الخميس، 25 أكتوبر 2018

كواليس الساعات الاخيرة قبل خطاب الرئيس التركي الطيب اردوغان حول تفاصيل جريمة مقتل جمال خاشقجي






     لمــاذا توجهت مديرة CIA ليلة البارحة على عجــل إلى تركيا وقبل ساعات من إلقاء أردوغــان خطابه الذي أنتظـره العالم صباح اليــوم ؟

بينما كان العالم يترقب خطاب الرئيس التركي رجب أردوغــان ، أعلنت واشنطن أن مديرة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية جينا هاسبل توجهت على عجــل إلى أنقرة وقبل ساعات قليلة من الخطاب المرتقب ، الأمر الذي يشي بأن هناك شيئا مهما ربما يعرضه أردوغــان على العالم سوف يجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مـوقف محرج لا يحسد عليه داخليا ، وهـو أمام إستحقاق مصيري بعد قرابة الأسبوعين موعد إنتخـابات التجديد النصفي في 6 تشرين الثاني 2018 ، وبالتالي أرسل مديرة إستخباراته لعقد تفاهم معه .



قبل 24 سـاعة من خطاب أردوغــان المنتظر ، حصل تطور لافت في تسريبات قضية خاشقجي ، عندما عمدت السلطات التركية إلى تـزويد شبكة CNN بصور ومقاطع فيـديو تبيّن حركة أحــــد أفراد كتيبة الأعـدام الخمسة عشر منذ دخوله السفارة حتى رجوعه للفندق الذي حجز فيه ، وهـو مصطفى مدني الذي مثّل دور خاشقجي لإثبات خروجه من القنصلية السعودية بإسطنبـول .
هذه المقاطع أثبت إلى حـد كبير مصداقية التسريبات التركية لوسائل الإعـلام بأنها تعلم كل شيء ، ووثقت كل شيء بالصـوت والصورة ، وأنها وحـدها من تملك الزمان الذي تحدد فيه متى تنشـر غسيل المجرم الحقيقي .
مستشـارو ترامب نصحـوه بأن إنتقال التنسيق الإعلامي للتسريبات التركية لوسائل الإعلام ، من قناة الجزيرة ( تسريب إقليمي ) إلى شبكة CNN ( تسريب عالمي ) سيجعله في موقف لا يحسد عليه داخليا ، لأن الشبكة الإعلامية الأمريكية الشهيرة محسوبة على أنها العـدو الإعلامي الداخلي الأول ضـده ، وأنها قد تؤثر على الإنتخـابات القادمة ، بل قد يمتد أثرها المدمّر على الإنتخـابات الرئاسية خريف 2020 ، حيث سيكون ترامب أمام الناخب الأمريكي متواطئا مع بن سلمان بالدفاع عنه والتغطية عليه .

لذلك أُسنـدت النصيحة له بأن أردوغــان عازم على كشف المستور يوم الثلاثاء ( أي بعـــد ساعات ) وإذا لم تسارع إلى التنسيق المباشر معه فسـوف تكون الخاسر الأكبر ، الأمر الذي دعاه إلى إرسال مديرة إستخباراته جينا هاسبل على عجــل لأنقرة لتقدم عرضـا مهما على الأتراك مختصرهنحـــن بتنا متأكـدون بأنكم تملكون خيـوط الجريمة كاملة ، ولديكم تصـورا واضحا وكاملا عن مقتل خاشقجي ، ونحن واثقون أنكم لا تـريدون ســوى رأس عدوكم محمد بن سلمان ، فما رأيكم أن نساعدكم بذلك ؟
الأمريكان قالوا للأتراك بأن القصة الكاملة للجريمة ليست كاملة التفاصيل كما يتصـورون ، لسبب بسيط وهو أن الجريمة حقيقة لم تبـدأ من إسطنبول ، بل بدأت من واشنطن ومن السفارة السعودية فيها .
حيث وثّقت المخابرات الأمريكية تسجيلات هاتفية بين كـــل من السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان وبدر العساكر مدير مكتب محمد بن سلمان في الرياض ، وبين خالد بن سلمان والعقيد ماهر مطرب المنسق الأمني للعملية ( وهو منسق إستخباراتي لأمن بن سلمان ) ، وبـذلك تكون الحلقة المفقودة في جريمة مقتل خاشقجي قد إكتملت ، بتفسير كيفية إستدراجه لإسطنبول بدفع من خالد بن سلمان شخصيا ، وهو ما يـريده أردوغان لضرب سلمان بولديه المحبوبين لقلبه محمد وخـالد وبالتالي إسقاطهما نهائيا .


لكن ماهـو المقابل الذي تريده الولايات المتحدة ؟
على أردوغــان أن لا يكشف في خطابه الحقيقة الكاملة ويكتفي بتأكيد التسريبات الإعلامية بشكل رسمي ، ويفتح النافذة للملك سلمان لخلع ولده ، وخـلال إسبوعين يقوم ترامب بتصعيد الهجوم على القيادة السياسية للسعودية ، وهذا ما بـدى جليا اليوم ، حيث لم ينتظر ترامب ســوى ساعات معدودة ليخرج للعالم ويقول :
أن السعوديين فقدوا ثقتي لأنهم خـدعوني وضلّلوني ، ولن أتستر عليهم بعـــد اليوم ، وسأترك أمرهم للكونغرس ليحدد مصيرهم .
تـــرامب يريـد حفظ ماء وجهه أمام الناخب الأمريكي وليس العالم ، فالعالم لا يهمه البتّة ، ويـريد أن يثبت أن دفاعه عن بن سلمان كان دفاعا عن مصالح الولايات المتحدة الإقتصادية والإستراتيجية ، وليس بهدف التغطية عليه ، والدليل عندما إنكشفت الحقيقة له تركه للكونغرس ليقرر تبعات هذه الجريمة على الرياض  .
ولكي تكتمل الحبكة لإنقـاذ سمعة ترامب ، فقد صرّح قبل قليل : سأتحدث عما حصل لخاشقجي بعد عودة الفريق الأمني من تركيا وعلى رأسه مديرة وكالة المخابرات المركزية .. ماذا يعني هـــذا ؟
هـــذا يعني أن ترامب يهيئ الناخب الأمريكي لإخـلاء ذمته من دعم بن سلمان ، ويقول لهم سوف أنتظر الفريق المخابراتي عندما يعود من تركيا ، أي أن هجومه على بن سلمان المرتقب سيكون مبرره أن مديرة CIA جاءت بالحقائق الكاملة والصادمة من أنقرة ووضعتها أمام الرئيس الذي ضلّله السعوديون .
وعنـدما يقول ترامب قبل دقائق : بأن من فكّر وخطط لقتل خاشقجي هو في ورطة كبيرة ؛ فالرجـل يقصد بن سلمان لا غيره ، حيث نلاحظ أنه يساير الرئيس أردوغان حول شخصية ( المخطط ) وليس (
المنفذ ) ، فالمخطط هو المجرم الحقيقي المطلوب للعدالة ، وليس المنفذ الذي هو مجـرد أداة تنفيذ فقط .
ترامب وعبر مديرة السي آي آيه جينا هاسبل تعهد لأردوغـان بأن يشترك معه في إسقاط عدوه بن سلمان ، ليس حبا في الرئيس التركي ولكن خوفا من سقوطه وسقوط الحزب الجمهوري في الإستحقاقات الإنتخابية القادمة .
أردوغــان بدى هادئا اليوم وواثقا من نفسه من أن عـدوه اللدود بن سلمان سـوف يسقط سقوطا مروّعا بيد حليفه الأمريكي ، ويكون بذلك حقق رغبته في خلع هذا المجرم المارق ، وأرغم حليفه الأمريكي على تقدير قيمة أنقرة مرة أخـرى كلاعب إقليمي هام ومؤثر .
ترامب لن يستطيع التلاعب مع أردوغــان هذه المرة ،  لأن كل أوراق اللعب ببساطة من يملكها هو الرئيس التركي لا سـواه ، وإن فكر ترامب اللعب بذيله فإن أنقرة قادرة على فضح المستور .
منــذ الليلة وحتى عشية إنتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة في 6 تشرين الثاني 2018 بإمكانكم عُدّ أيام بن سلمان وأخيه التافه خالد .

بقلم جــــواد الكاظم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق