السبت، 28 يناير 2012

الدكتور: مصطفى محمد ذياب بن غربية : لا سياسة إلا ما وافق الشرع

إن النظم والقوانين التي تدار بها شؤون الدولة إذا كانت متماشية مع مبادئ الشريعة الإسلامية العامة ومحققة لمقاصدها وأهدافها تعتبر هذه النظم والقوانين والأحكام الإسلامية وسياسة من سياسات الإسلام التشريعية ، لذا فلا يشترط أن تبرز بالتفصيل الأمور التي تدار بها شؤون الدولة في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) بل يكفي أن تكون هذه الأمور متفقة مع مقصد الشارع ومتشمية مع الروح الشريعة الإسلامية الغراء فالأمر يعتبر من قبيل السياسة الشريعة حتى ولم يرد تفصيلا في كتاب الله أو سنة رسوله طالما كان متماشيا مع روح الشريعة ومقاصدها وغير مناقض لنص شرعي أو أري أمر أريد به أن يكون تشريعا عاما للناس في كل زمان مكان . 

ولكن الممنوع وغير المعترف به هو ما كان مخالفا لروح الشريعة الإسلامية ومقاصدها أو مناقضا لنص صريح من نصوصها التفصيلية التي أريد بها أن تكون تشريعا عاما للناس في كل زمان ومكان . 

قال ابن عقيل : 

(السياسة الشرعية هي ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول لم ينزل به الوحي ) إن القول بأنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع لا يتعارض مع القول السابق الذي يفيد أن السياسة الشرعية هي الأمور التي تدار بها شؤون الناس المحققة لأهداف الشريعة ومقاصدها المتفقة مع روح الشرع البعيدة عن مخالفة نص من نصوصه في أمر يراد به أن يكون تشريعا عاما للناس في كل زمان ومكان حتى ولو كانت هذه الأمور لم ترد تفصيلا في الكتاب والسنة . 

نعم إن القول بأنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع لا يتناقض مع قولنا السابق لأنه إن أريد بموافقة الشرع أي نزول ذلك الأمر تفصيلاً في الكتاب أو السنة فهذا القول غير مسلم به لأنه ورد عن صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والأمثلة على ذلك كثيرة ، فهذا أبوبكر الخليفة الأول لرسول الله يجمع القرآن في مصحف واحد ولم يعتبر أحد من المسلمين سابقاً أو حاضراً أن ما فعله أبوبكر فيه مخالفة للدين أو حدثا لشئ ليس من شريعة الإسلام، وعمر ابن الخطاب الخليفة الثاني لرسول الله ينشئ الدواوين ونظام الجيوش والخراج ولم يعتبر كل ما أحدثه عمر من هذه النظم والتشريعات مخالفا لشريعة الإسلامية بل عمر قرر حرمان المؤلفة قلوبهم من سهم الصدقات مع أن هذا السهم قد قرر لهم في القرآن في قوله تعالى :- (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم .....) فلم يقف عمر عند حرفية النص بل راعى سره وحكم روحه وترك الأخذ بمظاهر النص وقرر أن الآية التي فرضت نصيبا لهؤلاء المؤلفة قلوبهم لم تفعل ذلك ليتخذ شريعة عامة يعمل بها في كل حال وزمان بل كان ذلك لحكمة خاصة وسبب لم يعد قائما بعد في أيامه رضوان الله عليه وأرشد إلى هذا عمر بقوله (إن الله قد أعز الإسلام وأغنى عنهم) فعمد رأي أسهم المؤلفة قلوبهم قد أوجبه الله تعالى لحاجة المسلمين إلى من يعضدهم وينصرهم فإذا صار المسلمون في قوة وعزة وزال المعنى الذي من أجله وجب ذلك السهم كان للإمام أن يصرفه عن أولئك المؤلفة قلوبهم غلى ما هو أجدى على المسلمين وأنفع ، وليس معنى هذا إبطال سهم المؤلفة قلوبهم رأسا بل أن أمره يدور مع ذلك السبب وجودا وعدما . 

وهذا عثمان بن عفان يأمر بإحراق المصاحف المنتشرة في الآفاق وجمع الناس على مصحف واحد فما نقل عن عثمان الخليفة الثالث لرسول الله يفهم منه أنه أمر بعمل في ظاهره مخالفة لما ورد عن رسول الله ولم يعتبر ما فعله عثمان أمراً غير مشروع ، وما فعله في ضالة الإبل لم يسر على ما كان عليه العمل من قبل إذ كانت ضالة تترك مرسلة لا يمسها أحد حتى يعثر عليها صاحبها وقد ورد في الصحيحين عن زيد بن خالد قال :- جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسأله عن اللقطة فقال:- (عرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ، قال فضالة الغنم ؟ قال هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال فضالة الإبل ؟ قال مالك ولها ؟ معها سقائها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها) فلم يقف عثمان عند حرفية النص بل خالفه ظاهرا لأنه رأى أن الحال قد تبدل وأن الحديث قد ورد في عهد ما كان يخشى فيه على ضالة الإبل أن تضيع وتمتد إليها الأيدي فلما رأى هذه الأيدي قد امتدت إليها أمد بجمعها وبيعها ليحظ بثمنها لأصحابها أو ينتفع به في المصالح العامة إن لم يظهر لها صاحب ، فعثمان رضي الله عنه إذا كان قد خالف في الظاهر هذا الحديث فهو في الواقع وحقيقة الأمر عمل به متمسك بروحه من حيث أن ذلك العارض الذي خاف معه على الإبل الضالة قد اختلف به الحديث . 

أما إذا أريد بأن لا سياسة إلا ما وافق الشرع أي موافقة روح الشرع ومقاصده العامة ومبادئ الشريعة الكلية وعدم المخالفة لنص من نصوصها التفصيلية التي يراد بها التشريع العام للناس في كل مكان وزمان إن أريد بموافقة الشرع ذلك الاحتمال بأن تكون الأحكام الجزئية متفقة مع روح الشريعة ومقاصدها ومحققة لأهدافها وأن تكون مع هذا كله غير مناقضة أو مخالفة صراحة أضمن لنص من نصوص الشريعة الذي يراد به التشريع العام للناس فهذا القول نحن نسلم به وهو قول صحيح ومستقيم تؤيده الشريعة نفسها ويشد له عمل الصحابة والخلفاء الراشدون والأئمة المجتهدون . 

أما إن أريد أن لا سياسة إلا ما وافق الشرع أنه هو ضرورة وجود الأحكام والنظم بتفاصيلها في النصوص الكتاب والسنة فهذا قول مردود غير مسلم به إطلاقا لأنه يشترط أن ينص على الجزئيات في مصادر التشريع الأصلية كتاب الله وسنة رسوله إذ ليس بمعقول لأن الوقائع بين الناس غير متناهية ونصوص الشريعة متناهية ومحال أن يقابل مالا يتناهى بما يتناهى. ولا مراد بأن كل ما يشترط في العقود مثلا يكون باطلا متى كان غير وارد في كتاب الله ، وقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (ما كان شرط ليس في كتاب فهو باطل ولو كان مائة شرط الخ ) رواه البخاري. 

معناه أن الشرط لا يعول عليه وهو باطل إذا كان يخالف كتاب أي ما كتبه الله شريعة للناس ، وذلك الشرط يلحق ضررا بالمشروط عليه أو يحل حراما أو يحرم حلالاً ، (فالمسلمون على شروطهم إلا شرط حرم حلالاً أو أحل حراماً) وأبطل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما اشتر أهل بريدة عند بيعها لعائشة رضي الله عنها من أن يكون ولاء بريدة لهم بعد أن تعتقها عائشة فقد اشترطوا شيئا يخالف شريعة الله التي قررها رسوله في قوله (إنما الولاء لمن أعتق) رواه البخاري ،والاحتجاج بأن رسول الله في قوله أبطل الشرط الذي لا يوجد في كتاب ويقصد من كتاب الله أنه القرآن احتجاج غير سليم فليس المراد بكتاب الله هنا هو القرآن بل المراد به ما كتبه الله على الناس من أحكام الشريعة قرره عليهم وشبيه بذلك قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وقوله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) وبعد أن ذكر المحرمات من النساء قال تعالى (كتاب الله عليكم) لم يرد بالكتاب هذا القرآن وإنما أراد حكم الله تعالى فإن الكتاب ينصرف على وجوه منها الحكم والفرض . 

وجملة القول: أنه لا يصح في تصرف من التصرفات أو حكم من الأحكام التي تسن لتحقيق مصلحة عامة أن يقال أنه مخالف للشريعة بناءً على ما يرى فيه من مخالفة ظاهريه لدليل من الأدلة بل يجب تفهم هذه الأدلة وتعرف روحها والكشف عن مقاصدها وأسرار التشريع فيها والتفرقة بين ما ورد على سبب خاص وما هو من التشريع العام الذي لا يختلف ولا يتبدل فإن مخالفة ولا يتبدل فإن مخالفة النوع الثاني هي الضارة المانعة من دخول التشريع في ظل محيط المشروعية في الشريعة الإسلامية . 

فإسم السياسة الشريعة التي يمكن تحديد إطارها بأنها هي جميع الأعمال إدارية وقضائية داخلية وخارجية وكل ما يستخدم من قانون تدار به المرافق العامة للدولة بإسم السياسة الشرعية يعبر النظام أو التشريع أو العمل مشروعا ما دام يحقق العدل بين الناس ويجلب المنافع للأمة ويدفع عنها المفاسد ولا يصطدم حقيقة نص من كتاب أو سنة يحوي تشريعا عاما دائما لكل زمان ومكان وما يوفي بهذا الغرض من قانون أو نظام هو ما يسمى سياسة شرعية ومرجع دخول هذه الأمور في دائرة المشروعية هي أنها من حيث لشكل نظم وقوانين تعالج موضوعات ليست دائمة وليست داخلة تحت إطار التشريع العام بل هي أحكام خاصة بأعمال تختلف باختلاف العصور والأحوال ولا يوجد لها نص حقيقي من الكتاب أو السنة أو الإجماع وليس لمحلها نظير نقيسه عليه سبق فيها الحكم من رسول الله وتعتمد المشروعية في هذه الأمور على قواعد رفع الحرج ورفع الضرر والحكم بالعدل والعمل بمبادئ سد الذرائع والاستصحاب والاستحسان ومراعاة العرف والمصالح المرسلة وبذلك يستطيع التشريع الإسلامي مسايرة التطورات الاجتماعية والسياسة والاقتصادية والقدرة على الوفاء بمطالب الحياة وتحقيق مصالح الأمة في كل حال وزمان على وجه متفق مع المبادئ العامة في الإسلام . 

المفكر والكاتب الإسلامي الدكتور: مصطفى محمد ذياب بن غربية

هناك تعليق واحد:

  1. قالوا نريدها اسلامية قلنا وهل نحن كفار!! قالوا نريدها اسلامية قلنا ولكن نحن مسلمون قالوا ولكننا نريدها اسلامية قلنا الاسلام هو المصدر الاساسي للدستور اصرو وقالوا اننا نريدها اسلامية قلنا ولكن نحن شعب مصلي محافظ بالفطرة لم يسمعونا وقالوا نريدها اسلامية قلنا بناتنا محجبات ولا تجد منا من تسافر من غير محرم الا ماندر مازالوا يقولون نريدها اسلامية قلنا الخمر حرام ونحن ضد ان يكون الخمر مباح مازالوا يصرون نريدها اسلامية قلنا لا يوجد ملاهي ليلية ولا اماكن رسمية للدعارة تجاهلونا وقالوا نريدها اسلامية قلنا نحن اكثر بلد فيه حفظة لكتاب الله اممممممممم اسلامية هنا قلنا هل تريدونها اسلامية ام تريدوا ان تحكمونا باسم الاسلام؟؟!!!

    ردحذف