الجمعة، 25 ديسمبر 2020

الدكتور ونيس المبروك : رأي في أزمتنا

 



أزمتنا في ليبيا لها أسباب !
ما نراه في بلادنا من صراع سياسي، وانقسام جهوي، وتصدع اجتماعي ، وانفلات أمني ،وسرقة للمال العام ، وسفك للدماء ...، ليست أسبابا للأزمة والمرض بل هي ( أعراض ) !
والطبيب الحاذق ينشغل قليلا بتخفيف الأعراض والمظاهر، ولكنه يبذل الجهد،كل الجهد لمعرفة ( أسباب المرض ) والجراثيم التي تسببت في هلاك وإنهاك المريض، وضعف وظائف الأعضاء،
لا أحد ينكر وجود قضايا هي محل تنازع بيننا ؛كالخوف من سوء توزيع الثروات، والعدالة في توزيع الفرص، وتعدد الآراء حول أشكال الحكم، وغير ذلك
ولكن أزمتنا الكبرى - في تقديري - هي أزمة تدّين، وخلق، ووعي .!
لو كان لدي السياسيين الذين ابتُليت بهم البلاد ،تدين وخلق ووعي،( و لا أُعمم ) لما جلبوا لوطنهم وأهلهم هذا التردي والفساد، ولما ساد بينهم العداوة والبغضاء والأحقاد.ولاستطاعوا بالحوار الصادق والتغافر والتنازل إنقاذ سفينة الوطن من هذا الطوفان
لو كان لديهم تدين وخلق ووعي( ولا أُعمم ) لما شاع بينهم الكذب والافتراء والتزوير لأجل تشويه الخصم كسبا لجولات سياسية، ولما شاع بينهم السرقة والنصب والمحسوبية لأجل الاكتناز، ولما صنعوا من حولهم جوقة من المطبلين أو صبيان من المغارف التي يلتقطون بها المال العام حتى لا تتسخ أيديهم ، ولما تسابقوا وسارعوا في العمالة وبيع سيادة أوطانهم لأجل موطء قدمٍ على سدةِ حُكمٍ هش.
لو كان بين الأزواج تدين وخلق ووعي ، لما تجبّر الزوج وطغى ، أو تنمر واستعلى، وأهدر حق زوجته وأرحامه، ولما نشزت المرأة وتمردت وخانت أمانة زوجها ، وحق أولادها.ولم عق الولد أمه وأباه، وتنكر للحضن الذي رعاه!
لو كان بين التجار وأصحاب المال تدين وخلق ووعي، لما شاع بينهم نقض العقود ، وخيانة الأمانة، واليمين الكاذبة، واحتكار السلع ، وغبن المشتري، ومطل الديون ، ...
لو كان لدى الكتائب المسلحة المليشيات تدين وخلق ووعي، لما استهانوا بدماء المخالفين، واستحلوا أموال الناس، واستكرهوا صناع القرار على ما يريدون، واتخذوا من سلاحهم وسجونهم مطايا لكنز المال وترهيب الرجال!
كفانا كذبا على أنفسنا، وخداعا للناس ! فالحقيقة المرة - كما يقال -خيرٌ من الوهم المُريح .
أزمتنا ليست في أن تكون ملكي أو سبتمبري أو فبرايري ، أو تكون مدخليا أو إخوانيا أو صوفيا، أو تكون برقاويا أو طرابلسيا أو فزانيا، فهذه كلها حقائق مُرة على الأرض وواقع سيء نعيشه، ولكن آثارها السيئة هي ( عَرضٌ ) لمرض دفين متفاقم ، كمن يحس بحرارة المريض فيظن جهلا أن مرضه هو ( ارتفاع الحرارة ) ويغفل أو يتغافل عن الجراثيم التي تنتهك خلايا جسده، وتلحق العطب بأعضائه الداخلية
أمراضنا نحن الليبين هي في التدين المغشوش، والجهل المركب ، والوعي الزائف ، ونسيان الموت والقبر والحساب الطويل ، وإهمال تربية البيوت ، وسوء الخلق ، وضعف المروءة .
تستطيع أن تؤيد سبتمبر أو فبراير، وتحتفظ بذلك كرأيٍ ترى صوابه، وترجو ثوابه، ولكن مع تقوى الله وحسن الخلق لن تجعل ذلك أصلا للولاء، أو سببا للبراء، ولا مادة دائمة للعداء.
تستطيع أن تكون برقاويا أو غرباويا أو فزانيا ، وتحتفظ بحبك للأقليم الذي ولدت فيه، وتتغنى بأطلاله وأفنانه، وتحرص على نفع أهله، وازدهار مؤسساته، ولكن مع تقوى الله وحسن الخلق لن تكون جهويا ضيقا متخلفا تنخر الجاهلية قلبك وتعطل عقلك،وتدور مع قبيلتك حيثما دارت، وتربط رشدك وغيك بما تراه قبيلتك ولو كان ظلما و باطلا، كقول ذلك الجاهل
ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّة إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ ! !
تستطيع أن تكون مدخليا أو إخوانيا أو صوفيا، وتقلد مالكا أو الشافعي ، ولكن مع تقوى الله وحسن الخلق والوعي ، لن تُفسق وتبدّع أخاكَ على زلة، أو تخرجه من الملة، لأنه خالف فهمك، ولم يقل برأيك، أو عارض مذهبك ولم يعجب شيخك.!
كونوا شجعانا عقلاء ، وتعاونوا على تقويض أسباب المرض، عندها ستذهب الأعراض،
هذه قاعدة قرآنية جامعة ، وسنة ربانية ماضية ، قال تعالى " إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم "
أي : لن تتغير الأعراض ما لم تتغير أسبابها .
وإذا أمضينا العمر في التذمر من أعراض المرض ، ولعن مظاهره، والتفنن في وصفه ، فإني أخشى أن ينقلب ذلك المسلك مرضا آخر ، وهو اليأس والقنوط وسوء الظن والاكتفاء بلعن الظلام والظلَمة ، فلا الظلام اندثر ولا الظالم ازدجر.
.
Like
Comment
Share

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق