على الرغم من الحضر الجوي وتجميد أرصدة العقيد ما زال إمداد جنوده بالوقود، وتزويده بالمرتزقة مستمراً، وتسليحه بالآلات الحربية بطرق ووسائل شتى مما أطال في عمر الأزمة، وأسال كثيرا من الدماء.
وعلى الرغم من المجازر والمذابح إلى يرتكبها العقيد وكتائبه الأمنية التي يديرها أبناؤه فإنّ محاولات إنهاء الصراع وحله سياسياً، وإيجاد تسوية "سلمية" لذلك النزاع تساوي .
بين الجلاد والضحية تحت شعار " من أجل وقف نزيف الدماء"، أو إخراج ليبيا من أزمتها التي وضعها فيها العقيد القذافي، وذلك بعد أن أصبحت الحرب بين الثوار وكتائب القذافي في كر وفر وتأخر الحسم فيها لا تعتبر مبادرات مؤهلة للنظر فيها فضلا عن قبولها
وإن الشعب الليبي اليوم يدرك تماماً أنه صاحب حق وقضية، وأنه لن ينتصر ما لم يمتلك عناصر القوة والمبادرة، ويحقق مكاسب على الأرض ترجح كفته، ويكتسب بها المزيد من التأييد والاعتراف بحقوقه ومشروعية مطالبه، والمزيد من الدعم الإقليمي والدولي.
ذلك أن الثورة الضعيفة تتعرض للاستنزاف، ومحاولة سرقتها، ومحاولة خفض سقف مطالبها المشروعة، أوتحويل مسارها أوالتحكم فيه بما يخدم مصالح أطراف خارجية صاحبة نفوذ وراغبة في السيطرة.
وفي هذا الإطار نرى أن من مظاهر القوة وعلاج ظواهر الخلل، وعدم الاختلاف، والظهور بمظهر التماسك مع وحدة الرأي والاجتهاد، والثقة المتبادلة ما بين المجلس الوطني الانتقالي وبين أفراد الشعب، ما يلي :
1:-المجلس الانتقالي وتقرير المصير:-
أمام المجلس مهام جسيمة، وواجبات كثيرة، وما لم يفوض المجلس بعض صلاحياته، ويرتب أولوياته، ويحسن وضع آلية شورية لصنع القرار داخله فإنه سينهمك في زحمة من الأعمال والتكاليف الآنية في وطن محطّم منهك تستنزفه حربٌ دائرة رحاها، أضف لذلك إشكالية تضارب الآراء التي قد ينتج عنها ضعف آخر في الأداء مما يعطي إشارات سلبية للمراقبين تعرقل التعاطي الدولي مع المجلس ولجانه المختلفة وبالتالي قد تؤثر على الاعتراف به دولياً، وتشكك في قدرته على إدارة المرحلة، كما أنَّ هذا الضعف يتيح فرص استغلاله أو احتواه، أو إيقاعه في مسلسل من التنازلات لا دخل له فيها ولا ذنب.
فعلى سبيل المثال إن صحت الراوية التي تحمّل جرائم العقيد في تفجير الطائرة الأمريكية، أو تسليح الجيش الايرلندي - وهي أمور غير مستبعدة بالنظر لطبيعة هذا النظام الإرهابي - فلا مجال هنا للضغط باتجاه تقديم تنازلات أو تعويضات عن ذلك من قبل المجلس الوطني الانتقالي، و لا ينبغي النظر في هذه الملفات أساساً في ظل قيام المحنة وسقوط الضحايا بشكل يومي واستمرار نزيف الدم الليبي، وهذا موقف إنساني وأخلاقي ابتداءً.
أما على مستوى الحل السياسي للأزمة فإن مسألة عدم بقاء القذافي أو أحد أبنائه في السلطة هي مسألة محسومة لدى الشعب الليبي، ولا مجال حتى لمناقشتها، وكذلك الحال بالنسبة للمجلس الوطني الانتقالي أيضاً، وقضية تقديمها أو تأخيرها في شروط الحوار بواسطة وسيط لا يغير من قناعات الشعب ولا من تجاوب المجلس، ولهذا فالعمل على تفكيك السلطة في ليبيا أقوى من اشتراط تنحيه لإحداث حراك، وإعطاء صورة ايجابية عن المجلس، فإن تقديم اشتراط فك الحصار عن المدن المحاصرة، وإخراج الدبابات منها ووضعها في حراسة آمنة تحت إشراف دولي ، وكفالة التظاهر السلمي كفيل بإسقاط العقيد القذافي وتنحيه، ويكون الشرطين السابقين المرحلة الأولى من الحوار.
2-المجلس العسكري وضرورة التنسيق والتسليح:-
لا يزال أمر تسليح الثوار ملحاً لتعديل كفة الثورة، ومواجهة الآلة العسكرية لمرتزقة القذافي لكن الدعاية المضادة، ووقوف بعض الدول ضد هذ التسليح أحال دون وصول الأسلحة المكافئة للعدو، وجعل قضية حسم المعارك لصالح الثورة يتأخر ويتأخر معه تحرير باقي المدن، ولهذا لا يكفي مجرد انتظار الموافقة إذ نحن في ظروف استثنائية وعلى المجلس البحث عن قنوات بديلة، وعن تجار السلاح وعلى المرونة في ذلك مع تغيير كلمة تسليح الثوار إلى تسليح الجيش، وضم الثوار إلى الجيش الليبي وإيجاد آلية تنظيمية لذلك على أن تكون له قيادة خاصة به، بإشراف المجلس العسكري وموافقة المجلس الانتقالي، فهذا يبعث رسائل اطمئنان ويدل على حسن التنظيم والانضباط.
ويساعد في عملية تبديد المخاوف والسرعة في تسليح الجيش الوطني خروج بيان من الجماعة الإسلامية المقاتلة"لاختلافها عن منهج القاعدة" تؤيد فيه الثورة، وتعلن عن رغبتها في المشاركة السياسية بعد رحيل القذافي، حفاظاُ على تراب الوطن وتحقيقا لدولة الاستقرار والدولة المدنية التي يتساوى فيها جميع المواطنين.
ذلك أنه ما لم يتحقق الانضباط، ويبتعد عن الاجتهادات الفردية، والتحلي بالمسؤولية الجماعية فإن أوصال الوطن معرضة للتقطيع والانقسام، كما أن حالة الفوضى أخطر من الاستبداد، والانضباط عواقبه رحيمة، ولا يأتي إلا بخير.
3- الإعلام ورسالة المرحمة:-
بدئت ثورتنا بالسلم فحولها العقيد إلى الدم من أجل إجهاضها وتشويهها، وخلف في عهده ثارات وعداوات ونزاعات أراد أن يتركها خلفه، فما أجمل أن نختمها بالسلم ونجعلها ثورة مرحمة نحاول بها حقن الدماء، ووقف النزيف، وقطع الطريق عن إشعال الحرب الأهلية وإن كانت بعيدة، وهذا يتطلب إعطاء فرصة لمن هم حول القذافي في ضمان سلامتهم كجزء من عملية إنهاء الأزمة على أن يتخلوا عن العقيد ويوقفوا أنهار الدماء ويحفظوا الوطن من التآمر.
يتطلب من الإعلام مخاطبة المدن والقرى التي مواقفها غير واضحة، أو متخوفة من الثورة نتيجة التوجيه والدعاية المضادة فهولاء بحاجة إلى إذاعات موجهة تشرح لهم ثورة التحرير بأنها لا تدعو إلى التقسيم ولا إلى الثارات إنما جاءت لتحرر الشعب من الاضطهاد والاستعباد والظلم، وتحتاج إلى شعراء الثورة وأدبائها وإلى أعيان وشيوخ القبائل ليحثوا على الانضمام لهذه الثورة.
البيانات الإعلامية تشمل أيضاً المرتزقة الذين تم القبض عليهم بحيث يتم تجميعهم بحسب الدولة التي أرسلتهم وإظهارهم إعلامياً في حلقات تشكل ضغطاً إعلامياً على حكوماتهم، وتصنع رأياً عاماً في دولهم توقف إمداد العقيد بهؤلاء المرتزقة وتهددهم بالمقاضاة الجنائية.
رحمة الله على الشهداء وعلى الباغي تدور الدوائر.
مصطفى الرعيض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق