السبت، 7 أكتوبر 2017

السنوسي بسيكري : جونسون وسرت الليبية ودبي الجديدة

  

جدل ملتهب في دهاليز السياسة البريطانية، على أثر تصريح لوزير الخارجية بوريس جونسون، حول مدينة سرت التي تتوسط الساحل الليبي.

فقد وظف خصومه داخل الحزب الذي ينتمي له وخارجه عبارته المتعلقة بجثث القتلى في معارك سرت ضد تنظيم الدولة للنيل منه، إلى حد مطالبة رئيسة الوزراء تيرزا ماي، بإقالته.


فقد تحدث جونسون عن تطلع رجال أعمال بريطانيين للشراكة مع المجلس البلدي سرت للاستثمار في المدينة، وأن سرت مؤهلة لتكون دبي جديدة.

وقال، على سبيل الدعابة ربما: "وذلك بعد أن يتم نقل جثث القتلى".

لكن الأهم من الجدل حول سخرية المتحدث بالنسبة لنا نحن الليبيون، هو أسباب إقحام مدينة سرت دون غيرها في حديث جونسون، الذي تحدث ليس بصفته قائد الدبلوماسية البريطانية، بل بلسان القيادي في حزب المحافظين، حيث إن التصريحات جاءت في مؤتمر لهم.

زار بوريس جونسون ليبيا مرتين خلال العشرة أشهر الماضية، وقام بتسييل مبلغ 3 مليون جنيه إسترليني هبة من الخارجية البريطانية للمساعدة في تفكيك الألغام التي تركها تنظيم الدولة في سرت.

بمعنى أن التصريح سبقه اهتمام من وزير الخارجية البريطاني، ولهذا دلالاته التي ربما يكون منها ما يلي:

سعي الخارجية البريطانية بقيادة جونسون لإظهار دور ملموس لبريطانيا في محاربة تنظيم الدولة والمساعدة في التخفيف من المعاناة التي خلَّفها.

سعي جونسون -كونه من أكبر الداعمين للخروج من الاتحاد الأوروبي- لإعادة تموضع بريطانيا في المنظومة الإقليمية والدولية وليبيا مجال حيوي للاستثمار وبناء الشركات الاقتصادية.

ويمكن أن يفهم الحديث عن الاستثمار في سرت في إطار خطط التعويض عن الخسائر المتوقعة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

الموقع الجغرافي الذي تتمتع به سرت، فهي مطلة على البحر وتمثل أهم ممرات الجنوب، وقريبة من المخزون الاستراتيجي للنفط الليبي وما يطلق عليه حوض سرت.

ليس الموقع الجغرافي الاستراتيجي وحده مبرر الاهتمام البريطاني بسرت، بل كونها بعيدة عن دوائر التجاذب الأوروبي خاصة بين القطبين الإيطالي والفرنسي.

إذ تهتم إيطاليا بالعاصمة ومدن الغرب، بينما تركز فرنسا على الجنوب وتمد يدها للشرق، وتسمح المساحة الشاسعة لليبيا والتباعد الجغرافي بين مدنها لأن يكون لبريطانيا موطئ قدم في منطقة استراتيجية.

أنا من أنصار مقاربة التعافي والنهوض المجزأ، ولو على مستوى الخدمات الأساسية. ولو نجحت كل منطقة أو مدينة في إيجاد توافقات يترتب عليها انطلاقات إيجابية تتعدى الجانب الخدمي فهذا أفضل.

وكنت قد كتبت مقالا عن مقاربة المدينة الدولة "City State" بمعنى تركيز كل مدينة على نفسها بقوة للخروج من الشرنقة، على أن لا يغذي المقاربة نزوع مناطق أو جهوي أو قبلي متطرف.

ولا بأس من أن تفتح المدن ومجالسها البلدية الأبواب على الشركات الاقتصادية وتشجع الاستثمار الأجنبي.

في المقابل، فإنني أكرر بأن هذه المقاربة ستكون محفوفة بمخاطر في حال تلبست بنزعة متشددة وانفتحت في مسارها بشكل غير منضبط قد يهدد السيادة العامة ويعيق اللحمة الوطنية.

وإذا وضعنا المصالح الإقليمية والدولية في الاعتبار، خاصة من أطراف لها تاريخ استعماري، وما يزال التنافس بينها قائم، فإن مقاربة المدينة الدولة في ظل ضعف الدولة ومؤسساتها المركزية يمكن أن تقود إلى نتائج أكثر خطورة على المستوى الوطني.

من ناحية أخرى، ومع التأكيد على التطور الذي شهدته إمارة دبي وأهميته في العديد من الجوانب خاصة الخدماتي، ينبغي التنويه إلى سلبيات النموذج البريطاني في الاستثمار، وخلق مناطق النفوذ الاقتصادي، حيث إنها تقود إلى تحميل المدينة تبعات تتعلق بالتركيبة السكانية والتغيير الديمغرافي والتشوه الثقافي والاجتماعي.


عربي21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق