بالسلاح حين تطرقنا إليها مع أنها
انبثقت من إشاعة لا يُعرف إن كانت صحيحة أم كاذبة، فقلت له: على رسلك يا أخي، لو
أن بني آدم جميعا تبنوا منهجك في التعامل مع إخوانهم وأخواتهم في الإنسانية، أو
في الدين، فحصروا مساعدتهم وحديثهم على مواطنيهم فحسب لما كنت تستنشق نسيم الحرية
اليوم.
لقد هبت
دول عديدة فمدت يد العون لشعبنا حين قام بثورته ضد أبشع استعمار حل ببلادنا، منها
تونس وقطر والسودان، فهل كنا نستطيع دحر الهالك القذافي لولا عون الله ثم عون
إخواننا وأخواتنا من هذه الدول وغيرها؟
تأملوا ما
ذكره ربنا سبحانه وتعالى في سورة الروم: { الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي
أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ
سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ (4) } فقد بين ربنا سبحانه وتعالى كما ذكر ابن كثير رحمه الله أن
المؤمنين فرحوا بنصر أهل الكتاب على الوثنيين لأنهم أقرب إليهم. كذلك يُفهم من
تلك الآية أن المؤمنين بالرغم من آلامهم وجراحهم وهم يواجهون صلف وطغيان قريش
إذذاك كانوا متابعين ومتفاعلين مع القضايا التي تدور في عالمهم، فما بال بعض
إخواننا لا نكاد نسمع لهم صوتا ودماء إخوانهم وأخواتهم في الدين تسيل كما يحصل في
سوريا؟
إنني أسأل
أصحاب التفكير الضيق من المنادين بحصر الاهتمام بالشأن الليبي هذا السؤال: ماذا
نفعل مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح:( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد
بعضه بعضا)؟ فهل كان المقصود بالمؤمن هنا المؤمن أينما كان أم المؤمن اللذي يعيش
في بلدك ويحمل جنسيتها فحسب؟ إن الآيات والأحاديث التي تسوق معنى التعاون والتآزر
بين المؤمنين كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
كاد
السلطان العظيم نور الدين محمود رحمه الله، والذي تشرفت الشام بحكمه لها أن يهلك
بعد أن امتنع عن الطعام إلا ما يقيم الأود بسبب حزنه وألمه لاحتلال دمياط من قبل
الصليبيين، ولم يهنأ له عيش إلا بعد خروجهم منها، وكان السيد محمد رشيد رضا رحمه
الله، صاحب مجلة المنار في أحزان متواصلة بسبب مآسي المسلمين في مناطق العالم،
أما كتابات الشيخ السوري على الطنطاوي رحمه الله فكانت تعنى بأزمات كل المسلمين
حتى لكأنه من كل بلد خاض في شأنها، فإذا تعرض لقضية فلسطين حسبته فلسطينيا وإذا
كتب عن الجزائر ظننته جزائريا وهكذا مع بقية الدول الإسلامية.
إن كثيرا
ممن يصدرن ضجيجا و يرددون كلمات تعكس رغباتهم في حصر الاهتمام بالشأن الليبي هم من
الفارغين الذين يشغلون أوقاتهم بكثير من سفاسف الأمور، وقديما قالوا إن الطبول
الأشد قرعا هى الطبول الأكثر فراغا.
إن من
واجبنا نحن معشر الليبيين الوقوف مع الشعب السوري أكثر من أي شعب آخر، فقد تعرضنا
لإرهاب طاغية قاس شبيه بطغيان وإجرام
الإرهابي بشار أسد، وسبرنا غور قسوة الظلم وألم الاستبداد، وجربنا مثل التعذيب
الوحشي السادي الذي تمارسه عصابات أسد ضد الشعب السوري الأبي، وكان عدد من
الطيارين السوريين ضمن من سخرهم الطاغية الهالك في محاولة قمع ثورة فبراير
المباركة حين تفجرت، بيد أن الله أفشل مسعاه، وخيب ظنه. علينا أن نخرج في مظاهرات
ضد سفارتي روسيا وإيران اللتين تساعدان نظام بشار مساعدة جوهرية. هاتان الدولتان
كلتاهما كانت من أكثر المساعدين لنظام الهالك القذافي. لا يعني هذا أن نتجاهل
أوضاع بلادنا الحرجة، ولكن تخصيص وقت قليل للتفاعل مع المذابح التي يتعرض لها أهل
سوريا لن يؤثر في تعاملنا مع أوضاع بلادنا.
وتأملوا
كيف يتعاون الظالمون، فيقاتل جنود جمهورية إيران مع عصابات الإرهابي بشار أسد لقمع
وذبح أهل سوريا:
ومع هذا
نجد من بين الجاهلين المضللين من يصرون على تجاهل جرائم إيران ويصفون من يكشفون
تورطها في المذابح التي تجري لأهلنا في سوريا والتي تقشعر منها أبدان الأسوياء من
البشر بالفتانين!، فلعنة الله على الظالمين الكاذبين.
إن
الراغبين في حصر الاهتمام بالشأن الليبي لا يدركون أن هزيمة الطغيان هو هزيمة له
في كل مكان وانتصاره يشكل تهديدا لكل محبي العدل والسلام في كل مكان. إني أهيب
بالأخوة الكاتبين أن يتفاعلوا مع مأساة أهل سوريا، وليعلموا أن تفاعلهم مع الملف
الليبي لا يسقط عنهم المسؤولية في عمل ما يمكن عمله تجاه قضايا المسلمين و قضايا
البشر الأخرى.
على المرء
أن يسعى إلى الخير جاهدا *** وليس عليه
أن تتم المقاصد
سالم بن
عمار
Suhyb11@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق