الأحد، 22 أكتوبر 2017

عبدالرزاق العرادي : عندما تتهاوى النخب



كان يطيب لي أن أحتفل بهذه المناسبة على طريقة السعي لتضميد الجراح وتغليب مصلحة الوطن وما قُدر له، والعمل على لملمة الصُّدُوع ومداواة الجراح، وكنت أتمنى أن تجتمع حكمة من جمعتهم لحظة التحرير ومنصته، في مواجهة اختلافات، وطموحات من جاءوا يريدون إصلاح ما فسد، فاتسعت عليهم الخروق.
وصادقا كنت أعول على تلك الحكمة التي جمعتنا ذات عشيات صعاب، أن تنهض بِنَا مرة أخرى، فنجتمع ونعالج للوطن جراحه وما يصلحه من صلح وعفو وجبر ضرر... لكن بعض رفاق المنصة والأيام الطوال اختار طريقا آخر، يعلم الله أن الحكمة ضلت منه، والأخطر أنه جانب الصواب في الرواية بعد أن أضاع صواب الرأي، وصدق من قال إن الحسنة تجر الحسنة، وبضدها تفهم الأشياء وتتميز.
ما صدر عن نائب رئيس المجلس الانتقالي، ونشره على صفحته في الفيس بوك، وتناقلته الناس على نطاق واسع، ثم حذفه ولكنه عاد وتناول بعضه على قناة 218 تحدث خلالها على خفايا خطاب التحرير.
ما تفوه بيه الأستاذ غوقة لا يشوه رواية التاريخ، ولا يغير الحقائق فحسب، وإنما فيه افتراء بين على شخصي، وكذب صراح على أعضاء كثير من أعضاء المجلس الوطني الانتقالي، بمن فيهم رئيسه المستشار مصطفى عبد الجليل، الذي أدعوه لشهادة سأدعوه لمثلها عند اجتماع الخصوم بين يدي رب العباد، وأظنه يعرف ما في كتمان الشهادة، وأعيده بالله من إثم القلب.
ما وقع في المجلس الوطني الانتقالي وما يشهد عليه أعضاؤه، وأرجو من اطلع منهم على هذا الكلام أن يشهد بما علمه الله، وما حضر بنفسه، أو سمع من الثقاة من الأعضاء الحاضرين. ما حدث هو: أن اللجنة السياسية بالمجلس الوطني الانتقالي كلفت بإعداد إعلان التحرير برئاسة الدكتور فتحي البعجة، وقد أعدت اللجنة بيانا يليق بالمناسبة، وقد تضمن رسائل مهمة عن الدولة التي يحلم بها الليبيون، وكانت صياغاته موفقة إلى حد بعيد، وتمت تلاوته داخل الاجتماع الذي كان بفندق الفضيل بمدينة بنغازي ونال إعجاب جميع الأعضاء الحاضرين، وكنت ممن وافق على هذه الكلمة.
فوجئنا في المجلس بأن المستشار مصطفى عبد الجليل قال إن لديه كلمة أعدها، ويريد أن يتلوها على مسامع الليبيين، وذكر مستشارا قانونيا يدعى طارق الوليد قائلا إنه أعانه على إعداد الكلمة قبل أشهر من التحرير.
لا علم لي بكلمة المستشار ولا بمحتواها ولا بما كان ينوي الأستاذ مصطفى قوله حتى سمعته كما سمعه الشعب الليبي، ولو حصل كلام بيني وبين الأستاذ غوقة حولها فلا يخرج عن كونه نقاش قبل القرار، أو دعوة للتوافق ما بين إصرار المستشار ورغبة المجلس وليس عبر مؤامرة لم توجد إلا في ذهن غوقة، والله شهيد على ما أقول.
الأعضاء رفضوا موقف الرئيس المستشار عبدالجليل، إلا أنه أصر على موقفه، واقترح اسم مسؤول الدائرة المالية والنفط علي الترهوني لقراءة البيان، المُعد من اللجنة السياسية ونال موافقة أعضاء المجلس، وهو ما رفضه الأعضاء قائلين إن البيان يجب أن يقرأ حرفيا من رئاسة المجلس، ثم اتفقوا على أن يقرأ البيان الأستاذ عبدالحفيظ غوقة نائب رئيس المجلس.
على منصة التحرير بدأ المستشار مصطفى عبدالجليل بإلقاء كلمته، وبعد مضي ما يقارب الساعة والنصف من بداية الحفل، وصل الدور إلى الأستاذ عبدالحفيظ غوقة، وما هو إلا أن وصل إلى مكان المتحدثين حتى علت الهتافات ضده، وحاول جاهدا، وحاولنا معه إسكات الجماهير، لكن الأمر خرج عن السيطرة، وانقطع الصوت وقرأ غوقة البيان من دون أن يسمعه الناس في المكبرات إلى ما يقارب نهاية الكلمة "خطاب التحرير".
كنت طيلة وجود عبدالحفيظ غوقة على المنصة أقف خلف ظهره، وكنت كغيري من الحاضرين شعلة من الحماس، والنشاط والفرحة تغمر من في ساحة الكيش ببنغازي، كما تغمر كل ليبي آمن بالثورة، وناهض نظام القذافي.
ليست قصة الجماهير مع غوقة وليدة تلك اللحظة، ولا توقفت عندها؛ فقد بدأت قبل ذلك باعتصام في بنغازي مطالبة باستقالة غوقة من المجلس، وكان حيثما حل يلاحقه الهتاف، والاتهام بالتسلق، وعدم الإخلاص، وانتهت بالإعتداء عليه بالضرب في جامعة بنغازي ثم إضطراره لاحقاً للإستقالة، ويعلم الله كم عانيت من الدفاع عنه وكم نالني من قالة السوء جراء وقوفي إلى جانب الرجل، والسعي إلى تأويل ما يتهم به.
ليس لي حساب مع السيد غوقة لأصفيه، وليست هذه مناسبة لتصفية الحساب معه، ولكني لم أستطع الكف عن الوقوف في وجه ما ساقه على صفحته في الفيس بوك، قبل أن يختفي من الصفحة، أو يحصر الدخول عليه على أصدقاء الصفحة فقط، وما قاله الليلة على قناة 218.
لم يعد يعنيني نسبة الصفحة إليه؛ فما نال الحقيقة، من ذلك المنشور غير الصحيح، أكبر مما نالني ومما يمكن أن ينال السيد غوقة.
لقد انتشرت تلك الأباطيل التي سيقت في التدوينة، وهي إساءة إلى مرحلة اشتركنا جميعا في صواباتها، وأخطائها، والأولى حفظها صحيحة للأجيال، خصوصا، وأن شهودها ما زالوا بحمد الله أحياء.
إن حفظ الحقيقة المجردة للأجيال عن تلك المرحلة الفاصلة من عمر ليبيا، هو ما سيغفر لنا الأخطاء التي وقعنا فيها، عن جهل، وعن تغافل أحيانا، وعن مطامع في أحيان أخرى لدى بعضنا.
أما صياغتها بأثر رجعي على طريقة الإعلام الأصفر، وعلى وقع نشيد الساعة المفضل؛ من سب لاتجاه سياسي معين، أو ركوب موجة تشويه لفكر بعينه، أو تسويقا لعودة حكم الفرد من جديد، فذلك ما يجب أن نربأ بأنفسنا عنه، حتى لا تندم الجماهير مرتين؛ مرة لأنها سمعت منا يوما، ومرة لأنها قبلت أن تسمع منا مرة ثانية.
لقد مضى على الحادثة ست سنين كتب فيها الكثير، وتحدث فيها كثيريون، فما الذي أخر زميلانا السابق عبدالحفيظ غوقة كل هذه المدة عن أن يقول ما يراه حقيقة؟ ولماذا سكت في الجو الثوري الذي كان سائدا يومها، ولم يعلم الناس بما كان؟

لا أظن أنه سكت جبنا، حاشى، وكيف يخاف من مثلي، وأنا لا حول لي ولا قوة! ولا سكت طمعا في، وليس لدي مناصب أوزعها، أو مغانم أفيده منها. أتمنى ألا يكون سكت انتظارا لموسم رواج النيل ممن يظنهم خصوما سياسيين بغير حق، ليته صمت، فذاك أولى من النطق بالبهت والكذب والإفتراء ... لكن.. وعند الله تجتمع الخصوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق