الأحد، 19 نوفمبر 2017

ابن بنغازي : أين غابت براءة الطفولة ؟




مساء الخميس 16نوفمبر 2017م ما بين الساعة العاشرة والعاشرة والنصف ليلاً برحبة العجلات خلف محطة بوكر بطريق الساحل الشرقي لمدينة بنغازي ومن أمام سكناهم الآمن، يلهو ويلعب الأطفال في ضوء القمر الساطع بعد نهاية أسبوع دراسي مزدحم.
كانوا يتراشقون بألعاب وضعوها بأيديهم البريئة، كانوا يتقافزون ويتسابقون في متعة وحبور وسرور!! وفي غفلة من القدر سُحِب الطفل الرشيق بأيدي الغدر والخيانة؛ وسلبوه من طفولته البريئة.
خطفوه في لحظة صمت رهيب وغيّبوه عن عيون أقرانه من الأطفال الذين كانت عيونهم شاردة في لعبة    "الغميضة".

القصة..
وكأن على رؤوسهم الطير سرح المجرمون بالطفل عبدالرؤوف ذو الأعوام الثمانية إلى عالم مجهول، وطفقوا يساومون ذويه بحفنة من الدنانير الفانية حتماً في المخدرات وحبوب الترامادول والخمر  والمجون في بلد قالوا إنها آمنة؛ والآمان براء منها فالحرب والدمار والقتل ورائحة الدم والموت والخطف تحوطها من كل جانب، ولا سماع لغيرها من عبارات الأمل والحياة.
أين أنت أيها الرؤوف المغَيِّب في دهاليز الميليشيات التي لاهم لها إلا جمع المال المغصوب ...غبت يارؤوف
عنّا كما غاب وجه مدينتي بنغازي عن أبصار محبيها ...اختفيت يارؤوف مثلما اختفت بنغازي التي كانت عاصمة ثقافة ليبيا، وأصبحت كومة من التراب والعظام والجثث، تلوثت برائحة السبغ النتنة، وتحطم صرحها الثقافي وطُمِستْ معالمها الثقافية والعلمية، وأصبحت أثراً بعد عين.
غبت يارؤوف كما أندثرت بنغازي عن الخارطة الجغرافية للعالم فأصبحت مخلفات ومجاري وظلام دامس، تحيطها عفونة الروائح الكريهة من كل أركانها.
غبت يارؤوف عن عين أمك التي كنت لها البؤبؤ والأمل المشرق لها.
غبت يارؤوف وتسلسل أصدقائك من الأطفال إلى بيوتهم خلسة!  ليحتموا بأمّهاتهم وأحضان جدّاتهم ودفء إخوتهم خوفاً من سارق براءة الأطفال.
توقفوا وامتنعو كل أقرانك عن اللعب وتغيبوا عن الذهاب لدروسهم كاحتجاج صامت عن تغييبك القسري.
لم يعد لبنغازي وجه مشرق، ولا آمان حتى للكبار الذين دُفنوا بمكبات القمامة في رحلة الموت العمد، والأطفال الذين غيّبوا داخل دهاليز ميليشيا حمزة (أو حمزه الميليشياوي) التي تشير أصابع الإتهام لتلك
العصابة المجرمة المحترفة للسطو، والذين أكلوا الأخضر واليابس من مخرونات الشركة الليبية للتنمية (شركة خاصة) فأين وجدوا شريعة الاغتصاب والخطف والقتل والتشريد ونهب البيوت وتغييب البشر.
متى تعود أيها المغيِّب لأحضان أمك ويلتئم شمل عائلتك الصغرى والكبرى ويعود الفرح والسرور ...
متى تنقشع هذه الغمامة السوداء التي حلّت على أسرة وديعة هادئة ومطمئنة ...
متى يعود أطفال الحي لتلك السويعات المسروقة من عمر الزمن الدراسي المزحوم، لتعم الفرحة كل أهل الحي والإنسانية قاطبة.

متى تعود ونرى قوافل الموت قد اندحرت من المدينة، وأصبحت بنغازي سراييڤو الجديدة وقد دُفِنت أحزانها في باطن الأرض، لتكفّ عنّا هذه الزلازل المخيفة ولنا لقاءٌ... يارؤوف.


ابن بنغازي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق